-A +A
وليد احمد فتيحي
لو تخيلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث في عصرنا هذا فأكاد أجزم أن الأمية التي سيحاربها ليست فقط أمية القراءة والكتابة ولكن أمية المعلومات المتلاحقة (العلم المتسارع في التطور) كتبها لي أخ وصديق وأهداني إياها ضمن ملزمة تحتوي على كثير من الأفكار القيمة والجمل الحكيمة...
والحق ما قال... إن أمة اقرأ مازال كثير من أبنائها اما لا يدركون أو لا يطبقون أمر السماء لهذه الأرض بافتتاح القرآن بقوله سبحانه لنبيه (اقرأ) وبكون أول خمس آيات في القرآن الكريم تحتوي على سبع كلمات عن القراءة والعلم والقلم وليس فيها كلمة واحدة صريحة عن الإيمان أو التقوى أو الخشوع أو غيره من أمور القلب، كيف لا وهذا قوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء).

إن أميتنا الحقيقية ليست في عدد أفراد المجتمع الذين لا يقرأون ولا يكتبون، وإنما هي في الكم الهائل ممن يقرأون ويكتبون ويقودون المجتمعات الإسلامية ولا يدركون واجب أمة اقرأ تجاه تطبيق المفهوم الشامل الكامل العميق لكلمة (اقرأ) والتي هي قراءة آيات الله في الأرض والسماوات والكون والبحث والدراسة والتدقيق وتسخير كل ذلك لإيقاظ النفس البشرية بتأكيد وحدانية الله وتهيئتها لوظيفة إلهية ألا وهي عمارة الأرض كما يحبها الله أن تعمر قال تعالى (هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) ، وجلب الخير والمنفعة والرفاهية لبني الإنسان ...كل الإنسان.. وكل إنسان.
وإننا لو نظرنا في الكم الهائل من المشروعات التي تساهم في هذا الجانب لوجدناها تقصر جل اهتمامها على محو الأمية - والتي لاتزال إلى يومنا هذا منتشرة في أرجاء بلادنا وحين نأتي إلى مشاريع البحث العلمي المتطور، تجدنا مثل كل المسلمين للأسف في مؤخرة الركب وذيل الترتيب.
إن نهضة الأمة مرتبطة بفهم وإدراك أصحاب رؤوس الأموال في هذه الأمة ومن بينهم القادة أن الأمر السماوي (اقرأ) يحتم علينا أن تنصب كبرى مشاريعنا في هذا المجال بالذات وأن تركز على إنشاء جامعات عالمية للدراسات والأبحاث، وجامعات أهلية مدعومة بوقف قوي يضمن استمرارها ونجاحها، مع المزج الحكيم بين استيراد الخبرات و تكثيف الجهود في جميع مجالات هذا التقدم العلمي الهائل وبين المحافظة على تراثنا وتأصيل أخلاقنا وقيمنا.
وقبل كل هذا يجب التركيز على مرحلة ما قبل الابتدائية والحضانة Pre-schooling أو ما يسمى بمرحلة ما قبل المدرسة حيث إن الدراسات تؤكد أن هذه المرحلة هي أهم وأخطر مرحلة في حياة الإنسان ففيها يتم تكوين شبكة الاتصالات العصبية في الدماغ، فكل حث للدماغ في هذه المرحلة يحث الأعصاب على تكوين جسر واتصال عصبي... هذه الجسور تعمل على حمل المعلومات وعلى قدر حث الدماغ في هذه المرحلة يصبح العقل أكثر قدرة على إجراء أعقد العمليات وحل أصعب المسائل في المراحل المتقدمة من حياة الإنسان.
إن حرمان الطفل في هذه المرحلة من الحث المدروس ينتج عنه ضحالة وسطحية في قدرة العقل على إجراء عمليات فكرية معقدة في مراحل متأخرة، تماماً كالذي يبني مدينة يأتي بالآلاف من الجسور ويصبح قادرا على إجراء أعقد المسائل المتزاحمة، وآخر لا يسعه ذلك لندرة الجسور التي تحمل المعلومات من نقطة لأخرى.
ولذلك اتجهت كثير من دول العالم إلى تسخير جزء كبير من ميزانيتها في التعليم لمرحلة ما قبل الدراسة.
إننا نتطلع لمشاريع قوية وسريعة تنتشر في بلادنا وتقدم نموذجاً قوياً كالذي نجحت كثير من الدول في دعمه ونشره في بلادها.
إن تقاعس الكثيرين من أصحاب رؤوس الأموال عن مثل هذه المشاريع له أسباب عدة:
1-العراقيل والبيروقراطيات.
2-عدم وجود حوافز معنوية أو مادية.
3-عدم تقدير كثير من أفراد المجتمع لمثل هذه المشاريع وتقاعسهم عن الاستثمار في أبنائهم.
فتجد العائلة تنفق على البيت والسيارة والهواتف الجوالة وسفر الصيف وتحاول التوفير في الاستثمار في تعليم أطفالها وأبنائها.
4- غياب فهم الدور الحقيقي لأبناء هذه الأمة أمة محمد أمة اقرأ.
5- غياب مقاصد الشرع في استثمار المال من أجل عمارة الأرض وجهل أولوياته.
إننا في أمس الحاجة من أجل تحقيق نهضة حقيقية لهذه الأمة أن يعي أصحاب رؤوس الأموال واجبهم الشرعي تجاه هذه الأمة وأن يمتثلوا بالفهم الدقيق الشامل العميق لأول أمر من السماء نزل على قائدها وزعيمها ورسولها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (اقرأ باسم ربك الذي خلق).
* طبيب استشاري، ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمركز الطبي الدولي.
فاكس: 96626509659+
okazreaders@imc.med.sa
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 197 مسافة ثم الرسالة