هل لدى القاعدة إنسانية؟ وهل تؤمن أصلا بأهمية الإنسان وقيمة حياته وأمنه وسلامته؟ وهل تفرق ــ ضمن خطابها وعملياتها ــ بين إنسان مسلم وإنسان غير مسلم؟ وهل تلتزم بالنصوص الشرعية التي تدعي أنها تمثلها وتنقاد لها؟
كل هذه الأسئلة وعشرات أمثالها تنساب إلى ذهن كل متابع لعمليات القاعدة وجرائمها في حق الإنسانية في شرق العالم وغربه وفي جنوبه وشماله، وهي أسئلة مشروعة دون شك خصوصا أن هذه العمليات لا تقع في العراء ولكنها تنفجر في وسط البشر وتأخذ أرواحهم باسم الله والدعوة إلى الحق والجهاد في سبيل الله!
عندما نرصد ضحايا القاعدة نجد أنها قتلت من المسلمين أكثر بكثير ممن قتلتهم من غير المسلمين هذا في المستوى الأول، وفي المستوى الثاني نجد أنها قتلت من المدنيين العزل أطفالا وشيوخا ونساء أكثر مما قتلت من العسكريين، وهكذا فهي بعملياتها تعاكس المنهج الشرعي الذي تطرحه في خطابها الديني الذي تبرر به أفعالها البشعة.
عندما يحرم الله قتل النفس بإجمال فإن القاعدة تقتل النفس بإجمال، وعندما يقول الحديث: «لئن تنقض الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من إراقة دم مسلم» نجد القاعدة تفتك قتلا بالمسلمين قبل غيرهم، وعندما نجد القرآن يقول عن الرسول الكريم «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» نجد القاعدة تقول إنها إنما تتحرك وتعمل لتكون وبالا للعالمين وتدميرا لهم، وعندما نجد الرسول الكريم يقول: «وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» نجد القاعدة تقول اقتل وفجر ودمر من عرفت ومن لم تعرف، وحين يأتي الأثر بـ «بذل السلام للعالم» فإن القاعدة تبذل الخراب والدمار والعنف للعالم، وعندما تجيء النصوص بتحريم الكذب فإن القاعدة تكذب وتزور وتعد هذا من أبرز أساليبها ووسائلها وهو ما كان يتعفف عنه حتى رؤوس قريش في الجاهلية حين قال أبو سفيان: «فو الله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت»، وعندما يكون النص صريحا بأن «المسلم لا يغدر» فإن القاعدة تجعل الغدر منهجا لها في كل عملياتها وأسلوبا ثابتا من أهم أساليبها وآلياتها، ورغم هذا كله فإن القاعدة تستمر في طرح نفسها كحركة دينية تهدف لخدمة الإسلام وهي تعاكس كل مبادئه ونصوصه.
وأكثر من هذا فحين تكون الضروريات الخمس التي جاء الإسلام بالحفاظ عليها والتي يقف على رأسها الحفاظ على الدين والنفس والمال، فإننا نجد القاعدة تشوه الدين وتنتهك النفس بالقتل والإيذاء وتفسد المال بالتدمير.
ربما كان الكثيرون يدركون ما تقدم مجموعا أو مفرقا، وهذا واضح وجلي، وربما لا يحتاج لأكثر من التذكير به، ولكن ثمة أقوالا ومواقف للقاعدة وقادتها وقادة جماعات الإرهاب والعنف الديني تثير السخرية المرة والضحك المبكي على طريقة ما يعرف في الفن باسم «الكوميديا السوداء».
تحدث ابن لادن في خطابه قبل يومين عن ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي العالمي الذي تشهده الأرض وعرج في حديثه على المتضررين من إعصار كاترينا، ومن قبله تحدث نائبه الظواهري عن الأمر ذاته، والمثير للسخرية هنا هو أن ابن لادن يسعى هو وقاعدته بشتى السبل لتملك تقنية تمكنهم من الوصول بعملياتهم إلى قتل عدد أكبر من قتلى إعصار كاترينا وجميع المصائب المناخية التي جرت على وجه الأرض.
تناقلت بعض وسائل الإعلام وعلى رأسها الشروق المصرية في الأسبوع الماضي وصية لعبود الزمر أحد قادة تنظيم الجهاد في مصر والمسجون منذ عملية اغتيال الرئيس المصري السادات والذي كان العقل المدبر لتلك العملية، وقد سمى الزمر وصيته بـ «ماقبل الخاتمة» ومما جاء فيها توبته من التدخين وتوبته من تشجيع النادي الأهلي وتوبته من الأحكام التي أصدرها بمعاقبة بعض الجنود حين كان ضابطا!
ما يتصل بسياقنا هنا هو ندمه الشديد على ما وصفه هو بقوله: «كنت أجرب بعض الأسلحة أثناء وجودي على الجبهة فصوبت تجاه عدد من القطط فقتلت بعضها وكان من الممكن أن أصوب على قطعة من الخشب أو علبة من الصفيح أو نحو ذلك ولكني ندمت بعد ذلك حين طالعت حديث (دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هى أطعمتها ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض) فكيف بمن قتل عدة قطط.. ففزعت لذلك ثم تبت إلى الله وأسأل الله أن يتقبل ويعفو ويصفح، وأناشد الشباب والكبار الرحمة بالطير والحيوان (ففي كل كبد رطبة أجر) .. ولقد حذر الشرع من اتخاذ ذوات الروح غرضا يرمونه وهو ما يحدث دائما عند الأطفال حيث قد يربطون قطا أو يعلقون عصفورا ثم يتبارون فى إصابته بالنبل أو البنادق الرش».
وعجبا، فهو قد تاب من أشياء صغيرة جدا تؤرقه كالتدخين وتشجيع الأهلي وقتل القطط، ولكن المضحك المبكي في سياقنا هذا هو أنه لم يتب من اغتيال السادات ومن قتلتهم عملياته غير السادات، ليبدو الإنسان وكأنه أحقر مخلوقٍ يتعامل معه هؤلاء!
في كتابه «أيمن الظواهري كما عرفته» يذكر منتصر الزيات أن الظواهري في بدايات حياته كان يرى أن «المصارعة الحرة» رياضة غير إنسانية وعنيفة!
لدى كل إنسان نوازع للخير ونوازع للشر، تجتذبه هذه تارة وتلك تارة أخرى، وكلما استطاع الإنسان توسيع نوازع الخير وتكثيرها والتركيز عليها في حياته كلما ازداد إنسانية ورقيا، وكلما سعى الإنسان في توسيع نوازع الشر والخضوع لها والتصرف على أساسها كلما اقترب من الوحشية والعنف، ولدى قادة القاعدة وعناصرها هذه النوازع بصنفيها، ولكنهم اختاروا عن وعيٍ وتصميم أن ينحازوا لنوازع الشر وأن يقدموا لها كل ما تحتاجه من تبرير شرعي، وأن يعضدوها بخطط تنفيذية عملية لا تترك محرما شرعيا وإنسانيا إلا انتهكته وقضت عليه.
لقد قتل تنظيم القاعدة الآلاف في شتى بقاع الأرض، ولم يزل حتى اليوم مستمرا في ذات الفعل الشنيع، ولم يطرف لأتباعه جفن ولم يحسوا بتأنيب الضمير على الأرواح التي أزهقوا والأموال التي أهدروا والدين الذي شوهوا، بل إنهم في كل عام يزدادون غيا وانحرافا وعنفا..
ليس هذا فحسب، بل إن مما يثير السخرية والكوميديا السوداء هو أن القاعدة بوصفها تمثيلا لأيديولوجيا السلفية الجهادية قد تخلت عن بعض أصول هذه الأيديولوجيا العقدية والمتمثلة في العلاقة مع الشيعة، فنجد القاعدة على عكس الأيديولوجيا تتحالف في أكثر من مكان في العالم مع بعض الدول الإقليمية التي تزعم تمثيل الشيعة، وهذا التحالف مبني على السعي لمزيد من الإرهاب والعنف والتخريب، لتضيف لتناقضاتها المثيرة للسخرية والكوميديا السوداء مشهدا آخر لا يقل عما سبق ذكره.
هؤلاء المجرمون يقتلون البشر بالآلاف مسلمين وغير مسلمين ثم يأسون لقتل القطط والطيور!، ومن لم يقتلوه أصابوه بعاهات مستديمة، وهم يأسفون على رياضة المصارعة الحرة لأنها في نظرهم رياضة عنيفة، ويكفرون بعض الفرق الإسلامية أيديولوجيا ثم يتحالفون معها لمصلحة التخريب والدمار، فعن أي دينٍ يتحدثون وبأي أيديولوجيا يبررون، وتبقى الإنسانية هي أكبر ضحاياهم.
Bjad33@gmail.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 250 مسافة ثم الرسالة
كل هذه الأسئلة وعشرات أمثالها تنساب إلى ذهن كل متابع لعمليات القاعدة وجرائمها في حق الإنسانية في شرق العالم وغربه وفي جنوبه وشماله، وهي أسئلة مشروعة دون شك خصوصا أن هذه العمليات لا تقع في العراء ولكنها تنفجر في وسط البشر وتأخذ أرواحهم باسم الله والدعوة إلى الحق والجهاد في سبيل الله!
عندما نرصد ضحايا القاعدة نجد أنها قتلت من المسلمين أكثر بكثير ممن قتلتهم من غير المسلمين هذا في المستوى الأول، وفي المستوى الثاني نجد أنها قتلت من المدنيين العزل أطفالا وشيوخا ونساء أكثر مما قتلت من العسكريين، وهكذا فهي بعملياتها تعاكس المنهج الشرعي الذي تطرحه في خطابها الديني الذي تبرر به أفعالها البشعة.
عندما يحرم الله قتل النفس بإجمال فإن القاعدة تقتل النفس بإجمال، وعندما يقول الحديث: «لئن تنقض الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من إراقة دم مسلم» نجد القاعدة تفتك قتلا بالمسلمين قبل غيرهم، وعندما نجد القرآن يقول عن الرسول الكريم «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» نجد القاعدة تقول إنها إنما تتحرك وتعمل لتكون وبالا للعالمين وتدميرا لهم، وعندما نجد الرسول الكريم يقول: «وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» نجد القاعدة تقول اقتل وفجر ودمر من عرفت ومن لم تعرف، وحين يأتي الأثر بـ «بذل السلام للعالم» فإن القاعدة تبذل الخراب والدمار والعنف للعالم، وعندما تجيء النصوص بتحريم الكذب فإن القاعدة تكذب وتزور وتعد هذا من أبرز أساليبها ووسائلها وهو ما كان يتعفف عنه حتى رؤوس قريش في الجاهلية حين قال أبو سفيان: «فو الله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت»، وعندما يكون النص صريحا بأن «المسلم لا يغدر» فإن القاعدة تجعل الغدر منهجا لها في كل عملياتها وأسلوبا ثابتا من أهم أساليبها وآلياتها، ورغم هذا كله فإن القاعدة تستمر في طرح نفسها كحركة دينية تهدف لخدمة الإسلام وهي تعاكس كل مبادئه ونصوصه.
وأكثر من هذا فحين تكون الضروريات الخمس التي جاء الإسلام بالحفاظ عليها والتي يقف على رأسها الحفاظ على الدين والنفس والمال، فإننا نجد القاعدة تشوه الدين وتنتهك النفس بالقتل والإيذاء وتفسد المال بالتدمير.
ربما كان الكثيرون يدركون ما تقدم مجموعا أو مفرقا، وهذا واضح وجلي، وربما لا يحتاج لأكثر من التذكير به، ولكن ثمة أقوالا ومواقف للقاعدة وقادتها وقادة جماعات الإرهاب والعنف الديني تثير السخرية المرة والضحك المبكي على طريقة ما يعرف في الفن باسم «الكوميديا السوداء».
تحدث ابن لادن في خطابه قبل يومين عن ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي العالمي الذي تشهده الأرض وعرج في حديثه على المتضررين من إعصار كاترينا، ومن قبله تحدث نائبه الظواهري عن الأمر ذاته، والمثير للسخرية هنا هو أن ابن لادن يسعى هو وقاعدته بشتى السبل لتملك تقنية تمكنهم من الوصول بعملياتهم إلى قتل عدد أكبر من قتلى إعصار كاترينا وجميع المصائب المناخية التي جرت على وجه الأرض.
تناقلت بعض وسائل الإعلام وعلى رأسها الشروق المصرية في الأسبوع الماضي وصية لعبود الزمر أحد قادة تنظيم الجهاد في مصر والمسجون منذ عملية اغتيال الرئيس المصري السادات والذي كان العقل المدبر لتلك العملية، وقد سمى الزمر وصيته بـ «ماقبل الخاتمة» ومما جاء فيها توبته من التدخين وتوبته من تشجيع النادي الأهلي وتوبته من الأحكام التي أصدرها بمعاقبة بعض الجنود حين كان ضابطا!
ما يتصل بسياقنا هنا هو ندمه الشديد على ما وصفه هو بقوله: «كنت أجرب بعض الأسلحة أثناء وجودي على الجبهة فصوبت تجاه عدد من القطط فقتلت بعضها وكان من الممكن أن أصوب على قطعة من الخشب أو علبة من الصفيح أو نحو ذلك ولكني ندمت بعد ذلك حين طالعت حديث (دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هى أطعمتها ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض) فكيف بمن قتل عدة قطط.. ففزعت لذلك ثم تبت إلى الله وأسأل الله أن يتقبل ويعفو ويصفح، وأناشد الشباب والكبار الرحمة بالطير والحيوان (ففي كل كبد رطبة أجر) .. ولقد حذر الشرع من اتخاذ ذوات الروح غرضا يرمونه وهو ما يحدث دائما عند الأطفال حيث قد يربطون قطا أو يعلقون عصفورا ثم يتبارون فى إصابته بالنبل أو البنادق الرش».
وعجبا، فهو قد تاب من أشياء صغيرة جدا تؤرقه كالتدخين وتشجيع الأهلي وقتل القطط، ولكن المضحك المبكي في سياقنا هذا هو أنه لم يتب من اغتيال السادات ومن قتلتهم عملياته غير السادات، ليبدو الإنسان وكأنه أحقر مخلوقٍ يتعامل معه هؤلاء!
في كتابه «أيمن الظواهري كما عرفته» يذكر منتصر الزيات أن الظواهري في بدايات حياته كان يرى أن «المصارعة الحرة» رياضة غير إنسانية وعنيفة!
لدى كل إنسان نوازع للخير ونوازع للشر، تجتذبه هذه تارة وتلك تارة أخرى، وكلما استطاع الإنسان توسيع نوازع الخير وتكثيرها والتركيز عليها في حياته كلما ازداد إنسانية ورقيا، وكلما سعى الإنسان في توسيع نوازع الشر والخضوع لها والتصرف على أساسها كلما اقترب من الوحشية والعنف، ولدى قادة القاعدة وعناصرها هذه النوازع بصنفيها، ولكنهم اختاروا عن وعيٍ وتصميم أن ينحازوا لنوازع الشر وأن يقدموا لها كل ما تحتاجه من تبرير شرعي، وأن يعضدوها بخطط تنفيذية عملية لا تترك محرما شرعيا وإنسانيا إلا انتهكته وقضت عليه.
لقد قتل تنظيم القاعدة الآلاف في شتى بقاع الأرض، ولم يزل حتى اليوم مستمرا في ذات الفعل الشنيع، ولم يطرف لأتباعه جفن ولم يحسوا بتأنيب الضمير على الأرواح التي أزهقوا والأموال التي أهدروا والدين الذي شوهوا، بل إنهم في كل عام يزدادون غيا وانحرافا وعنفا..
ليس هذا فحسب، بل إن مما يثير السخرية والكوميديا السوداء هو أن القاعدة بوصفها تمثيلا لأيديولوجيا السلفية الجهادية قد تخلت عن بعض أصول هذه الأيديولوجيا العقدية والمتمثلة في العلاقة مع الشيعة، فنجد القاعدة على عكس الأيديولوجيا تتحالف في أكثر من مكان في العالم مع بعض الدول الإقليمية التي تزعم تمثيل الشيعة، وهذا التحالف مبني على السعي لمزيد من الإرهاب والعنف والتخريب، لتضيف لتناقضاتها المثيرة للسخرية والكوميديا السوداء مشهدا آخر لا يقل عما سبق ذكره.
هؤلاء المجرمون يقتلون البشر بالآلاف مسلمين وغير مسلمين ثم يأسون لقتل القطط والطيور!، ومن لم يقتلوه أصابوه بعاهات مستديمة، وهم يأسفون على رياضة المصارعة الحرة لأنها في نظرهم رياضة عنيفة، ويكفرون بعض الفرق الإسلامية أيديولوجيا ثم يتحالفون معها لمصلحة التخريب والدمار، فعن أي دينٍ يتحدثون وبأي أيديولوجيا يبررون، وتبقى الإنسانية هي أكبر ضحاياهم.
Bjad33@gmail.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 250 مسافة ثم الرسالة