قرأت المقال الذي نشرته صحيفة المصري اليوم في عددها الصادر بتاريخ 11 فبراير 2010م تحت عنوان «خالد بن سلطان» للصديق الدكتور مصطفى الفقي وكان لابد لي أن أعلق على ما جاء فيه لمعرفتي بالأمير خالد بن سلطان بشكل يختلف عن معرفة الدكتور مصطفى الفقي له فقد اقتربت منه كإنسان بعد تعييني كمندوب دائم لبلادي لدى جامعة الدول العربية منذ خمس سنوات بعد أن تعرفت عليه كمسؤول منذ أكثر من ربع قرن، والحقيقة التي لا تقبل الجدال أن هذا الرجل قد وصل إلى قمة الهرم العسكري بجدارة واستحقاق في المملكة، بعد أن تدرج في الحياة العسكرية منذ نعومة أظافره مارا بكل الرتب العسكرية حتى حصل على رتبة فريق أول، ولكنه لم يصل إلى تلك القمة لأنه نجل ولي العهد ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، فالمجاملة في الحياة العسكرية غير مقبولة بتاتا، لأن قمة الهرم العسكري تعني مسؤولية ضخمة لا يتحملها إلا من كان جديرا بها، ولكنه وصل إليها بعلمه وثقافته وتفوقه والتدريب الشاق الذي تلقاه طوال حياته العسكرية الطويلة والصعبة والتي بدأها في المملكة ثم لندن ثم أمريكا في دراسات ودورات عسكرية شاقة أثبت خلالها أنه جدير بأن يتبوأ أعلى المناصب العسكرية، وعندما حانت لحظة الاختبار الحقيقية الأولى بعد غزو الكويت وعين قائدا للقوات المشتركة أثبت للعالم بأسره أنه كان جديرا بذلك المنصب واستطاع بفضل الله تعالى ثم بفضل مقدرته العسكرية العالية أن يساهم في حماية تراب وسماء المملكة من أي اعتداء، إلى أن تم تحرير الكويت ثم تقاعد لأسباب لا يعرفها إلا القليل من الناس، ولكنه عاد للحياة العسكرية مرة أخرى كمساعد لوزير الدفاع والطيران للشؤون العسكرية وفى خلال سنوات قليلة استطاع بفضل الله أولا ثم بفضل توجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد الأمين يحفظهما الله أن يطور كافة القطاعات العسكرية في وزارة الدفاع والطيران وأن يرتقي بمستوى تدريب الضباط والأفراد إلى مستويات عالمية وبدأ مرحلة جديدة في وضع استراتيجية لتنويع مصادر الأسلحة وكان من حسن حظي أن تعرفت عليه في تلك الفترة لأسمع منه مباشرة عن تطلعاته لتطوير القوات المسلحة والقيادات العسكرية وعرفت أنه لا يقبل المجاملة في هذه الأمور مهما كانت الأسباب، وأنه لا مكان لديه لمن لا يرغب في التطور والالتزام ثم شاءت الأقدار أن تتعرض المملكة للخطر الثاني القادم تجاه حدودها الجنوبية من اليمن الشقيق من جماعة تسمى الحوثيين، وتابعنا جميعا الدور القيادي الذي قام به الأمير خالد بن سلطان لدحر هؤلاء المرتزقة لحماية حدود المملكة من أي اعتداء، وكان يقف بنفسه مع جنوده ليشاركهم في أداء الواجب الوطني وكانت تصريحاته الصحافية صارمة تعكس شخصيته العسكرية الجادة التي لا تعرف التهاون أو التكاسل، وكان واضحا في أحاديثه بشكل مميز ونسب الفضل في ما تحقق لله أولا ثم للقيادة الرشيدة وكان هادئا وصارما وحازما عندما أملى شروط المملكة لوقف القتال واثق الخطوة يمشي أميرا، ولذا استطاع أن يحظى باحترام وتقدير الجميع، ومن بينهم الصديق الدكتور مصطفى الفقي وما لا يعرفه الكثيرون عن خالد بن سلطان الإنسان هو أنه رغم كل ما يظهر عليه من الصرامة والجدية إلا أنه إنسان رقيق يحمل بين أضلعه قلبا رحيما، وقد شاءت الأقدار أن اقترب منه كإنسان لا عرف الزوج والأب والجد والصديق فوجدت فيه ذلك الإنسان المتواضع المحب لعائلته ولأبنائه وأحفاده يحرص على أن يخصص لهم كل ما يتاح له من أوقات فراغه وهي شحيحة ليكون بينهم ومعهم وبقربهم وعرفت كيف أنه لا يرد محتاجا ولا يتأخر عن مد يد المساعدة لكل من يلجأ إليه وهذا ليس بغريب عنه فهو ابن سلطان بن عبدالعزيز الذي لم يقل لا إلا في تشهده ولولا التشهد كانت لاؤه نعم، وكذلك هو محب للثقافة والقراءة والفن والتاريخ ويعشق سماع صوت أم كلثوم والتراث القديم.
ولا يعرف الكثيرون أن هناك مركزا في القاهرة أنشأه الأمير خالد بن سلطان يحمل اسم «مركز خالد بن سلطان»، يقع في قلب القاهرة وهو عبارة عن موسوعة علمية تهتم بكل الأمور السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية والثقافية وغيرها من العلوم وتجدد معلوماتها في يوم 25 فبراير من كل عام وهو تاريخ تحرير دولة الكويت ويقوم المركز بطرح كل ما في هذه الموسوعة على النت لكي يشارك فيها المهتمون كل في تخصصه برأيه ويقوم المركز بالرد عليهم، وللمركز اتصال ببعض الوزارات المعنية في جمهورية مصر العربية وفى هذه الموسوعة أكثر من 2 مليون ورقة يتم تجديدها وتحديثها في كل عام وبه وثائق تاريخية للجامعة العربية وللأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وغيرها من المنظمات العربية والإسلامية والدولية.
وقد قام سموه الكريم بتوثيق تاريخ حرب تحرير الكويت في كتاب مميز أسماه مقاتل من الصحراء يوضح بشكل تفصيلي كل أسرار تلك الحرب والأدوار التي قام بها سموه خلالها دون مبالغة أو تهويل، بل نقل الحقائق مجردة وأعرف أن هناك الكثير من الأسرار التي لا زالت في صدره تئن وتطالبه بأن يفرج عنها ولكنه يأبى ويتحمل هذا العبء الكامن في صدره بصبر وجلد وآمل أن يحين الوقت لكي يعرفها الجميع أما اهتماماته بالكتابة والصحافة فقد انبثقت عنها صحيفة سميت بالحياة يعكس تطورها وتميزها وجديتها الكثير من شخصيته القيادية والجادة والحازمة.
شيء آخر أعرفه يقينا هو أن الأمير خالد بن سلطان يفخر كأي ابن في العالم بأنه الابن الأول وبالتالي يسعده بأن ينادى والده باسمه فيقال لسمو الأمير سلطان «يا أبا خالد»، ولكنه لا ينظر إلى هذا الأمر من هذه الزاوية فقط إنما ينظر إليه كمسؤولية ملقاة على عاتقه لرعاية إخوانه وأشقائه وهو بالفعل يقوم بهذا ويحرص عليه ويسأل عنهم فردا فردا ويتفقد شؤونهم ولا يبخل عليهم بالنصح والعون.
في يوم ما، ارتكب أحد الأصدقاء خطأ غير مقصود وعرفت أن سموه قد غضب عليه واعتقد هذا الصديق أن هذه هي النهاية فضاقت به الدنيا واعتقد أن الطريق أصبح مسدودا فنصحته بالكتابة لسموه ليشرح وجهة نظره بصراحة وتجرد فإذ به يتلقى اتصالا هاتفيا مباشرا رقيقا من سموه الكريم يبلغه فيها بأنه تفهم وجهة نظره وأن الموضوع قد أصبح ماضيا ومنتهيا بالنسبة له بل وهنأه على أسلوبه المميز والمقنع في الكتابة فهل هناك رجل في هذه الأيام في مثل مكانته يقوم بذلك إلا خالد بن سلطان أن هذا الموقف يعكس تواضعه الجم وتفهمه لوجهات نظر الآخرين وتقديره لهم هذا هو خالد بن سلطان الذي لا يعرفه الدكتور مصطفى الفقي ولا يعرفه الكثيرون.
ومن تابعه بعد الأحداث العسكرية الأخيرة لاحظ قيامه بزيارات لأسر الشهداء يحمل أبناءهم ويحضنهم ويخفف عنهم ويلبي طلباتهم في لمسه إنسانية تعكس ما في صدره من حنان ووفاء ورقة.
وهو إنسان محب للخيل العربية الأصيلة ورعايتها وتربيتها وهناك مهرجان سنوي يقام في الرياض يسمى مهرجان الخالدية تقام فيه مسابقات لاختيار أجمل خيول العالم توزع خلاله جوائز مالية قيمة وشاءت الأقدار أن أحظى بدعوة كريمة لحضور هذا المهرجان وشاهدت بنفسي اهتمامات سموه بالخيل وتاريخها وحرصه على حفظ هذا التراث الأصيل.
وهو عاشق لمصر ويحرص على زيارتها أكثر من مرة في العام وعندما يصل إلى شقته المطلة على نهر النيل الخالد يتجه مباشرة إلى تراس الشقة ليلقي نظرة على النيل وترى السعادة في عينه وكأنه يغسل همومه ويلقي أعباء مسؤولياته وراء ظهره وإذا كان الدكتور مصطفى الفقي عاتبا على تأخر مصر في تكريمه فهو بحق يرى أن أي إنجاز يقوم به في حياته العملية لا يستحق أي تكريم، لأنه يعتبر أن ذلك واجب عليه تجاه وطنه أولا ثم تجاه الأمة العربية والإسلامية وتربطه بالرئيس المصري ووزير الدفاع المصري وبكافة المسؤولين المصريين صداقة حميمة يحرص على التواصل معهم بشكل دائم.
ولا أعتقد أنني في هذه العجالة سأتمكن من تغطية كل جوانب هذه الشخصية الفذة ولكنني كسعودي أفخر بأن أرى أمراء المملكة وأحفاد الملك الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مؤسس هذا الكيان العظيم وهم يتولون المناصب القيادية عن جدارة واستحقاق، وأعرف أن جميع السعوديين يشاركونني هذا الفخر والاعتزاز، وخالد بن سلطان هو واحد من هؤلاء المميزين الذين نفتخر بهم بل ويفتخر به كل عربي.
وإذا كانت صداقة الدكتور مصطفى الفقي بالأمير خالد بن سلطان هي مبعث اعتزازه فإنها بالنسبة لي إذا كنت أستطيع أن أقول إنني أحد أصدقائه وأنا لا أجرؤ على ذلك فإنها مبعث فخر وشرف لي وأتمنى أن تدوم هذه الصداقة إلى آخر العمر متمنيا لسموه التوفيق والسداد في كل عمل يقوم به لخدمة ديننا ثم مليكنا ووطننا الغالي.
وأختم مقالي وأقول إن خالد بن سلطان بن عبدالعزيز ينطبق عليه ما قاله الفيلسوف الألماني نيتشه «إن الأقدار تختار التوقيت للأبطال»، فعش يا أبا فيصل مرفوع الرأس كما رفعت رأس كل سعودي.
* المندوب الدائم للمملكة لدى جامعة الدول العربية