إنها هيلين توماس وليست فانتوماس..
لم تصدر «ماجنا كارتا» جديدة، بل اتسقت مع منهجيين وأكاديميين على أن فحوى الاستلاب الجديد للعالم، هو مظاهر متطرفة من العنصرية والمذابح واقتلاع السكان من أراضيهم بالإكراه.
لم تلمز أو تغمز إلى حروب الهنود الحمر والتطهير العرقي والإبادة الجماعية أو إلى الأبورجنينز في أستراليا، بل وضعت الملح على الجرح حول ما هو أكثر ترويعا للعقول المعاصرة، وأن إخضاع الشعب الفلسطيني قد تم بمسوغ قانوني، خلف رتاج قوانين ومسميات الاكتشاف والغزو و«الأرض التي ليست ملكا لأحد»، هي التي تكونت منها نظريات التجريد من الملكية.
لم يجانب الصواب الكاتبة ديانا مقلد حين وسمت هيلين توماس بغير العنصرية عندما أجابت الأخيرة سائلها الحاخام ديفيد نيزينوف بأن على الإسرائيليين الرحيل عن فلسطين إلى بلادهم في بولندا وألمانيا وأمريكا.
وما أشبه الليلة بالبارحة، يوم أن طغت حرية الوعي الفردي والجمعي على ساحات المحاكم الأمريكية منذ سنوات، وأتى زمن الاستبداد المعرفي هناك، ليصدر الحكم على الصحافية جوديث ميللر بالحبس، لأنها فضحت أكذوبة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل. وبذلك، هي لم تحدث انقلابا في الوعي وحراك الاتصال الجماهيري الذي يتعين أن يكون ماثلا في بلادها، ولكنها عرت على نحو صارخ الاستبداد المعرفي الجديد في بلاد أضحت بلا معايير وتطالب العالم بتطبيق معاييرها.
إنها هيلين توماس...
وإن أقرت، كما يعي العالم أجمع، بالحقيقة رغم علم محرر صحيفة «ناشيونال ريفيو» جاي نوردلينغر أن هيلين وإن تقاعدت من عملها الصحافي في البيت الأبيض بعد تصريحاتها، لن تتقاعد من العرق الإنساني أو الانتماء إلى قناعاتها، فضلا عن أنها لم تطلب منه العودة من حيث أتى مفسحا التضاريس لأبناء الأرض من الهنود الحمر.
توماس لم تخاطبهم بمرجعيات نورنبرغ أو محتشدات الاعتقال في أوشفيتز، ولم تكتب حرفا واحدا مناهضة لآري فلايشر، المتحدث السابق باسم البيت الأبيض، الذي هجاها في كتاب «تلقي الحر: الرئيس والصحافة وسنواتي في البيت الأبيض»، مخصصا فصلا كاملا عنها. ولماذا لم يتحدث فلايشر في مؤلفه عن كيف كان الأطفال من الهنود الحمر في الولايات المتحدة وكندا يرسلون إلى المدارس الداخلية الذائعة الصيت، التي استمر وجودها حتى الجزء الأخير من القرن العشرين. وكيف كانت اللغة والمعتقدات الدينية والثقافية في أغلب الأحيان موضوعا للاستهزاء. وكيف كان النطق بكلمات أصلية ممنوعا، وغالبا ما يجلب العقاب البدني، بغية إكراه الطفل الهندي الأحمر العنيد على تعلم الكلام بلغة إنكليزية سليمة؟، ولم تزل تحدث مظاهر عنصرية من ذلك الذي طالما اعتقدنا أنه ليس له وجود إلا في الذاكرة، فلم أسقطت وبقي وجه هيلين عنصريا؟
وليست فانتوماس...
إنها فقط عرت على نحو صارخ الاستبداد المعرفي الجديد في بلاد أضحت بلا معايير وتطالب العالم بتطبيق معاييرها.
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 242 مسافة ثم الرسالة