أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار رئيس مؤسسة التراث الخيرية أن المملكة تولي عناية خاصة بالتراث وتنميته ليبقى مصدرا للاعتزاز وموردا ثقافيا واقتصاديا يشكل بعدا جديدا يضاف إلى ما يعرفه العالم عن المملكة من أبعاد دينية وسياسية واقتصادية.
وبين الأمير سلطان بن سلمان في محاضرة ألقاها في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد في لندن بعنوان «أبعاد التراث في المملكة العربية السعودية» أن المملكة تشهد اليوم مرحلة كبيرة من التحول والتطور قائلا: «المملكة ليست طارئة على التاريخ والمكانة التي تتبوأها اليوم سياسيا واقتصاديا هي امتداد لإرث حضاري عريق».
المملكة وأكسفورد
وأكد الأمير سلطان على العلاقة الوثيقة والطويلة الأمد بين المملكة ومركز أكسفورد للدراسات الإسلامية وقال: «يسرني أن أكون معكم هنا ويشرفني أن تتاح لي الفرصة للتحدث إلى هذا المحفل الموقر في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية والذي يحظى برعايته الكثير من الشخصيات المرموقة من بينهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز ــ حفظه الله ــ كما أشعر بالتواضع بجانب قائمة الشخصيات البارزة التي سبقتني إلى هذه المنصة».
وأضاف «تعد هذه القاعة التي تم الانتهاء منها في الآونة الأخيرة والتي تمت تسميتها على اسم صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز في متحف أشموليان بمثابة دليل آخر على العلاقات القوية بين حضارتينا، وجميع ذلك يجسد الرغبة المشتركة في تعزيز فهم الثقافة والتراث الإسلامي».
البعد الرابع
وأشار الأمير سلطان بن سلمان إلى أنه جاء ليقدم من خلال هذه المحاضرة بعدا رابعا يضاف إلى الأبعاد التي عرفت بها المملكة عالميا وهو بعد غالبا ما يغفل عنه السعوديون وغير السعوديين على حد سواء رغم أنه أساسي لوجودنا وامتداد طبيعي لتاريخنا وهو البعد الثقافي غير المعروف بالصورة الكبيرة خارج دائرة المختصين في مجال الحضارة السعودية القديمة والحضارة الإسلامية وحضارة ما قبل الإسلام، التي تم الحفاظ عليها من بين غيرها من الكنوز، في الآثار ومواقع التراث.
وقال: «إنه الوقت المناسب لكي نحدد ونقدم هذا البعد الثقافي الواضح للعالم الآن وفي هذا الوقت الذي تضطلع فيه المملكة بدور متزايد الأهمية في الشؤون الدينية والاقتصادية والسياسية العالمية في ظل مسؤوليات والتزامات متنامية ومن الضروري كذلك أننا كشعب، نقر بمسؤولياتنا كأمناء على دين وحضارة عظيمة فحضارة المملكة غنية ومتأصلة في تاريخها وإرثها الثقافي الملموس محفوظ في مجتمعنا ويربط بين ماضي المملكة وحاضرها والأهم من ذلك مستقبلها.»
مسؤولية التراث
وتطرق الأمير سلطان بن سلمان إلى المسؤولية التي تشعر بها المملكة للحفاظ على هذا الإرث التاريخي، قائلا: «يتكون لدينا إحساس عميق بالمسؤولية عن إعادة اكتشاف وحماية آثارنا الوطنية فآثارنا جزء من التراث العالمي وجزء مهم من الهوية الوطنية للمملكة. ولأن هذا الإرث الثقافي ــ وهو البعد الرابع ــ يمثل جوهر ثقافة المملكة»، وأضاف «يحدوني شعور بالفخر وأنا أصف لكم اليوم بعض ملامح التراث الثقافي في المملكة، حيث تقع في ملتقى عدد كبير من الحضارات والتيارات الثقافية المتشابكة ويجسد ذلك في علاقات المملكة في العالم المعاصر».
وزاد «إن آثارنا الوطنية تبرهن على هذه الحقيقة، وتظهر أدلة كثيرة على أن الإنسان سكن في شبه الجزيرة العربية قبل مليون ومائتي ألف عام».
المواقع الأثرية
وتناول الأمير سلطان عددا من أبرز المواقع الأثرية في المملكة التي تجسد هذه الحقيقة التاريخية مثل الشويحطية ومدينة تيماء، وأخرى في مناطق متفرقة داخل المملكة تمثل العديد من العصور. وقال: «إننا ندرس تقديم آثار جبة لليونسكو لتنظر في إدراج المكان ضمن مواقع التراث العالمي .. كما يوجد اكتشاف آثري مهم آخر داخل المملكة وهي قرية الفاو (300 قبل الميلاد ــ 400 م)».
جهود الهيئة
وتناول الأمير سلطان في محاضرته جانبا من جهود المملكة ممثلة في الهيئة العامة للسياحة والآثار لحماية التراث الوطني، مبينا أن الهدف منها تحديد المواقع الإسلامية داخل المملكة والعمل على الحفاظ عليها وحمايتها. إضافة إلى تنفيذ برنامج لإعادة ترميم مساجد عتيقة وتاريخية بالشراكة بين وزارة الشؤون الإسلامية و«مؤسسة التراث»، إضافة إلى إقامة المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية أخيرا، والبدء بإقامة سلسلة من المعارض الوطنية والدولية، وقال: «سيكون أول هذه المعارض معرض الآثار السعودية في متحف اللوفر الذي يفتتح في منتصف يوليو 2010م»، وزاد الأمير سلطان «من المقرر أن يتجول المعرض بعد ذلك في متاحف أخرى بمختلف أنحاء العالم ،إضافة إلى إنشاء متاحف جديدة، عامة ومتخصصة، وترميم المباني التاريخية المرتبطة بالدولة السعودية، والتي من المقرر تحويلها إلى مراكز ثقافية وتعليمية لمجتمعاتنا، كما تشهد المملكة تنفيذ برامج لترميم المدن التاريخية والقرى والبلدات التراثية والأسواق الشعبية ويجري تقديم تسهيلات مالية حكومية للراغبين في ترميم المباني التراثية والاستثمار في المباني التي يملكونها وتشكل جزءا من التراث».
وأفاد « هناك اعتراف بتراثنا كأصل حيوي وعنصر محوري في تحركنا نحو التحديث والتطور».