-A +A
سلمان بن فهد العودة
تأملت المعصية؛ فوجدتها إنما كانت حراما وحوبا؛ لأنها نقطة سوداء محاطة بستة ألوان من الخطر، لا يكاد يسلم صاحبها من أحدها، وربما أصابته جميعا.
أولها: المرض، وحسب تقرير لبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز 24-11-2009، أن 25 مليون شخص قضوا بفيروس الإيدز في العالم وأن 60 مليوناً أصيبوا به منذ ظهوره.
وربما كان سبب المرض مقارفة واحدة لساعة أو بعض ساعة أو لعشر دقائق، لم يجد صاحبها فيها ما كان يتخيّله من المتعة والسرور، ويتذكر أنه كره ريحة صاحبته، أو استقذر سنها، أو مقت بعض خلقها،
لو فكر العاشق في منتهى حسنِ الذي يسبيه لم يسبه
ولكن مضى القدر وجف القلم بما هو لاقٍ!
وفي الحديث «لم تظهر الْفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا، بها إلا فشا فيهِم الطاعون والْأوجاع، التي لم تكن مضت في أسلافهِم الذين مضوا» رواه ابن ماجه وأبو نعيم والحاكم وقال: صحيح الإسناد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ثانيها: الفضيحة، وهي قد تكون بالمرض الذي ينبني عن علاقة محرمة مكتملة، وقد تكون بتوثيق الحادثة؛ تصويراً أو إشهاراً واستفاضة، يتسامع بها الناس، وقد تكون بظهور الآثار من السكر أو غيره.
ثالثها: الإدمان، وقد يبدأ الأمر باستطلاع أو استكشاف أو تجربة أو رغبة غامضة، ثم يتكرر بسبب الاستسهال ويتطور من فعل سهل إلى ما هو أبعد منه، وما كان تحصل به اللذة أمس قد لا تحصل به اليوم، فيحتاج إلى تركيز ومضاعفة واستجماع وسائل المتعة الحرام، فالكأس الأولى لم تعد كافية، فتكرر الجرعة، وهل من مزيد!
وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها
رابعها: الفقر، إذ المبتلى بمعصية تغلغلت في عروقه وتمكنت من سويدائه؛ مستعد لبذل الغالي والنفيس في سبيل تحصيلها، وهو لا يفرح بالمال لينفقه في وجوه الخير، ولا ليوسع به على عياله، ولا ليستثمر، بل ليحصل به على المزيد من لذته وشهوته، وهو لا يحسب للمال حساباً قل أو كثر، لا غرو سيشتري قرصاً بدرهم أو مائة أو ألف، فالسم المتلمظ في عروقه يلح عليه ويلازمه ويطالبه مطالبة الغريم الذي لا يمل ولا يفتر.
وعن ثوبان قال قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- «إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد الْقدر إلا الدعاء ولا يزيد فى العمر إلا البر» رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
خامسها: عذاب الضمير، وهو التأنيب والتقريع، أخللت بحق نفسك ووضعتها في غير موضعها، أفسدت نظام الأسرة وسننت لها سنة سيئة، اغتيال براءة الأطفال لم يكن خياراً حسناً، الإخلال بحقوق الآخرين، امرأة ورطتها، علاقة شرعية أفسدتها، مال حرام استحللته، طفل يدلف إلى الحياة عبر المجهول لا يعرف أباه، كنت سبباً في نشر السوء والفاحشة وتسهيل أمرها وإشاعتها.
يحاول أن يباح العشق حتى *** يرى ليلاه وهي بلا حجاب!
عذابات متواصلة، وآلام متزايدة، وهموم وغموم، وخواطر سيئة، ومخاوف متصلة، ونوم متقطع، وبعد هذا أعصاب مشدودة، ونفسية سيئة، وقابلية سريعة للاشتعال، فالضحية الزوجة والأطفال والمحيطون بك ممن يصطلون بنار الغضب السريع، والتهجم غير المسوغ، والصراخ المفضي إلى الكراهية، والإحساس بمقت الحياة حين تكون إلى جوارك.
هل يستطيع العاصي أن يملك نفساً هادئة وأعصاباً لينة، وقدرة على التعايش مع المحيطين دون توتر أو قلق؟
لا أظن!
إلا أن يكون ممن لا يعرف معنى «المعصية» ممن لم يتصل بعلمه تحريم، ولم تقرع أذنه النصوص المخوفة والوعيد المجلجل.
وفي البخاري يقول ابن مسعود رضي الله عنه:« إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبلٍ يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه ». فقال به هكذا قال أبو شهاب: بيده فوق أنفه.
سادسها: عذاب الآخرة، وأعظمه الحجاب عن الرب، والحرمان من مرضاته، ومن رؤية وجهه، ومن سماع كلامه، والأنس بقربه، وهو أعظم النعيم وأساسه (للذين أحسنوا الْحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الْجنة هم فيها خالدون * والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من اللَه من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليلِ مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (يونس:27،26).
والوعيد وإن كان لأصحاب السيئات الكبرى المتعلقة بالكفر والجحود، فإن لأصحاب المعاصي العظام نصيباً منه إن لم يتجاوز الله عنهم، أو يوفقهم للتوبة.
وما يبدو على الوجوه من الكآبة وسفعات الغضب وملامح الضيق لدى العصاة هو مؤشر على ما وراءه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «إن للحسنة لنورا في القلب وضياء في الوجه وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة لظلمة في القلب وسواداً في الوجه ووهنًا في البدن وضيقاً في الرزق وبغضة في قلوب الخلق».
على أننا نقرر دوماً أن ليس كل معاناة نفسية سببها المعصية، فقد يبتلى المرء باكتئاب أو وسواس أو اضطراب أو قلق، وهي أمراض أو أعراض نفسية، شأنها شأن أمراض الجسد، قد تكون لأسباب بشرية عادية، ويُكفر عن صاحبها بها إذا صبر واحتسب.
فاللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، واغفر لنا ولجميع الخطائين ذنوبهم وحوبهم، وتجاوز عنهم، وأصلح قلوبهم، ووفقهم لطاعتك وتوبتك، ولزوم صراطك المستقيم، والحمد لله رب العالمين.

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 138 مسافة ثم الرسالة