-A +A
منيرة المشخص ـ الرياض
لمَ لم تصدر بعد مسودة نظام الرهن العقاري لمناقشتها مجتمعيا؟
هل سيسهم هذا النظام في زيادة المضاربة وبالتالي رفع الأسعار، أم أنه سيسهم في تخفيضها؟

هل سيستفيد مالك الأراضي منه؟ ما هي النسبة التراكمية المناسبة للنظام الجديد؟ هل سيستفيد المتقاعدون منه؟ وماذا عن أهلية المحاكم للفصل في التبعات السلبية للنظام؟
وتتسع دائرة التساؤلات أكثر فأكثر مع توقع قرب صدور النظام خلال الفترة المقبلة، لكن الإجابات هذه تبقى مرهونة هي الأخرى، كالنظام نفسه، بمدى نجاعة التطبيق الصحيح وتفادي السلبيات السابقة التي ظهرت في بعض الأنظمة الأخرى مثل نظام هيئة السوق المالية.
إذن كثيرة هي المحاور التي ينتظر المجتمع إجابة عنها من نظام الرهن العقاري، التي تفتح «عكاظ» ملفه من خلال طرح التساؤلات بشكل يفرز السلبيات والإيجابيات المحتملة، والآليات المفترضة للتطبيق الصحيح، وما يمكن أن يحدث قبل ومع دخول النظام حيز التنفيذ.
استعدادات مبكرة
يعني نظام الرهن العقاري نظريا أنه تمويل يمكن المقترض سواء كان فردا أم مؤسسة من الاستفادة منه، لشراء منزل أو أي عقار، على أن تكون ملكيته ضمانا للتمويل، أي أنه في حال عجز المستفيد عن سداد أقساط التمويل فإن من حق الممول إتخاذ الإجراءات الكفيلة بتملك هذا العقار.
وكمقدمة لهذا النظام كانت استعدادات البنوك والقطاع الخاص، مبكرة والكل ينتظر إقرار النظام لعرض ما لديه من برامج جاذبة، وكذلك الدولة، إذ أعلن وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف عن تأسيس شركة على غرار شركة «فاني ماي» الأمريكية لشراء القروض العقارية من المؤسسات المالية، والمساعدة في تطوير أسواق محلية للسندات والصكوك.
ويمثل تأسيس هذه الشركة إرهاصا لنظام الرهن، حيث تعد شركة «فاني ماي» مشتريا أوليا لقروض الرهن العقاري من مصدريها، وتعمل على توريق القروض في صورة أوراق معززة برهون عقارية، وتبيعها إلى المستثمرين، وهي أنشئت بهدف إنشاء سوق ثانوية للرهون العقارية المدعومة من الحكومة وهو ما سيعمل نظريا على تحفيز البنوك والقطاع الخاص وإيجاد منافسة جيدة قد تكون في الأخير لصالح المستهلك في السوق العقارية.
مخاوف
لكن واقعيا هناك مخاوف حول طبيعة التطبيق الأول يــــــــتــــــضــــــمــــــن المضاربة المتوقعة فور الصدور للاستفادة من عمليات الشراء الواسعة والأخرى تتمثل في زيادة أسعار المواد الخام للبناء، للاستفادة من حركة البيع والشراء مع بدء تنفيذ النظام وهو عكس ما هو حاصل حاليا حيث نجد استقرارا نسبيا لأسعار مواد البناء وكذلك العقارات.
كما أن هناك مخاوف من أن تعكف البنوك والشركات والقطاعات المالية السعودية على إصلاح أوضاع مديونياتها المرتبطة بمرهونيات كانت البنوك تعمل بها عبر طرف ثالث مع المنع السابق للرهن، وهو ما يجعل البنوك أو المؤسسات تقع أيضا في دائرة المحفزين لمواجهة الارتفاع غير الحقيقي المتوقع، وعلى الجانب الآخر فإن صدور النظام سيعطي مساحة تحرك أكبر لصندوق التنمية العقاري للمساهمة في إزاحة حمل كبير عنه، وهو ما يسمح للصندوق بتقديم قروض للفئات الأكثر حاجة من خلال المزايا المقدمة وبالتالي توسيع دائرة المنافسة.
التطبيق الإيجابي
وكمثال على التطبيق الإيجابي للرهن فإن البنوك أو المؤسسات المعنية لن تقدم على شراء أي عقار بقيمة أعلى من قيمته الحقيقية، وقد تشتريها بأسعار تقل ما بين 15 و 20 في المائة من قيمتها الحقيقية، ما يعني أن العقارات ستسلم بأسعارها الحقيقة أو أقل وهو ما يضع السوق في إيجابيات سعرية حقيقة، لكن المشكلة تبقى في قيمة العمولة على العقار والتخوف من تجاوز النظام في هذا الشأن، كما حدث في السابق من إقدام البنوك على تقديم قروض تتجاوز ما هو مقر في نظام الإقراض (ثلث الراتب) إذ وصل بعضها إلى استقطاع نصف الراتب.
وتبقى المشكلة في تحديد السعر العادل لعمولة للرهن وعدم تأثرها بعمولة الإقراض التراكمية والمخالفة لما تعلنه البنوك وهي ثلاثة في المائة، حيث ما ينطبق فعليا هو تراكم تلك العمولة على سنوات القرض لتصبح الفائدة الفعلية 9 أو 10 في المائة للبنوك.
فرصة جدية
إن خروج النظام في هذا التوقيت يعتبر فرصة جيدة للاستفادة من التجارب العالمية ودرء السلبيات التي حدثت مثلا في الولايات المتحدة حيث أقدمت البنوك هناك على الاستفادة من نظام الرهن في استقطاب من هم ليسوا مؤهلين للإقراض، وبالتالي عجزهم عن السداد والانهيار في آخر المطاف. لكن ما يميز النظام المالي السعودي هو تحفظه الواضح في تعاملاته كما ظهر سابقا في الأنظمة المرعية، بالإضافة إلى أن سياسة مؤسسة النقد تتسم بالتحفظ الإجمالي لعملياتها المالية، إلا أن ذلك لا يقابله وعي اجتماعي بطبيعة الاستهلاك الصحيح للمنتجات، خصوصا المالية منها، وهو ما يضع السوق سواء عقارية أو مالية، فريسة المتلاعبين بثغرات الأنظمة كما هو متوقع حدوثه مع نشوء سوق سوداء للنظام يجري التلاعب فيه بالعمولات لصالح المقرضين، كما أن النظام في حاجة إلى أذرعة داعمة في تطبيقه وذلك من خلال متابعة المحاكم وآليات تأخر الفسوحات والأضرار المترتبة على ذلك.
عوائق
وفي المحصلة فإن النظام سيصطدم بعوائق إجمالية تمنع الاستفادة منه بالشكل الملائم، وأحد أبرز تلك العوامل أو المعوقات هي أن غالبية المواطنين مربوطون أصلا بقروض طويلة الأجل سواء من البنوك نفسها أو خسائر سوق الأسهم أو البطاقات الائتمانية، وهذا يعني أن السوق عرضة للاستفادة من النظام في تسديد المستحقات بفوائد محددة معينة يجري التفاهم على أساسها، كما أن السوق عرضة أيضا لتداعيات التلاعب في مسائل التثمين، فالخبرات القصيرة في هذا المجال لا تسمح بنشوء ثقة في كينونة تثمين العقار أو ضمان رضا الأطراف على ما يجري الاتفاق عليه. كما أن السوق العقارية مقبلة على منتجات جديدة تنشأ من إقرار النظام كنوعيات جديدة من الصناديق الاستثمارية.
وانطلاقا من هنا، لا شك أن السوق العقارية مقبلة على تقلبات كبيرة تدعم ارتفاعها في مناطق وانخفاضها في مناطق أخرى، كما أنها مقبلة على فرز العقارات نفسها من قديم وجديد، وتحديد أعمار محددة للرهن العقاري المناسب ويمكن أن تكون الفائدة أعلى من عقار إلى آخر لاعتبارات مثل العمر العمراني وهو متوقع أن يأخذه النظام في الاعتباره.
آلية التطبيق
إلى ذلك أبدى الخبير في الشأن العقاري صالح بن محمد الحماد تخوفه من تأثير التطبيق العملي لنظام الرهن العقاري، وقال إن المعضلة تكمن في آلية التطبيق وليس النظام نفسه، فمسائل إقرار العمولة تحتاج إلى رقابة صارمة، كذلك فإن النظام يحتاج إلى فترة توعوية قبل إقراره بوقت كاف وهو ما ظهرت الحاجة إليه في موضوع سوق الأسهم. وأضاف أن السوق العقارية مقبلة على تغير كبير، وخطورة ذلك تكمن في أن العقار هو الملاذ الآمن للاستثمار يجب عدم خسارته كسوق الأسهم، مشيرا إلى أن لكل نظام ثغرات يجب العمل على تلافيها من خلال إقرار لجان متابعة من قبل الجهات المعنية فور البدء بتطبيق النظام تستمر على فترات محددة وتخرج بيانات حكومية من حين لآخر معلنة عن حجم التداول وطبيعة التمويل وعقوبات بحق المتلاعبين، مضيفا أن النظام يخرج في وقت استنفد فيه كل التجارب العالمية التي استفاد منها وبالتالي فانه لا يجب أن تطغى السلبيات على الايجابيات المتوقعة.
وقال الحماد إن هناك حاجة إلى تهيئة المحاكم لخروج تلاعبات جديدة ومشاكل قضائية جراء التطبيق الخاطئ للنظام فالتجارب الخارجية رغم ما فيها من صرامة في الأنظمة إلا أنها قبعت في سلبيات كثيرة نتيجة التلاعبات، معتبرا أن السوق العقارية مازالت في حاجة إلى الكثير من الأنظمة والإجراءات التي تدفع بها إلى الأمام كأنظمة الجباية على الأراضي وتسريع الفسوحات وغيرها.