من السهل إشعال النيران، لكن من الصعب إطفاؤها.. من السهل تأجيج المشاعر، ولكن من الصعب احتواء الغضب والتعامل مع المواقف الصعبة بروية واتزان وتعقل.. من السهل المزايدة في المواقف المتأججة، ومن الصعب التمسك بالثوابت في المواقف الصعبة.. ليس هناك أسهل من الكلام الفارغ من أي مضمون منطقي وحكيم، وليس هناك أصعب من الفعل المؤثر والبناء القادر على احتواء الأوضاع المتوترة وتوجيهها الوجهة الصحيحة، بعيداً عن مواطن التوتر وبؤر العنف المجنون. تلك هي الفوارق الأساسية للتمييز بين السياسات البناءة المؤثرة، في الأوضاع العنيفة المتوترة، التي تسود المنطقة الآن، المحتمل امتداد مسرح عملياتها إلى أبعد من مساحة تفاعلها.. وتلك التي تساهم في صب المزيد من الزيت، لتأتي على الأخضر واليابس، ويخسر الجميع، ما تسبب في حدوثه البعض. ليس هذا مجال الكلام في ما يعانيه النظام العربي من انقسام وفرقة وانعدام تأثيره كمجموعة إقليمية على الساحة الدولية.. وعلى مسار حركة الصراع العربي الإسرائيلي... بل وعلى مسار قضايا مصالح العرب العليا وأمنهم القومي... هذه قضية تبدو محسومة، من زمن طويل، وإن حافظ النظام العربي على شكليات حركة مؤسساته وطقوس نظامه القِيمي، فقط من أجل الإعلام بأن الروح ما زالت تتردد فيه، ربما انتظاراً لصحوة حقيقية، قد تأتي أو لا تأتي.
ولكن، هذا لا يعني أن العمل الفردي، بل وحتى الجماعي، على مستوى بعض فعاليات النظام العربي الأساسية، يمكن أن تنطبق عليها هذه الملاحظات اليائسة على أوضاع النظام العربي. هناك فعاليات مهمة ومؤثرة، تتحمل عبء التصدي لقضايا العرب العادلة، بإمكاناتها المتاحة، رغم محدوديتها إلا أنها مؤثرة وفعالة.. وتعكس وجود إرادة عربية حقيقية لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة العربية، وكأن مسيرة التاريخ ادخرتها لهذه المسؤولية الكبيرة، نيابة عن الأمة العربية بأسرها.
هذا هو قدر هذه الفعاليات المهمة في النظام العربي التي تتصدى بإمكاناتها المحدودة، لقضايا الأمة العربية، حيث استمرأ الآخرون استراتيجيات المزايدات.. ونهج الضرب على وتر العواطف وإخفاقات النظام العربي في مواجهة التحديات التي تواجه الأمة. ليت هؤلاء يكتفون بالجانب الإعلامي في خطابهم السياسي الزاعق، للتعامل مع التحديات الاستراتيجية التي تواجه الأمة، ولكنهم يتورطون في مؤامرات من شأنها فتح جبهات جديدة، في الوقت الذي لم يحسم النظام العربي ـ بعد ـ جبهاته المفتوحة مع أعداء الأمة والمتربصين بها. في خضم هذه الفوضى التي يتخبط فيها النظام العربي لينزلق، في كل مرة، من منحدر إلى هاوية، بفعل ممارسات غير مسؤولة من قبل البعض، تدفعهم خدمة مصالح قوىً إقليمية ودولية، لا تخفي عداءها للأمة، تظهر على السطح هذه الفعاليات المخلصة، في النظام العربي، التي ترى قدرها في تحمل مسؤولية الحفاظ على مصالح الأمة وأمنها القومي، لتصلح ما أفسده البعض منا، في لحظة عدم وعي غاب فيه الضمير القومي.. وتعيد مسيرة النضال الحقيقية إلى مسارها الصحيح، دفاعاً عن حقوق الأمة وذوداً عن أمنها القومي.
في خضم هذه الهجمة الشرسة من قبل إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل على الأمة، التي تتفاعل بعنف أرعن مفرط في وحشيته ومبالغ في إظهار عدائه العنصري للعرب وللإنسانية بأسرها، على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية، تتحرك الدبلوماسية السعودية بنشاط ملحوظ لاحتواء ما يحدث من لهيب نارٍ قد يتسع نطاقها لتشمل المنطقة بأسرها. لا نبالغ إذا قلنا إن المملكة تقف وحدها، لتتصدى لهذه الهجمة الشرسة على الأمة، بكل إمكاناتها السياسية والاقتصادية والأخلاقية، من بين بقية أعضاء النظام العربي الآخرين. صحيح أن إدارة المملكة للأزمة تتكامل مع جهود بعض العرب المخلصين الآخرين، لوجود مخرج لهذه الأزمة التي تعزف في المنطقة... ولكن التحرك العربي الوحيد الظاهر في الساحة، على مستوى حركة السياسة الدولية، هو ذلك الذي تقوم به رموز وفعاليات السياسة الخارجية في المملكة. منذ اشتعال الأزمة الأخيرة الذي تسببت فيه سلوكيات غير مسؤولة من داخل النظام العربي غير الرسمي، لتُفتح النار على النظام العربي بأسره، بدأت جهود الدبلوماسية السعودية النشطة والحثيثة لاحتواء الموقف. الأسبوع الماضي كان ولي العهد في باريس ومنها أطلق شرارة الخيارات السعودية المفتوحة لكل الاحتمالات للتعامل مع الأزمة بمستوى خطورتها على أمن المنطقة واستقرارها، عندما ندد سموه، بدون مواربة ولا تردد بالعدوان الإسرائيلي على لبنان وفلسطين، محملاً النظام الدولي بفعالياته ومؤسساته مسؤولية احتواء ما حدث من تصعيد خطير في المنطقة، وإلا فإن الأمور لن يضمن أحد احتواء حركتها التصعيدية المتنامية.
ومن باريس شد الرحال وفد سعودي رفيع المستوى يضم وزير الخارجية وأمين عام مجلس الأمن الوطني، ليضع المسؤولين الأمريكيين أمام مسؤولياتهم التاريخية تجاه السلام.. وتكلم الوفد بصراحة متناهية في البيت الأبيض وأمام وسائل الإعلام الأمريكية، محذراً من عواقب عدم تدارك الوضع، وإلا فإن فرص تدارك الوضع تتضاءل، مع الوقت، حتى تأتي لحظة يندم فيها الجميع، حيث لا ينفع الندم. ومن واشنطن شد الوفد السعودي رفيع المستوى الرحال، إلى لندن، حاملاً نفس الرسالة إلى من تسبب في المشكلة منذ البداية، حتى لا يتعامل مع خطيئته الأولى، بمستوى تجاهله عن تداعياتها التاريخية، حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية مع إسرائيل. ومن لندن شد وفد قافلة الجهود الدبلوماسية السعودية الرحال إلى موسكو، مذكراً بمواقفها التاريخية للتعامل مع الأزمة القضية، حتى لا تشغلها اعتبارات علاقاتها الخاصة مع الغرب، هذه الأيام، عن ما استثمرته في الماضي من علاقات متميزة مع العالم العربي. ليس من المبالغة القول، إن ما يدور في ملتقى روما منذ الأمس، هو أحد وليس منتهى المسعى السعودي الحثيث لتدارك ما أحدثه «سفهاء» الأمة من ضرر كبير على مصالح العرب وأمنهم، على يد أعداء الإنسانية والسلام.
بالرغم من هذه المسعى الدبلوماسي الحثيث من قبل المملكة، للتعامل مع الأزمة بمستوى خطورتها، هناك احتمال ألا تكون الرسالة وضحت للمعنيين بها، بمستوى الوضوح الذي يعكس عزم وتصميم المملكة لتدارك الأمر، قبل أن تطال ألسنة نيرانه الأخضر واليابس، ليس في المنطقة، بل على مستوى العالم، بأسره. وحتى تكون الأمور واضحة لا تحتمل أي لبس أو إساءة تفسير، صدر عن الديوان الملكي، يوم أمس الأول، بيان يحدد بوضوح تقييم المملكة لكامل الموقف، بكل خطورته وتداعياته السلبية، على أمن المنطقة وسلام العالم. لقد كان البيان واضحاً لا يحتاج إلى تفسيرات غير تلك التي تحملها عباراته الفصيحة والواضحة، ليس فقط على مستوى قراءة مؤسسات صناعة القرار، لمن يهمهم الأمر من فعاليات النظام الدولي، بل أيضاً على مستوى المواطن العربي العادي، الذي كان في الفترة الماضية عرضةً لمزايدات ومواقف عنترية جوفاء، استغلت كل سلبيات وتقاعس النظام العربي للتعامل مع الأزمة بكل تاريخ عجز النظام العربي، في التعامل مع قضايا العرب المصيرية.
لقد أوضح البيان أن التنكر للسلام.. واستمراء هذا الضعف المخزي لإغراء القوة الرعناء، لن يقود إلى السلام... بل سوف يقضي على كل فرص السلام... ولن يكون هناك خيار سوى الحرب. العالم، بأسره، كما جاء في البيان عليه أن يقف دون مبادئه.. وأن يستجيب لنداء الإنسانية، انتصاراً للسلام، وإلا فإن نتيجة الاستسلام لخيار الحرب، لن يعلم سوى الله، إلى أين ستؤول إليه الأمور... وقد تكون، في ذلك، نهاية خلافة الله للإنسان على الأرض. بيان غير تقليدي في خطاب الدبلوماسية السعودية... ولكن كان لابد من صدوره، والأزمة في المنطقة تمر في منعطف خطير، يسيطر فيه الخطاب السياسي الغاضب ممن احترف المزايدات واستمرأ اللعب بعواطف الأمة واستهان بمصالحها وأمنها وقامر بحقوقها وقضاياها، من جانب.. ودوي آلة الحرب الإسرائيلية الجهنمية، بكل ما تملكه من نيران وتحدثه من دمار، تساندها قوىً دولية أعمتها عنصريتها وأيدلوجيتها وطموحاتها الكونية، من تبصر مسؤولياتها تجاه السلام، بل حتى تجاه مصالحها في المنطقة والعالم وتجاه أمنها، هي من جانب آخر. ولكن كان لابد من مثل هكذا بيان أن يصدر عشية انعقاد لقاء روما.. والمعركة مستعرة بأوج طاقتها المجنونة حيث يبدو حسمها بعيداً، بُعد تبصر أطرافها لخيار السلام. هذا البيان غير التقليدي، الذي صدر عن الديوان الملكي يوم أمس الأول، لابد أن يزيل أي لبس وأي غموض تجاه انحياز السياسة الخارجية السعودية للسلام. الحرب، أيضاً، لا يمكن استبعادها عند الكلام عن السلام. السلام في حاجة إلى قوىً قادرة على الدفاع عنه، حتى لو اقتضى الأمر أخذ خيار الحرب، في الحسبان. وحتى يكتمل موقف المملكة المنحاز للسلام، حتى ولو تطلب الأمر الأخذ بخيار الحرب للذود عن السلام، عبرت المملكة عن موقفها تجاه كل ما يجري، لتفصل بين أعداء السلام.. وبين ضحايا الحروب العدوانية. عندما تعلن المملكة عن تخصيص 1.75 مليار دولار للفلسطينيين واللبنانيين، تعلن بجلاء ووضوح إلى أي الفريقين، في الصراع المحتدم على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية مع إسرائيل، هي تنحاز. وإلى أي الفريقين، في حالة فشل جهود السلام، تصطف جيوشها وإمكاناتها، عندما لا يكون هناك خيار سوى الحرب.
ترى هل هناك، في كل النظام العربي، من يتصدى- نصرة للسلام واصطفافاً مع الحق وذوداً عن مصالح العرب وأمنهم- غير المملكة. ولكن، في النهاية، هذا هو قدر المملكة، وقيادتها تعرفه حق المعرفة، مهما زايد المزايدون.. ومهما عبث العابثون بمصالح أمن والأمة.. ومهما طغى وبغى أعداء السلام والإنسانية.
ولكن، هذا لا يعني أن العمل الفردي، بل وحتى الجماعي، على مستوى بعض فعاليات النظام العربي الأساسية، يمكن أن تنطبق عليها هذه الملاحظات اليائسة على أوضاع النظام العربي. هناك فعاليات مهمة ومؤثرة، تتحمل عبء التصدي لقضايا العرب العادلة، بإمكاناتها المتاحة، رغم محدوديتها إلا أنها مؤثرة وفعالة.. وتعكس وجود إرادة عربية حقيقية لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة العربية، وكأن مسيرة التاريخ ادخرتها لهذه المسؤولية الكبيرة، نيابة عن الأمة العربية بأسرها.
هذا هو قدر هذه الفعاليات المهمة في النظام العربي التي تتصدى بإمكاناتها المحدودة، لقضايا الأمة العربية، حيث استمرأ الآخرون استراتيجيات المزايدات.. ونهج الضرب على وتر العواطف وإخفاقات النظام العربي في مواجهة التحديات التي تواجه الأمة. ليت هؤلاء يكتفون بالجانب الإعلامي في خطابهم السياسي الزاعق، للتعامل مع التحديات الاستراتيجية التي تواجه الأمة، ولكنهم يتورطون في مؤامرات من شأنها فتح جبهات جديدة، في الوقت الذي لم يحسم النظام العربي ـ بعد ـ جبهاته المفتوحة مع أعداء الأمة والمتربصين بها. في خضم هذه الفوضى التي يتخبط فيها النظام العربي لينزلق، في كل مرة، من منحدر إلى هاوية، بفعل ممارسات غير مسؤولة من قبل البعض، تدفعهم خدمة مصالح قوىً إقليمية ودولية، لا تخفي عداءها للأمة، تظهر على السطح هذه الفعاليات المخلصة، في النظام العربي، التي ترى قدرها في تحمل مسؤولية الحفاظ على مصالح الأمة وأمنها القومي، لتصلح ما أفسده البعض منا، في لحظة عدم وعي غاب فيه الضمير القومي.. وتعيد مسيرة النضال الحقيقية إلى مسارها الصحيح، دفاعاً عن حقوق الأمة وذوداً عن أمنها القومي.
في خضم هذه الهجمة الشرسة من قبل إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل على الأمة، التي تتفاعل بعنف أرعن مفرط في وحشيته ومبالغ في إظهار عدائه العنصري للعرب وللإنسانية بأسرها، على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية، تتحرك الدبلوماسية السعودية بنشاط ملحوظ لاحتواء ما يحدث من لهيب نارٍ قد يتسع نطاقها لتشمل المنطقة بأسرها. لا نبالغ إذا قلنا إن المملكة تقف وحدها، لتتصدى لهذه الهجمة الشرسة على الأمة، بكل إمكاناتها السياسية والاقتصادية والأخلاقية، من بين بقية أعضاء النظام العربي الآخرين. صحيح أن إدارة المملكة للأزمة تتكامل مع جهود بعض العرب المخلصين الآخرين، لوجود مخرج لهذه الأزمة التي تعزف في المنطقة... ولكن التحرك العربي الوحيد الظاهر في الساحة، على مستوى حركة السياسة الدولية، هو ذلك الذي تقوم به رموز وفعاليات السياسة الخارجية في المملكة. منذ اشتعال الأزمة الأخيرة الذي تسببت فيه سلوكيات غير مسؤولة من داخل النظام العربي غير الرسمي، لتُفتح النار على النظام العربي بأسره، بدأت جهود الدبلوماسية السعودية النشطة والحثيثة لاحتواء الموقف. الأسبوع الماضي كان ولي العهد في باريس ومنها أطلق شرارة الخيارات السعودية المفتوحة لكل الاحتمالات للتعامل مع الأزمة بمستوى خطورتها على أمن المنطقة واستقرارها، عندما ندد سموه، بدون مواربة ولا تردد بالعدوان الإسرائيلي على لبنان وفلسطين، محملاً النظام الدولي بفعالياته ومؤسساته مسؤولية احتواء ما حدث من تصعيد خطير في المنطقة، وإلا فإن الأمور لن يضمن أحد احتواء حركتها التصعيدية المتنامية.
ومن باريس شد الرحال وفد سعودي رفيع المستوى يضم وزير الخارجية وأمين عام مجلس الأمن الوطني، ليضع المسؤولين الأمريكيين أمام مسؤولياتهم التاريخية تجاه السلام.. وتكلم الوفد بصراحة متناهية في البيت الأبيض وأمام وسائل الإعلام الأمريكية، محذراً من عواقب عدم تدارك الوضع، وإلا فإن فرص تدارك الوضع تتضاءل، مع الوقت، حتى تأتي لحظة يندم فيها الجميع، حيث لا ينفع الندم. ومن واشنطن شد الوفد السعودي رفيع المستوى الرحال، إلى لندن، حاملاً نفس الرسالة إلى من تسبب في المشكلة منذ البداية، حتى لا يتعامل مع خطيئته الأولى، بمستوى تجاهله عن تداعياتها التاريخية، حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية مع إسرائيل. ومن لندن شد وفد قافلة الجهود الدبلوماسية السعودية الرحال إلى موسكو، مذكراً بمواقفها التاريخية للتعامل مع الأزمة القضية، حتى لا تشغلها اعتبارات علاقاتها الخاصة مع الغرب، هذه الأيام، عن ما استثمرته في الماضي من علاقات متميزة مع العالم العربي. ليس من المبالغة القول، إن ما يدور في ملتقى روما منذ الأمس، هو أحد وليس منتهى المسعى السعودي الحثيث لتدارك ما أحدثه «سفهاء» الأمة من ضرر كبير على مصالح العرب وأمنهم، على يد أعداء الإنسانية والسلام.
بالرغم من هذه المسعى الدبلوماسي الحثيث من قبل المملكة، للتعامل مع الأزمة بمستوى خطورتها، هناك احتمال ألا تكون الرسالة وضحت للمعنيين بها، بمستوى الوضوح الذي يعكس عزم وتصميم المملكة لتدارك الأمر، قبل أن تطال ألسنة نيرانه الأخضر واليابس، ليس في المنطقة، بل على مستوى العالم، بأسره. وحتى تكون الأمور واضحة لا تحتمل أي لبس أو إساءة تفسير، صدر عن الديوان الملكي، يوم أمس الأول، بيان يحدد بوضوح تقييم المملكة لكامل الموقف، بكل خطورته وتداعياته السلبية، على أمن المنطقة وسلام العالم. لقد كان البيان واضحاً لا يحتاج إلى تفسيرات غير تلك التي تحملها عباراته الفصيحة والواضحة، ليس فقط على مستوى قراءة مؤسسات صناعة القرار، لمن يهمهم الأمر من فعاليات النظام الدولي، بل أيضاً على مستوى المواطن العربي العادي، الذي كان في الفترة الماضية عرضةً لمزايدات ومواقف عنترية جوفاء، استغلت كل سلبيات وتقاعس النظام العربي للتعامل مع الأزمة بكل تاريخ عجز النظام العربي، في التعامل مع قضايا العرب المصيرية.
لقد أوضح البيان أن التنكر للسلام.. واستمراء هذا الضعف المخزي لإغراء القوة الرعناء، لن يقود إلى السلام... بل سوف يقضي على كل فرص السلام... ولن يكون هناك خيار سوى الحرب. العالم، بأسره، كما جاء في البيان عليه أن يقف دون مبادئه.. وأن يستجيب لنداء الإنسانية، انتصاراً للسلام، وإلا فإن نتيجة الاستسلام لخيار الحرب، لن يعلم سوى الله، إلى أين ستؤول إليه الأمور... وقد تكون، في ذلك، نهاية خلافة الله للإنسان على الأرض. بيان غير تقليدي في خطاب الدبلوماسية السعودية... ولكن كان لابد من صدوره، والأزمة في المنطقة تمر في منعطف خطير، يسيطر فيه الخطاب السياسي الغاضب ممن احترف المزايدات واستمرأ اللعب بعواطف الأمة واستهان بمصالحها وأمنها وقامر بحقوقها وقضاياها، من جانب.. ودوي آلة الحرب الإسرائيلية الجهنمية، بكل ما تملكه من نيران وتحدثه من دمار، تساندها قوىً دولية أعمتها عنصريتها وأيدلوجيتها وطموحاتها الكونية، من تبصر مسؤولياتها تجاه السلام، بل حتى تجاه مصالحها في المنطقة والعالم وتجاه أمنها، هي من جانب آخر. ولكن كان لابد من مثل هكذا بيان أن يصدر عشية انعقاد لقاء روما.. والمعركة مستعرة بأوج طاقتها المجنونة حيث يبدو حسمها بعيداً، بُعد تبصر أطرافها لخيار السلام. هذا البيان غير التقليدي، الذي صدر عن الديوان الملكي يوم أمس الأول، لابد أن يزيل أي لبس وأي غموض تجاه انحياز السياسة الخارجية السعودية للسلام. الحرب، أيضاً، لا يمكن استبعادها عند الكلام عن السلام. السلام في حاجة إلى قوىً قادرة على الدفاع عنه، حتى لو اقتضى الأمر أخذ خيار الحرب، في الحسبان. وحتى يكتمل موقف المملكة المنحاز للسلام، حتى ولو تطلب الأمر الأخذ بخيار الحرب للذود عن السلام، عبرت المملكة عن موقفها تجاه كل ما يجري، لتفصل بين أعداء السلام.. وبين ضحايا الحروب العدوانية. عندما تعلن المملكة عن تخصيص 1.75 مليار دولار للفلسطينيين واللبنانيين، تعلن بجلاء ووضوح إلى أي الفريقين، في الصراع المحتدم على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية مع إسرائيل، هي تنحاز. وإلى أي الفريقين، في حالة فشل جهود السلام، تصطف جيوشها وإمكاناتها، عندما لا يكون هناك خيار سوى الحرب.
ترى هل هناك، في كل النظام العربي، من يتصدى- نصرة للسلام واصطفافاً مع الحق وذوداً عن مصالح العرب وأمنهم- غير المملكة. ولكن، في النهاية، هذا هو قدر المملكة، وقيادتها تعرفه حق المعرفة، مهما زايد المزايدون.. ومهما عبث العابثون بمصالح أمن والأمة.. ومهما طغى وبغى أعداء السلام والإنسانية.