-A +A
حاوره: فهيم الحامد

جزم الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان أن القدرات والمؤهلات التي تتمتع بها المملكة وقيادتها، لا تحمي العرب فحسب، وإنما العالم أجمع، مقرا أن إمكانياتها المتطورة، واستحداثها حوار الحضارات، وتكريس ثقافة التعايش السلمي والاعتدال، عوامل تجعل منها ملاذا لتطلعات الأمة ومخرجا لأزماتها.

وأزجى الرئيس سليمان الشكر لخادم الحرمين الشريفين والشعب السعودي على كل الدعم الذي قدم للشعب اللبناني، خاصة على الصعيد السياسي، مسترسلا: إن المملكة كانت المساهم الأول في تحقيق اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية في أواخر ثمانينات القرن الماضي، واستضافت القادة اللبنانيين آنذاك، وعملت على تقديم وسائل الدعم للاقتصاد اللبناني وللصمود الاقتصادي والاجتماعي للشعب اللبناني.

واستدعى الرئيس اللبناني في حوار مع «عكاظ» من الرياض، المبادرة العربية للسلام التي أطلقها الملك عبدالله في القمة العربية التي انعقدت في العاصمة اللبنانية في العام ،2000 والتي عالجت جميع مزالق مشكلة الشرق الأوسط، بما في ذلك قضية اللاجئين الفلسطينيين، وضمان عدم توطينهم في الدول العربية التي لا تسمح أوضاعها الخاصة بمثل هذا التوطين. ولاتزال هي الفرصة العربية الأخيرة للسير بعملية السلام في الشرق الأوسط. فإلى فحوى الحوار:



• فخامة الرئيس .. تتزامن زيارتكم مع خطاب ملكي هام ألقاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مجلس الشورى. تحدث فيه عن مواقف المملكة وسياستها الداخلية والخارجية، كيف تنظرون إلى مواقف الرياض الداعمة للحقوق العربية المشروعة، وإرساء الأمن والاستقرار في لبنان، وماهي نتائج لقائكم الذي عقدتموه مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز؟

- حقيقة، إن مواقف خادم الحرمين الشريفين كانت ولاتزال عروبية خالصة. والرياض تقف إلى جانب التضامن العربي ودعم وحدة الصفوف، وتكريس المصالحة. وعلى الصعيد اللبناني، فإن الملك يضع لبنان في أولوياته، ولايألو جهدا أن تصبح لبنان آمنة، ومستقرة. ولم يتوان في مساندة بلادنا اقتصاديا في أحلك الظروف التي مرت بها، خاصة في حرب تموز. وعلى المستوى السياسي، انحازت المملكة إلى كل القضايا اللبنانية. ولا يخفى عليكم أن الرياض كانت وراء اتفاق الطائف، فضلا عن أنها ذات إسهامات جوهرية، وإيجابية للغاية في خروج لبنان من الأزمة أخيرا. وزيارتي للمملكة، هي في الأساس لتهنئة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بافتتاج جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. فقد تزامن حفل الافتتاح مع وجودي في الولايات المتحدة الأمريكية، في زيارة رسمية بناء على دعوة من الرئيس بارك أوباما. وبطبيعة الحال، تناولت الزيارة عددا من المواضيع، ما يكتنف العلاقات الثنائية الممتازة بين البلدين على مختلف المستويات، وفي شتى المجالات، خاصة وأن المملكة لم تتأخر يوما عن الوقوف إلى جانبنا ودعمنا في المحافل العربية والدولية، بجانب مد يد العون والمساعدة أثناء الظروف الصعبة، سواء على صعيد الأحداث الدامية التي شهدتها لبنان، أو على صعيد إزالة آثار الاعتداءات الإسرائيلية، وآخرها عدوان يوليو (تموز) 2006 م.

وتركز الاهتمام، على نحو خاص، حول كيفية تكثيف الجهود بغية تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم «1701» بكامل بنوده، وردع إسرائيل عن تهديداتها المتمادية ضد لبنان ومؤسساته وبنيته التحتية.

وخلال المباحثات، تداولنا العلاقات العربية العربية، التي كان للبنان دور في تحسينها، والمصالحات التي بادر بها الملك عبدالله في قمة الكويت، تأتي من قبيل حرصه على وحدة الأمة العربية وعزتها في مواجهة المخاطر والتحديات التي تواجهها، وخصوصا بعيد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.

وكان لهذه الزيارة أثر ملموس، وانعكاسات إيجابية على العلاقات في شتى مناحيها، في وقت تشهد فيه لبنان تطورا ونموا كبيرين، ويعود إلى دوره على الساحتين العربية والدولية. وهذا يتيح للمستثمرين السعوديين أن يبادروا إلى دفع استثماراتهم في لبنان الذي حقق عام 2009 نموا بلغ 9% .

• كيف تصفون المواقف السياسية اللبنانية قبيل انعقاد جلسة الحوار الوطني غدا الثلاثاء؟

- إن هيئة الحوار الوطني التي ستواصل تمحيص الاستراتيجية الوطنية للدفاع، تشكل مناسبة يلتقي فيها رئيس الدولة مع رئيس المجلس النيابي والحكومة وقادة البلاد، لتبادل الأفكار والآراء التي من شأنها أن تحمي البلاد. وهيئة الحوار، ليست ولن تكون، سلطة موازية للتنفيذية أو التشريعية بقدر ماهي ضمان وشبكة أمان سياسي، تساهم في تخفيف حدة الاحتقان والتخاطب بين الفرقاء. إضافة إلى ذلك، تكمن أهمية هيئة الحوار، وتحديدا حيال ملف الاستراتيجية الوطنية، في أن الفرقاء يقدمون رؤاهم لكيفية تضافر كل القدرات الوطنية للدفاع عن لبنان، بما فيها القدرات الدبلوماسية، الاقتصادية والعسكرية تمهيدا للخروج بصيغة نهائية حول وطنهم في حال تعرضه لاعتداءات. وقد حققت جلسات الحوار السابقة نتائج عديدة،كما تابعت تسلسل الاعتداءات الهمجية على غزة. وساهمت في تأمين الأجواء للانتخابات اللبنانية في يوم واحد، فضلا عن أنها توصلت إلى خلاصة مفادها: أن عمل المقاومة يبدأ بعد الاحتلال، أو في حال عجزها، يبحث في ماهية القيام بواجبها أو تراجعها تحت وطأة ضغط العدو، أو طلب المؤازرة من قبل المقاومة.

ودعني أقول: إن الوضع في لبنان مستقر على المستوى السياسي، الاقتصادي والأمني، وإن التجاذبات السياسية التي تظهر إلى العلن، ماهي إلا تجاذبات سياسية ضمن حراك النظام الديمقراطي، وفي صلب الممارسة السياسية في لبنان. إن الموقف جيد ومستقر، وسيستأنف الحوار الثلاثاء لمناقشة القضية الرئيسة، وهي الاستراتيجية الوطنية للدفاع.

• إذن، هل من تصور لديكم لمناقشة هذه الاستراتيجية الدفاعية؟

- هذا ما نسعى لإيجاد حل وتصور كامل حياله خلال جلسات الحوار، ولكننا توصلنا في الجلسات السابقة إلى خلاصة مهمة، والبيان الوزاري الذي تناول ضرورة استرجاع الأراضي اللبنانية، وهي: مزارع شبعا، كفر شوبا، والدفاع إلى لبنان بتضامن الجيش والمقاومة والشعب. والخلاصة المبدئية التي بلغناها، هي أن المقاومة تبدأ تفاعلها بعد الاحتلال، أو عند عجز القوى العسكرية الشرعية في القيام بواجبها، أو عند طلب المؤازرة من قبل القوى العسكرية.

• ولكن حزب الله يرفض الحديث عن السلاح على طاولة الحوار، وثمة أطراف تريد فتح هذا الملف في ظل الوضع الراهن، كيف سيبدو مستقبل الحوار على ضوء الحديث ما بين المزاوجة بين سلاح حزب الله والسلاح الشرعي للدولة؟

- كما أسلفت، نحن في مؤتمر طاولة الحوار سنتحدث باستفاضة عن الاستراتيجية الوطنية للدفاع. وعندما نتحدث عنها، ذاك يعني أنها تضم قضايا وملفات عديدة. وسنخضع قضية السلاح للنقاش، وهو مظهر أساس، بالإضافة إلى القدرات القومية، بما فيها السلاح باعتباره جزءا من الاستراتيجية.

وفي تعريف الاستراتيجية من منظورنا، هي كيفية تضافر القدرات القومية للوطن في الدولة للدفاع عن الوطن والدولة.

• في مشروعكم الإصلاحي، ركزتم على الكفاءة أولا، ثم مرجعية الطائفية السياسية، إذ ظهر مشروع الطائفية السياسية وأثار لغطا داخليا مستفحلا، ومن ثم هدأ، فهل اندثرت الفكرة، وما هو موقفكم منها؟

- أريد هنا أن أوضح أمرا مهما، ربما يفهمه اللبنانيون أكثر من غيرهم. نحن مع الكفاءة ومع تعادل الفرص للجميع، ولكننا، في الوقت نفسه، مع المشاركة الطائفية ومع المناصفة بين الطوائف. وعندما يتكلمون عن إلغاء الطائفية، هذا لا يعني تجاوز هذه المشاركة، فهي تتمحور في تعديل طرق الاختيار، إن كان في الانتخابات أو في التعيينات في الوظائف وجعلها غير خاضعة للالتزام بالمذهب السياسي. حتى الشاب من طائفة أو مذهب معين، يتبوأ منصبه ليس لأنه منتم إلى هذه الجهة السياسية المذهبية أو تلك، وكانوا يسمون ذلك في لبنان سابقا المارونية السياسية، واليوم أصبح في لبنان المارونية السياسية، والسنة السياسية، والشيعة السياسية. بمعنى أن أي ماروني يريد أن يشغل منصبا سياسيا أو إداريا، كان يجب أن يكون ملتزما بهذه المارونية السياسية، وهذا ما نلفظه الآن. يمكن أن يأتي الماروني أو السني أو الشيعي أوالدرزي، دون الانتماء لأي جهة أو مرجعية كانت، ويصبح متاحا له العمل حتى ولو لم يكن منتميا إلى مرجعية طائفية سياسية تذكر. بيد أن اللبنانيين جميعا يفضلون ويرغبون في الإبقاء على مشاركة الطوائف بالمناصفة، وهنا تتشكل الميزة اللبنانية.

• حسب المعلومات المتوفرة لدينا، قد جرى تشكيل هيئة للاختيار في التعيين للمناصب العليا، على أن يكون هذا التعيين مبنيا على الكفاءة ؟

- في الواقع لم تشكل هذه الهيئة، وهذا مانسعى إليه قريبا بغية وضع آلية تنبعث من هيئة مشكلة للتعيين مبنية على الكفاءة.

• عليه، ماهي منطلقات مشروع الإصلاح الذي تبنيتموه؟

- الإصلاح يستند إلى الكفاءة أصلا، وإلى تعادل الفرص للجميع. ولا يمكن لأي شخص أن يتقدم لوظيفة، ليس عبر مرجعيته، أكرر مرجعيته السياسية الطائفية أو المذهبية. وعلى الهيئة أن تختار المتقدم وفق الكفاءة وتضحياته تجاه العمل والوطن.

• من المعروف أنكم تمثلون عامل التوازن الاستراتيجي في التركيبة السياسية اللبنانية المعقدة، ماهي الرؤية التي تحملونها لإرساء قواعد الأمن، والاستقرار الداخلي والخارجي؟

- من وجهة نظري، فإن تعزيز السيادة يقتضي تعزيز العمل المؤسساتي؛ وهذا أمر معروف، فعندما تتعزز مؤسسات الدولة، تتعزز السيادة، والاستقرار، والأمن، والاقتصاد. وعلى جميع مؤسسات الدولة، خاصة تلك القضائية، الصحية، الخدماتية، والأمنية بالدرجة الأولى، وعند حدوث أية أزمة سياسية في البلاد، فإن المواطن يكون بمنأى عنها، لأنه مؤمن عبر القضاء والأمن والخدمات والصحة إلى آخره، وتبقى الأزمة سياسية ضمن محيطها البحت، لا تؤثر على الشارع والمواطن اللبناني.

*فيما يتعلق بالعلاقة مع سورية، لابد من التنويه بالدور الإيجابي الذي لعبتموه في إعادة العلاقة السورية اللبنانية إلى مسارها الطبيعي. في رؤيتكم، ماهي الإنجازات التي تحققت مع دمشق بعد تحسن العلاقات مابين البلدين، وما هو مستقبلها؟

- إن العلاقة مع سورية هي تاريخية وجيدة وممتازة، اعترتها بعض الشوائب في الفترة الأخيرة بعد صدور القرار « 1559» ، وبعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري وبعض الشخصيات اللبنانية البارزة. ولكن أستطيع أن أؤكد أننا اليوم عدنا إلى مستوى العلاقات الطبيعية والممتازة مع دمشق، وأرسينا وشائج دبلوماسية بين البلدين، وأصبح لنا سفارة في دمشق، ولدى سورية سفارة في بيروت. ولكن علاقتنا لن تتوقف عند حدود السفارتين، وستتجاوز ذلك بكثير لأنها أصبحت علاقة ثقة وعلاقة اجتماعية مؤسسة على القرابة الاجتماعية، ومظاهر التاريخ والجغرافيا. وتتوطد العلاقات أكثر عبر الشعبين والحكومتين وعبر الرئيسين، وأصبح هناك تبادل زيارات بين القيادتين ورئيسي الحكومتين، وتبادل الزيارات بين الوزراء، وتواصل بين المؤسسات الأمنية والاقتصادية. ولا يمكن لسورية ولبنان أن يبتعدا عن بعضهما البعض، فقضاياهما موحدة ومصير البلدين مشترك، ومسارهما واحد ومصلحتهما الاقتصادية والتجارية وتاريخهم مشترك. ولذلك أؤكد لكم أن العلاقات ستتعزز في المستقبل تدريجيا لتدخل مرحلة الشراكة. واليوم أصبحت المشاركة أمرا مشاعا في جميع أنحاء العالم، وحري أن تكون علاقتنا مع سورية علاقة شراكة.

• على ضوء ما ذكرتم، هل يمكن الحديث الآن أو مستبقلا عن استعادة تلازم المسارين السوري واللبناني في مواحهة التعنت الإسرائيلي كما كان يوما؟

- نعم بالتأكيد يمكن ذلك في مواجهة العدو الإسرائيلي. فالمسار اللبناني والسوري هو مسار واحد لتحقيق الحقوق المشروعة.



• أطلق خادم الحرمين الشريفين مشروع المصالحة في قمة الكويت الاقتصادية، وحاليا، هناك أجواء مصالحة حقيقية داخل الوطن العربي، ولدعم مشروع التقارب والمصالحة، ماهي الرؤية اللبنانية لتعزيز مشروع المصالحة العربية مع قرب انعقاد القمة العربية في ليبيا؟

- لخادم الحرمين الشريفين دور لا يستهان به في إطلاق مشروع المصالحة العربية. وكنا دائما ننادي بهذه المصالحة في جميع لقاءاتنا مع الزعماء والرؤساء العرب. ومبادرة الملك عبدالله، في الحقيقة، كانت نبراسا يقتفى في إطلاق خريطة طريق المصالحة العربية العربية. ونحن جميعا نجني ثمار هذه المبادرة الإيجابية. واليوم نرى العلاقات السعودية السورية في أوجها، وهي ممتازة وانعكست إيجابيا على العلاقات السورية اللبنانية بالدرجة الأولى وعلى باقي الدول العربية. ويبقى

اليوم تعزيز العلاقة السورية المصرية، ولأن المثلث السعودي المصري السوري هو أساسي للعرب فإنه من الضروري أن تعود علاقة دمشق بالقاهرة إلى ماكانت عليه. هناك علاقة وهناك اتصالات بين البلدين ولا نستطيع القول إن هناك حالة خصام ولا قطيعة، ولكن يجب أن يكون هناك تنسيق أكبر بين البلدين والدول الثلاث لمافيه خير الأمة العربية. وهذا ليس من الصعب تحقيقه، وجرى الحديث حوله مع خادم الحرمين الشريفين.

• المبادرة العربية للسلام انطلقت من قمة بيروت عام 2002 ، وخادم الحرمين قال إن هذه المبادرة لن تكون مطروحة للأبد على الطاولة. ما هي رؤيتكم لمستقبل هذه المبادرة ؟

- نحن نقف وننحاز بكل مكتسباتنا لدعم المبادرة العربية للسلام. وعندما حدث العدوان الإسرائيلي على غزة، وعقدت قمة مصغرة في الدوحة وطرح موضوع تعليق المبادرة، تمسكنا بها وبالضغط على إسرائيل عبر الدبلوماسية الخارجية لإلزامها بتنفيذ هذه المبادرة أو تعليقها عندما يقتضي الأمر. وموقفنا يتمحور في أنه لايوجد حاليا بديل عن مبادرة السلام العربية إذا كانت هناك إرادة للسلام، ونحن متمسكون بها و لايوجد بديل إلا الحروب. ولذلك نقول لا بديل عن المبادرة؛ لأنها الحل الأمثل للصراع العربي الإسرائيلي.

• حدث لغط أخيرا حول مشاركة لبنان في القمة العربية المقبلة في ليبيا .. هل هناك موقف لبناني من المشاركة فيها؟

- بحسب علمكم، هناك قضية مهمة معلقة بين لبنان وليبيا، وهي مشكلة اختفاء الإمام الصدر ومصيره. واستمرت القضية حوالي ثلاثين عاما، واللبنانيون يريدون أن يعرفوا مصير الإمام موسى الصدر. والحقيقة، وفي البيان الوزاري، ذكر هذا الأمر صراحة، ونحن ننتظر جوابا من الرئيس الليبي معمر القذافي.

• هل نفهم أن مشاركة لبنان معلقة في قمة ليبيا حتى يظهر مصير الصدر، وتكون هناك إجابة ليبية مقنعة للبنانيين؟

- لا نريد أن نستبق الأحداث، لأن الدعوة الرسمية لم تصل بعد من الجانب الليبي لحضور القمة العربية، ومجلس الوزراء سيقرر مستوى المشاركة على ضوء المعطيات.

• هل تتوقعون حدوث اختراق إيجابي في عملية سلام الشرق الأوسط في ظل وجود حكومة ليكودية متطرفة في إسرائيل ؟

- إسرائيل لم تزل تتملص وتتهرب من استحقاقات السلام ولذلك هي ترفع مستوى التهديدات المحيطة بها عندما تقول إن تهديدا كبيرا يتربص بها من لبنان، ومن سورية، ومن إيران، وغيرها من الدول، فهي تحاول الهروب من الضغوطات الدولية التي تفرض عليها السلام وتطالب بوقف الاستيطان واستئناف المفاوضات الجدية وتعليق الإجراءات التعسفية ضد الشعب الفلسطيني، وضم المركزين الفلسطينيين ضمن المراكز الأثرية الإسرائيلية. وما يجري في القدس والأقصى، وطرح مفهوم إسرائيل دولة يهودية، أمور خطيرة لا يمكن للعالم القبول بها، لأن تل أبيب لا تريد السلام. وهي دولة حرب، والتطرف الإسرائيلي لن يكون في مصلحة الشعب الإسرائيلي نفسه.

• إلى أي مدى يمكن أن يساهم لبنان في مشروع المصالحة الفلسطينية؟

- نحن ندعم مشروع المصالحة الفلسطينية، وخلال لقائنا مع الزعماء الفلسطينيين من جميع التيارات، نطلب منهم تسريع وتيرة المصالحة، ولأن لدينا فلسطينيين في لبنان داخل المخيمات وعلى اختلاف مشاربهم السياسية، نحن نتمنى تحقيق المصالحة لأنها ستنعكس إيجابيا على الداخل الفلسطيني، وعلى المخيمات الفلسطينية في لبنان.

• وما هي رسالتكم للشعب السعودي؟

- رسالتي للشعب السعودي تكمن في أن الشعب اللبناني يقدر دعمه له ووقوفه بجانبه في الظروف الصعبة، ونحن نشعر أن القدرات والمؤهلات التي تحملها المملكة، لا تتسع فقط للعرب وإنما للعالم أجمع، بإمكانياتها المتطورة، وأيضا عبر حوار الحضارات وتكريس ثقافة التعايش السلمي والاعتدال.

ونحن نحيي ونشكر خادم الحرمين الشريفين والشعب السعودي على كل الدعم الذي قدم للشعب اللبناني خصوصاً على الصعيد السياسي، إذ كانت المملكة المساهم الأول في تحقيق اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية في أواخر ثمانينات القرن الماضي. واستضافت القادة اللبنانيين آنذاك في مدينة الطائف، وعملت على تقديم وسائل الدعم للاقتصاد اللبناني وللصمود الاقتصادي والاجتماعي للشعب اللبناني. وعلى مستوى التنسيق وكما تعلمون أن لبنان أصبح عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي للعامين 1010ـ 1011م وهو سيكون صوت المجموعة العربية في مجلس الأمن، وصوت الدفاع عن الحق العربي وعن القضايا الإنسانية، وهذا يستدعي التشاور والتنسيق بين القادة العرب لتوحيد الموقف والكلمة أمام المجموعة الدولية.

ولما كان لبنان تمكن من تشكيل حكومة وحدة وطنية اعتبرت أن أولويات الناس هي أولوياتها، فإنه من الأهمية بمكان أن يستمر التعاون القائم مع المملكة وسبل الدعم المختلفة على الصعيدين السياسي والاقتصادي من أجل تمكين الحكومة من النجاح في مهمتها والوفاء بتعهداتها.

• إلى أي مدى ترون أن هناك تطابقا في الرؤى بين الرياض وبيروت حول القضايا ذات الاهتمام المشترك خاصة فيما يتعلق بالشأن العراقي والفلسطيني وإحلال السلام العادل والشامل في المنطقة؟

- ما من شك في أن الرؤية بين الرياض وبيروت موحدة حيال الشؤون الإقليمية التي تشكل اهتماما مشتركا بينهما. ومن المفيد التذكير أن المبادرة العربية للسلام التي أطلقها الملك عبدالله في القمة العربية التي انعقدت في العاصمة اللبنانية في العام 2000 والتي عالجت كافة أوجه مشكلة الشرق الأوسط بما في ذلك قضية اللاجئين الفلسطينيين وضمان عدم توطينهم في الدول العربية التي لا تسمح أوضاعها الخاصة بمثل هذا التوطين ولاتزال هي الفرصة العربية الأخيرة للسير بعملية السلام في الشرق الأوسط، لذلك فإن لبنان تمسك بهذه المبادرة في القمة من أجل غزة التي انعقدت في الدوحة مطلع العام 2009 حين طالب جميع المشتركين بتعليقها مع الإشارة إلى أن هذه المبادرة التي أعادت القمة العربية في قطر اعتمادها ليست مطروحة إلى ما لانهاية؛ لذلك من المفيد لإسرائيل أساساً التخلي عن سياسة الهروب إلى الأمام ودفن الرأس في الرمال، والتزام هذه المبادرة والمباشرة بتنفيذها وفق برنامج معين وسهل، من أجل إحلال السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط.

• هل أنتم راضون عن التعاون في المجال الأمني بين البلدين؟

- بطبيعة الحال نحن نتعاون مع المملكة في موضوع الإرهاب وأنا خلال زيارتي إلى المملكة العام الماضي ولقائي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد وسمو وزير الخارجية، اقترحت إنشاء مرصد عربي لمراقبة الإرهاب، وهذه المراقبة تشمل التحركات والاتصالات والأموال الأمر الذي يعزز التنسيق بين كل الدول العربية لمكافحة الإرهاب، خصوصاً وأنه يحاول أن يجد ملاذات آمنة في الدول العربية تساعده في إطلاق أفكاره التي يبثها تحت أكثر من شعار ديني أو عقائدي أو تحريري، وهي عناوين تسهل استقطاب الأشخاص والتحاقهم بالمنظمات المرتبطة بأنشطة إرهابية في دول المنطقة والعالم.



بين زعيمين

من قصر الرئاسة اللبنانية في بعبدا إلى قصر الملك سعود في الرياض، يختصر الرئيس اللبناني ميشال سليمان قصة العلاقات التاريخية، التي تربط ما بين المملكة ولبنان على الصعد كافة: السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية. علاقة تتجاوز ما يصاغ بين دولتين إلى ما يشبه العلاقة الأسرية، حيث اجتمعا على الخير دوما وأبدا.

مابين القصرين كانت الحكاية رئيس توافقي لبلد لطالما كان في قلب المملكة قيادة وحكومة وشعبا. من اتفاق الطائف الذي أرسى السلام في الربوع اللبنانية إلى عدوان تموز الإسرائيلي عام 2006 كانت الحكاية اللبنانية السعودية تكرر نفسها بعناوين ثابتة من الوفاء والصداقة والعطاء والدعم في أحلك الظروف فهي حكاية لعلها تكتب اليوم مابين القصرين في بعبدا ببيروت وقصر الملك سعود في الرياض إلا أنها لطالما كتبت بالقلوب والعقول.

زيارة فخامة الرئيس سليمان إلى المملكة تأكيد على عمق العلاقة التي تربط البلدين الشقيقين في الماضي والحاضر والمستقبل. إنها حكاية حب كما قال عنها معالي الوزير عبدالعزيز خوجة، وحكاية وفاء وشهامة كما قال عنها الرئيس سليمان، والتي يؤكد جميع السعوديين أنهم على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين.

تم تحديد موعد لقائي مع الرئيس في التاسعة والنصف صباح أمس بقصر الملك سعود، والذي يتم فيه عادة استضافة الضيوف الخاصين للدولة. وبالفعل جاءني الدكتور ناجي قزيلي من المكتب الإعلامي في قصر بعبدا في تمام الساعة التاسعة والنصف ليصطحبني إلى مقر جناح الرئيس اللبناني. وإذا بالرئيس يخرج من الجناح ليرحب بي أجمل ترحيب قائلا لي: إنني سعيد بلقائك في الرياض. رددت على تحية فخامة الرئيس، وبدأت حواري والذي استغرق حوالي الساعة والذي لم يتردد فخامته في الإجابة على جميع ما يدور في ذهني، ودعته وأنا أحمل في ذهني شخصية فخامة الرئيس أو القائد العسكري ورجل التوازنات في لبنان الحبيب.

سيرة

ولد ميشال سليمان في قرية عمشيت قضاء جبيل شمالي بيروت في نوفمبر (تشرين الثاني) 1948.

تخرج في الكلية الحربية برتبة ملازم عام 1970 وهو يحمل أيضا إجازة في العلوم السياسية، والإدارية من الجامعة اللبنانية.

بدأ خدمته في سلاح المشاة الذي قضى فيه معظم حياته العسكرية، وتولى فيه عدة مناصب قيادية مثل قيادة اللواء الحادي عشر، التي تولاها عام 1993، واللواء السادس عام 1996، وخدم لعام تقريبا في الاستخبارات العسكرية بجبل لبنان بين عامي 1990 و 1991.

عين قائدا للجيش اللبناني في ديسمبر (كانون الأول) عام 1998 واستمر في هذا المنصب حتى أصبح المرشح الذي توافقت عليه الأطراف اللبنانية؛ لشعل منصب الرئيس خلفا لإميل لحود الذي غادر قصر بعبدا في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2007.

نال العديد من الأوسمة والنياشين كان أرفعها وسام الأرز الوطني من رتبة فارس والوشاح الوطني. كما حصل على دراسات عسكرية في بلجيكا وفرنسا والولايات المتحدة.

تحديات

خلال توليه منصب قائد الجيش واجه عدة تحديات؛ ففي مارس(آذار) عام 2005، وبعد شهر من اغتيال رفيق الحريري، أصدرت حكومة الرئيس عمر كرامي حينها قرارا بمنع التظاهر، وكانت إمكانية تصادم المتظاهرين مع الجيش قائمة، لكن الجيش حينها سمح للمتظاهرين بالتجمع وبعدها بالتظاهر ومر الاختبار بسلام؛ بفضل نجاح القيادة العسكرية في الموازنة بين قرار منع التظاهر من جهة، وعدم التعرض للمتظاهرين من جهة أخرى.

وبحكم الواقع السياسي والأمني المعقد في لبنان كان ميشال سليمان ينسق عن قرب مع الجيش السوري إلى حين انسحابه من لبنان في إبريل (نيسان) 2005 .

وفي 14 فبراير (شباط) 2006، في الذكرى الثانية لاغتيال الحريري عندما دعت قوى الأكثرية إلى تظاهرة حاشدة في وسط بيروت حيث كانت تنظم المعارضة اعتصاما، ومر هذا اليوم أيضا دون صدامات بعد أن وقف الجيش متراسا بين اعتصام المعارضة وتظاهرة قوى الأكثرية ومنع الاحتكاك بين التحركين.

ويحسب لسليمان أيضا أنه قرر إرسال الجيش إلى جنوب لبنان للمرة الأولى منذ أكثر من 40 عاما، بموجب قرار مجلس الأمن بعد حرب يوليو (تموز) 2006 بين حزب الله وإسرائيل.

وبدا وقتها الجيش وكأنه صمام الأمان حين تنسحب الأزمة السياسية على مواقف أمنية بغاية الخطورة.

كما واجه سليمان تحديا آخر في مايو (آيار) 2007 وهو معركة مخيم نهر البارد، التي خاضها الجيش اللبناني ضد مسلحي حركة فتح الإسلام والتي دامت أكثر من ثلاثة أشهر.

وعلى الرغم من الضغط السياسي الذي واجه الجيش في الأيام الأولى للمعركة إلا أنه أكملها ودخل المخيم منهيا بذلك أزمة سياسية ـ أمنية كان بإمكانها أن تضع لبنان في موقف في غاية الصعوبة.

ورغم مقتل ما يزيد عن 420 مدنيا و 168 جنديا لبنانيا في المعارك ضد حركة فتح الإسلام إلا أن تفهم اللبنانيين لظروف الجيش وإمكاناته المتواضعة أدى إلى تزايد شعبيته بقيادة سليمان، واعتبار المعركة انتصارا جديدا لهذه المؤسسة.

ومنذ الإعلان عنه كرئيس توافقي تعطلت عملية انتخابه ليس بسبب الخلاف على شخصه ولكن بسبب الخلاف بين الفرقاء على الآليات المرتبطة بتوليه المنصب مثل تشكيل حكومة جديدة وقانون الانتخابات.

وفي 21 مايو (آيار) 2008 وقع الفرقاء اللبنانيون اتفاقا في الدوحة مهد الطريق أمام تولي ميشال سليمان رئاسة لبنان.