-A +A
نجيب الخنيزي
كان المفروض أن استكمل مقالي السابق «إسرائيل.. تاريخ حافل بالجرائم والعدوان» غير أني أرى من الأهمية بمكان ، التطرق إلى فحوى البيان القومي المهم الموجه للأمة والعالم ، الصادر عن الديوان الملكي والذي تضمن تحذيرا لافتا لإسرائيل والمجتمع الدولي والقوى العالمية الفاعلة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية من مغبة استمرار إسرائيل في عدوانها الوحشي ضد لبنان (أرضا وشعبا ومعدات) منذ 12 يوليو / تموز الجاري ، وما تحدثه آلة الحرب الإسرائيلية من تدمير واسع النطاق في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وذلك تحت ذريعة الرد على عمليات المقاومة التي أدت إلى مقتل وأسر بعض جنود الاحتلال بهدف مقايضتهم ببعض الأسرى الفلسطينيين والأسرى اللبنانيين في المعتقلات الإسرائيلية والذين مضى على وجود بعضهم ثلاثة عقود . لقد بات واضحا بان إسرائيل مدعومة بحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية كانت تخطط لهذه العملية منذ أمد طويل وبان لها أهدافا آنية ومتوسطة وبعيدة المدى ضمن الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وفقا لما صرحت به كونداليزا رايس بأن ما يجري في لبنان من تدمير وقتل هو آلام المخاض لولادة « شرق أوسط جديد «ولكن هذه المرة بمشاركة مباشرة من قبل إسرائيل . لقد أكد البيان السعودي» إن السعودية بدورها الذي يفرضه عليها واجبها الديني والقومي بشان الأوضاع في المنطقة وتداعيات الأحداث في لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة فحذرت وأنذرت ونصحت ولم تأبه بمزايدات المزايدين ولم تكتف بذلك بل سعت منذ اللحظة الأولى لوقف العدوان وتحركت على أكثر من صعيد وبأكثر من وسيلة لحث المجتمع الدولي على إرغام إسرائيل على وقف إطلاق النار «والجدير بالذكر بأن المملكة قامت بجهد سياسي ودبلوماسي نشط منذ الوهلة الأولى للعدوان الإسرائيلي حيث أوفد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل والامين العام لمجلس الامن الوطني الامير بندر بن سلطان في جولة شملت واشنطن حيث التقيا بالرئيس الأمريكي جورج بوش ووزيرة خارجيته كونداليزارايس ، وطالبا أثناء لقائهما بضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على الفور ، ثم مناقشة كافة القضايا العالقة- بجوانب الصراع العربي – الإسرائيلي سواء في لبنان أو الأراضي الفلسطينية المحتلة ومستقبل وآفاق عملية السلام التي وأدتها اسرائيل عمليا ، واستكمل الأمير سعود الفيصل جولتهما حيث زار موسكو ثم التقيا وزير خارجية مصر أثناء محادثات القمة التي جمعت الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس المصري حسني مبارك والوفد المرافق له في الباحة ، وأختتما جولتهما بحضور اجتماع روما الذي فشل في التوصل إلى وقف اطلاق النار بفعل التعنت الأمريكي . وقد حذر البيان الصادر عن الديوان الملكي من العواقب الخطيرة المترتبة على استمرار العدوان الإسرائيلي وتجاهل خيار السلام الذي تبناه العرب حيث ذكر « لقد أعلن العرب السلام خيارا استراتيجيا للأمة العربية وتقدموا بمشروع واضح منصف يتضمن إعادة الأراضي العربية المحتلة مقابل السلام ورفضوا الاستجابة للاستفزاز وتجاهلوا الدعوات المتطرفة التي تحارب السلام إلا انه ينبغي القول إن الصبر لا يمكن أن يدوم للأبد وانه إذا استمرت الوحشية العسكرية الإسرائيلية في القتل والتدمير فان أحدا لا يمكنه أن يتوقع ما قد يحدث وعندما يقع المحظور لا يجدي الندم» وفي سابقة لفتت وشدت الانتباه لمغزاها ودلالتها العميقة خصوصا أنها صادرة عن قيادة المملكة العربية السعودية وعلى رأسها الملك عبدالله بن عبدالعزيز ، والمعروف عنه الحكمة والصبر وعدم التسرع ، ولكنه في الوقت نفسه لا تنقصه الشجاعة والصراحة والحزم التي تقتضيها خطورة الأحداث الجارية حيث وجه البيان تحذيرا إلى المجتمع الدولي والقوى الفاعلة في العالم وبصفة خاصة الولايات المتحدة بان للصبر حدوداً وبان العواقب ستكون وخيمة في حال استمر العدوان الإسرائيلي ضد لبنان وفلسطين ، حيث جاء في البيان « لذا تتوجه المملكة إلى المجتمع الدولي كله ممثلا في الأمم المتحدة وإلى الولايات المتحدة الأمريكية بصفه خاصة بمناشدة وتحذير: تناشد المملكة الجميع أن يتحركوا وفقا لما يمليه عليهم الضمير الحي والشرائع الأخلاقية والإنسانية والدولية وتحذر الجميع من انه إذا سقط خيار السلام نتيجة للغطرسة الإسرائيلية فلن يبقى سوى خيار الحرب وعندها لايعلم إلا الله ما ستشهده المنطقة من حروب ونزاعات لن يسلم من شرها احد حتى الذين تدفعهم قوتهم العسكرية الآن إلى اللعب بالنار» .
البيان السعودي لم يكتف بتحديد موقف المملكة الواضح في إدانة واستنكار العدوان الإسرائيلي ودعوة المجتمع الدولي والقوى الفاعلة في العالم وفي مقدمته الولايات المتحدة إلى تحمل مسؤولياتها في وقف العدوان والعمل على تنشيط جهود السلام التي ماتت عمليا فقط بل أكد موقف المملكة الثابت إلى جانب لبنان وفلسطين حيث أشار البيان إلى أن « المملكة العربية السعودية إلى جانب تحركها السياسي تشعر بأن المأساة الإنسانية في لبنان وفلسطين يتطلب دعما شخصيا من كل عربي وكل مسلم وكل إنسان شريف» من هذا المنطلق وجه خادم الحرمين الشريفين «الدعوة لحملة تبرعات شعبية تبدأ الأربعاء (الفائت) داعيا كل مواطن ومواطنة لما عرف من الشعب السعودي الأبي من سخاء ووفاء وحمية للأمة العربية والإسلامية» وفي هذا السياق وجه خادم الحرمين الشريفين بتخصيص منحه مقدارها 500 مليون دولار للشعب اللبناني لتكون نواة صندوق عربي دولي لإعمار لبنان كما وجه بإيداع وديعة بألف مليون دولار في المصرف اللبناني المركزي دعما للاقتصاد اللبناني كما وجه بتخصيص منحة مقدارها 250 مليون دولار للشعب الفلسطيني لتكون بدورها نواة لصندوق عربي دولي لإعمار فلسطين . لقد عودنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على الفعل قبل القول وعلى ان أقواله تطابق أفعاله وأنا هنا أتساءل: كم يوجد من الزعماء العرب مثل عبدالله بن عبدالعزيز؟ واقع الحال يقول نسمع جعجعة ولا نرى طحنا.