-A +A
حوار: بدر الغانمي

لاتمر الآراء التي يطلقها الدكتور عبدالرحمن العوضي وزير الصحة والتخطيط الكويتي الأسبق مرور الكرام في الساحة الكويتية، فتجربته الطويلة مع العمل السياسي والحكومي تضعه منظرا يحسب له ألف حساب عند أصحاب القرار.. الرجل الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ونال الجنسية بقانون 1965م، الذي اعتبر كل من وجد في الكويت قبل هذا التاريخ كويتيا، يقف اليوم على رأس المعارضين لتجنيس البدون في موقف أثار استغراب معارضيه.. وصف التجربة البرلمانية بالعبث، لأن بعض النواب جاء إلى المجلس ظانا أن أموال الكويت حلال أبيه. طالب بضرورة تغيير الدستور لعدم ملاءمته لتغيرات ما بعد التحرير.. الرجل الذي بكى ليلة كاملة من غدر صديقه المقرب صدام حسين غسل يده من أي قومية عربية، وقال بصريح العبارة: لم تعد هناك أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة بعد الغزو.. الدكتور عبدالرحمن الذي يشغل حاليا منصب الأمين التنفيذي للمنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية منذ عام 1982م. بدأ في حواره مع «عكـاظ» باسترجاع الذاكرة وقصة انتصار وزير الصحة على مرض ابنه الذي غير مسار عمل رفيقة عمره في اتجاه المعاناة.

ولدت في بيت جاه وعز، فالوالد من كبار تجار الكويت، لكنه كان صارما وشديدا، فتعلمت منه الصدق والأمانة والحزم، كان يضربنا بقسوة إذا كذبنا، ويرسلني إلى الميناء لتخليص البضائع من دون أن يعطيني أي مصروف، فقط آخذ أكل بطني، كنت طفلا شقيا، وأعتقد جازما أن هناك علاقة مترابطة بين الذكاء والشقاوة.. أكلت منه علقات بعدد نجوم الليل، فتكونت مقومات شخصيتي منذ الصغر، فلا أعمل إلا بقناعتي فأتعبني وأتعبته. رفض دخولي كلية الطب من منطلقاته الخاصة كرجل غني، وقال لي: «كيف تدرس الطب وأنت غني ابن غني؟، إلا أنني أصررت على رغبتي وحققتها بنجاح، وعندما شاهد تفوقي سلم لي راية القرار. ذهبت إلى بيروت في بعثة للدراسة في الجامعة الأمريكية. درست أول سنة الطب ثم العلوم في السنوات الثلاث الأخرى، وعندما اغتيل شمعون سافرت إلى ألمانيا لإكمال دراستي، ثم انتقلت إلى هارفارد ودرست الصحة العامة والتخطيط الصحي وحصلت على الماجستير والدكتوراة.



• القسوة أحيانا تكون مفيدة؟

ــ بالتأكيد.. بشرط أن تجتمع في التربية القسوة مع الحب؛ والوالد كان حنونا واكتشفت فيه هذه الخصلة عندما ضربني في أحد الأيام لهروبي من المدرسة ضربا مبرحا، فأصابني تشنج عصبي في الليل من ضرب الفلكة، وعندما شاهدني في تلك الحالة حملني على ظهره وانطلق بي إلى مستوصف الحي، وجلس يبكي إلى جواري فانتبه الطبيب له وسأله عن سبب بكائه، فقال له: ضربته من محبتي له وأظنني زودتها، وقد لا تعلم أن قسوته علي رحمه الله ساعدتني على أن أركز في كل عمل أقوم به، فإما أن أكمله كما يجب، وإما أن أعتذر عنه فالفلكة فيها خير.

• تؤيد عودتها إلى مدارسنا؟

ــ طبعا، لكن الدنيا تغيرت اليوم وصار الواحد وده يطق بعض الآباء، مو عاد الأبناء على كثرة الدلع اللي خرب عيالنا أصلحهم الله.

• كنت دلوعة أمك؟

ــ أي والله ، كانت أمي تحبني كثيرا وتدلعني كطفل حتى وأنا بعمر الخامسة والستين. ماتت وهي تدلعني وكنت سعيدا كثيرا عندما تضعني في حضنها وتطبطب علي. وتعلمت منها المحبة واللين والعاطفة الجياشة.

• لكن الله رزقك بصديقة لتكون أما وزوجة في نفس الوقت؟

ــ صديقة من نعم الله علي، وقد اختارتها أمي زوجة لي من جماعتنا من أهل البحرين، فهي رفيقة عمري، ولا أستطيع أن أسافر إلى بلد إلا بوجودها، واعتدت منذ زواجي بها على أن ترافقني إذا كنت أتوقع بقائي خارج الكويت لأكثر من ليلتين، وقد تعلمت منها كل أنواع الطبخ.

• هل قارب بينكما تخصصها في الطب أيضا؟

ــ الدكتورة صديقة علي العوضي العطوفة والحنونة يطلق عليها في الكويت اليوم أم المعاقين، بعد أن اضطرتها ظروف إصابة ابننا الثالث عمر بـ(متلازمة الداون) إلى تغيير تخصصها من طب الأطفال إلى الأمراض الوراثية، فحولت قضيتنا الشخصية إلى قضية وطنية وعلى مدى ثلاثين عاما هي عمر ابننا الدكتور عمر الموظف في الشؤون الاجتماعية، كبر مركز الأمراض الوراثية الذي انطلق عام 1980م ليكون اليوم مرجعا معتمدا لمنظمة الصحة العالمية في الشرق الأوسط.

• أصعب ما واجه الصحة في الكويت منذ تأسيسها؟

ــ عندما دخل فيروس الجدري إلى الكويت وقضى على المئات من الناس وشوه الكثير منهم، ولاتزال هناك أعداد قليلة باقية حتى الآن وجوههم تشهد على آثار ذلك المرض القاتل الذي ولله الحمد أصبح له التطعيم المناسب، وكان لي شخصيا الشرف بالتوقيع على شهادة وفاة استئصال المرض، عندما كنت رئيسا لمنظمة الصحة العالمية، وهناك سنة الجراد، عندما عم الجراد في بادية الكويت وحرق الأخضر واليابس، وأتذكر هذه السنة بصورة واضحة لأن (الدبة) وهي أولى مراحل نمو الجراد، غطت شوارع الكويت بلونها الأصفر، وكانت لدينا حوطة في منطقة الشرق قد أكلت هذه (الدبة)، سعف النخيل وأتذكر جيدا كيف كانت الشوارع مكسوة بهذه الحشرة التي كانت تأكل كل شيء أمامها.

• هل تأكلون الجراد في الكويت؟

ــ أنا من الناس الذين يحبون أكله، ولو أكله الناس لقضي على الجراد، ولكن مع الأسف مبيدات الحشرات سممته الآن.

• ولماذا تركت وزارة الصحة رغم نجاحاتك الكبيرة؟

ــ استلمت الوزارة وكان لدي مشروع كبير وضعته وأردت من خلال برنامجي تغيير الصحة، فناداني الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح وقال لي إنه يتابع كل أعمالي، لقد كان يجمعنا عنده ويتشاور معنا ولا يقول رأيه أبدا بل يسمع آراءنا، فهو إنسان لن يعوض أبدا، وعندما عرف ببرنامجي الذي وضعته لتغيير الصحة طلب مني تنفيذه، فقلت له بشرط أن تدعمني وتساعدني على تنفيذه، ووعدني بالدعم فوضعت تصوري، وبما أنني درست إدارة تخطيط فقد سهلت الأمور علي كثيرا، وكانت معي نخبة طيبة من فريق عمل ودعمنا بقوة من وزارة المالية، وكانت المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية توزع في كل مكان، فأعطتني الوزارة الفرصة لتطوير الخدمات وأنا بدوري أعطيتها علمي وخبرتي وقدرتي على التخطيط والعمل واعتبرت نفسي قائدا للعمل مع نخبة العاملين في ميدان الصحة، وظللت على مدى تسع سنوات من العمل المتواصل أتطلع لتكون الكويت المركز الصحي الأول بالمنطقة، لكن كل ذلك توقف فجأة لعدم توافر الأموال في الثمانينات بعد انخفاض أسعار النفط.

• لكن الأمور تحسنت بعد ذلك؟

ــ من ما يؤسف له أن الوضع تدهور بعد تركي الوزارة إلى اليوم، مع أنني أعطيتهم خطة تفصيلية لعام 2000م، لكن للأسف لم يتابعها أحد وحتى الذين دربتهم ذهبوا، لأن كل وزير يأتي للوزارة يحضر معه فريق عمل خاصا به محسوبا عليه.

• إلى أي مدى تشعر بتشاؤم من المستقبل؟

ــ تؤلمني الأوضاع داخل الكويت وخصوصا تعطل المشاريع التنموية، فالبلد تدفع ثمن التصادمية والتطرف في الآراء داخل مجلس الأمة. النواب كل يوم لهم فكر وليس لديهم أولويات واضحة، أشبه بحالة عبث الحكومة في واد وهم في واد آخر.

• تبدو متشائما من خطة التنمية الجديدة التي قدمها الشيخ أحمد الفهد؟

ــ آمل أن تحقق تغييرا نوعيا في أداء الحكومة، ورغم علمي بحرص الأخ الشيخ أحمد الفهد، إلا أن السوابق التاريخية لعملية التخطيط تؤكد أننا أمة لا نؤمن بالتخطيط، لا على مستوى السلطة التنفيذية ولا على مستوى السلطة التشريعية، وأنا أقول هذا الكلام ليس لتثبيط همة الشيخ أحمد الفهد، ولكن من حرصي على نجاح هذه التظاهرة الجديدة التي يتغنى بها الجميع، خاصة وعود أعضاء مجلس الأمة بدعم خطة التنمية.

• تشك في نواياهم؟

ــ لا أصدقهم.. لأن أسلوبهم في التعامل مع الإنفاق الحكومي يتماشى مع المثل القائل «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»، إضافة إلى النهب العام للمال العام، كما شاهدناه في مشروع قانون شراء المديونيات من الناس والذي يكلف أرقاما خيالية لو ترك الأمر حسب ما يرغبون. أما السلطة التنفيذية فالعبء سيكون عليها كبيرا، خاصة إذا أتت الخطة من فوق. وأنا لا أعلم كيف تم إعداد الخطة حاليا، ولكن ما أعرفه أننا غير جادين في تنفيذ الخطط حتى التي أصدرناها بقانون في الثمانينات من القرن الماضي، وأرجو أن يكون التوجه الحالي أفضل من السابق.

• البعض اقترح تعديل الدستور؟

ــ أنا كنت واحدا منهم.

• ما الذي يمكن أن يحدثه تعديل الدستور من تغيير؟

ــ الدستور الحالي وضع لعقلية معينة في فترة معينة كانت فيها البلاد مجموعة تجار وحكام متفاهمين، أما الآن فلابد أن يكون هناك منطقة وسط بينهم من خلال قوانين وتشريعات. ولا يصح أن يأتي نائب يشتري سيارة مرسيدس ومعاشه ألف دينار والكهرباء تكون بفلسين ويقدمون الفواتير ما يدفعها، هذه قضية انتماء إلى البلد. لا يجوز أن يأتي النائب ويتعامل وكأن هذا حلال أبيه، هذا للأجيال القادمة.. ولازم يعرف كل نائب أمة أنه يأخذ من حقي ومعاشي وتقاعدي.

• والحل؟

ــ نريد مجلس أعيان يكون فوقيا ويعلو على مجلس الأمة ويقيد تصرفات النواب بالتعامل معها بدلا من تحويلها إلى الأمير. بحيث يتم اختيار نصف أعضائه عن طريق الانتخاب والنصف الآخر من خلال التعيين من قبل الأمير. ويتم تحويل القوانين التي يعتمدها مجلس الأمة إليه قبل رفعها إلى سمو الأمير، فإذا رفضها تعود إلى مجلس الأمة من جديد حتى لا يضع الأمير وجها لوجه مع مجلس الأمة.

• لماذا لم تؤخذ هذه المقترحات في الاعتبار عند وضع الدستور بداية الستينات؟

ــ عندما بدأت مناقشة الدستور الكويتي في بداية الستينات تداول حديث عن مجلسين ديموقراطيين، ولكن تم اعتبار الحكومة بديلا عن المجلس الثاني، إذ أنها كتلة واحدة داخل مجلس الأمة. فالحكومة معينة من قبل الأمير، وبذلك تحل محل هذا المجلس الآخر. لو كان لدينا مجلس آخر ما احتاج الأمر إلى حل مجلس الأمة في حال استجواب رئيس الوزراء. لو قال مجلس الأعيان إن رئيس الوزراء لا يصلح فإن الأمير هنا سيأخذ برأيه.

• تعتقد أن الحياة البرلمانية تنجح في الكويت بوجود أحزاب؟

ــ لا توجد حياة برلمانية دون أحزاب، لذلك يجب أن يكون هناك ثلاثة أحزاب، حزب يميني وحزب ليبرالي وحزب وسطي لإغناء الحياة الديموقراطية.

• الغريب أنك طرحت أسماء أحزاب محافظة وليبرالية وحزب وسط ولم تطرح اسم حزب إسلامي، فهل لديك مشكلة مع الإسلاميين؟

ــ التطرف مو زين.

• الليبراليون والمحافظون أيضا متطرفون؟

ــ شوي.. الوسط هو الأغلبية.

• الإسلاميون وسطيون أيضا؟

ــ ما قلنا شيء.. المحافظة على الدين تصرف شخصي، لكن يجب أن نأتي للوسط الذي يقود الكل، وأعتقد أن أغلبية الكويتيين وسطيون. وبوجود الأحزاب تتم محاسبة النواب.

• تقصد لا أحد يحاسبهم اليوم؟

ــ أنت شايف أحد يحاسبهم.

• لكن هناك في الكويت أحزاب كثيرة تعمل في الخفاء؟

ــ للأسف أن هذا يحدث، ولو عدل الدستور لتمت السيطرة على أي محاولة خروج غير قانونية.

• ماذا قصدت عندما قلت قبل سنتين إن أفراد الأسرة الحاكمة حريصون على البلد أكثر من المواطنين؟

ــ ومازلت أقول إن الشيوخ الذين لا يتجاوز عددهم ألفين أو ثلاثة آلاف أكثر حرصا على البلاد من الشعب المشتت بين الطائفية والقبلية والفئوية.

• التشتيت جاء بسبب نظام التجنيس؟

ــ بدون شك.. فالأسلوب الذي اتبع في التجنيس غير اللحمة والنسيج الكويتي الحالي ليس هو النسيج الذي أتى بالدستور ومن جاؤوا بعد 65 ليسوا كويتيين، وقد حدثت أخطاء جسيمة في عملية التجنيس واللجان التي تشكلت لبحث التجنيس ارتكبت أخطاء أثناء عملها. ولكن الكويتيين يعرفون الآن من الكويتي ومن غير الكويتي.

• لكن المشكلة لم تخرج لسطح الأحداث إلا عام 1978م؟

ــ هذا صحيح، وبدأت تكبر مع ازدياد التوجه لتجنيد أفراد عسكريين داخل الجيش، فتمت الاستعانة بالقبائل وأهل البادية من غير الكويتيين، إذ لم يكن عدد الكويتيين كافيا فالمجتمع الكويتي كان يتكون آنذاك من الإيرانيين الذين يعملون في البحر، والسعوديين أبناء القبائل الذين خاضوا الحروب، والعراقيين الذين قاموا بأداء الخدمات العامة، واستمرت الحال نحو عشر سنوات، وكان من المفروض خلال هذه المدة حصر هؤلاء العسكريين ومنحهم الحقوق مثل الكويتيين.

• وهل يستدعيك هذا الوضع لتقف موقفا متشددا من قضية تجنيس البدون مع أنك نلت الجنسية الكويتية مثلهم؟

ــ نحن جئنا للكويت قبل قانون 1965م الذي أعطى الجنسية لكل من كان موجودا آنذاك، ولم يكن عدد الكويتيين في تلك الفترة يتجاوز مائتي ألف شخص. فأنا جدي كويتي، ورفضت تجنيس البدون من منطلق رفضي للتجنيس القبائلي والطائفي، وأنا مؤمن بتجنيس الكفاءات، وضد تسمية (بدون)، بل أردد دائما أننا يجب أن نطلق عليهم (غير محددي الجنسية)، ولعلمك فكل إنسان يعيش على أرض الكويت يكلفها ثلاثة آلاف دينار سنويا مابين كهرباء وتعليم وطرق.

• بمعنى أنك تريد منه مقابلا؟

ــ لابد أن يعطيني شيئا، ولذلك اقترحنا كحل عادل أن يأخذوا كلهم إقامة دائمة.

• ولماذا رفضت تجنيسهم؟

ــ كيف تجنس مائتين وخمسين ألفا؟، التجنيس العشوائي يؤدي بالبلد إلى مصيبة كبرى.

• لكنك استثرتهم عندما قلت بأنه لا أصول ولا قواعد لهم؟

ــ لم أقل ذلك.

• كلامك منشور في الصحف.

ــ قلت إنهم يشكلون خطرا لن ننتهي منه، وللأسف هناك مساومة على الوطن من قبل البعض.

• هناك من يتحدث عن شراء ذمم؟

ــ هذا شيء ليس بجديد، وموجود من قبل الغزو، فهناك من يعطي شققا وسيارات للإعلاميين لتسيير البلد في اتجاه معين، بل وصل الحال ببعضهم ليقبل خمسين دينارا مقابل الكتابة، هذه أخلاقهم.

• محاولة للسيطرة على الإعلام الكويتي؟

ــ يحاولون ذلك، ولكنهم يخسرون، فقد كسبت أنا شخصيا أكثر من قضية في هذا الشأن.

• أخطر ما يواجه الكويت حاليا؟

ــ التطرف بكل وجوهه والنعرات القبلية والحرية المفتوحة بدون سقف أو معنى.

• يبدو أن لديك حساسية مرتفعة من الحديث عن القبائل؟

ــ لدي حساسية من عودة القبلية لما كانت عليه قبل عشرين سنة، والمسألة بدأت تتمدد حتى في الخليج، وهذا وضع مزعج، القبلية عادت حتى في السياسة.

• طيب.. لماذا لا تضعون في الدستور أن لا يتم الانتخاب على أساس قبلي؟

ــ ما تقدر تتحكم لأننا بدو لكن في اليابان ممكن.

• تحولون القبيلة إلى شركة؟

ــ اليابان شعب قبلي، ولكن حولوا قبيلة نيسان إلى شركة ومع التطور ذابت الفوارق، واحنا مازالت عندنا القبلية مسيطرة.

• الانتماء شيء مطلوب؟

ـ الحضارة تفرض علينا أن يكون انتماؤنا للوطن والأرض فقط، أما النعرات القبلية فيكفيك ما تشاهده في اليمن التي تعتبر أم القبائل. والقبائل تتحكم اليوم في البشر، والمعاملات في المؤسسات في الكويت تتم حسب الانتماءات القبلية والطائفية. وأتذكر أننا حاولنا قبل 25 عاما إزالة اسم القبيلة والاكتفاء بالأسماء الرباعية فلم نفلح.

• موقفك من القبلية سبب لعدم ارتدائك اللباس العربي المسمى بالدشداشة؟

ــ إطلاقا، موضوع اللباس قناعة شخصية لا علاقة لها بمواقفي السياسية وآرائي، فقد اعتدت على اللباس الأجنبي عندما كنا صغارا. كنت ألبس الدشداشة وفي الخمسينات فرضوا علينا لبس البنطلونات، وكنا نستحي عندما نرتديها فندخل الدشاديش بداخلها وأصبحت عادة خصوصا عندما ذهبت إلى الجامعة الأمريكية في بيروت للدراسة فتعودت على ارتداء البنطلون، وأنا عكس الناس فهم ينامون بالبجامات وأنا أنام بالدشداشة.

• متى شعرت أن المال نقمة لشاب ولد غنيا؟

ــ عندما توفي والدي وحدث خلاف بين الأحفاد من الورثة. المال لا يعنيني أبدا، وقد عملت لأرفع اسمي ومكانتي لا من أجل المال، فالله أنعم علينا به.

• خلاف داخل الأسرة؟

ــ نعم.. نحن اثنان وعشرون أخا وأختا من ثلاث أمهات، والخلاف بيننا وصل إلى 140 قضية تقريبا، وكان لتدخل الأمير دوره في إصلاح الأمور. ولا شيء في ذلك، فمادامت هناك نقود سيحدث الاختلاف.

• لماذا قلت إن التكريم ليس موجودا عندنا مع أنك كرمت أكثر من مرة؟

ــ الوفاء غير موجود، وقد اقترحت على الحكومة أن نكرم من خدموا البلد لأكثر من خمس وعشرين سنة كنوع من الوفاء، وأتذكر عندما كنت في بريطانيا أن الحكومة كرمت حارس السكن بعد أن أنهى ثلاثين سنة خدمة في الجيش، ومادام الواحد خدم وليس عليه مشاكل أو مخالفات ومشى وقد ترك كل شيء نظيفا فلماذا لايكرم؟.. عندنا في الكويت إذا الواحد خدم خمسين أو خمس وأربعين سنة لا يكرم لكن ولد فلان يكرم. الإنسان يجب أن يكرم على أداء عمله.

• كنت تكرم موظفيك في وزارة الصحة؟

ــ طبعا.. كنت حريصا على تكريم كل من أمضى في الوزارة خمس وعشرين أو خمس وثلاثين سنة، وأعطيهم ميداليات وجوائز، ولا أخفيك مدى سعادتي عندما زرت أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن فوجدت في إحدى الغرف صورة لي مع أخ فلسطيني كرمناه في فترة سابقة وقد توفي رحمه الله وبقيت الصورة لدى حفيده محتفظا بها، القيم المعنوية مهمة جدا عند البشر ويجب أن نهتم بها كثيرا.

• ما الذي استفدته من مشاركتك في حرب قناة السويس؟

ــ كنت ميالا إلى القومية العربية الزائفة، وفي عام 1956 ذهبت إلى حمص أثناء حرب قناة السويس للتدريب على الحرب، كنت شابا، أرسلنا السوريون للمعسكر فسكنت مع العمال بعد أن خرجت مرفها من بيروت، لكنني شعرت أنني عشت التاريخ الحقيقي للصراع العربي الإسرائيلي أو هكذا شعرت.

• مازال البعض متمسكا بالقومية الزائفة؟

ــ أنا نسيت القومية ومسحتها من ذاكرتي بعد استغلال صدام لشعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.

• صدام كان صديقك؟

ــ للأسف.

• كيف تلقيت صدمة الغزو؟

ــ لا أريد أن أتذكر . بكيت طوال الليل، كانت لي علاقة خاصة معه، غدر بنا فتألمت كثيرا وبكيت بحرقة على غدره وغزوه لبلادنا.

• بحكم موقعك الحالي، ماهي أكثر مناطق الخليج تعرضا للتلوث البحري حاليا؟

ــ سواحل عمان عند مضيق هرمز والمنطقة الراكدة الواقعة بين البحرين وقطر.

• كتبت مذكراتك؟

ــ للأســف أنــنـي كـتـبـت أكـثــر من 1500 صفحة تقريبا دونت فيها كل ملاحظاتي عن اجتماعاتي الوزارية وغيرها، ووضعتها في خزانة المنزل، وعندما جاء جنود صدام، واقتحموا البيت سرقوا هذه الخزانة وبها المذكرات والصور فذهبت ولن تعود أبدا.

• دكتور.. في أي محطة سيتوقف قطارك العملي؟

ــ أعـتـقــد أنـنـي لن أموت نائما على فراشي إلا إذا أراد الله ذلك لي، لأنني أحب العمل والحركة ولا أرتاح إلا بهماـ إلا إذا كنت مريضا، فبالإجبار أجلس في البيت، أنا ابن الصحراء ولا أتحمل العيش من دون عمل وليت الشباب ينافسونني فالميدان يا حميدان.