-A +A
أحمد عائل فقيهي
وسط ركام الاجساد المتناثرة والدخان المتصاعد.. وسط هذا الدمار والقتل.. والانهيار الكبير.. انهيار البيوت.. وانهيار التعليم وانهيار كل شيء. وسط المدينة التي احبها... ولبنان الذي احبه يرحل العالم الجليل والمؤرخ الكبير نقولا زيادة الرجل الذي ولد في دمشق في 2 كانون الاول 1907م والذي ينتمي الى مدينة الناصرة بفلسطين. ظهر يوم امس الاول توفي نقولا زيادة وهو ابرز المهتمين بالتاريخ واللغة العربية.. يشبه رحيله رحيل الاديب طه حسين ذاك رحل وسط خضم الحرب بين العرب واسرائيل في عام 1973م في ما سمي بحرب اكتوبر / رمضان وهذا رحل في خضم الحرب بين حزب الله - واسرائيل لقد تقلص الصراع بين الامة العربية واسرائيل الى صراع بين منظمة ومنظمة بين حزب ودولة.
صديق الجاسر
نقولا زيادة العروبي بامتياز كان احد اصدقاء الشيخ حمد الجاسر كان مهتما بالحضارة في مفهومها العميق.. يقول عنه الشاعر والاعلامي عبده وازن: يكمن سر نقولا زيادة في جمعه بين الصفة العلمية والاكاديمية لفعل التاريخ والطابع الحكواتي «الذي درج عليه في الاونة الاخيرة» حين راح يكتب سيرته الذاتية التي هي سيرة اوطانه الثلاثة: فلسطين وسوريا ولبنان.
وقال في حوار معه في «عكاظ»: لو ادركنا تاريخنا لكان وضعنا مختلفا على مستوى التفكير ان لم يكن على الصعيد العملي لكن التاريخ الصحيح لا يزال في بداياته ولا مستقبلي باهرا في القريب العاجل خصوصا وان هناك محاولات مختلفة لخنق تفسير التاريخ العربي على اساس علمي..

تقديس التاريخ
ويقول: مازلنا حتى الان نقدس التاريخ وتقديس التاريخ يمنعك من مناقشته... ويضيف: المشكلة هي ان دورنا في «التاريخ قد انتهى قبل زمن فنريد تضخيم ذلك الجزء من التاريخ للتعويض عن وضعنا الحالي لقد ظللنا تسعة قرون نعتمد على التلقين ولم يهتم علماء الازهر والزيتونة والقرويين باصول التدريس واكتفوا بالخلاصات والشروح على الخلاصات والهوامش ومايزال النمط اياه -اي التلقين مهيمنا على التعليم من الابتدائي- حتى الجامعي.


رواد الشرق
نقولا زيادة له عدة كتب من ابرزها «ابعاد التاريخ اللبناني الحديث - رواد الشرق العربي - دراسات في الحضارة والتاريخ» ولبنانيات وشاميات وعربيات وافريقيات اضافة الى مجموعة كبيرة من الكتب والدراسات وسيرة ذاتية من جزئين.
ربما كان آخر الكبار الذي ارتبط اسمهم بالتاريخ معايشة وفكرا وتدريسا اكاديميا الذين امتدت حياتهم على مدى 99 عاما تقترب من قرن كامل قضاها في خدمة العلم واضاءة دروب التاريخ..

احترام الوقت
عرف عن الدكتور زيادة المؤرخ والكاتب والمفكر بدقته العلمية اضافة الى احتفائه بجماليات اللغة العربية.. وهو ما جعل اسلوبه سهلا وسلسا مع بلاغة وفهم بأسرار اللغة والى جانب ذلك عرف باحترام الوقت -اذ يستيقظ يوميا وعلى مدى سنوات حياته في السادسة صباحا حتى بعد تقاعده من العمل الجامعي في الجامعة الامريكية وجامعات اخرى ثم يقرأ من خمس الى ست ساعات بعد ان كان يقرأ اكثر من هذه الساعات بكثير وذلك بسبب ضعف بصره اضافة الى متابعة للاحداث عبر الاذاعة والتلفزيون وقراءاته للصحف اليومية. لقد كان نقولا زيادة نموذجا للعالم واستاذ الجامعة والمؤرخ ورجل الابجدية الذي يؤمن بالكلمة وفعلها بالرغم من كل السنوات والنكبات والهزائم التي عاشها وعايشها ومن هنا كانت تغلب عليه نظرة المتأمل والرائي الذي يقرأ التاريخ برؤية ذهنية عميقة ومرتكزة على فهم بالواقع.