-A +A
حوار : سامي صـالـح التتر
«من فيض».. من دواخل الأسماء التي يستضيفها هذا الفضاء، نحاول مقاربة جوانب مخزونها الثقافي والمعرفي، واستكناه بواطنها لتمطر، ثم تقديمها إلى الناس، مصطحبين تجاربهم، ذكرياتهم، ورؤاهم في الحياة ومن حولهم، وذلك على شاكلة أسئلة قصيرة وخفيفة في آن معا.
على امتداد عمره الزاهر في دروب الثقافة وإنارة الفكر، مد يدي العطاء لطلاب الدراسات العليا وقطع صلته بالدكتوراة في ليلة شتائية، بعد أن أقنعته نفسه بأن ركضه لم يكن للمعرفة، بل للوجاهة.
عبد الله بن محمد بن حمد الناصر، يطل عبر هذا الفضاء الواسع، ليلقي مساقط الضوء على مساحات تشغل الفكر وتخاطب الوجدان، بذات الخصوصية «الرمزية القصصية» التي يعبر بها عبر مقالاته، من ذلك إحجامه عن نيل شهادة الدكتوراة، وهو المشرف على الطلاب المرشحين لنيل هذه الدرجة العلمية، ورأيه الصريح بكتاب البطون التي تذهب كتاباتهم لبطون الأبقار والبهائم، ورأيه في جامعة الدول العربية التي أوفد إليها ممثلا للمملكة ذات مرة، وغيرها من الطروحات التي تطرق إليها عبر هذا الفضاء.

• ما درجة اعتزازك بـ «عبد الله الناصر»؟
ــ وما شرف أن يمدح المرء نفسه ولكن أخلاقا تذم وتمدح
• عدم حرصك على تزيين اسمك بحرف الدال وأنت المشرف على طلبة الدراسات العليا.. لتفانيك في عملك أم لانشغالك بالأدب والثقافة؟
ــ قطعت صلتي بالدكتوراة في ليلة شتائية، وأنا في القطار عائدا من الجامعة، بعد جدل طويل مع نفسي والتي أقنعتني أن ركضي لم يكن للمعرفة، إنما للوجاهة.
• ماذا تقول لمن حرص على الحصول على الدكتوراة لمجرد التمظهر والفكر خال؟
ــ أقول: إن الشهادة الحقيقية هي «الإنسان» وليست الورقة المقواة، والمزركشة بماء الذهب.
• نسبة الراغبين في نيل الشهادات العليا تفوق كثيرا الحريصين على تنمية الفكر وتنوير الذات.. بماذا تصف هذا الواقع؟
ــ التنوير الحقيقي يأتي عبر ثقافة التقنية ومسابقة المزايين الصناعية، وماعدا هذا فهراء، ورغاء.
• يحسب لك متابعتك وإسهامك في حل مشاكل طلبة الدكتوراة في بريطانيا وتذليلك للعقبات التي تواجههم.. فما الذي يحسب عليك؟
ــ تحسب علي أخطائي الإنسانية والتي لا يخلو منها بشر.. وأشهد أنها كثيرة.
• هل صحيح أنك تسببت في إيقاف بعض الطلبة وقطعت عنهم مخصصاتهم المالية؟ وما الداعي لذلك؟
ــ من دواعي فخري واعتزازي، أن يدي لم تخط حرفا واحدا ضد طالب، طيلة حياتي العملية، وهذا من نعم الله علي.
• من عنيت بقولك: «ما أكثر الطحالب، وما أكثر الغارقين في أبوال الثعالب»؟
ــ هم أولئك الذين يعومون في زبد أنفسهم.
• بماذا تصف الكتابات التي تذهب إلى البطون وليس إلى العقول؟
ــ لا توجد كتابة تذهب إلى البطون، إلا إذا كنت تقصد أن ما يكتبونه كالعلف والشعير، فذلك يذهب لبطون الأبقار والبهائم طبعا.
• ماذا تقول لمن يربط فكره بواقع سياسي معين، وينسى أن السياسة تصنع وتدار في كواليس وزارات الدفاع الغربية، وتنفذ بفلسفة القوة والمصلحة المؤقتة؟
ــ هؤلاء انتهازيون، دجالون، يظهرون وجها وطنيا ويخفون وجها باطنيا نفعيا.
• يغلب على أسلوبك الكتابي الحبكة القصصية التي لا تخلو من الإسقاطات.. من أين استقيت هذا الأسلوب؟
ــ الأسلوب هو شخصية الكاتب.. وهو نتيجة تراكم معرفي وثقافي، وهذه الأشياء هي التي تشكل ملامح الكاتب الفنية.
• هل لجوء الكاتب إلى الأسلوب الرمزي عبر كتاباته.. خوفا من مقص الرقيب أم ممن يعنيهم عبر إسقاطاته؟
ــ ليس بالضرورة.. فهذا ميل فني، قد يعمد الكاتب إليه هروبا من المباشرة، وإغراء القارئ الفطن.
• شبهت العرب بأسراب الدجاج في إحدى مقالاتك.. هل نحن هجين إلى هذه الدرجة؟
ــ نعم في هذه «القصة» تمنيت أن يكونوا كذلك الدجاج الذي قوى أجنحته فحلق وطار.
• ما الذي أردت توصيله للقارئ من هذا المقال تحديدا؟
ــ إن العزيمة والإصرار، يهزمان: الهزيمة والانكسار.
• في حفل ترجلك من منصبك، كان الحضور مميزا والتغطية الصحافية لافتة.. ما سر هذا الإعجاب؟
ــ أسأل أولئك الفتية الكرام، الأوفياء، النبلاء، من الطلاب الذين قاموا بذلك من تلقاء أنفسهم..! والذين أنسوني بعملهم الرائع ربع قرن من التعب والاغتراب. لقد منحوني بذلك أعظم وسام في حياتي.
• تمتعك بشخصية «كاريزمية» حق مكتسب أم شرف تدعيه؟
ـ لا هذا ولا ذاك، فالشخصية في ضعفها أو قوتها، هي تنافر، أو تناغم وتكامل.. يزيد في تكاملها أو ضعفها ظروف ثقافية واجتماعية، مع تراكم الخبرة.
• ما الشعور الذي خالجك لحظة ترجلك من منصبك؟
ــ شعور من ترجل عن جواده بعد طراد وعراك طويل.. وأدين بالشكر لخادم الحرمين الشريفين الذي قبل اعتذاري وإعفائي أمام الطلبة.
• ما الذي عرف الناس أكثر بعبد الله الناصر.. كتاباته الصحافية أم حبه للأدب أم علاقاته الواسعة بالإعلام والإعلاميين؟
ــ أقول لك بكل صدق وصراحة، إن علاقتي بالإعلاميين السعوديين لا علاقة لها بعبد الله الناصر «الكاتب»، فمعظم الذين كتبوا عني هم من الأدباء والنقاد والكتاب العرب، وفي صحف وكتب عربية.
• إسقاط فلسفة الواقع على وقائع التاريخ ونبش ما في القبور.. ماذا يمكن أن نسميه؟
ــ كثر جلادو الموتى في قبورهم هذه الأيام لأنه لا منتصر لهم.. مع أن أحدا من هؤلاء لا يستطيع أن يمس كرامة كلب مسؤول... ولكن حب الظهور الرخيص، لا يمنع بعض المعتوهين من الصياح في المقابر، وطلب منازلة الموتى.. وقديما قال المتنبي:
وإذا ما خلا الجبان بأرض
طلب الطعن وحده والنزالا
• بماذا تصف من اكتشف أن انكسار العرب في عصرنا الراهن، كان نتيجة لحادثة «سقيفة بني ساعدة»؟
ــ أقول: أصحاب سقيفة بني ساعدة هم الذين وصلوا حدود باريس، وتعدوا حدود الصين، أما هؤلاء فلم يفعلوا سوى النباح، في الزمن المباح، أو «المستباح».
• جامعة الدول العربية تبقى الحاضن لمشاكلنا كعرب، رغم أن الأيام أثبتت فشلها في حل مشاكل العرب.. كيف تستقيم هذه المعادلة؟
ــ جامعة الدول العربية دجاجة عمرها أكثر من ستين عاما لا تزال بيضا من بلاستيك.
• ماذا قدم المتفلسفون العرب لتصحيح واقع مجتمعاتهم؟
ــ «بعضهم» خراف تجتر أوراق الفلاسفة، لكنها لا تجيد هضمها كما تهضم الخراف العلف.
• وبمن عليهم الاقتداء إذا ما رغبوا في إحداث الفارق؟
ــ الفيلسوف العظيم كالبركان ينفجر من تلقاء نفسه ولا يستعين بقوة أخرى.
• من هو الأكثر سعادة من الآخر المغفل أم المفكر؟
ــ المغفل بك تأكيد.
• الإيقاظ المغناطيسي هل يفلح مع المفكرين النائمين؟
ــ أعرف التنويم المغناطيسي.. أما المفكرون النائمون فهم كثر في مصحات العالم العربي.
• «سحب الذل» ما نوع المطر الذي تحمله؟
ــ مطر من رصاص، وقنابل منضبة، ومذلة ودماء، وجوع وبكاء.. وسجون سرية.
• الشعب الذي يكون الناطق الرسمي باسم دولته، هو ثغر المسدس.. ما هو مصيره؟
ــ رصاصة في القلب.
• اشتقت إليك.. فطويت صفحة حياتي وهرولت إلى مملكتك.. لمن تقولها؟
ــ وبي ما يذود الشعر عني أقله ولكن قلبي يا ابنة القوم قلب
• لماذا شبه ذلك المتشائم كتابنا بالمهاجرين في نهار الصيف؟
ــ لا أعرف من قال ذلك.. ثم هل الهجرة محرمة في النهار مباحة في الليل؟!، لكن هناك كتابا يهاجرون إلى من لا يقبل هجرتهم.. ولكنه الضعف والهوان وانكسار الشكيمة.
• عندما تجوع عاطفيا إلى من تهرب؟
ــ لا أجوع بحمد الله ولا أهرب.
• حروب التيارات الفكرية فيما بينها لتشكيل ثقافتنا.. من هو الرابح؟
ــ الحروب لا تشكل ثقافة، وإنما تزيد من التمزق والتصدع والجراح، والخاسر الأول هو الوطن.
• ماذا تسمي ذلك التيار الفكري الذي يستمد «طاقته» من خارج حدودنا؟
ــ ليس للفكر حدود مثل الحدود السياسية، الفكر الإنساني العظيم واحد، ومباح لكل الناس والحكمة ضالة المؤمن، ولكن العبرة في الانتقاء.
• متى تتحقق نبوءة يحيى السماوي وترتدي بغداد عفافها، وينهض الشهيد من غفوته، والنخل من كبوته، ويبدأ الميلاد، ويثأر الدم من سفاحه؟
ــ إذا جف صوت العملاء.. وجف الزيت الذي يحرك دبابات الاحتلال الجاثمة على المفارق والطرقات، والصدور، حينها سوف تتعانق النخيل مع منائر العراق.
• المسافات الحضارية إلى ماذا أوصلتك؟
ــ أفادتني كثيرا.. عرفت أن الحضارة الصناعية شيء، والحضارة الإنسانية شيء آخر، تعلمت من الغرب الصدق، والإخلاص في العمل، واحترام حقوق الآخر، والقدرة على الإبداع.. ولكن بكل أسف الغرب واقعه مع شعوبه شيء، وتعامله معنا شيء آخر.
• في درب الزلق.. كيف تسير؟
ــ أسير ثابت الخطوة، ولا أمشي مشية: «الوجي الوحل».
• متى تغلق أذنك مجبرا؟
ــ عندما أسمع هذا الزعيق أو النهيق في كثير من قنواتنا العربية، على أنه غناء وهو بلاء وأي بلاء.
• ومتى تفتح عينيك مختارا؟
ــ افتحهما دائما ولا أغمضهما على قذى، أو أذى.
• كتابك الأول «كتابات معاندة» ماذا يقول لك الآن؟
ــ يقول: إن الرداءة والتفاهة والانبطاحية، تحتاج إلى طاقة هائلة من العناد.
• اعتبرك الطيب صالح ــ رحمه الله ــ كاتب الصحراء، إلى أي مدى أنت كذلك؟.
ــ أنا ابن الشمس، والقمر، والرمل.. وريح الصبا، وأصوات القطا، وحداء الرعاة، وموارد العطش.
• مجموعتك القصصية «حصار الثلج»، نلت عليها جائزة الدولة اللبنانية.. لماذا؟
ــ أولا أشكر الدولة اللبنانية.. أما لماذا فاسأل من منحوني إياها.
• معلمك الأول.. من هو؟
ــ أبي رحمه الله.
• ماذا تعني لك الدرعية اليوم؟
ــ عبق التاريخ.. والبساتين والنخيل، وحبي الأول.
• أين «مزنة» من مجموعتك القصصية: «سيرة نعل»؟
ــ «مزنة» سحابة هطلت ثم اضمحلت.
• كتابك «أمريكا العقلية المسلحة» هل سبب لك حرجا؟
ــ أبدا، ولكنه طرح تساؤلات كثيرة.
• هل تخاف ؟
ــ إذا كان الله في قلبك فلن تخاف شيئا.
• رياضات أخرى تجيدها، غير رياضة الحرف والكلمة؟
ــ الصيد، وركوب الخيل.
• كتبت مرة عن: «الغلافسة» أين هم اليوم؟!.
ــ أوووه.. كثروا وتناسلوا حتى أصبحوا أكثر من فراخ الدجاج.. بفضل كثرة «الحب» بفتح الحاء طبعا.
• ثم ماذا؟
ــ لا أزال أنتظر خروج: «رواية» فرحان مسعود سعيد العربي.
• منك إليهم هذه الكلمات:
غازي القصيبي: أعادك الله يا أبا سهيل قنديلا من الضوء والإبداع.
غادة السمان: أنت رائعة في إبداعك، ووفائك.. أشكر لك ثنائك الجميل.
عبد الله الغذامي: (ياذيب أنا ابنصحك لا تاكل الذيب).
أشجان هندي: أنت امرأة من لغة.
أدونيس: كاتب وشاعر كبير، ولكنك دجال أكبر.. تشتم العرب في كل مكان.. آخرها في تركيا. وتكتب قصيدة مديح في برج العرب في دبي!!. كيف يكون اللؤم والدجل إذن؟!.
فوزية أبو خالد: صدق الصداقة، وصداقة الصدق والإبداع.
عبد الله الماجد: المثقف والأديب والناشر المظلوم من إعلامنا الجحود.
عبد المقصود خوجة: أنت زامر الحي الذي يطرب.. بارك الله في منتداك الأدبي.. وأدام عليك الصحة، وأبقى دارك دوما منبرا للثقافة والمعرفة.



عبد الله بن محمد بن حمد الناصر

• المؤهل العلمي: بكالوريوس لغة وآداب. دبلوم عال في التربية. دبلوم في اللغة الإنجليزية من جامعة هيوستن.
• الخبرة العملية:
ــ عمل في مكتب وزير التعليم العالي والمجلة العربية لمدة أربعة أعوام.
ــ عمل مديرا للشؤون الثقافية في الملحقية السعودية في هيوستن.
ــ عين ملحقا ثقافيا في الجزائر.
ــ عمل ملحقا ثقافيا في بريطانيا وإيرلندا.
ــ مثل المملكة في الجامعة العربية في تونس لمدة سنتين في مشروع (معهد الترجمة العربي) وكان رئيس الجلسات.
ــ رأس تحرير مجلة المبتعث في أمريكا.
ــ يرأس ويشرف على تحرير المجلة الثقافية الصادرة في لندن.
ــ يعمل مستشارا ثقافيا لمعالي وزير التعليم العالي، ومشرفا عاما على الإدارة العامة لشؤون الملحقيات الثقافية في وزارة التعليم العالي السعودية.
ــ عضو مجلس الشورى.
ــ ممثل المملكة في اتحاد البرلمانيين العرب.
• الإنتاج الصحافي:
ــ كاتب زاوية أسبوعية في صحيفة الرياض، بعنوان: «بالفصيح».
ــ كاتب زاوية في مجلة المبتعث، بعنوان: «بالحرف الأبيض».
ــ كاتب زاوية في المجلة الثقافية، بعنوان: «بالحرف الأبيض»
• الإنتاج الأدبي:
(أشباح السراب) دار الساقي للنشر، (حصار الثلج) دار الساقي للنشر، (سيرة نعل) دار رياض الريس للنشر، (الشجرة) ترجمت وطبعت للإنجليزية، (مزنة) تحت الطبع، (ذو الرمة.. الشاعر السينمائي) تحت الطبع، (أحاديث في النقد والأدب)، (أمريكا العقلية المسلحة)، (بالفصيح: كتابات معاندة).
• إنجازاته الأدبية:
ــ نالت مجموعته (حصار الثلج) الميدالية الفضية لمعرض الكتاب العرب عام 2002م.
ــ حصل على جائزة الدولة اللبنانية للآداب في مهرجان صور عام 2003م.
ــ قدمت عن قصة (أشباح السراب) رسالة علمية في جامعة الجزائر.
ــ أذيعت بعض قصصه المترجمة بالإنجليزية في إذاعة البي بي سي الإنجليزية.
ــ كتبت عن أدبه دراسات مطولة للطيب الصالح والدكتور غازي القصيبي والدكتورة سلمى الجيوسي وغادة السمان وياسين رفاعية وشوقي بغدادي وأحمد الفقيه وعبدالله الغذامي.. والعديد من الكتاب العرب.