حينما يأتي ذكر المرأة السعودية فان اسم الدكتورة ثريا عبيد رئيسة صندوق الاسكان في الأمم المتحدة يطل متوهجا كواحدة من بنات الوطن.. استطاعت ثريا عبيد أن تكرس اسمها في الأفق العالمي وان ترسم صورة مضيئة عن واقع المرأة في العالمين العربي والاسلامي خاصة وانها ادخلت نسيج البعد الثقافي في قضايا السكان والتي تتضمن قضايا الشباب والمرأة والأسرة وكل ذلك نابع من خلفية نشأتها في بيئة عربية اسلامية. هنا تتحدث الدكتورة عبيد عن التعاون المشترك بين صندوق السكان في الامم المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي وما تم في هذا الصدد من دراسات ودعم في مجالات الصحة الانجابية والطفولة. واشارت الى ان المملكة كانت من الدول المؤسسة للامم المتحدة وتابعت ان الدول النامية تشهد سنويا وفاة نصف مليون امرأة اثناء الحمل والولادة وجهود الصندوق في دعم الصحة الانجابية وخفض وفيات الرضع.
من خلال موقعك كرئيسة لصندوق السكان في الأمم المتحدة كيف تنظرين الى صورة المملكة في الأمم المتحدة والى أي مدى يمكن أن يكون للمملكة الصوت المسموع داخل أجهزة المنظمة الدولية؟
-المملكة كانت من الدول المؤسسة للأمم المتحدة وقد جاء وقتها الأمير فيصل بن عبدالعزيز ووقع على الاتفاقية بانشاء الأمم المتحدة، فمن الأصل المملكة كان لها منظور معين لدور الأمم المتحدة في العالم خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية والوضع السياسي في ذلك الوقت. يمكن القول ان مشاركة المملكة قد مرت بمراحل مختلفة معظمها مراحل نشيطة من خلال الاتفاق مع الدول الأخرى والاتفاق على مواقف محددة وما الى ذلك.
ولكن مؤخرا ظهر نشاط بارز وواضح للمملكة في الأمم المتحدة، جزء من هذا النشاط يعود بالطبع لاهتمام ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين بأهمية دور المملكة في الأمم المتحدة. فقد تم دعم الوفد السعودي هنا بشباب وبقيادة متميزة ويقوم الأخ الممثل الدائم للمملكة في الأمم المتحدة السفير فوزي عبد المجيد الشبكشي بدور نشيط جدا في الاتصالات المختلفة هنا وفي اللجان الكثيرة والمختلفة داخل الأمم المتحدة. وبالطبع فان الشباب السعوديين الجدد الذين انضموا الى الوفد كان أيضا لهم دور في هذا النشاط.
فقد كانت نتيجة تقوية الوفد بشباب وبتوجيهات أن أصبح الوفد السعودي هنا في الأمم المتحدة أكثر نشاطاً.
الشيء الآخر هو أن المملكة تدفع حصة كبيرة من التزاماتها في الأمم المتحدة في الميزانية العامة للأمم المتحدة نفسها (ميزانية المقر) وكذلك دعم المنظمات والبرامج مثل صندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة اليونيسيف للطفولة وما الى ذلك.
وان كنا على الأقل على مستوى صندوق الأمم المتحدة للسكان أتمنى أن يزيد عطاء المملكة خصوصا لوجودي أنا في الصندوق. وكنت عندما عينت في هذا المنصب أمر خادم الحرمين الشريفين وولي العهد آنذاك (الملك عبد الله بن عبد العزيز) بزيادة حصة المملكة في الصندوق زيادة كبيرة ولكنها مازالت دون آمالي أنا شخصياً. وقد قرر الأمين العام بتجديد ولايتي في المنصب لمرحلة ثانية وهي أربع سنوات تنتهي في 2008 لذلك أتمنى أن يقابل ذلك بعطاء أكبر من قبل المملكة.
رؤية أخرى لعمل المنظمة
هل يمكن القول أن هناك دورا للدكتورة ثريا عبيد التي تقود جهاز صندوق الأمم المتحدة للسكان في المزيد من الابراز لصورة المملكة داخل الأمم المتحدة.
-لا. يأتي صوت المملكة من خلال اشتراكها في اللجان المختلفة للأمم المتحدة وهذا ما يحدث الآن عن طريق وفدها في الأمم المتحدة. ولكن كوني ابنة المملكة وخلفيتي هي خلفية اسلامية عربية فذلك يوجه لدرجة ما نوع العمل الذي أقوم به. فمنذ التحاقي بالعمل أدخلت برنامجاً جديداً على الصندوق وهو البعد الثقافي لقضايا السكان.
ولقد قمنا بنشاطات ودراسات مختلفة تحدد كيف يمكن التعامل مع البعد الثقافي بطريقة ايجابية وليست سلبية في القضايا الخاصة بالشباب والخاصة بالمرأة والخاصة بالأسرة وما الى ذلك. هذا يأتي من خلفيتي بمعنى أن كل مجتمع له ثقافته وله عاداته وله تقاليده وله قيمه. والمفروض أن تكون الأمم المتحدة منظمة دولية سوية بمعنى أن نحترم قيم كل مجتمع ونعمل معه من خلال القيم الايجابية الموجودة به حتى يستطيع المجتمع أن يغير الممارسات السلبية التي قد تضر بصحة المرأة أو تضر بصحة الطفل أو صحة الأسرة. وهذا أمر لم يكن موجودا من قبل وربطناه فعلا بقضية حقوق الانسان المطروحة الآن لأن هناك قضايا تكون فيها المرأة هي المحور الأساسي المطروح في قضايا حقوق الانسان الاجتماعية وفي نفس الوقت يكون البعد الثقافي مطروحا أيضا في هذه القضايا.
هذا هو واقعنا
أحد الأهداف الانمائية للألفية الثالثة التي توصل اليها قادة العالم في عام ألفين كانت خفض الفقر المدقع الى النصف بحول عام 2015. ما دور صندوق الأمم المتحدة للسكان في تحقيق هذا الهدف خاصة في منطقتنا العربية، وأين نحن الآن من هذا الهدف؟.
-هناك ثمانية أهداف انمائية لابد من العمل على تحقيقها حتى عام 2015 ومن هذه الأهداف خفض الفقر، صحة الأم، خفض وفيات الأمهات، الوقاية من مرض الايدز وكذا الرعاية والعلاج للمصابين به. وهناك هدف آخر حول ما يتعلق بالبيئة. من بين الثمانية أهداف هناك خمسة أهداف لها علاقة بقضايا السكان وبرنامج الصندوق الذي اعتمد في القاهرة في المؤتمر العالمي حول السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة سنة 1994. فكيف يمكن الحديث عن الفقر وخفضه اذا لم نستطع أن نأخذ فكرة واضحة عن عدد السكان والتوزيع الجغرافي لهم والتركيب العمري لهم وهذه الأمور هي مؤشرات مهمة لمعرفة الوضع السكاني حتى يتسنى وضع السياسات التي تتعامل مع قضية الفقر.
وكذلك عندما نتحدث عن صحة الأم فان مؤتمر القاهرة للسكان ركز على قضية الصحة الانجابية للمرأة بمعنى تقديم الرعاية الصحية الخاصة بفترات العمر المختلفة للمرأة في فترة ماقبل الانجاب وخلال مرحلة الانجاب وما بعد ذلك.
اذن لا يمكن الحديث عن صحة المرأة دون أن يكون هناك خدمات صحة انجابية كجزء لا يتجزأ من الرعاية الصحية الأولية التي تقدم للفئات في المجتمعات المختلفة. كذلك كيف يمكن أن نتحدث عن صحة الطفل وخفض وفيات الأمهات والأطفال اذا لم تكن هناك خدمات للفقراء تركز على تقديم الخدمات الملائمة للقضايا الصحية للطفل وللأم. نحن نعرف أن السبب الأساسي في وفيات الأطفال هو وفاة الأمهات فعندما تموت الأم يموت كثير من الأطفال بعد ذلك. وعندما نتحدث عن الحماية والوقاية من مرض الأيدز فهذا يعني أنه لابد أن يكون هناك ضرورة لنشر الوعي خصوصا بين الشباب وكذلك تقديم الخدمات الصحية خصوصا للمرأة الفقيرة حيث انها عندما تذهب الى مراكز الصحة الانجابية تستطيع أن تحصل على مجموعة من الخدمات الملائمة لها ومنها خدمات تنظيم الأسرة وخدمات الكشف عن أية أمراض نسائية وكذلك توعيتها حول مرض الايدز والحاجة لعمل الفحوصات اللازمة.
هذه «الرزمة» من الخدمات مهمة جداً، ومن المهم أن تكون متوفرة حتى يستطيع المجتمع أن يحقق الأهداف الانمائية للألفية الثالثة. أما بالنسبة للمنطقة العربية فالسؤال عن الفقر مهم جداً اذ يشير الواقع الى أنه بالرغم من محاولات المنطقة دمج عوامل السكان في مخططات التنمية فان هذه التدابير لم تنعكس بالدرجة المطلوبة على تغيير مستويات ومحددات النمو السكاني وخلق التوازن بين النموين السكاني والتنموي وتحسين نوعية حياة السكان والحد من شيوع الفقر بالدرجة المتوخاة.
اذ انه نتيجة للتراجع في وتيرة الاقتصاد، ووجود معدلات الزيادة السكانية العالية، ووقوع النزاعات السياسية وتبعات الحروب في المنطقة والتزايد في نسبة البطالة وبالذات بين الشباب والنساء فقد انتشر الفقر على نطاق أوسع في الدول العربية حيث تتزايد نسب شيوع الفقر في الدول ذات الوزن السكاني الكبير وترتفع حدتها وسط النساء والشباب والمسنين وخاصة في سكان الريف. وحاليا فان ما يزيد عن خمس سكان العالم العربي الذي يصل الى حوالى 62 مليون نسمة يعيشون بمعدل دخل الفرد يقل فيه عن الدولار الأمريكي الواحد في اليوم وأكثر من نصف السكان (حوالى 145 مليون نسمة) يعيشون بمعدل دخل للفرد يقل عن دولارين في اليوم. وطبعا هناك فوارق كبيرة بين مستويات الفقر في الدول العربية.
الكارثة
تموت كل عام نصف مليون امرأة في البلدان النامية أثناء الحمل أو الولادة، هل استطاع الصندوق أن يحد من هذا الرقم، وما الوسائل التي يتبعها من أجل تقليصه؟.
-في الحقيقة أن قضية أن تموت كل عام نصف مليون امرأة في بلدان الدول النامية شيء يعد ضد كل حقوق الانسان وضد الانسانية. في الحقيقة أيضا أن لدينا أرقاما تقول انه في كل دقيقة تموت امرأة نتيجة مشكلات مرتبطة بالولادة والانجاب ومعظم هذه الحالات يمكن أن تعالج اذا كانت هناك الخدمات الانجابية الملائمة.
ولذا فان خفض معدلات الوفيات للأمهات الناتجة عن الولادة والحمل، وخفض وفيات الرضع والأطفال، الاثنان هنا هدفان انمائيان. وكان مؤتمر القاهرة للسكان قد قام بوضع هدف محدد بخفض الوفيات الخاصة بالمرأة الناتجة عن الحمل الى نصف مستوياتها عام 1990 بحلول عام ألفين، والنصف الآخر بحلول عام 2015. وقد قمنا بمراجعة نتائج ذلك خلال ماتم في العشر سنوات منذ 1994 الى 2004 ووجدنا أن هناك تحسن في مؤشرات وفيات الأمهات في الكثير من دول العالم، الا أنها تبقى عالية جدا في الدول الفقيرة ومعظمها في أفريقيا وكذلك في بعض الدول الاسلامية مثل أفغانستان والباكستان.
أما بالنسبة للمنطقة العربية فنجد أن هناك تقدما. بالطبع دول الخليج مؤشراتها مؤشرات متقدمة وذلك بسبب الخدمات الصحية الموجودة والسهلة التي يمكن أن تصل اليها أية امرأة خليجية. ولكن هناك تحسن في معدلات وفيات الأمهات نرى ذلك في مصر وكذلك في سوريا ولكن في اليمن نجد أن الانجاز في خط وفيات الامهات هو أقل بكثير من الطموح.
ويعتمد الصندوق على استراتيجية خاصة لخفض وفيات الأمهات والأمراض المرتبطة بذلك وذلك عن طريق نهجين النهج الأول هو توفير خدمات الصحة الانجابية حتى تكون ملائمة لاحتياجات الأمهات وتقديم التثقيف والتوعية اللازمة من النواحي الصحية.
ويحث الصندوق على أن تكون هذه الخدمات الصحية متكاملة ومقبولة وميسرة تسهيلا على النساء. أما النهج الثاني فيتعلق بالوقاية ويعتمد الصندوق على التثقيف الصحي للزوجين مع توفير وسائل تنظيم الأسرة المقرة من قبل منظمة الصحة العالمية.
والهدف من تنظيم الأسرة ليس الحد من السكان ولكن التباعد بين الولادات بحيث تستطيع الأسرة أن تخطط للانجاب وتستطيع المرأة أن تستريح ما بين حمل وآخر، وتستطيع كذلك أن تتمكن من أن ينمو الطفل براحة خلال تلك الفترة. وكما نعرف جميعا فان مبدأ تنظيم الأسرة موجود ويقره ديننا الحنيف. ومن الوسائل التي نستخدمها لتخفيض وفيات الأمهات، التأكد أولاً من أن هناك خدمات صحة انجابية متوفرة ومقبولة وسهلة الوصول لها وكذلك ليست مكلفة بحيث تستطيع المرأة الفقيرة أن تستفيد من هذه الخدمات. الشيء الثاني أن يكون هناك وخلال الولادة، (معظم ولادات الدول النامية تحدث في البيت)، أن يكون هناك نساء مدربات على التوليد واكتشاف الحالات التي قد تبدو لهن مستعصية وتستطعن أن يساعدن في نقل الأم الى أقرب مركز صحي يمكن له أن يقدم الخدمات الملائمة.
الشيء الثالث هو وجود مراكز تستطيع أن تصل لها المرأة تقدم فيها خدمات طارئة في حالة الولادات المتعسرة، وهذا ما نسميه بمبدأ الأمومة السالمة أو الأمومة الآمنة عن طريق الولادة النظيفة وتنظيم الأسرة والرعاية -خلال الولادة في الحالات الطارئة وتقديم المعلومات والخدمات النوعية المتعلقة بتنظيم الأسرة والوقاية من التهابات المسالك البولية والأمراض المعدية خاصة فيروس نقص المناعة البشرية ـ الايدز.
تنظيم الأسرة لا تحديد النسل
أكد برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في عام 1994 على مبادئ أولية بالنسبة للمرأة منها المساواة بين الجنسين واستقلال المرأة الذاتي وتملكها، وتعزيز رفاهية الأطفال لاسيما الاناث منهن وحق المرأة في تحديد النسل. الى أي مدى أمكن للصندوق التوصل الى تطبيق هذه المبادئ.
-اسمح لي أولا أن أصحح خطأ شائعاً يتردد كثيرا وهو الخلط بين مفهومين متغايرين أحدهما هو تحديد النسل وثانيهما تنظيم الأسرة. ان تحديد النسل مفهوم مرفوض لما ينطوي عليه من غياب حرية الزوجين في تحديد عدد أبنائهما ومواعيد الانجاب. أي بمعنى آخر أن هذا المفهوم ينطوي على غياب مبدأ الحرية الشخصية التي تمكن الزوجين من تنظيم أسرتهما وتنظيم عدد الأطفال حيث ان ذلك يعتبر حقا من حقوق الانسان.
أما ما نادى به برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في عام 1994 بالقاهرة وما يلتزم به صندوق الأمم المتحدة للسكان فهو منهج تنظيم الأسرة حيث يترك الخيار كاملا للزوجين للتباحث في أمور أسرتهما ورفاهيتها وبخاصة فيما يتعلق بحجم هذه الأسرة وعدد الأطفال المرغوب الحمل بهم. وحيث يقرران الابتعاد عن حمل غير مخطط له، تكون وسائل تنظيم الأسرة المأمونة والفعالة متوفرة لتساعد على المباعدة بين الحمل والحمل الآخر. وفي ذلك اقرار لكرامة البشر وحقوقهم الانسانية وذلك ضمن البعدين القيمي والثقافي للشعوب.
ونحن في صندوق الأمم المتحدة للسكان نركز على أهمية البعدين. أما فيما يتعلق بمبدأ العدل والعدالة بين الجنسين وتمكين المرأة ومجابهة العنف ضدها فانه حق شرعي تقره الأديان السماوية وشرعته جماعات حقوق الانسان. ولقد كرم الاسلام المرأة وأعزها وأقر بذمتها المالية المنفصلة وحض على العلم والعمل ذكورا واناثا وحض الرجال على المعروف والاحسان في معاملة المرأة. وكما جاء في الحديث النبوي الشريف: النساء شقائق الرجال. ولا ضرورة للمزيد في هذا الموضوع للتأكيد على أن برنامج عمل السكان والتنمية مستند في أصله على القيم السماوية التي تحرم العنف ضد المرأة وتطلب وتفرض تكريم المرأة ومساندتها واعطاءها الذمة المالية المستقلة بها.
أما ما نقوم به نحن فهو مجرد متابعة. ففي مجال تعليم البنات نحاول أن نوعي الأم بذلك. وقد بدأنا في ذلك بالمرحلة الابتدائية ونود أن نكمل المراحل الأخرى، لأنه عندما تتعلم البنت تستطيع أن تكون أماً صالحة ومواطنة صالحة في نفس الوقت.
كذلك نقوم بحملات كثيرة للحد من العنف ضد المرأة ليس فقط العنف داخل الأسرة ولكن العنف في المجتمع والعنف في الحروب.
وكما نعرف ونسمع هناك مثلا في أفريقيا وفي دول أخرى أصبح العنف ضد المرأة من وسائل الحروب التي تتبعها الأطراف المتحاربة. وطبعا هذا كله يسقط من كرامة المرأة ويبعدها عن الهدف المطلوب وهو احترام كونها انسانة مستقلة لها كيانها فهي جزء من المجتمع وجزء من الأسرة وهي تعمل مع الرجل لتكون الأسرة سعيدة وليكون المجتمع عادلاً يخدم الجميع.
التحدي
بعد مرور أكثر من 10 سنوات على مؤتمر القاهرة للسكان الذي وضع أهدافا عالمية للسكان والتنمية. أين يقف الصندوق الآن من هذه الأهداف؟.
-في الحقيقة الصندوق لديه نوعان من البرامج. النوع الأول أو البرنامج الأول هو البرنامج الذي نقوم به بتقديم المساعدة الفنية للدول لكي تبني جهازها الاحصائي ولكي تقوم بمسوحات صحية ومسوحات ديمغرافية وكذلك المسح السكاني الذي تقوم به الدولة كل عشر سنوات. ونقوم أيضاً بدراسة ظاهرة الهجرة من الريف الى المدينة والهجرة الدولية، وكذلك قضية الشباب وهم الآن حوالى نصف المجتمع في الدول النامية، وكذلك ظاهرة جديدة تبدو أكثر وضوحاً في الدول النامية وهي قضية الشيخوخة.
هذا هو النوع الأول من البرامج، أما البرامج الأخرى فهي تتعلق بالصحة الانجابية والتأكد من أن الدولة تقوم من خلال مؤسساتها الصحية بتقديم الخدمات الانجابية الملائمة في هذا المجال، خاصة المرأة الفقيرة في الدول الفقيرة.
وفي هذا الاطار نعمل مع وزارات التربية مثلا لنتأكد بأن هناك تثقيفا صحيا حول القضايا الانجابية وتعريف الشاب والشابة كيف يمكن أن يتفهما قضية الصحة الانجابية ويتعاملا معها بنضج ووعي شديدين. وكذلك نسعى مع وسائل الاعلام لنشر التوعية في هذه القضايا المهمة.
أهم ما في ذلك هو أننا لا نعمل في أية دولة الا تلبية لدعوة من حكومتها، وتجد في كل الدول مكاتب صغيرة لنا يوجد بها شخص واحد فقط أو شخصان على الأكثر يحملان صفة الموظف الدولي أما باقي الكادر الذي يعمل في مكاتبنا فهم من أبناء ذلك البلد أي أننا نعتمد على الكادر الوطني ونعتمد على المؤسسات الوطنية في تنفيذ البرامج.
ونرى في ذلك أهمية أولا كصندوق صغير نستطيع توفير ما نقدمه من دعم مالي يمكن أن يساهم بقدر أكبر عندما نعتمد على القدرة الوطنية وكذلك المساعدة في بناء القوى البشرية التي تقوم بتقديم هذه البرامج.
أما بالنسبة لما حدث خلال العشر سنوات الماضية فقد قمنا بعمل مسح في الـ 160 دولة التي لنا فيها برامج وعلاقات ووجدنا في الدول النامية (140 دولة) بعض التغيير فأصبحت هناك دول كثيرة تعتمد دراسة البعد السكاني كجزء من عمليات تخطيط المؤسسات التعليمية والمؤسسات الصحية وما الى ذلك. كذلك وجدنا أن الكثير من الدول قد وضعت قوانين تسهم في تثبيت حقوق المرأة وجعل الحياة داخل الأسرة أكثر عدالة وأكثر تواصلا. وهناك دول كثيرة قامت بوضع برامج توعية للمجتمع وللشباب خصوصا للحماية من الأمراض التناسلية المنتقلة عن طريق مرض الأيدز.
كذلك وجدنا دولاً أخرى تقوم بالتركيز على الشباب كفئة هم ليسوا للمستقبل فحسب ولكن هم أيضا الحاضر. وما نقوم به الآن من برامج لتوعيتهم وخدمتهم ولتعليمهم وما الى ذلك سيؤثر فيما سيكونون عليه في المستقبل. وهو توسيع نطاق هذه البرامج وايجاد التمويل الملائم لكل هذه البرامج والتحدي الأكبر هو فئة الشباب التي يجب أن يفهم بوعي شديد مطالبها والتغيرات التي تمر بها ونحاول توجيهها الى الطريق السوي في عالم سريع التغير.
كيف يتم اختيار سفراء النوايا الحسنة للصندوق؟
-يختار سفراء النوايا الحسنة للصندوق من بين البرلمانيات والبرلمانيين وداعيات وناشطات وناشطي العمل الاجتماعي خاصة في مجال الصحة الانجابية وصحة المرأة وصحة الطفل. وهناك أيضاً الحائزون والحائزات على جوائز عالمية خاصة العاملين في مجال الاعلام والكثير منهم من شخصيات اذاعية وتليفزيونية معروفة وهناك كذلك بعض الممثلين والممثلات ممن لهم مكانة في مجتمعاتهم.
سفراء في بلادهم
ما المهمة الحقيقية لسفراء النوايا الحسنة للصندوق وكيف يرفعون تقاريرهم اليكم، وهل يتلقون مقابلا لعملهم أم أن عليهم أن يساهموا من جانبهم ببعض الأموال لدعم عمل الصندوق؟.
-هناك مجموعة من المهام التي ينبغي لسفراء النوايا الحسنة للصندوق القيام بها وهى: زيارة مشاريع صندوق الأمم المتحدة للسكان والمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الصحة الانجابية وتنظيم الأسرة في الدول النامية في دولة كل منهم أي أن السفير هو سفير أو هي سفيرة في بلدها والهدف من هذه الزيارات هو خلق التشجيع اللازم لتلك المشاريع وجذب وتركيز الاهتمام عليها وكذلك توسيع النقاش حول احتياجات برامج الصحة الانجابية ورعاية صحة الأم والطفل مستشهدين بالأعمال المنجزة والجارية في المشاريع التي قاموا بزيارتها والمطلوب منهم أيضاً أن يكون لهم تواجد بين العامة وفي أماكن تقديم الخدمة وظهور في النشرات الاخبارية وعلى أشرطة الفيديو وأن يشاركوا في المؤتمرات الصحفية ويحلوا ضيوفاً في وسائل الاعلام بالاضافة الى مشاركتهم في النشاطات الرئيسية للحملات الوطنية لصندوق الأمم المتحدة للسكان من أجل كسب التأييد للقضايا التي تهم الصندوق. وفي الدول الأوربية نستعين بهم من أجل المساهمات المالية في الصندوق. وفي كل دولة لنا مكتب يتعامل مع هؤلاء السفراء ويرصد نشاطاتهم ويمكنهم من استيعاب قضية صحة الأم والطفل والصحة الانجابية ومساعدتهم في طرحها بما يتلائم مع كل مجتمع.
تعاون ايجابي مع دول الخليج
وماذا عن دور الصندوق في دول الخليج العربي خاصة المملكة؟
-ان ثمة تعاونا قديما وايجابيا بين صندوق الأمم المتحدة للسكان ودول الخليج العربي ومجلس التعاون، وكذلك مع برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة التنموية (أجفند) برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز والعديد من المؤسسات الأخرى. وأستذكر هنا بعظيم الشكر والامتنان أن أول مبادرة لدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان كان بقرار من جامعة الدول العربية عام 1975 وقيام الشيخ أحمد الأنصاري وزير الشؤون الاجتماعية في دولة قطر آنذاك برئاسة لجنة عربية جمعت تبرعات مالية طوعية بلغت قيمتها 11 مليون دولار أمريكى. وتعاون الصندوق مع دول الخليج العربي ومنظماتها المختلفة هو تعاون ذو شقين أساسيين أولهما يتعلق بقيام الصندوق بتقديم الدعم التقني في مجالات السكان والتنمية المختلفة عن طريق خبرائه الأقليميين كما الحال في مجالات جمع البيانات السكانية والصحية بما فيها التعداد وتحليل البيانات واستخدام معطياتها في عمليات التخطيط التنموي ورسم السياسات والاستراتيجيات السكانية في دول الخليج.
وكذلك الدعم الفني في مجالات دراسة التكافؤ بين الجنسين وتعزيز مشاركة المرأة والتثقيف الصحي والتي تهدف في جملتها الى تعزيز القدرات الفنية لدى الاخصائيين والاخصائيات في دول الخليج العربى.
أما مجال التعاون الثاني فهو يتعلق بالبرامج السكانية وهناك أيضا أمثلة عديدة وقديمة فمذ السبعينات والثمانينيات قام الصندوق بتقديم الدعم لبرامج سكانية في دولة البحرين في مجالي صحة الأمومة والطفولة والمجال السكاني لوزارة الشؤون الاجتماعية وأمن الصندوق استمرار هذه البرامج بدعم مالي سخي من سمو الأمير طلال بن عبد العزيز في عام 3891 عن طريق برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة التنموية. كما دعم التعدادات السكانية وتحليل المعطيات ودمجها في التخطيط التنموي في دولة الكويت.
ونزولا عند رغبة مجلس التعاون ودول الخليج العربي فقد قدم الصندوق دعما برامجيا بالتعاون مع «الأجفند» وصندوق الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» ومنظمة الصحة العالمية لتنفيذ دراسة ميدانية لتقييم صحة الأم والطفل في جميع دول الخيلج العربي والتي كان مردودها عظيما والحمد لله في وضع البرامج الصحية الملائمة لتحقيق الصحة للجميع بدول الخليج العربي عام 1990.
كما قدم الصندوق بالتعاون مع المنظمات السالفة الذكر دعما برامجيا لتنفيذ المرحلة الثانية والخاصة بمسح صحة الأسرة في جميع دول الخليج. أما من حيث البرامج الحالية فهناك برنامج دراسات سكانية مع المملكة وسلطنة عمان في مجال التعداد السكاني واستخدام معطياتها لرسم السياسيات السكانية بتمويل حكومي ضمن اتفاقية ائتمانية مع الصندوق. وقام الصندوق بالتعاون مع سلطنة عمان بتأسيس مكتب له في مسقط يختص بخدمة دول الخليج العربى.
أما فيما يتعلق بالتعاون مع المؤسسات العربية والخليجية في دول الخليج العربي فيوجد تعاون مبارك مع المعهد العربي لانماء المدن في الرياض يهدف لدعم العواصم والمدن العربية لرصد الأوضاع السكانية فيها واستخدام معطيات الرصيد لضمان ايصال الخدمات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لسكان هذه المدن والعواصم بهدف مساهمة الصندوق نحو رفع مستوى معيشة البشر. وقد استهل الصندوق والمعهد باكورة التنفيذ في المدينة المنورة، كما قام الصندوق بالعمل الجاد والتعاون مع سكرتارية المكتب الفني لمجلس دول التعاون الخليجي لتحديد أطر تعاون في مجال السكان والتنمية.
الذرية الصالحة والصحة الانجابية
الثقافة الجنسية هي احدى اهتمامات صندوق السكان. الى أي حد يمكن أن تكون هذه القضية حساسة بالنسبة لبرامج الصندوق في البلاد العربية والاسلامية.
-لقد نشأت في مجتمع عربي اسلامي غني بالقيم والمعاني السامية والثقافة الهادفة لتكريم بني البشر. وكان من ضمن دعوات الجميع بعد فريضة الصلاة أن نطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعطينا الصحة والذرية الصالحة وبمعنى آخر كنا نطلب دائما الصحة الانجابية.
فكما نعلم ان الصحة الانجابية هي حالة رفاه كاملة بدنيا وعقليا واجتماعيا في جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التكاثري ووظائفه وعملياته. وليس مجرد السلامة من المرض أو الاعاقة وذلك حسب تعريف منظمة الصحة العالمية وهو ما اعتمد عليه برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في عام 1994 وأقرته بتوافقية 97 دولة استنادا الى المبدأ المدون في وثيقة المؤتمر والذي ينص على أن لكل بلد الحق السيادي في أن ينفذ التوصيات الواردة في برنامج العمل بما يتماشى مع القوانين الوطنية وأولويات التنمية ومع الاحترام الكامل لمختلف القيم الدينية والأخلاقية والخلفيات الثقافية للشعب ووفقا لحقوق الانسان المعترف بها دوليا. ولقد من الله تبارك وتعالى على عباده بالجهاز التكاثري ضمانا لاستمرار الذرية والبشرية ودعا الى صون هذه النعمة. وكما نعلم فان هناك كما هائلا من الدراسات الطبية قد أثبتت تعرض هذا الجهاز التكاثري لأمراض متعددة بما في ذلك الالتهابات والأمراض التي قد تنتقل بالاتصال بين البشر. الأمر الذي يقود الى معاناة نفسية وجسدية من قبل الأمهات وفي بعض الأحيان الى العقم الثانوي أو المؤقت كما هو الحال عند الاصابة بفيروس نقص المناعة البشرية ومرض الايدز. ولقد أثبتت نتائج دراسات طبية متخصصة في احدى الدول العربية شيوع اصابات مختلفة ومتنوعة بالتهابات وأمراض الجهاز التكاثري بين سكان الريف في ذلك البلد وبنسب تعتبر مرتفعة وقد كشفت الأمهات المصابات عن تضرر كبير ومعاناة مستمرة نتيجة لهذه الاصابات لكنهن كن ملتزمات بسياسة الصمت نتيجة شيوع ثقافة العيب وفاقم الأمر غياب التثقيف الصحي الملائم وباقتناعهن المطلق بأن درء المخاطر هو أفضل من جلب المكاسب كان لزاما العمل بمبدأ الوقاية والعلم بالشيء حيث لايستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.
وأود في هذا الصدد أن أوضح أن الغاية هنا نبيلة في مرماها من حيث خلق الوعي والحفاظ على صحة البشر التكاثرية دونما مخالفة للبعدين القيمي والثقافي للشعوب المختلفة. وعليه فليس المهم ما يطلق على التثقيف الصحي في المجال الانجابي بل المهم محتوى ذلك التثقيف وملاءمته للبعدين القيمي والثقافي لكل مجتمع. وقد تبين للصندوق تسميات متعددة لهذا التثقيف الانجابي معمولا بها في مختلف أنحاء المعمورة حيث سميت تثقيفا بشأن الوالدين وأحيانا تثقيفا بشأن الحياة الأسرية أو تثقيفا سكانيا أو تثقيفا للتخطيط الصحيح للحياة أو مهارات حياتية وما الى ذلك من تسميات وعليه فالمهم في الأمر هو رفع الوعي وحصول الانسان على المعلومات الصحيحة خاصة الشباب حتى يستطيعوا أن يحموا أنفسهم من المخاطر الموجودة في المجتمع في هذه النواحي.
نصون للمرأة حقها في الحياة
ما البرامج التي يمكن أن يشارك فيها صندوق السكان مع مؤسسة الطفولة (اليونسيف) من أجل خلق الأسرة السليمة التي تخدم قضايا المجتمع والتنمية؟.
-في الحقيقة نحن نعمل مع اليونسيف في الكثير من البرامج المشتركة على الصعيد الدولي ولقد حققنا في المنطقة العربية تعاونا سابقا ليس فقط مع صندوق الأمم المتحدة للطفولة «اليونسيف» بل كذلك مع منظمة الصحة العالمية واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وادارة الاحصاء بالأمم المتحدة والعديد من منظمات الأمم المتحدة المتخصصة وكذلك مع «ايسيسكو» وهي المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة التابعة للمؤتمر الاسلامي. ولذلك فمشاركتنا في القضايا التي تخدم المجتمع والتنمية واسعة جدا كما ترى مع مؤسسات اسلامية ومؤسسات عربية وكذلك مؤسسات وطنية.
ونحن الآن نشارك مع اليونسيف ومنظمة الصحة العالمية ومنظمات أخرى في برنامج كبير للحد من وفيات الأمهات وتأمين الأمومة الآمنة وهو برنامج مهم جدا نحاول من خلاله أن نتأكد من وجود هذه الخدمات في الدول الفقيرة لتحسين نوعية الحياة ولحماية الأم من الأمراض خلال الحمل حتى لا تموت عند الولادة. فكما نعلم أن وفيات الأمهات مازالت عالية جدا في الكثير من الدول الفقيرة ونعتبر ذلك اجحافاً بحق المرأة.
من خلال موقعك كرئيسة لصندوق السكان في الأمم المتحدة كيف تنظرين الى صورة المملكة في الأمم المتحدة والى أي مدى يمكن أن يكون للمملكة الصوت المسموع داخل أجهزة المنظمة الدولية؟
-المملكة كانت من الدول المؤسسة للأمم المتحدة وقد جاء وقتها الأمير فيصل بن عبدالعزيز ووقع على الاتفاقية بانشاء الأمم المتحدة، فمن الأصل المملكة كان لها منظور معين لدور الأمم المتحدة في العالم خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية والوضع السياسي في ذلك الوقت. يمكن القول ان مشاركة المملكة قد مرت بمراحل مختلفة معظمها مراحل نشيطة من خلال الاتفاق مع الدول الأخرى والاتفاق على مواقف محددة وما الى ذلك.
ولكن مؤخرا ظهر نشاط بارز وواضح للمملكة في الأمم المتحدة، جزء من هذا النشاط يعود بالطبع لاهتمام ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين بأهمية دور المملكة في الأمم المتحدة. فقد تم دعم الوفد السعودي هنا بشباب وبقيادة متميزة ويقوم الأخ الممثل الدائم للمملكة في الأمم المتحدة السفير فوزي عبد المجيد الشبكشي بدور نشيط جدا في الاتصالات المختلفة هنا وفي اللجان الكثيرة والمختلفة داخل الأمم المتحدة. وبالطبع فان الشباب السعوديين الجدد الذين انضموا الى الوفد كان أيضا لهم دور في هذا النشاط.
فقد كانت نتيجة تقوية الوفد بشباب وبتوجيهات أن أصبح الوفد السعودي هنا في الأمم المتحدة أكثر نشاطاً.
الشيء الآخر هو أن المملكة تدفع حصة كبيرة من التزاماتها في الأمم المتحدة في الميزانية العامة للأمم المتحدة نفسها (ميزانية المقر) وكذلك دعم المنظمات والبرامج مثل صندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة اليونيسيف للطفولة وما الى ذلك.
وان كنا على الأقل على مستوى صندوق الأمم المتحدة للسكان أتمنى أن يزيد عطاء المملكة خصوصا لوجودي أنا في الصندوق. وكنت عندما عينت في هذا المنصب أمر خادم الحرمين الشريفين وولي العهد آنذاك (الملك عبد الله بن عبد العزيز) بزيادة حصة المملكة في الصندوق زيادة كبيرة ولكنها مازالت دون آمالي أنا شخصياً. وقد قرر الأمين العام بتجديد ولايتي في المنصب لمرحلة ثانية وهي أربع سنوات تنتهي في 2008 لذلك أتمنى أن يقابل ذلك بعطاء أكبر من قبل المملكة.
رؤية أخرى لعمل المنظمة
هل يمكن القول أن هناك دورا للدكتورة ثريا عبيد التي تقود جهاز صندوق الأمم المتحدة للسكان في المزيد من الابراز لصورة المملكة داخل الأمم المتحدة.
-لا. يأتي صوت المملكة من خلال اشتراكها في اللجان المختلفة للأمم المتحدة وهذا ما يحدث الآن عن طريق وفدها في الأمم المتحدة. ولكن كوني ابنة المملكة وخلفيتي هي خلفية اسلامية عربية فذلك يوجه لدرجة ما نوع العمل الذي أقوم به. فمنذ التحاقي بالعمل أدخلت برنامجاً جديداً على الصندوق وهو البعد الثقافي لقضايا السكان.
ولقد قمنا بنشاطات ودراسات مختلفة تحدد كيف يمكن التعامل مع البعد الثقافي بطريقة ايجابية وليست سلبية في القضايا الخاصة بالشباب والخاصة بالمرأة والخاصة بالأسرة وما الى ذلك. هذا يأتي من خلفيتي بمعنى أن كل مجتمع له ثقافته وله عاداته وله تقاليده وله قيمه. والمفروض أن تكون الأمم المتحدة منظمة دولية سوية بمعنى أن نحترم قيم كل مجتمع ونعمل معه من خلال القيم الايجابية الموجودة به حتى يستطيع المجتمع أن يغير الممارسات السلبية التي قد تضر بصحة المرأة أو تضر بصحة الطفل أو صحة الأسرة. وهذا أمر لم يكن موجودا من قبل وربطناه فعلا بقضية حقوق الانسان المطروحة الآن لأن هناك قضايا تكون فيها المرأة هي المحور الأساسي المطروح في قضايا حقوق الانسان الاجتماعية وفي نفس الوقت يكون البعد الثقافي مطروحا أيضا في هذه القضايا.
هذا هو واقعنا
أحد الأهداف الانمائية للألفية الثالثة التي توصل اليها قادة العالم في عام ألفين كانت خفض الفقر المدقع الى النصف بحول عام 2015. ما دور صندوق الأمم المتحدة للسكان في تحقيق هذا الهدف خاصة في منطقتنا العربية، وأين نحن الآن من هذا الهدف؟.
-هناك ثمانية أهداف انمائية لابد من العمل على تحقيقها حتى عام 2015 ومن هذه الأهداف خفض الفقر، صحة الأم، خفض وفيات الأمهات، الوقاية من مرض الايدز وكذا الرعاية والعلاج للمصابين به. وهناك هدف آخر حول ما يتعلق بالبيئة. من بين الثمانية أهداف هناك خمسة أهداف لها علاقة بقضايا السكان وبرنامج الصندوق الذي اعتمد في القاهرة في المؤتمر العالمي حول السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة سنة 1994. فكيف يمكن الحديث عن الفقر وخفضه اذا لم نستطع أن نأخذ فكرة واضحة عن عدد السكان والتوزيع الجغرافي لهم والتركيب العمري لهم وهذه الأمور هي مؤشرات مهمة لمعرفة الوضع السكاني حتى يتسنى وضع السياسات التي تتعامل مع قضية الفقر.
وكذلك عندما نتحدث عن صحة الأم فان مؤتمر القاهرة للسكان ركز على قضية الصحة الانجابية للمرأة بمعنى تقديم الرعاية الصحية الخاصة بفترات العمر المختلفة للمرأة في فترة ماقبل الانجاب وخلال مرحلة الانجاب وما بعد ذلك.
اذن لا يمكن الحديث عن صحة المرأة دون أن يكون هناك خدمات صحة انجابية كجزء لا يتجزأ من الرعاية الصحية الأولية التي تقدم للفئات في المجتمعات المختلفة. كذلك كيف يمكن أن نتحدث عن صحة الطفل وخفض وفيات الأمهات والأطفال اذا لم تكن هناك خدمات للفقراء تركز على تقديم الخدمات الملائمة للقضايا الصحية للطفل وللأم. نحن نعرف أن السبب الأساسي في وفيات الأطفال هو وفاة الأمهات فعندما تموت الأم يموت كثير من الأطفال بعد ذلك. وعندما نتحدث عن الحماية والوقاية من مرض الأيدز فهذا يعني أنه لابد أن يكون هناك ضرورة لنشر الوعي خصوصا بين الشباب وكذلك تقديم الخدمات الصحية خصوصا للمرأة الفقيرة حيث انها عندما تذهب الى مراكز الصحة الانجابية تستطيع أن تحصل على مجموعة من الخدمات الملائمة لها ومنها خدمات تنظيم الأسرة وخدمات الكشف عن أية أمراض نسائية وكذلك توعيتها حول مرض الايدز والحاجة لعمل الفحوصات اللازمة.
هذه «الرزمة» من الخدمات مهمة جداً، ومن المهم أن تكون متوفرة حتى يستطيع المجتمع أن يحقق الأهداف الانمائية للألفية الثالثة. أما بالنسبة للمنطقة العربية فالسؤال عن الفقر مهم جداً اذ يشير الواقع الى أنه بالرغم من محاولات المنطقة دمج عوامل السكان في مخططات التنمية فان هذه التدابير لم تنعكس بالدرجة المطلوبة على تغيير مستويات ومحددات النمو السكاني وخلق التوازن بين النموين السكاني والتنموي وتحسين نوعية حياة السكان والحد من شيوع الفقر بالدرجة المتوخاة.
اذ انه نتيجة للتراجع في وتيرة الاقتصاد، ووجود معدلات الزيادة السكانية العالية، ووقوع النزاعات السياسية وتبعات الحروب في المنطقة والتزايد في نسبة البطالة وبالذات بين الشباب والنساء فقد انتشر الفقر على نطاق أوسع في الدول العربية حيث تتزايد نسب شيوع الفقر في الدول ذات الوزن السكاني الكبير وترتفع حدتها وسط النساء والشباب والمسنين وخاصة في سكان الريف. وحاليا فان ما يزيد عن خمس سكان العالم العربي الذي يصل الى حوالى 62 مليون نسمة يعيشون بمعدل دخل الفرد يقل فيه عن الدولار الأمريكي الواحد في اليوم وأكثر من نصف السكان (حوالى 145 مليون نسمة) يعيشون بمعدل دخل للفرد يقل عن دولارين في اليوم. وطبعا هناك فوارق كبيرة بين مستويات الفقر في الدول العربية.
الكارثة
تموت كل عام نصف مليون امرأة في البلدان النامية أثناء الحمل أو الولادة، هل استطاع الصندوق أن يحد من هذا الرقم، وما الوسائل التي يتبعها من أجل تقليصه؟.
-في الحقيقة أن قضية أن تموت كل عام نصف مليون امرأة في بلدان الدول النامية شيء يعد ضد كل حقوق الانسان وضد الانسانية. في الحقيقة أيضا أن لدينا أرقاما تقول انه في كل دقيقة تموت امرأة نتيجة مشكلات مرتبطة بالولادة والانجاب ومعظم هذه الحالات يمكن أن تعالج اذا كانت هناك الخدمات الانجابية الملائمة.
ولذا فان خفض معدلات الوفيات للأمهات الناتجة عن الولادة والحمل، وخفض وفيات الرضع والأطفال، الاثنان هنا هدفان انمائيان. وكان مؤتمر القاهرة للسكان قد قام بوضع هدف محدد بخفض الوفيات الخاصة بالمرأة الناتجة عن الحمل الى نصف مستوياتها عام 1990 بحلول عام ألفين، والنصف الآخر بحلول عام 2015. وقد قمنا بمراجعة نتائج ذلك خلال ماتم في العشر سنوات منذ 1994 الى 2004 ووجدنا أن هناك تحسن في مؤشرات وفيات الأمهات في الكثير من دول العالم، الا أنها تبقى عالية جدا في الدول الفقيرة ومعظمها في أفريقيا وكذلك في بعض الدول الاسلامية مثل أفغانستان والباكستان.
أما بالنسبة للمنطقة العربية فنجد أن هناك تقدما. بالطبع دول الخليج مؤشراتها مؤشرات متقدمة وذلك بسبب الخدمات الصحية الموجودة والسهلة التي يمكن أن تصل اليها أية امرأة خليجية. ولكن هناك تحسن في معدلات وفيات الأمهات نرى ذلك في مصر وكذلك في سوريا ولكن في اليمن نجد أن الانجاز في خط وفيات الامهات هو أقل بكثير من الطموح.
ويعتمد الصندوق على استراتيجية خاصة لخفض وفيات الأمهات والأمراض المرتبطة بذلك وذلك عن طريق نهجين النهج الأول هو توفير خدمات الصحة الانجابية حتى تكون ملائمة لاحتياجات الأمهات وتقديم التثقيف والتوعية اللازمة من النواحي الصحية.
ويحث الصندوق على أن تكون هذه الخدمات الصحية متكاملة ومقبولة وميسرة تسهيلا على النساء. أما النهج الثاني فيتعلق بالوقاية ويعتمد الصندوق على التثقيف الصحي للزوجين مع توفير وسائل تنظيم الأسرة المقرة من قبل منظمة الصحة العالمية.
والهدف من تنظيم الأسرة ليس الحد من السكان ولكن التباعد بين الولادات بحيث تستطيع الأسرة أن تخطط للانجاب وتستطيع المرأة أن تستريح ما بين حمل وآخر، وتستطيع كذلك أن تتمكن من أن ينمو الطفل براحة خلال تلك الفترة. وكما نعرف جميعا فان مبدأ تنظيم الأسرة موجود ويقره ديننا الحنيف. ومن الوسائل التي نستخدمها لتخفيض وفيات الأمهات، التأكد أولاً من أن هناك خدمات صحة انجابية متوفرة ومقبولة وسهلة الوصول لها وكذلك ليست مكلفة بحيث تستطيع المرأة الفقيرة أن تستفيد من هذه الخدمات. الشيء الثاني أن يكون هناك وخلال الولادة، (معظم ولادات الدول النامية تحدث في البيت)، أن يكون هناك نساء مدربات على التوليد واكتشاف الحالات التي قد تبدو لهن مستعصية وتستطعن أن يساعدن في نقل الأم الى أقرب مركز صحي يمكن له أن يقدم الخدمات الملائمة.
الشيء الثالث هو وجود مراكز تستطيع أن تصل لها المرأة تقدم فيها خدمات طارئة في حالة الولادات المتعسرة، وهذا ما نسميه بمبدأ الأمومة السالمة أو الأمومة الآمنة عن طريق الولادة النظيفة وتنظيم الأسرة والرعاية -خلال الولادة في الحالات الطارئة وتقديم المعلومات والخدمات النوعية المتعلقة بتنظيم الأسرة والوقاية من التهابات المسالك البولية والأمراض المعدية خاصة فيروس نقص المناعة البشرية ـ الايدز.
تنظيم الأسرة لا تحديد النسل
أكد برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في عام 1994 على مبادئ أولية بالنسبة للمرأة منها المساواة بين الجنسين واستقلال المرأة الذاتي وتملكها، وتعزيز رفاهية الأطفال لاسيما الاناث منهن وحق المرأة في تحديد النسل. الى أي مدى أمكن للصندوق التوصل الى تطبيق هذه المبادئ.
-اسمح لي أولا أن أصحح خطأ شائعاً يتردد كثيرا وهو الخلط بين مفهومين متغايرين أحدهما هو تحديد النسل وثانيهما تنظيم الأسرة. ان تحديد النسل مفهوم مرفوض لما ينطوي عليه من غياب حرية الزوجين في تحديد عدد أبنائهما ومواعيد الانجاب. أي بمعنى آخر أن هذا المفهوم ينطوي على غياب مبدأ الحرية الشخصية التي تمكن الزوجين من تنظيم أسرتهما وتنظيم عدد الأطفال حيث ان ذلك يعتبر حقا من حقوق الانسان.
أما ما نادى به برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في عام 1994 بالقاهرة وما يلتزم به صندوق الأمم المتحدة للسكان فهو منهج تنظيم الأسرة حيث يترك الخيار كاملا للزوجين للتباحث في أمور أسرتهما ورفاهيتها وبخاصة فيما يتعلق بحجم هذه الأسرة وعدد الأطفال المرغوب الحمل بهم. وحيث يقرران الابتعاد عن حمل غير مخطط له، تكون وسائل تنظيم الأسرة المأمونة والفعالة متوفرة لتساعد على المباعدة بين الحمل والحمل الآخر. وفي ذلك اقرار لكرامة البشر وحقوقهم الانسانية وذلك ضمن البعدين القيمي والثقافي للشعوب.
ونحن في صندوق الأمم المتحدة للسكان نركز على أهمية البعدين. أما فيما يتعلق بمبدأ العدل والعدالة بين الجنسين وتمكين المرأة ومجابهة العنف ضدها فانه حق شرعي تقره الأديان السماوية وشرعته جماعات حقوق الانسان. ولقد كرم الاسلام المرأة وأعزها وأقر بذمتها المالية المنفصلة وحض على العلم والعمل ذكورا واناثا وحض الرجال على المعروف والاحسان في معاملة المرأة. وكما جاء في الحديث النبوي الشريف: النساء شقائق الرجال. ولا ضرورة للمزيد في هذا الموضوع للتأكيد على أن برنامج عمل السكان والتنمية مستند في أصله على القيم السماوية التي تحرم العنف ضد المرأة وتطلب وتفرض تكريم المرأة ومساندتها واعطاءها الذمة المالية المستقلة بها.
أما ما نقوم به نحن فهو مجرد متابعة. ففي مجال تعليم البنات نحاول أن نوعي الأم بذلك. وقد بدأنا في ذلك بالمرحلة الابتدائية ونود أن نكمل المراحل الأخرى، لأنه عندما تتعلم البنت تستطيع أن تكون أماً صالحة ومواطنة صالحة في نفس الوقت.
كذلك نقوم بحملات كثيرة للحد من العنف ضد المرأة ليس فقط العنف داخل الأسرة ولكن العنف في المجتمع والعنف في الحروب.
وكما نعرف ونسمع هناك مثلا في أفريقيا وفي دول أخرى أصبح العنف ضد المرأة من وسائل الحروب التي تتبعها الأطراف المتحاربة. وطبعا هذا كله يسقط من كرامة المرأة ويبعدها عن الهدف المطلوب وهو احترام كونها انسانة مستقلة لها كيانها فهي جزء من المجتمع وجزء من الأسرة وهي تعمل مع الرجل لتكون الأسرة سعيدة وليكون المجتمع عادلاً يخدم الجميع.
التحدي
بعد مرور أكثر من 10 سنوات على مؤتمر القاهرة للسكان الذي وضع أهدافا عالمية للسكان والتنمية. أين يقف الصندوق الآن من هذه الأهداف؟.
-في الحقيقة الصندوق لديه نوعان من البرامج. النوع الأول أو البرنامج الأول هو البرنامج الذي نقوم به بتقديم المساعدة الفنية للدول لكي تبني جهازها الاحصائي ولكي تقوم بمسوحات صحية ومسوحات ديمغرافية وكذلك المسح السكاني الذي تقوم به الدولة كل عشر سنوات. ونقوم أيضاً بدراسة ظاهرة الهجرة من الريف الى المدينة والهجرة الدولية، وكذلك قضية الشباب وهم الآن حوالى نصف المجتمع في الدول النامية، وكذلك ظاهرة جديدة تبدو أكثر وضوحاً في الدول النامية وهي قضية الشيخوخة.
هذا هو النوع الأول من البرامج، أما البرامج الأخرى فهي تتعلق بالصحة الانجابية والتأكد من أن الدولة تقوم من خلال مؤسساتها الصحية بتقديم الخدمات الانجابية الملائمة في هذا المجال، خاصة المرأة الفقيرة في الدول الفقيرة.
وفي هذا الاطار نعمل مع وزارات التربية مثلا لنتأكد بأن هناك تثقيفا صحيا حول القضايا الانجابية وتعريف الشاب والشابة كيف يمكن أن يتفهما قضية الصحة الانجابية ويتعاملا معها بنضج ووعي شديدين. وكذلك نسعى مع وسائل الاعلام لنشر التوعية في هذه القضايا المهمة.
أهم ما في ذلك هو أننا لا نعمل في أية دولة الا تلبية لدعوة من حكومتها، وتجد في كل الدول مكاتب صغيرة لنا يوجد بها شخص واحد فقط أو شخصان على الأكثر يحملان صفة الموظف الدولي أما باقي الكادر الذي يعمل في مكاتبنا فهم من أبناء ذلك البلد أي أننا نعتمد على الكادر الوطني ونعتمد على المؤسسات الوطنية في تنفيذ البرامج.
ونرى في ذلك أهمية أولا كصندوق صغير نستطيع توفير ما نقدمه من دعم مالي يمكن أن يساهم بقدر أكبر عندما نعتمد على القدرة الوطنية وكذلك المساعدة في بناء القوى البشرية التي تقوم بتقديم هذه البرامج.
أما بالنسبة لما حدث خلال العشر سنوات الماضية فقد قمنا بعمل مسح في الـ 160 دولة التي لنا فيها برامج وعلاقات ووجدنا في الدول النامية (140 دولة) بعض التغيير فأصبحت هناك دول كثيرة تعتمد دراسة البعد السكاني كجزء من عمليات تخطيط المؤسسات التعليمية والمؤسسات الصحية وما الى ذلك. كذلك وجدنا أن الكثير من الدول قد وضعت قوانين تسهم في تثبيت حقوق المرأة وجعل الحياة داخل الأسرة أكثر عدالة وأكثر تواصلا. وهناك دول كثيرة قامت بوضع برامج توعية للمجتمع وللشباب خصوصا للحماية من الأمراض التناسلية المنتقلة عن طريق مرض الأيدز.
كذلك وجدنا دولاً أخرى تقوم بالتركيز على الشباب كفئة هم ليسوا للمستقبل فحسب ولكن هم أيضا الحاضر. وما نقوم به الآن من برامج لتوعيتهم وخدمتهم ولتعليمهم وما الى ذلك سيؤثر فيما سيكونون عليه في المستقبل. وهو توسيع نطاق هذه البرامج وايجاد التمويل الملائم لكل هذه البرامج والتحدي الأكبر هو فئة الشباب التي يجب أن يفهم بوعي شديد مطالبها والتغيرات التي تمر بها ونحاول توجيهها الى الطريق السوي في عالم سريع التغير.
كيف يتم اختيار سفراء النوايا الحسنة للصندوق؟
-يختار سفراء النوايا الحسنة للصندوق من بين البرلمانيات والبرلمانيين وداعيات وناشطات وناشطي العمل الاجتماعي خاصة في مجال الصحة الانجابية وصحة المرأة وصحة الطفل. وهناك أيضاً الحائزون والحائزات على جوائز عالمية خاصة العاملين في مجال الاعلام والكثير منهم من شخصيات اذاعية وتليفزيونية معروفة وهناك كذلك بعض الممثلين والممثلات ممن لهم مكانة في مجتمعاتهم.
سفراء في بلادهم
ما المهمة الحقيقية لسفراء النوايا الحسنة للصندوق وكيف يرفعون تقاريرهم اليكم، وهل يتلقون مقابلا لعملهم أم أن عليهم أن يساهموا من جانبهم ببعض الأموال لدعم عمل الصندوق؟.
-هناك مجموعة من المهام التي ينبغي لسفراء النوايا الحسنة للصندوق القيام بها وهى: زيارة مشاريع صندوق الأمم المتحدة للسكان والمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الصحة الانجابية وتنظيم الأسرة في الدول النامية في دولة كل منهم أي أن السفير هو سفير أو هي سفيرة في بلدها والهدف من هذه الزيارات هو خلق التشجيع اللازم لتلك المشاريع وجذب وتركيز الاهتمام عليها وكذلك توسيع النقاش حول احتياجات برامج الصحة الانجابية ورعاية صحة الأم والطفل مستشهدين بالأعمال المنجزة والجارية في المشاريع التي قاموا بزيارتها والمطلوب منهم أيضاً أن يكون لهم تواجد بين العامة وفي أماكن تقديم الخدمة وظهور في النشرات الاخبارية وعلى أشرطة الفيديو وأن يشاركوا في المؤتمرات الصحفية ويحلوا ضيوفاً في وسائل الاعلام بالاضافة الى مشاركتهم في النشاطات الرئيسية للحملات الوطنية لصندوق الأمم المتحدة للسكان من أجل كسب التأييد للقضايا التي تهم الصندوق. وفي الدول الأوربية نستعين بهم من أجل المساهمات المالية في الصندوق. وفي كل دولة لنا مكتب يتعامل مع هؤلاء السفراء ويرصد نشاطاتهم ويمكنهم من استيعاب قضية صحة الأم والطفل والصحة الانجابية ومساعدتهم في طرحها بما يتلائم مع كل مجتمع.
تعاون ايجابي مع دول الخليج
وماذا عن دور الصندوق في دول الخليج العربي خاصة المملكة؟
-ان ثمة تعاونا قديما وايجابيا بين صندوق الأمم المتحدة للسكان ودول الخليج العربي ومجلس التعاون، وكذلك مع برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة التنموية (أجفند) برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز والعديد من المؤسسات الأخرى. وأستذكر هنا بعظيم الشكر والامتنان أن أول مبادرة لدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان كان بقرار من جامعة الدول العربية عام 1975 وقيام الشيخ أحمد الأنصاري وزير الشؤون الاجتماعية في دولة قطر آنذاك برئاسة لجنة عربية جمعت تبرعات مالية طوعية بلغت قيمتها 11 مليون دولار أمريكى. وتعاون الصندوق مع دول الخليج العربي ومنظماتها المختلفة هو تعاون ذو شقين أساسيين أولهما يتعلق بقيام الصندوق بتقديم الدعم التقني في مجالات السكان والتنمية المختلفة عن طريق خبرائه الأقليميين كما الحال في مجالات جمع البيانات السكانية والصحية بما فيها التعداد وتحليل البيانات واستخدام معطياتها في عمليات التخطيط التنموي ورسم السياسات والاستراتيجيات السكانية في دول الخليج.
وكذلك الدعم الفني في مجالات دراسة التكافؤ بين الجنسين وتعزيز مشاركة المرأة والتثقيف الصحي والتي تهدف في جملتها الى تعزيز القدرات الفنية لدى الاخصائيين والاخصائيات في دول الخليج العربى.
أما مجال التعاون الثاني فهو يتعلق بالبرامج السكانية وهناك أيضا أمثلة عديدة وقديمة فمذ السبعينات والثمانينيات قام الصندوق بتقديم الدعم لبرامج سكانية في دولة البحرين في مجالي صحة الأمومة والطفولة والمجال السكاني لوزارة الشؤون الاجتماعية وأمن الصندوق استمرار هذه البرامج بدعم مالي سخي من سمو الأمير طلال بن عبد العزيز في عام 3891 عن طريق برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة التنموية. كما دعم التعدادات السكانية وتحليل المعطيات ودمجها في التخطيط التنموي في دولة الكويت.
ونزولا عند رغبة مجلس التعاون ودول الخليج العربي فقد قدم الصندوق دعما برامجيا بالتعاون مع «الأجفند» وصندوق الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» ومنظمة الصحة العالمية لتنفيذ دراسة ميدانية لتقييم صحة الأم والطفل في جميع دول الخيلج العربي والتي كان مردودها عظيما والحمد لله في وضع البرامج الصحية الملائمة لتحقيق الصحة للجميع بدول الخليج العربي عام 1990.
كما قدم الصندوق بالتعاون مع المنظمات السالفة الذكر دعما برامجيا لتنفيذ المرحلة الثانية والخاصة بمسح صحة الأسرة في جميع دول الخليج. أما من حيث البرامج الحالية فهناك برنامج دراسات سكانية مع المملكة وسلطنة عمان في مجال التعداد السكاني واستخدام معطياتها لرسم السياسيات السكانية بتمويل حكومي ضمن اتفاقية ائتمانية مع الصندوق. وقام الصندوق بالتعاون مع سلطنة عمان بتأسيس مكتب له في مسقط يختص بخدمة دول الخليج العربى.
أما فيما يتعلق بالتعاون مع المؤسسات العربية والخليجية في دول الخليج العربي فيوجد تعاون مبارك مع المعهد العربي لانماء المدن في الرياض يهدف لدعم العواصم والمدن العربية لرصد الأوضاع السكانية فيها واستخدام معطيات الرصيد لضمان ايصال الخدمات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لسكان هذه المدن والعواصم بهدف مساهمة الصندوق نحو رفع مستوى معيشة البشر. وقد استهل الصندوق والمعهد باكورة التنفيذ في المدينة المنورة، كما قام الصندوق بالعمل الجاد والتعاون مع سكرتارية المكتب الفني لمجلس دول التعاون الخليجي لتحديد أطر تعاون في مجال السكان والتنمية.
الذرية الصالحة والصحة الانجابية
الثقافة الجنسية هي احدى اهتمامات صندوق السكان. الى أي حد يمكن أن تكون هذه القضية حساسة بالنسبة لبرامج الصندوق في البلاد العربية والاسلامية.
-لقد نشأت في مجتمع عربي اسلامي غني بالقيم والمعاني السامية والثقافة الهادفة لتكريم بني البشر. وكان من ضمن دعوات الجميع بعد فريضة الصلاة أن نطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعطينا الصحة والذرية الصالحة وبمعنى آخر كنا نطلب دائما الصحة الانجابية.
فكما نعلم ان الصحة الانجابية هي حالة رفاه كاملة بدنيا وعقليا واجتماعيا في جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التكاثري ووظائفه وعملياته. وليس مجرد السلامة من المرض أو الاعاقة وذلك حسب تعريف منظمة الصحة العالمية وهو ما اعتمد عليه برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في عام 1994 وأقرته بتوافقية 97 دولة استنادا الى المبدأ المدون في وثيقة المؤتمر والذي ينص على أن لكل بلد الحق السيادي في أن ينفذ التوصيات الواردة في برنامج العمل بما يتماشى مع القوانين الوطنية وأولويات التنمية ومع الاحترام الكامل لمختلف القيم الدينية والأخلاقية والخلفيات الثقافية للشعب ووفقا لحقوق الانسان المعترف بها دوليا. ولقد من الله تبارك وتعالى على عباده بالجهاز التكاثري ضمانا لاستمرار الذرية والبشرية ودعا الى صون هذه النعمة. وكما نعلم فان هناك كما هائلا من الدراسات الطبية قد أثبتت تعرض هذا الجهاز التكاثري لأمراض متعددة بما في ذلك الالتهابات والأمراض التي قد تنتقل بالاتصال بين البشر. الأمر الذي يقود الى معاناة نفسية وجسدية من قبل الأمهات وفي بعض الأحيان الى العقم الثانوي أو المؤقت كما هو الحال عند الاصابة بفيروس نقص المناعة البشرية ومرض الايدز. ولقد أثبتت نتائج دراسات طبية متخصصة في احدى الدول العربية شيوع اصابات مختلفة ومتنوعة بالتهابات وأمراض الجهاز التكاثري بين سكان الريف في ذلك البلد وبنسب تعتبر مرتفعة وقد كشفت الأمهات المصابات عن تضرر كبير ومعاناة مستمرة نتيجة لهذه الاصابات لكنهن كن ملتزمات بسياسة الصمت نتيجة شيوع ثقافة العيب وفاقم الأمر غياب التثقيف الصحي الملائم وباقتناعهن المطلق بأن درء المخاطر هو أفضل من جلب المكاسب كان لزاما العمل بمبدأ الوقاية والعلم بالشيء حيث لايستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.
وأود في هذا الصدد أن أوضح أن الغاية هنا نبيلة في مرماها من حيث خلق الوعي والحفاظ على صحة البشر التكاثرية دونما مخالفة للبعدين القيمي والثقافي للشعوب المختلفة. وعليه فليس المهم ما يطلق على التثقيف الصحي في المجال الانجابي بل المهم محتوى ذلك التثقيف وملاءمته للبعدين القيمي والثقافي لكل مجتمع. وقد تبين للصندوق تسميات متعددة لهذا التثقيف الانجابي معمولا بها في مختلف أنحاء المعمورة حيث سميت تثقيفا بشأن الوالدين وأحيانا تثقيفا بشأن الحياة الأسرية أو تثقيفا سكانيا أو تثقيفا للتخطيط الصحيح للحياة أو مهارات حياتية وما الى ذلك من تسميات وعليه فالمهم في الأمر هو رفع الوعي وحصول الانسان على المعلومات الصحيحة خاصة الشباب حتى يستطيعوا أن يحموا أنفسهم من المخاطر الموجودة في المجتمع في هذه النواحي.
نصون للمرأة حقها في الحياة
ما البرامج التي يمكن أن يشارك فيها صندوق السكان مع مؤسسة الطفولة (اليونسيف) من أجل خلق الأسرة السليمة التي تخدم قضايا المجتمع والتنمية؟.
-في الحقيقة نحن نعمل مع اليونسيف في الكثير من البرامج المشتركة على الصعيد الدولي ولقد حققنا في المنطقة العربية تعاونا سابقا ليس فقط مع صندوق الأمم المتحدة للطفولة «اليونسيف» بل كذلك مع منظمة الصحة العالمية واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وادارة الاحصاء بالأمم المتحدة والعديد من منظمات الأمم المتحدة المتخصصة وكذلك مع «ايسيسكو» وهي المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة التابعة للمؤتمر الاسلامي. ولذلك فمشاركتنا في القضايا التي تخدم المجتمع والتنمية واسعة جدا كما ترى مع مؤسسات اسلامية ومؤسسات عربية وكذلك مؤسسات وطنية.
ونحن الآن نشارك مع اليونسيف ومنظمة الصحة العالمية ومنظمات أخرى في برنامج كبير للحد من وفيات الأمهات وتأمين الأمومة الآمنة وهو برنامج مهم جدا نحاول من خلاله أن نتأكد من وجود هذه الخدمات في الدول الفقيرة لتحسين نوعية الحياة ولحماية الأم من الأمراض خلال الحمل حتى لا تموت عند الولادة. فكما نعلم أن وفيات الأمهات مازالت عالية جدا في الكثير من الدول الفقيرة ونعتبر ذلك اجحافاً بحق المرأة.