-A +A
علي محمد الرابغي
قد يكون الفضل للأقدار وحدها.. في خلق هذه اللمحات التاريخية.. التي أقف أمامها ويثور في إحساس بالقصور والعجز عن رسم أبعاد المشاهد التاريخية النادرة ندرة المواقف الإنسانية الكبيرة في جو التأزم والفتن وتلوث الحياة.. وانفجار أسباب الكراهية والحقد والحسد حتى دب الخلاف والصراعات بين أفراد الأسرة الواحدة وأصاب العطب والشروخ والصدع أبنية كانت متماسكة.. فكان أن تهاوت على قارعة الطريق.. ولا حول ولا قوه إلا بالله.
كانت البداية مباراة مدرسية تفجر فيها الحماس كعادة جمهور الكرة غوغائية وفوضى غير منظمة فكان أن نجم عن ذلك عراك.. أصاب فتى من عبيدة قحطان وأصيب فتى من الغوانم.. كاد الحادث البسيط أن يشعل فتيل فتنة عاتية لا تبقي ولا تذر وقد تعيده جذعه.
إذا كانت النفوس كبارا:
وتبرز القيمة العالية لهذه العبارة الشعرية المشحونة بعبق التاريخ وجدول المعاني تستدعي صور الماضي المشحون بالأصالة وبالنبل والبطولة والشهامة.. هنا تحرك الرجال وفي هذه المواقف تبرز قيمة الرجال وعملقة القرار ومن هم وراء اتخاذ الخطوة الأولى والجريئة تلملم الليل وسواد العتمة تحت وضح الحقيقة المضيئة لتدحر مواكب الشياطين، وتقتل فعل الشر في مهده.
عبيدة قحطان وشيم الرجال:
كانت ليلة انتصب تاريخ المواقف الإنسانية مواقف الشرف والنبل احتراما أمام شموخ الشيمة الإنسانية، تلك التي طبعت جباه الصفوة من تلك الأسرة من عبيدة قحطان.. الذين وقفوا صفا في وجه صفوة من الرجال ألف بينهم الشيخ أيمن محمد بركة إسماعيل نجل أمير رابغ السابق وشيخ حرب.. ومعه كوكبة من الرجال هم مع حفظ الألقاب.
حسين محمد القحطاني
عايض محمد القحطاني
صنيتان الضيط من شيوخ عتيبة
مسفر ربيع اليامي
عبدالله بن عبيان اليامي.. وآخرون
والتقى الجمعان صف من قحطان يقابله صف من حرب وانبرى الفريق الأول وكأنما هو يمثل الادعاء، ثم تقدم وجوه الخير وعناوين شخصيات لها رنين الأسماء كرنين المعادن الثمينة وهو أسلوب سائد بين القبائل منذ عرف الناس التاريخ.. فهؤلاء يتقدمون ويقفون حائلا بين الفريق المدعي وبين الفريق الآخر، ويقدم الادعاء لائحة الاتهام في نبرة عالية ويطالبون بأن يبرز لهم والد المتهم وإخوانه، فكان أن برزوا ومشيت ومن معي على بساط الدهشة والاستغراب.. بدد ذلك صوت ارتفع يطلب منهم القسم بأنهم لا يعلمون عن دواعي تلك (الهوشة التي فعلها الصغار).
عندما يكون الكبار كبارا:
تقدم حسين القحطاني وأخوه عائض وصنيتان الضيط وأسهم كل منهم بشفاعته في صوت علا أمام مطالبة الفريق المدعي بالقسم.. ثم تصدى لهذا الموقف مسفر ربيع اليامي وابن عمه الشاعر والأديب المعروف عبدالله بن عبيان اليامي وتحاور الكل.. وبهر الجميع قوة الخطاب البلاغي ونسيج العبارة وكأنما نحن في صالون أدبي، وعفوا فإن الصوالين المخملية يندر أن تجود بمثل هذا البيان العربي الفصيح وبين اللحظة والتو.. فالعبارة تخرج ساخنة تفوح منها معاني النخوة وهي ليست تكريسا للعنصرية بل هي تكريس للمعاني الكريمة وأخلاقيات البادية وأبناء الصحراء كموروث (الجينات) للقمم الشامخة من أولئك الأجداد الأفذاذ وصدق شاعر العربية إذ قال:
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
كانت المفاجأة التي أذهلت الجميع أن قذف كل من مسفر اليامي وعبدالله اليامي (العقل) رمز العزة.. فتلقفها الفريق الآخر قبل أن تسقط على الأرض إشارة إلى أنه قاسم مشترك بين الجميع.. كشعار يوضع على الرأس وفي ذلك دلالات كثيرة ترمز إلى معان أكثر.. لعل في مقدمتها الحفاوة بهذا الشعار ثم هو إعرابا عن قبول الشفاعة..
وهكذا جاء الرد يفتح آفاق المحبة والعفو والصفح ويطوي صفحة (شخمطها عبث الصغار) وهكذا كافأ فريق عبيدة قحطان ضيوفهم ووأد المشكلة في مهدها.
لو أنصف الناس:
وصدق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لو أنصف الناس لاستراح القاضي.
وخليل الحدري:
ورصع بعد ذلك سماء الأمسية الدكتور خليل الحدري الذي تجلى في سمات امتلك من خلالها ناصية الحديث وكان له حضور اشرأبت الرقاب نحو إبداعاته وهو يروي شعر شاعر العامية الكبير راجح العجمي.. لقد صادر الكلام من كل الحاضرين في قدرة أغبطه عليها.. لقد ملأ الزمان والمكان واستحوذ على الأسماع والأبصار في إضافة جديدة وجميلة أيضا رصعت تلك الأمسية.. تحية إعجاب للمضيفين وللدكتور الحدري ولكل من صنعوا تلك اللحظة المليئة بالمفاجآت النبيلة والجميلة.. وحسبي الله ونعم الوكيل.

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 132 مسافة ثم الرسالة