-A +A
عبدالله مشهور (جازان)
في ذلك الضحى المغسول برائحة اشجار الجبل وشقشقه طيور هاربة من صمت الاودية كانت ثمة قرية وادعة صغيرة بمركز الموسم تتمطى لاستقبال النهار وبدأت رائحة الطعام تتسلل من فتحات مطابخ البيوت غير ان ثمة رائحة اخرى كانت تكمن في منزل صغير لا تختلف ملامحه عن بقية البيوت.. رائحة لجريمة مقتل طفل لا يتعدى عمره السنتين خنقا على يدي والده.. وتكاملت عناصر الجريمة واصبحت اكثر ايلاما حينما قام الجاني بوضع جثة ابنه في ثلاجة بالمنزل.
انها قصة دراماتيكية اشبه ما تكون بمجريات احداث الافلام التراجيدية ولكن كان السيناريو الخاص بها في دنيا الواقع سيناريو اخرس السنة اهالي القرية الصغيرة فلزموا منازلهم فيما بدأت رنات الهاتف الجوال تتناقل خبر تفاصيل الجريمة.. حيث اختلفت الروايات عن كيفية حدوثها وكيفية العثور على الضحية وفي نفس الوقت فقد شهدت اركان البيوت بكاء نسوة واطفال على ذلك الصغير الذي ذهب في لحظة كان فيها الشيطان حاضرا.

وبدأت الاسئلة تنطلق مغلفة بالعبرات ومسكونة بالدموع هل يعقل ان يقتل اب فلذة كبده مهما كانت الظروف؟
حزن وصدمة
في البداية فإن بعض سكان القرية لم يصدقوا ان «عيسى، ع» قتل ابنه بعضهم اعتقد ان المسألة مجرد شائعة مثل غيرها من الشائعات التي تجتاح القرى ولكن تأكيدات اهل الجاني كشفت الحقائق الدموية وعندها يبست الدموع في محاجر العيون.
وتدثرت القرية برداء الحزن والصدمة خاصة وان الطفل هو وحيد والديه فكيف يجرؤ والده على خنقه ووضع جثته في الثلاجة.
اكتشاف الجريمة
وكان جد الطفل لابيه قد اكتشف ان ابنه قد خنق طفله ووضعه في الثلاجة فقام الجد بأخذ الطفل على أمل ان يتم اسعافه في المستشفى غير ان الاطباء اكتشفوا ان الطفل متوفى فتم وضعه في ثلاجة المستشفى.
رحلة منتصف الليل
ويقال ان والد الطفل كان قد سبق في بعض المرات وأن حاول التخلص من الصغير وذلك حينما انتزعه من أمه واخذه في منتصف الليل وذهب به الى مكان بعيد وتركه لوحده وهو يصرخ ويبكي وكانت والدة الطفل قد ابلغت اخوة زوجها بما اقدم عليه زوجها فقاموا باستدراجه حتى كشف لهم المكان الذي ترك فيه الطفل ولدهشة اعمام الطفل فقد وجدوه محاطا بعدد من الكلاب الضالة وتمت اعادته الى امه وهو يصرخ وينتحب.
وفي مرة أخرى كان الاب قد اصطحب معه طفله الصغير في ساعة متأخرة من الليل الى البقالة بحجة انه يريد ان يشتري له الحلوى وهناك ترك الطفل في احد المحلات وهو يذرف دموعه ويتوسل الى والده ان يأخذه معه غير انه تم اكتشاف مكان الطفل واعيد مرة أخرى الى منزلهم.
تصرفات خاطئة
يقول ابو طالب عم الطفل الضحية ان شقيقه قام بتصرفات خاطئة مع طفله حيث سبق ان وضعه تحت الشمس وهو عار من ملابسه فيما كان الطفل الصغير يصرخ من الالم كما سبق ان حاول التخلص منه بعدة طرق لم تكتب لها النجاح.
وسبق ان حاولنا دعوته لكي يذهب الى طبيب نفساني لعلاجه غير انه كان يرفض الذهاب الى العلاج.
واستطرد انه واخوته سبق وان قاموا باصطحاب الام وطفلها واسكانهما في منزله مع اولاده حتى يرضخ الاب ويذهب الى العلاج غير انه بدأ يتوسل لنا بأنه سوف يذهب الى العلاج اذا أعدنا له طفله وزوجته ولكنه لم يوف بعهده وظل بدون علاج يضع حدا لتصرفاته.
ويضيف عم الطفل الضحية ان ما حدث لا يصدقه عقل مشيرا الى انه كان متواجدا في احدى المناسبات وحينما عاد في حوالى الساعة الثالثة صباحا اتصل به اخوه الاكبر واوضح له ان ابن اخيه مريض في المستشفى ولكن في الصباح اكتشف ان الامر غير ذلك وان الطفل توفي خنقا على يد والده.
وتابع انه ذهب الى مستشفى صامطة العام وطلب من ادارة المستشفى عدم تسليم الجثة لوالد الطفل حتى يتم كشف ملابسات وفاته وعندها اتصلت بشرطة الموسم وابلغتهم لابلاغ المستشفى بعدم تسليم جثة الطفل لوالده غير ان الشرطة حينما اتصلت بادارة المستشفى اكتشفت ان اخي استلم جثة ابنه وعلى الفور انتقلت الشرطة الى القرية وتمت اعادة جثة الطفل الضحية ووضعها في ثلاجة الموتى حتى الانتهاء من التحقيقات وكشف ملابسات الجريمة.
وقال علي ابن عم الاب الجاني: ان ابن عمه ربما حالته النفسية جعلته يكره أقرب الناس اليه وهو ابنه كما انه كثيرا ما كان يفتعل المشاكل مع الجيران، واضاف انه عندما سمع بوفاة الصغير خنقا بيدي والده لم يصدق.
وفي ذات السياق قال والد الجاني ان حفيده الصغير كان محبوبا لديه، واضاف انه حاول كثيرا ان يذهب بابنه الى الطبيب النفسي ولكنه كان يرفض وقد سبق وان استنجد بالشرطة لحمله على العلاج.
واستطرد ان مصيبته كبيرة فقد فقد حفيده فيما اودع ابنه السجن، وكانت شرطة الموسم قد تلقت بلاغا بجريمة القتل فانتقلت فرقة امنية الى القرية التي وقعت فيها الجريمة وتم القاء القبض على الاب الجاني الذي تمت مصادقة اعترافاته في محكمة صامطة حيث اعترف بجنايته وانه قتل ابنه خنقا ووضع جثته في الثلاجة اعتقادا منه ان الطفل لا يحبه وهي كلها تصورات صاغها عقله ولم يكن لها أي مبرر فالطفل صغير وبريء ولكن تدخل الشيطان حسم المسألة وراح الطفل ضحية للحظة جنون شيطاني.
وذكر مصدر في شرطة الموسم ان الاب الجاني اعترف باقدامه على قتل فلذة كبده وانه حسب ما ذكر والد الجاني فانه يعاني من مرض نفسي.
وفي الوقت الذي اوضحت فيه مصادر ان الاب الجاني تم تحويله الى مستشفى الصحة النفسية للكشف عن قواه العقلية فان الحيثيات تشير الى ان الاب لا يعاني من مرض نفسي وليس له ملف في مستشفى الصحة النفسية ورجحت المصادر انه ربما يكون يتعاطى مواد أخرى اوصلته الى الحالة التي هو فيها حسب تأكيدات الشرطة.
معتقدات خاطئة
ومن جانبه قال المدير الطبي بمستشفى الصحة النفسية بالنيابة في جازان الدكتور كمال ابراهيم ابكر ان مريض الفصام العقلي تصاحبه معتقدات خاطئة وافكار تجاه الآخرين كأن يعتقد انهم لايحبونه ومثل هذه الافكار غير مبنية في الواقع على أسس صحيحة وكلها شكوك واعتقادات خاطئة.
واضاف بشكل عام هناك بعض الاشخاص يدمنون المخدرات التي يصاحبها هي الاخرى معتقدات خاطئة، وتابع ان الفصام العقلي لا يخرج عن شيئين هما فصام عقلي او تعاط للمخدرات.. وتابع ان مراجعي الصحة النفسية من المرضى العقليين قليلون جدا وليس كل المرضى في المستشفى يعانون من ازمات نفسية.. وتابع ان تعاطي الممنوعات يجعل الانسان في خارج دائرة التفكير السليم لذا فانه يتوجب على كل اسرة لديها مريض نفسي او ترى فيه تصرفات غريبة ان تراجع به مستشفى الصحة النفسية وفتح ملف له حتى لا تتفاقم حالته وتكون العواقب وخيمة ومأساوية.. وكان رئيس مركز الموسم عليوي العنزي قد تابع مجريات القضية حتى تمت مصادقة اعترافات الأب وايداعه في السجن.