-A +A
سلمان بن فهد العودة

أرى للناس ولعا محمودا في قراءة المقالات المسطورة في الصحف، أو المواقع العنكبوتية، ومتابعتها والتعليق عليها.

والكتابة الأولية، ثم التعليقات التفاعلية ترتقي بمستوى الوعي والاستعداد للحوار والتعايش، والتفاهم بين الناس بما يقرب ولا يبعد، ويجمع ولا يفرق، وينشر الألفة والود.

يالجمال الكلمة الطيبة؛ حين ينساب حبرا مسطورا، مفعما بصادق الإحساس ونبيل الشعور.

بالكلمة تداوى الجراح، وتشبع العواطف، وتطرد الكآبة، وتحل المشكلات، ويربى الذوق، وينشر الخير والبر، وتدعم الأخلاق، ويقام صرح الفضيلة.

ولا غرو إذا أن شبهها الباري تعالى بالشجرة الطيبة، التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

إنها النخلة، كما في الصحيحين، من حديث ابن عمر، والتي سأل عنها النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ وأنها «لا يسقط ورقها، ولا يتحات»

وقال عنها: إنها الراسخات في الوحل (الوحل هو: الطين)، المطعمات في المحل (والمحل هو: المجاعة الشديدة).

وهذا السياق القرآني، والدعم التفسيري النبوي، يبرز أهمية الثقافة المكتوبة ورسوخها وعمقها في التربية، وامتدادها الزمني، وهذا لون من الإعجاز.

فإن التعبير بقوله «تؤتي أكلها كل حين» مشعر بالبقاء التاريخي للكلمة الطيبة المسطورة وغير المسطورة، ولا زال الكتاب يحتفظ بأهميته البالغة، ويخوض المنافسة بجدارة مع الأدوات الإعلامية المؤهلة المتجددة.

والتعبير بقوله «أصلها ثابت» مع ضميمة حديث «الراسخات في الوحل» على شيء من الضعف في إسناده، لكن مثل هذا الباب مما يتسمح فيه؛ لأنه يقرر معنى له أصله، فإن ذلك يدل على عمق ثباتها وتغلغلها في القلوب والعقول عبر الأجيال، وكأنها التربة التي ينزل عليها المطر ؛ فتهتز وتربو، وتنبت من كل زوج بهيج.

بيد أن مقالة واحدة مهما أحكمت؛ لا تعني أن المشكلات انحلت، قد نكتب مقالا عن العنف الأسري، ويظل العنف قائما؛ لأن الأمر يتطلب طرقا متواصلا، وحديثا مستفيضا، وتضافرا في الجهود؛ مابين خطبة ومقالة، ومحاضرة ودراسة، ودورة وبرنامج وبحث؛ ليأتي بعد دور المعالجة العملية عبر اللجان والمؤسسات والأجهزة الرسمية والمدنية، حتى يتم تحجيم المشكلة، وتضييق نطاقها، وإن كان القضاء المبرم عليها أمرا مستبعدا.

وقل مثل ذلك في كل ظاهرة سلبية في المجتمع، أو الإعلام أو السياسة أو الاقتصاد، فكرية كانت أو سلوكية، إن الحديث عنها مرة واحدة لا يكفي، وليس صحيحا أن تطالبني فتاة تعاني ما تعاني من القسوة والحرمان بأن أتحدث عن موضوعها؛ فاعتذر بأنني قد تحدثت عنه!

نعم! تحدثت عنه مرارا، ولكن؛ مقال واحد لا يكفي، وحلقة واحدة في برنامج أو إذاعة لا تكفي، لنتسلل إلى الموضوع من زوايا مختلفة، وبطرائق شتى، ولنوظف الجوانب العاطفية والإقناعات العقلية والشواهد التاريخية والقصص الواقعية؛ لتعزيز قناعات الناس وتوجيه نفوسهم نحو تقبل الحلول، والإيمان بها، والسعي لتعلمها والتدرب عليها.

إن شخصا لم يتعود على «الابتسامة» سيجد مقالات عديدة ونصوصا كثيرة وفضائل؛ تحث على التبسم في وجوه الآخرين، وسيظل خجولا مترددا يحس أنه إذا ابتسم سيكون موضع انتقاد، وسيلاحظ الآخرون أنه غير شخصيته وطريقته، حتى يتدرب على تقنيات الابتسامة، التي أكاد أشبهها بتعلم السباحة، تحتاج إلى جرأة أول النزول، ويصاحبها نوع من الوجل أو التردد، حتى ربما قال: هذا طبعي وجبلتي، ولا يلزم أن يتحقق في الإنسان كل معاني الخير والفضل فهو مما فاتني، مع أنه هنا لن يتكلف مالا ولا وقتا، وسيعالج مشكلات ذاتية تخصه بشخصه، وتؤثر على نفسيته وعلاقته بزوجه وولده وجيرانه ومرؤوسيه.

إن حديث النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ المتفق عليه؛ عن البخيل والمتصدق، وكيف أن البخيل كلما هم بالصدقة تضايقت جبته؛ فهو يريد أن يوسعها؛ فلا تتسع؛ ينطبق على كرم الأخلاق والشمائل سواء بسواء، كما ينطبق على العطاء الحسي.

إن حديثا ولو مستفيضا عن مشكلة لا يعني أنها حلت، ولا أن دورنا في المعالجة قد انتهى، ولحكمة ما صرف الله الآيات في كتابه الكريم؛ ليعتبر الناس بها ويتأثروا.

«ولقد صرفناه بينهم ليذكروا».. صدق الله العظيم.

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 138 مسافة ثم الرسالة