ضمن سلسلة كتاب العربي الفصلية التي تقدم مجموعة من المقالات والموضوعات لكاتب واحد، والتي تصدرها (مجلة العربي) الشهرية عن وزارة الاعلام بدولة الكويت، صدر العدد (63) وهو كتاب بعنوان «نبش الغراب» المجموعة الثانية - للأديب الراحل محمد مستجاب، ويقع في 230 صفحة من القطع الصغير، وقدم للكتاب في حالة تبدو فريدة واستثنائية «محمد مستجاب» (الابن).
والكتاب عبارة عن فصلين رئيسيين الاول: «الانسان وأشياؤه»، والثاني: «طيور الجنة وحيواناتها«.
المعروف ان مستجاب كان يتمتع اسلوبه بالسخرية اللاذعة والنقد الاجتماعي الحاد الذي يكاد يدعو للثورة على الواقع والمطالبة باعادة تغييره الى الافضل، فيما يشبه النزوع الى «الطوباوية» أو المثالية، بعكس شخصية مستجاب الراحل التي كانت تتسم بالفكاهة وحب المرح والدعابة مع الاخرين.
وربما نرى في «مقدمة» (محمد الابن) لكتاب نبش الغراب لمستجاب (الأب) ما يشي بالتواصل والاستمرارية بينهما في ذات المنحى او الاتجاه الذي اراده «مولانا مستجاب» على حد تعبير ابنه الذي يحاول في «المقدمة» تقديم «صورة عن قرب» لمستجاب الوالد.
ولعله مما يؤكد ذلك ما يقول (محمد) موجها خطابه لقارئ كتاب أبيه، حيث يقول: «يا معشر القراء. نقر - نحن «ال مستجاب» - بأننا تسلقنا أعلى ما في الارض من جبال كي نخطب فيكم، لكي تتنبهوا لندائنا، وأول النداءات ان نقرأ الفاتحة على ذكرى أبي - المغفور له - محمد مستجاب. وثاني تلك النداءات ان تساعدونا لكي نقيم له مقاما محمودا .يا معشر القراء ارجوكم لاتحسدونا - نحن «ال مستجاب» - على ذلك المقام، لانكم جميعا، تعيشون فيه - رعاكم الله ورعانا، الى النهاية الموفقة المأمولة - وسوف نضع على المقام حجرا رخاميا من المرمر الاحمر النادر، نقش عليه بالذهب وليس بماء الذهب - ينقش عليه اعتى الخطاطين العالميين، ويكتب عليه: هنا يرقد المغفور له «ولد ذكر من صلبك، تضيع عينه اليمني جهلا واليسرى ثقافة، يهلك اطنانا من التبغ وأبيات الشعر والشاي والمبادئ والملوك والخفراء والثرثرة والشعارات والوزراء، يكون رؤوما قلقا جامحا لصفات الكلاب والعصافير والحنظل والحشرات والأبقار، يداهمكم بقصصه القصيرة، حتى يقضي نحبه مجللا بآيات الفخار في العراء على قارعة الوطن».
هكذا كانت «مقدمة» بل «مرثية» محمد لأبيه فهي الى جانب كونها «تلخص» حياة مستجاب الوالد، في وصف يعد - بصدق - «صورة عن قرب» انما تقدم لنا كيف «حال» الكاتب والاديب في العالم العربي (العالم الثالث).
فـ «مولانا مستجاب تحس انه يصلح زعيما لجماعة (عصابة أفضل) تقطع الطريق على فنون القول والحكي والرواية (والتي بدأ سحرها يضمحل تحت سطوة اللهجة التلفزيونية الركيكة المصطنعة) يكون زعيما لأسرة من عشاق الأدب والقصة الملفوفة بالفلكلور.
وتجئ كلمات «الابن» في خطابه«لذ؛وى» والده مستجاب لتؤكد ما قلناه من الاصرار على مواصلة المسيرة على درب الكلمة والأدب، حيث يخاطبه قائلا: «مولانا مستجاب» نحن نشهد ونتعاهد ونعاهدك بأننا سنظل نقف حراسا اشداء لواحتكم العربية الطاهرة الجميلة، حراسا ضد فقر الفكر والتوجس والشر والرعب والاعتزال، سوف تظل واحتك، كما هي، كما كانت كل بلاد الله والقرى والمدن، ملكا مشاعا لخيالك الفسيح الرحب، بتكوينك الفاتن المتفرد اينما ظهرت».
بل يقول «محمد» - بصراحة ووضوح لامزيد عليه «نعاهدك يا «مولانا مستجاب» على اننا سوف نحمل رايتك ونسير على مبادئك واحكامك والتي تنص على اننا يجب ان نثق ان السمك يعيش في الماء والوطواط في الخرائب والمدرسين في المدارس والطمأنينة في الموت، والثعالب في المزارع، والرهبان في الأديرة، والخداع في الكتب والحب في الشقوق.
في هذا الكتاب يتحدث الراحل «مستجاب» عن مشتملات جسم الانسان، القلب، الدم، الجلد، الصدر، العين، الاذن، اليد، القدم، في الفصل الاول من كتابه، لكنه ليس حديثا في «الطب» كما قد يتبادر الى الذهن، وانما حديث عن «محتويات» القلب من معان وعواطف ومشاعر وقيم انسانية نبيلة يختزلها هذا «العضو» الكائن في اعلى منطقة الصدر من جسم الانسان، فنجد مستجاب يقص لنا حكايات ومواقف لمسها من «قلب» امه الرحيم، التي في لحظات عنفوان استرحامها الساخن تروح تضرب صدرها بكف يدها كلما حاق بي اذى السقوط بين الطوب والحصا والاعشاب وجذوع النخل، لتصرخ: يا قلبي!! وهو تعبير يعلو - كما يقول الراحل مستجاب - على أفخم الألقاب».
ثم يتحدث الكاتب بعد ذلك عن «الدم» الذي يراه «حامل اللوعة والشوق والجراثيم والحمق والسكر والبولينا، هو هذا السحر الأرجواني الغامض المنساب في العروق نارا وعشقا وهدوءا ورغبة وخادما وأمينا، يحمل لكل اعضاء الجسد القوت والشراب يتدفق من القلب في نبضات هي منيع بحور الشعر ومصدر آهة الألم الكبرى، وطاقة السعي والدأب والعناد والاسترخاء والاسترحام والاشواق، ومع ذلك فكثيرون يمكنهم الحياة دون ان يكون لديهم «ذرة» من الدم!!».
اما «الجلد» فهو عند مستجاب يقوم باخفاء المشاعر امام الآباء والرؤساء والأزواج والاطفال وكلما تهذب الجلد ازدادت درجة شفافية الحلوة.
وفي اقوال السلف «ما حك جلدك مثل ظفرك»، ثم يتحدث الكاتب بعد ذلك عن معاني ودلالات «الجلد» في اللغة الذي يعني رمزا للهوية والفصيلة تارة، والتجليد الذي هو في تغشية الكتب اي تغطيها او تغليفها بالجلد تارة اخرى.
وهكذا وبنفس الطريقة يواصل «مستجاب» حديثه عن بقية اعضاء الجسم.
اما الفصل الثاني من «نبش الغراب» فيتناول فيه الاديب «مستجاب» شرح معنى الالفاظ والكلمات العربية وتوضيح دلالاتها في الاستعمال الانساني في المجالات المختلفة، فهناك عشرون لفظا هي: العش والعيشة، الحمام، طريق البجع، التجريد والجراد، وهلم جرا، الغراب، الدودة، الضفدع، السلحفاة، الثعبان، الفأر، الخروف ذو السر الباتع، الثور.. وثورات اخرى، البغل، الحمار، القرد، والقط.
فكل هذه الكلمات يعرض لها مستجاب شارحا معانيها تارة ومبينا استعمالاتها اللغوية بأسلوب ساخر جذاب.
والكتاب عبارة عن فصلين رئيسيين الاول: «الانسان وأشياؤه»، والثاني: «طيور الجنة وحيواناتها«.
المعروف ان مستجاب كان يتمتع اسلوبه بالسخرية اللاذعة والنقد الاجتماعي الحاد الذي يكاد يدعو للثورة على الواقع والمطالبة باعادة تغييره الى الافضل، فيما يشبه النزوع الى «الطوباوية» أو المثالية، بعكس شخصية مستجاب الراحل التي كانت تتسم بالفكاهة وحب المرح والدعابة مع الاخرين.
وربما نرى في «مقدمة» (محمد الابن) لكتاب نبش الغراب لمستجاب (الأب) ما يشي بالتواصل والاستمرارية بينهما في ذات المنحى او الاتجاه الذي اراده «مولانا مستجاب» على حد تعبير ابنه الذي يحاول في «المقدمة» تقديم «صورة عن قرب» لمستجاب الوالد.
ولعله مما يؤكد ذلك ما يقول (محمد) موجها خطابه لقارئ كتاب أبيه، حيث يقول: «يا معشر القراء. نقر - نحن «ال مستجاب» - بأننا تسلقنا أعلى ما في الارض من جبال كي نخطب فيكم، لكي تتنبهوا لندائنا، وأول النداءات ان نقرأ الفاتحة على ذكرى أبي - المغفور له - محمد مستجاب. وثاني تلك النداءات ان تساعدونا لكي نقيم له مقاما محمودا .يا معشر القراء ارجوكم لاتحسدونا - نحن «ال مستجاب» - على ذلك المقام، لانكم جميعا، تعيشون فيه - رعاكم الله ورعانا، الى النهاية الموفقة المأمولة - وسوف نضع على المقام حجرا رخاميا من المرمر الاحمر النادر، نقش عليه بالذهب وليس بماء الذهب - ينقش عليه اعتى الخطاطين العالميين، ويكتب عليه: هنا يرقد المغفور له «ولد ذكر من صلبك، تضيع عينه اليمني جهلا واليسرى ثقافة، يهلك اطنانا من التبغ وأبيات الشعر والشاي والمبادئ والملوك والخفراء والثرثرة والشعارات والوزراء، يكون رؤوما قلقا جامحا لصفات الكلاب والعصافير والحنظل والحشرات والأبقار، يداهمكم بقصصه القصيرة، حتى يقضي نحبه مجللا بآيات الفخار في العراء على قارعة الوطن».
هكذا كانت «مقدمة» بل «مرثية» محمد لأبيه فهي الى جانب كونها «تلخص» حياة مستجاب الوالد، في وصف يعد - بصدق - «صورة عن قرب» انما تقدم لنا كيف «حال» الكاتب والاديب في العالم العربي (العالم الثالث).
فـ «مولانا مستجاب تحس انه يصلح زعيما لجماعة (عصابة أفضل) تقطع الطريق على فنون القول والحكي والرواية (والتي بدأ سحرها يضمحل تحت سطوة اللهجة التلفزيونية الركيكة المصطنعة) يكون زعيما لأسرة من عشاق الأدب والقصة الملفوفة بالفلكلور.
وتجئ كلمات «الابن» في خطابه«لذ؛وى» والده مستجاب لتؤكد ما قلناه من الاصرار على مواصلة المسيرة على درب الكلمة والأدب، حيث يخاطبه قائلا: «مولانا مستجاب» نحن نشهد ونتعاهد ونعاهدك بأننا سنظل نقف حراسا اشداء لواحتكم العربية الطاهرة الجميلة، حراسا ضد فقر الفكر والتوجس والشر والرعب والاعتزال، سوف تظل واحتك، كما هي، كما كانت كل بلاد الله والقرى والمدن، ملكا مشاعا لخيالك الفسيح الرحب، بتكوينك الفاتن المتفرد اينما ظهرت».
بل يقول «محمد» - بصراحة ووضوح لامزيد عليه «نعاهدك يا «مولانا مستجاب» على اننا سوف نحمل رايتك ونسير على مبادئك واحكامك والتي تنص على اننا يجب ان نثق ان السمك يعيش في الماء والوطواط في الخرائب والمدرسين في المدارس والطمأنينة في الموت، والثعالب في المزارع، والرهبان في الأديرة، والخداع في الكتب والحب في الشقوق.
في هذا الكتاب يتحدث الراحل «مستجاب» عن مشتملات جسم الانسان، القلب، الدم، الجلد، الصدر، العين، الاذن، اليد، القدم، في الفصل الاول من كتابه، لكنه ليس حديثا في «الطب» كما قد يتبادر الى الذهن، وانما حديث عن «محتويات» القلب من معان وعواطف ومشاعر وقيم انسانية نبيلة يختزلها هذا «العضو» الكائن في اعلى منطقة الصدر من جسم الانسان، فنجد مستجاب يقص لنا حكايات ومواقف لمسها من «قلب» امه الرحيم، التي في لحظات عنفوان استرحامها الساخن تروح تضرب صدرها بكف يدها كلما حاق بي اذى السقوط بين الطوب والحصا والاعشاب وجذوع النخل، لتصرخ: يا قلبي!! وهو تعبير يعلو - كما يقول الراحل مستجاب - على أفخم الألقاب».
ثم يتحدث الكاتب بعد ذلك عن «الدم» الذي يراه «حامل اللوعة والشوق والجراثيم والحمق والسكر والبولينا، هو هذا السحر الأرجواني الغامض المنساب في العروق نارا وعشقا وهدوءا ورغبة وخادما وأمينا، يحمل لكل اعضاء الجسد القوت والشراب يتدفق من القلب في نبضات هي منيع بحور الشعر ومصدر آهة الألم الكبرى، وطاقة السعي والدأب والعناد والاسترخاء والاسترحام والاشواق، ومع ذلك فكثيرون يمكنهم الحياة دون ان يكون لديهم «ذرة» من الدم!!».
اما «الجلد» فهو عند مستجاب يقوم باخفاء المشاعر امام الآباء والرؤساء والأزواج والاطفال وكلما تهذب الجلد ازدادت درجة شفافية الحلوة.
وفي اقوال السلف «ما حك جلدك مثل ظفرك»، ثم يتحدث الكاتب بعد ذلك عن معاني ودلالات «الجلد» في اللغة الذي يعني رمزا للهوية والفصيلة تارة، والتجليد الذي هو في تغشية الكتب اي تغطيها او تغليفها بالجلد تارة اخرى.
وهكذا وبنفس الطريقة يواصل «مستجاب» حديثه عن بقية اعضاء الجسم.
اما الفصل الثاني من «نبش الغراب» فيتناول فيه الاديب «مستجاب» شرح معنى الالفاظ والكلمات العربية وتوضيح دلالاتها في الاستعمال الانساني في المجالات المختلفة، فهناك عشرون لفظا هي: العش والعيشة، الحمام، طريق البجع، التجريد والجراد، وهلم جرا، الغراب، الدودة، الضفدع، السلحفاة، الثعبان، الفأر، الخروف ذو السر الباتع، الثور.. وثورات اخرى، البغل، الحمار، القرد، والقط.
فكل هذه الكلمات يعرض لها مستجاب شارحا معانيها تارة ومبينا استعمالاتها اللغوية بأسلوب ساخر جذاب.