-A +A
صالح بن سبعان
لسنا الوحيدين، ولكن معظم المجتمعات أغفلت لوقت طويل مسألة الاستعداد للطوارئ الكارثية والأزمات الحادة، والتنبؤ بها، ودراسة احتمالاتها قبل حدوثها، خاصة بعد إنشاء المؤسسات والمصانع والمنشآت الضخمة والعملاقة، علما بأن هذه الإجراءات كانت موجودة بشكل بسيط في حياة المجتمعات البدائية الأولى.
فحين تزمع مجموعة من الناس إنشاء قرية أو مدينة فإنهم يدرسون بدقة وأناة الموقع الجغرافي المقترح والمعطيات الطبيعية التي تحيط به، فيختارون مثلا، أعلى الجبل، لأن الوادي الذي يقع في أسفله معرض للسيول التي تنحدر منه في فصل الأمطار، ثم هم يشيدون منازلهم بما يضمن سلامتهم في حال حدوث أي كارثة طبيعية، وتبعا للظروف المناخية السائدة والمحتملة في المنطقة فيختارون نوع المواد التي يشيدون بها منازلهم، حجرا أم قشا أم طينا لينا... وهكذا.
وتخزين الحبوب وتجفيف اللحوم على الشمس هي نوع ودرجة بسيطة من الاستعداد للكوارث والأزمات في حال الجفاف والكوارث الطبيعية التي تفسد الموسم الزراعي للمجموعة التي تعيش في هذه المنطقة.
إلا أن الكوارث الطبيعية لم تعد هي الخطر الوحيد الذي يهدد المؤسسات والمنشآت الاقتصادية... إلخ، وإنما أصبحت العمليات داخلها وبفعل إنساني بحت تعرضها لكوارث ضخمة، لا تقل خطورة في حجمها التدميري عن الكوارث الطبيعية، فالكارثة التي حلت ببرجي التجارة العالمية في نيويورك، سواء في حجمها التدميري أو عدد ضحاياها، لاتقل بأي حال من الأحوال عن زلزال أو فياضانات عاتية، هذا إذا لم نفقهها.
وقد يتسبب خطر بشري أو تقني في كارثة تستمر آثارها ونتائجها الكارثية لعشرات السنين، مثلما حدث في مفاعل تشر لنوبل بالاتحاد السوفيتي سابقا، وما يحصل بالعراق حاليا، وغزة مستقبلا، فقد أصبحت عملية التنبؤ أو توقع احتمالات الكوارث والأزمات من أهم الأركان الإدارية، وقد عملت المؤسسات، مهما كان حجمها، على إنشاء وحدات خاصة في إدارة الكوارث والأزمات.
ورغم أن التركيز الأكاديمي على ميدان بحث إدارة الأزمات بشكله الحديث والمعاصر بدءا في أوائل الستينات أثر أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر عام 1962م، عندما قال «مكنيمار كوما» وزير الدفاع الأمريكي الأسبق: «لم يعد بعد الآن مجال للحديث عن الاستراتيجية وإنما عن معالجة الأزمات فقط». إلا أن هذا العلم الحديث الذي يهدف إلى التنبؤ بالأحداث المفاجئة والمحتملة والتحكم فيها والتعامل معها حين وقوعها، ومواجهة آثارها ونتائجها، حتى أصبح موضوع إدارة الأزمات أحد المواضيع الهامة الإدارية في العصر الحديث الذي لم ينل حظه من الاهتمام هنا سواء في الجامعات أو المؤسسات المعنية بموضوعه.
وربما يعود ضعف هذا الاهتمام إلى حداثة هذا العلم، أو ربما لأننا مازلنا في مرحلة نتحسب فيها للمعلوم والثابت والمستقر في حركتنا، ولا نتحسب للمجهول بنفس القدر والمستوى، في حين ثبت أن المجتمعات التي تفسح في تعاملها للمجهول مكانا هي التي تكتسب القوة والتفوق، لأنها الأقدر والأكفأ في معالجة أزماتها وكوارثها وتجاوزها، وتجاوز آثارها ونتائجها.
والآن يأتي دور جامعاتنا ومؤسساتنا المعنية بهذا العلم لدعمه وترسيخه فنحن لسنا، كما يتصور البعض ويجب أن يقنعنا، بأننا دولة صغيرة وليست كبيرة.
* أكـاديمي وكـاتب سعودي
www.binsabaan.com

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة