صحافتنا المحلية والكثير من الصحف العربية احتفلت بفوز قائمة الدكتور إياد علاوي بأكثرية الأصوات في الانتخابات النيابية العراقية. بعضها احتفى بما ظنه انحسارا للنفوذ الإيراني، أو تراجعا للتيار الديني، وتفاءل غيرهم لأن التغيير بدا ممكنا من دون إراقة دماء.
بديهي أن تشكيل الحكومة بحاجة إلى أكثر من حساب المقاعد البرلمانية. الأكثرية في النظام العراقي القائم لا تعني عدد المقاعد. فلو تحالف علاوي مع المالكي، وهذا يعطيهما 180 مقعدا، أي نصف البرلمان زائد 18 مقعدا، فلن يمكن لهما تشكيل الحكومة، لأن هذا التشكيل يستثني الأكراد. ولو حصل لخسرت حكومة بغداد نفوذها في كردستان. ولو تحالف المالكي مع الائتلاف الوطني والحزب الإسلامي والتحالف الكردستاني، وهذا يعطيهم 200 مقعد، فلن يستطيعوا أيضا تشكيل حكومة، لأن تمثيل الحزب الإسلامي للسنة العرب مخدوش، لا سيما في شمال وغرب العراق. كما لا يمكن إقصاء قائمة المالكي، فمن دونه سوف تدخل الحكومة في تعقيدات لا تنتهي مع مجالس المحافظات في الوسط والجنوب التي تسيطر على أغلبها قائمة المالكي.
هذه القضايا معروفة لدى العراقيين، ولهذا فإن الجدل لا يتناول تشكيل الحكومة، بل اختيار رئيسها. وذلك لأن رئيس الوزراء هو الحاكم الفعلي في النظام البرلماني. بطبيعة الحال فإن علاوي والمالكي هما أبرز المرشحين، لكن وصولهما إلى الكرسي المنشود مسألة أخرى.
الجميع يريد رئيس حكومة قويا، لكن الجميع أيضا يخشى الرئيس القوي. السبب البسيط لهذا التعارض، هو رغبة الجميع في حكومة تجسد شراكة سياسية فعالة بين أطرافها. وهذا لا يتحقق إذا كان الرئيس قويا إلى الحد الذي يسمح له بالانفراد بالقرار أو احتكار السلطات. ويتهم المالكي بأنه قد فعل ذلك، في بعض الأحيان على الأقل. في 2005 وقع الاختيار على المالكي، لأن الجميع ظنوه سياسيا مغمورا لا يستطيع تجاوز القوى السياسية الكبيرة. لكن ظهر فيما بعد أن هدوء الرجل وبعده عن الإعلام يخفي شخصية قوية وقادرة على استقطاب الدعم الشعبي. والحقيقة أن المالكي قد حقق إنجازات لا يمكن إنكارها، ولا سيما في إعادة إحياء النظام السياسي الذي تعرض لدمار كامل خلال الحرب، كما نجح في فرض الأمن العام ونجح في إبقاء العملية السياسية نشطة وقادرة على استقطاب المزيد من الجماعات الفاعلة على الأرض، بما فيها بعض من تحالفوا ضده. وهذا هو سر نجاحه في إقناع الناخبين بالتصويت لقائمته.
إذن فالسيناريو الأكثر احتمالا هو واحد من اثنين: حكومة تشكلها القوائم الأربع الكبرى، بحيث يتناسب عدد المقاعد الوزارية المعطاة لكل قائمة مع عدد مقاعدها في البرلمان. لكن رئيسها سيكون شخصا أضعف – سياسيا – من المالكي علاوي. أما السيناريو الثاني فهو حكومة برئاسة أحد الرجلين، لكن مع تخفيض حصة قائمته من المقاعد الوزارية إلى ما دون النسبة المعادلة لمقاعدها في البرلمان، بحيث لا يستطيع توجيه مجلس الوزراء حسب مشيئته.
يبدو شخص الدكتور علاوي أكثر قبولا عند الجميع، لكن نقطة ضعفه الرئيسية هي أن شريحة كبيرة من أعضاء قائمته لديهم مشكلات سابقة مع التحالف الكردستاني. في المقابل فإن التيار الصدري الذي حصل على 42 مقعدا والحزب الإسلامي الذي فاز بثمانية مقاعد لا يرتاحون للمالكي. لكن يصعب على الحزب الإسلامي أيضا قبول علاوي، لأن قائمته تجمع منافسيه الرئيسيين.
في كل الأحوال، فإنه يمكن القطع بأن الحكومة القادمة، أيا كان رئيسها، ستضم وزراء من القوائم الأربع الرئيسية. وسيكون لكل من التحالف الكردستاني والائتلاف الوطني وزارة سيادية واحدة على الأقل، وسيكون لكل من قائمتي المالكي وعلاوي ضعف هذه الحصة، كما سيكون للأخيرة الكرسي الثاني في الدولة، أي رئاسة مجلس النواب.
رغم التفاؤل الذي يطبع الساحة العراقية، فإن تشكيل الحكومة قد يستغرق وقتا طويلا. لكن العملية بمجملها تشير إلى أن السلام والديمقراطية في العراق تترسخ يوما بعد يوم، وأن السلطة تنتقل بين ممثلي الشعب من دون دماء أو دموع، خلافا لتقليد عراقي يجري منذ 1936، وفحواه أن لا حاكم يعود إلى البيت في نهاية المدة المحددة لرئاسته، فكل حكام العراق السابقين خرجوا من مكاتبهم إلى القبور أو السجون أو المنافي.
talsaif@dms-ksa.con
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 109 مسافة ثم الرسالة
بديهي أن تشكيل الحكومة بحاجة إلى أكثر من حساب المقاعد البرلمانية. الأكثرية في النظام العراقي القائم لا تعني عدد المقاعد. فلو تحالف علاوي مع المالكي، وهذا يعطيهما 180 مقعدا، أي نصف البرلمان زائد 18 مقعدا، فلن يمكن لهما تشكيل الحكومة، لأن هذا التشكيل يستثني الأكراد. ولو حصل لخسرت حكومة بغداد نفوذها في كردستان. ولو تحالف المالكي مع الائتلاف الوطني والحزب الإسلامي والتحالف الكردستاني، وهذا يعطيهم 200 مقعد، فلن يستطيعوا أيضا تشكيل حكومة، لأن تمثيل الحزب الإسلامي للسنة العرب مخدوش، لا سيما في شمال وغرب العراق. كما لا يمكن إقصاء قائمة المالكي، فمن دونه سوف تدخل الحكومة في تعقيدات لا تنتهي مع مجالس المحافظات في الوسط والجنوب التي تسيطر على أغلبها قائمة المالكي.
هذه القضايا معروفة لدى العراقيين، ولهذا فإن الجدل لا يتناول تشكيل الحكومة، بل اختيار رئيسها. وذلك لأن رئيس الوزراء هو الحاكم الفعلي في النظام البرلماني. بطبيعة الحال فإن علاوي والمالكي هما أبرز المرشحين، لكن وصولهما إلى الكرسي المنشود مسألة أخرى.
الجميع يريد رئيس حكومة قويا، لكن الجميع أيضا يخشى الرئيس القوي. السبب البسيط لهذا التعارض، هو رغبة الجميع في حكومة تجسد شراكة سياسية فعالة بين أطرافها. وهذا لا يتحقق إذا كان الرئيس قويا إلى الحد الذي يسمح له بالانفراد بالقرار أو احتكار السلطات. ويتهم المالكي بأنه قد فعل ذلك، في بعض الأحيان على الأقل. في 2005 وقع الاختيار على المالكي، لأن الجميع ظنوه سياسيا مغمورا لا يستطيع تجاوز القوى السياسية الكبيرة. لكن ظهر فيما بعد أن هدوء الرجل وبعده عن الإعلام يخفي شخصية قوية وقادرة على استقطاب الدعم الشعبي. والحقيقة أن المالكي قد حقق إنجازات لا يمكن إنكارها، ولا سيما في إعادة إحياء النظام السياسي الذي تعرض لدمار كامل خلال الحرب، كما نجح في فرض الأمن العام ونجح في إبقاء العملية السياسية نشطة وقادرة على استقطاب المزيد من الجماعات الفاعلة على الأرض، بما فيها بعض من تحالفوا ضده. وهذا هو سر نجاحه في إقناع الناخبين بالتصويت لقائمته.
إذن فالسيناريو الأكثر احتمالا هو واحد من اثنين: حكومة تشكلها القوائم الأربع الكبرى، بحيث يتناسب عدد المقاعد الوزارية المعطاة لكل قائمة مع عدد مقاعدها في البرلمان. لكن رئيسها سيكون شخصا أضعف – سياسيا – من المالكي علاوي. أما السيناريو الثاني فهو حكومة برئاسة أحد الرجلين، لكن مع تخفيض حصة قائمته من المقاعد الوزارية إلى ما دون النسبة المعادلة لمقاعدها في البرلمان، بحيث لا يستطيع توجيه مجلس الوزراء حسب مشيئته.
يبدو شخص الدكتور علاوي أكثر قبولا عند الجميع، لكن نقطة ضعفه الرئيسية هي أن شريحة كبيرة من أعضاء قائمته لديهم مشكلات سابقة مع التحالف الكردستاني. في المقابل فإن التيار الصدري الذي حصل على 42 مقعدا والحزب الإسلامي الذي فاز بثمانية مقاعد لا يرتاحون للمالكي. لكن يصعب على الحزب الإسلامي أيضا قبول علاوي، لأن قائمته تجمع منافسيه الرئيسيين.
في كل الأحوال، فإنه يمكن القطع بأن الحكومة القادمة، أيا كان رئيسها، ستضم وزراء من القوائم الأربع الرئيسية. وسيكون لكل من التحالف الكردستاني والائتلاف الوطني وزارة سيادية واحدة على الأقل، وسيكون لكل من قائمتي المالكي وعلاوي ضعف هذه الحصة، كما سيكون للأخيرة الكرسي الثاني في الدولة، أي رئاسة مجلس النواب.
رغم التفاؤل الذي يطبع الساحة العراقية، فإن تشكيل الحكومة قد يستغرق وقتا طويلا. لكن العملية بمجملها تشير إلى أن السلام والديمقراطية في العراق تترسخ يوما بعد يوم، وأن السلطة تنتقل بين ممثلي الشعب من دون دماء أو دموع، خلافا لتقليد عراقي يجري منذ 1936، وفحواه أن لا حاكم يعود إلى البيت في نهاية المدة المحددة لرئاسته، فكل حكام العراق السابقين خرجوا من مكاتبهم إلى القبور أو السجون أو المنافي.
talsaif@dms-ksa.con
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 109 مسافة ثم الرسالة