-A +A
محمد الصالحي
كلما قرأت خبرا يفضح عمليات نهب وهدر لأموال الدولة، أبحث سريعا عن الأخ عاشق الفواتير البيضاء المختومة، لعلي أجده وحيلته على رؤوس المفضوحين، فأخيب. فأعود لأبحث بينهم عن موطد العلاقات الشخصية، بكروت تعبئة البنزين الحكومية، فأجده -كالعادة- غائبا عن حفلة فضائح هدر المال وسرقته.
يجيد صاحبنا، المهووس بجمع الفواتير البيضاء المختومة، تحويل كل واحدة منها إلى مبلغ مالي محترم دون إثارة لشكوك الرقيب حين يسأله غدا. يأخذها فارغة من صديقه رجل الأعمال الكتوم للسر، ليسطر على بياضها بعضا من بنات حيله: فشهر يشتري - بالكذب- كراتين أوراق طباعة بـ20 ألف ريال، وبعدها يشتري أدوات مكتبية سريعة الاستهلاك بـ15 ألف ريال، ولا بأس إذا أشترى مرتين على التوالي -وعلى الورق- أحبار طباعة بـ18 ألف ريال. وكل تلك المشتريات ستصير من وقتها جريمة بلا خيوط تمسك بها لجان الرقابة: فمن سيسأله غدا عن الأوراق والأقلام والأحبار، أين ذهبت؟ وإذا سئل فإجابته ستكون مباغتة: «استهلكناها في العمل.. فإدارتنا نشيطة وتستهلك كل ذلك في أيام معدودة». وهكذا يضمن له مصدر دخل لا ينضب؛ مصدر يحسده عليه من تحته وأولئك الذين حرمتهم مواقعهم الإدارية نعمة تلك البنود.

أما صاحبنا، المرابط على خزانات الوقود، فكثيرون يغبطونه على علاقاته الواسعة ويشهدون له بصلة أرحامه ووفائه لأصدقاء حد الكرم، وكل ذلك لأنه يستطيع إرضاء أبنائه وإخوانه وبر والده بكروت بنزين حكومية كل أسبوع، تحت شعار (البنزين مقابل الحب والدعاء). وكثيرا ما ينهي حديثه مع الصديق الجديد الثمين بعبارة لا يختلف عنها أبدا: «أي خدمة أو مساعدة أو كرت بنزين.. فأنا تحت أمرك». محظوظ من يعرف أمثال هذا، حين يكفيه عبء أموال البنزين.
وهؤلاء الذين بالأعلى، هم أكثر الناس إخلاصا لوظائفهم، ولا تظنوا العكس: فأي خطأ بسيط قد يفقدهم ما هم فيه من نعمة، لذا فهم حريصون. هؤلاء لا يحضرون وحيلهم، إلى لجان المساءلة إلا مروا مرور السالمين، هؤلاء يؤمنون بحكمتهم القائلة: «قليل دائم مستور وآمن، ولا كثير مكشوف مفضوح». هؤلاء يأكلون أموال الدولة بكل براءة، ويجلسون على كراسيهم حد الاسترخاء.. حد التخمة.
alsalhi@gmail.com