-A +A
حوار: بدر الغانمي

لم أشأ أن يذهب حديثي مع الشيخ علي بن أحمد ملا -شيخ مؤذني الحرم المكي- نحو طريق تصادمي، فلا المكان ولا الزمان يسمحان لي بهذه المواجهة مع رجل ينظر إليه المسلمون في كل مكان على أنه رمز وصاحب فضل في الدنيا قبل الآخرة.. حاولت أن أصل من خلاله لإيضاح صورة ما استشكل بشأن استخدام المقامات الموسيقية من قبل المؤذنين في الحرمين الشريفين، فوجدت في ثنايا جوابه ما يشبه الاستفهام، فالرجل لا يريد أن يتكلم لكي لا يقع في مأزق المساءلة وإن لم يتردد في إبداء رغبته ببقاء الباب مفتوحا أمام القادرين من أبناء الأسر المكية التي توارثت الأذان في الحرم المكي على مدى قرنين من الزمان ولومن باب إعطائهم الأولوية وهو ما لا يحدث حاليا.. صارحني بابتعاده عن مجالس الغناء ورفضه حضور حفلات ومناسبات غنائية من أجل شرف موقعه. قال بأن تسمية (بلال الحرم) التي أطلقها عليه مسلمو جبل طارق تحمله عبئا إضافيا أمام مسلمي الخارج. الرجل الذي يتعامل مع الأذان كعشق لا كوظيفة حكومية، قال بأن شرف المسمى أكبر من أي مبالغ يتلقاها مؤذنو الحرمين الشريفين، بل إن بعض المؤذنين يقاوم العجز ويقاتل ليستمر ويأتي ليؤذن على كرسي متحرك. الشيخ الذي اعتزل حراسة المرمى ليكون مؤتمنا على مؤذني الحرم المكي ويتسلل صوته إلى شغاف القلب منذ أربعة عقود يدير مكتب عقار، ويهوى الأصداف البحرية والرسم التشكيلي ويجيد جمع الوثائق وإقامة المعارض الفنية، ويبدأ مشواره مع القراء من حارة (سوق الليل)، أحد أقدم أحياء مكة ويطلق عليه أيضا (شعب علي).. حيث يوجد فيه المكان الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ما يسمى الآن بمكتبة مكة المكرمة قائلا:



ولدت في حارة سوق الليل، الحارة المكية العتيقة المعطرة بأنفاس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسرة يعمل أفرادها في صياغة الفضة، وقد أدخلني والدي حلقة الشيخ عاشور عند باب (الزيادة) من خلال ألواح الحساب الخشبية فاغترفت من القاعدة البغدادية، وحفظت كتاب الله وتعلمت القراءات، والتجويد، والخط، والكتابة على الألواح بالحبر الشيني ونهلت من حلقات العلم، لكنني ظللت مشدودا بشكل أكبر كل يوم تقريبا بشرف الاستماع للمؤذنين الكبار الذين يجتمعون في دكان الوالد بزقاق الحجر في حارة القشاشية؛ القريبة من الحرم الشريف، فتلقيت من خلالهم قواعد الأذان وأنا لم أتجاوز الرابعة عشرة من العمر. وقد أكرمني الله بمرافقة عمي عبد الرحمن ملا، مؤذن الحرم الشريف، وكبير مؤذنيه في ذلك الوقت. فأتيحت لي فرصة اعتلاء منارة باب الزيادة؛ أو الصنجة لعدم وجود ميكروفونات فيها فبدأت علاقتي تكبر مع الأذان كل يوم، خصوصا أن شرف الارتباط ممتد منذ أكثر من 200 عام ويتوارثه أبناء الأسرة كابرا عن كابر؛ بدءا من جدي علي عبد الرحمن ملاّ، والوالد أحمد؛ إلى جانب الأعمام صديق وعبد الرحمن، وأبنائهم عبد الله وعبد اللطيف، وشيخ المؤذنين الراحل عبد الملك ملا الذي توارث المهنة من جده لوالدته الشيخ عبد الله خوج، وعبد الحفيظ وابنه توفيق. ولم يتوقف تعليمي عند المدرسة الرحمانية فحصلت على الشهادة الابتدائية من مدرسة الخطاب التي وجدت فيها متسعا؛ لإبراز موهبتي الصوتية من خلال قراءة القرآن الكريم والموشحات الدينية والأذان في الرحلات المدرسية، وظللت أرفع الأذان الأول والثاني لصلاة الفجر؛ من على منارة باب المحكمة؛ التي كانت حصواتها تحظى باجتماع علماء ومشايخ تلك الفترة من أمثال الشيخ محمد أمين مرداد وحسن مشاط ، وكان بيت الريس هو المسؤول عن توقيت الأذان، حيث نأخذ منهم الإشارة ونشرع في الأذان من المنارات التي يتردد صوتها في أنحاء مكة متمازجا مع مآذن الأحياء المجاورة، وكان لكل عائلة منارة خاصة بها وعلى كل منارة مؤذن وكان بيت الريس يؤقتون على المزولة فيبدأ الأذان في المقام الشافعي، أما في رمضان فيعطي مؤذن باب العمرة الإشارة بأخذ البيرق (العلم) والتلويح به ويشير به إلى جبل المدافع حيث يضرب المدفع للإفطار.



• ما بين الفنان التشكيلي وعاشق الزخارف وجامع للوثائق ومنشد المناسبات، كيف توفق بين كل هذه الهوايات، بالإضافة إلى الأذان في أطهر بقاع الأرض؟



ــ السر في المسألة هي بركة الوقت -إن شاء الله- فمن ناحية الرسم فأنا أحبه منذ الصغر لأنه فن جميل، ووسيلة لغرس مبادئ التسامح في نفوس الصغار، وهو ما كنت أحرص عليه، أثناء عملي كمدرس للمادة من خلال تعليمي فنون الزخرفة الإسلامية، كما أنني عضو في الجمعية السعودية للطوابع وجمعية البريد والنقود السعودية، كما كنت حارسا لمرمى فريق الكفاح (حراء) حاليا إلى أن انتقلت إلى الرياض للدراسة.. ولي في العقار مغامرات ومكاسب طيبة وعندي متحف في بيتي يضم جزءا من تاريخ مكة المكرمة والحرم المكي ولدي عشق خاص لجمع الوثائق، كما حدث في كارثة جدة، فلدي أرشيف كامل بكل صغيرة وكبيرة فيها، إلا أن ذلك لا يشغلني عن متابعة الحرم على مدار 24 ساعة، حتى أثناء تواجدي في المنزل، أو في مكتبي العقاري الذي أشرف عليه؛ حيث أقوم بمتابعة أوقات المؤذنين وتنظيم برامج عملهم اليومي والتواصل شبه اليومي مع الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين، فالبركة في الوقت موجودة والحمد لله وأسأل الله المزيد.



• ألم تصل إلى درجة الافتتان بالنفس كما يحدث مع البعض؟

ــ هذه نعمة من الله أكرمني بها ورفعني بها قدرا ومقاما في الدنيا وإن شاء الله في الآخرة أيضا، وأعتقد أنها ليست من النعم التي يفتتن بها الإنسان بقدر ما يشعر بعظم مسؤوليته، ومن الفطر التي فطر الله عليها قلوب عباده حب الاستماع إلى الصوت الحسن، ونفورها من الصوت القبيح. ولا شك أن للصوت أثرا كبيرا على السامع إقبالا وإدبارا. وواقع الناس أكبر دليل على هذه الحقيقة، فنحن مثلا عندما نسمع صوت مؤذن ينادي للصلاة بصوت ندي، نرهف السمع إليه، ونتمنى ألا ينتهي مما هو فيه، ولهذا المعنى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن زيد، أن يطلب من بلال رضي الله عنه أن يؤذن، قائلا له: «إنه أندى صوتا منك» ولأهمية جمال الصوت وحسنه، وجدنا الناس يسعون إلى سماع كل ما يدخل السرور إلى قلوبهم، فكانت العرب مثلا إذا ركبت الإبل تتغنى بالحداء، وهكذا كانت في كثير من أحوالها.



• لكن يؤخذ عليكم كمؤذنين قدامى كثرة التغني والتلحين؟

ــ عندما نزل القرآن الكريم على قلب خير المرسلين، أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون سماعهم للقرآن، مكان التغني الذي كانوا عليه، فدعا صلى الله عليه وسلم إلى التغني بالقرآن، فقال: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن» وثبت في السنة أنه صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس صوتا بقراءة القرآن، فقد روى البخاري من حديث البراء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: «والتين والزيتون» في العشاء، وما سمعت أحدا أحسن صوتا منه، أو قراءة . والتغني الجهر به مع تحسين الصوت والخشوع فيه حتى يحرك القلوب، لأن المقصود تحريك القلوب بهذا القرآن حتى تخشع، وحتى تطمئن وحتى تستفيد، ومن هذا قصة أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- لما مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ فجعل يستمع له عليه الصلاة والسلام وقال: «لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود»، فلما جاء أبو موسى أخبره النبي عليه الصلاة والسلام بذلك قال أبو موسى: لو علمت يا رسول الله أنك تستمع إلي لحبرته لك تحبيرا. ولم ينكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام ذلك، فدل على أن تحبير الصوت وتحسين الصوت والعناية بالقراءة أمر مطلوب ليخشع القارئ والمستمع والأسلوب في الأذان اوالقراءة أو في الخطابة له دور في استماع الشخص اليك.



• وهل يشيخ الصوت مع تقدم العمر؟

ــ من التجارب التي مررنا بها فإن كبار المؤذنين حتى وهم في عمر كبير لم تتغير أصواتهم والمهم في الموضوع هو كيفية المحافظة على الصوت من عدم استخدام الأشياء التي تؤثر على الأوتار الصوتية؛ مثل الأطعمة والمشروبات الباردة والشحوم والدهنيات، خصوصا في الليل، التي تنعكس مشاكلها في صلاة الفجر كما ينبغي على المؤذن البعد عن العطور، خصوصا عطر الورد والبخور التي تقفل الصوت وكذلك المخلطات، إضافة إلى تجنب الصياح ورفع الصوت. وثق بأن أي مؤذن طالما صوته موجود وطريقة أدائه سليمة لا يتوقف.



• ولو أصيب بعجز بدني؟

ــ ممكن إذا كان كبير سن أو يعاني من الوقوف فيمكن أن يؤذن ويبلغ ولكن الأفضل أن يكون واقفا، وبعض الزملاء يأتي على كرسي متحرك ويصعد إلى المكبرية بجهد لأن المسألة شرف واشتياق وأجر لا يرغب أي مؤذن ذاق حلاوة هذا الشرف، خصوصا في الحرمين الشريفين أن يفقده ويكفيك ما ورد من فضائل كثيرة للمؤذن في الإسلام لكي تكون دافعا لما يشبه الاقتتال من أجل هذا الشرف، فالمؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس، وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم والمؤذن يغفر له مدى صوته وصدقة من سمعه من رطب ويابس وله مثل أجر من صلى معه» وفي الحديث الذي رواه أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين» والمؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة، وعن ابن أبي أوفى -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم لذكر الله تعالى» فهل بعد هذا الفضل والأجر يفكر أي إنسان عاقل أن يترك هذا الخير ويجلس في بيته؛ طبعا لا يمكن يحدث هذا ولا يعرف قيمة هذا الشرف إلا من ذاق طعمه وجرب بركته.



• ما دامت المسألة بهذه المهابة والأجر، فلماذا تنازلت في السابق عن الصلوات الجهرية التي كانت مقررة لك؟

ــ هذا موضوع قديم فعندما تعينت كان تعييني لرفع أذان المغرب والعشاء والفجر الأول والثاني وظهر الجمعة ومغرب وعشاء يومي الاثنين والثلاثاء فحدث أن بعض الإخوة الزملاء أبدوا رغبتهم في إظهار مهاراتهم فتنازلت لهم عن بعض الأوقات من باب إفساح المجال للخير وإن شاء الله ينوبني من وراءهم الأجر أيضا.



• ما نوباتك حاليا؟

ــ عشاء يومي الإثنين والجمعة، إضافة إلى تواجدي كشيخ للمؤذنين في الحرم.



• الكثير يرى أن دور المبلغين انتهى حاليا مع تطور أجهزة الصوت في الحرمين الشريفين؟

ــ أبدا، فالحاجة ما زالت موجودة لأننا مع التبليغ ما زلنا نشعر بوجود قصور في إيصال الصوت إلى أبعد مدى ممكن في ظل توسع الحرم، وقد قامت رئاسة شؤون الحرمين بإحضار أجهزة جديدة لإيصال الصوت إلى كل الساحات بنفس الجودة الموجودة داخل الحرم ولدينا أجهزة حديثة يمكن لمفتاحين فقط قفل الصوت وفتحه في الحرم، بمعنى أن القدرة على التحكم أصبحت كبيرة الآن، لكن يبقى دور المبلغ مهما للإمام في حالة فوات الركعات مثلا فإن دوري كمبلغ مبني على قاعدة في كل من الجلوس والقيام بما يمكنه من الاستعادة فأعطيه إشارة قيام وهذا يعتمد على حسب معرفة المؤذن بالأداء، حيث أن التكبير للركوع يختلف عن التكبير للسجود والتكبير للقيام.



• الملاحظ أن بعض المؤذنين في السابق لم يهتموا بمجالس العلم فتجدهم يجتمعون في المقاهي مثلا في الوقت الذي تتطلب فيه هذه المهمة سمتا خاصا ووقارا؟

ــ أنا لا أعرف أنهم في الماضي كانوا يجتمعون في المقاهي، إنما يجتمعون في الحرم بين الصلوات، وأتذكر أن الاجتماع عند منارة باب المحكمة وإن لم توجد فرشة للجلوس فكانوا يجتمعون في الدكاكين، فعمي وأبناء عمي ووالدي كانوا من الصاغة وكان المؤذنون يأتون عندنا، فالشيخ عبدالله بصنوي كان يأتي للوالد في دكانه من محبة وأخوة ومعه الشيخ حسن لبني وعبد الرحمن بصمجي وغيرهم من المؤذنين لكني لا أعرف أن الوالد جلس عند الشيخ عبد الله في المركاز مع أنه مكان رسمي للعمدة، والمؤذن الآن يرى ويشاهد في المكبرية وفي التلفزيون ويقابل الناس، فلا بد أن يكون على سمت وعلم بما يسأل فيه بشأن الأذان فقط، أما الفتوى فلا بد أن تعود لأهل الفتوى. وإن كان على علم فهذا اجتهاد لا بأس به، وإن كنت أرى أن الأفضل للمؤذن ألا يفتي.



• لماذا اختفت المقامات من قراءات المقرئين؟

ــ المقرئون السابقون كانوا يقرأون بمقامات، أما الآن فيمكن عدم معرفة بعض المقرئين بهذه المقامات رغم قراءته بها له دور في ذلك ومثلا سألت أحد الأئمة ممن كان يقرأ بالسيكا أحيانا وبالبنجكة أحيانا أخرى فقال إن هذه طبيعته من السماع وهذا مقام نسميه (سماعي آذان).



• لماذا لم تطالبوا بسلم رواتب وترسيم لوظائف المؤذنين بدلا من نظام المكافآت الذي يرى البعض أنه لا يوازي ما يأخذه الأئمة؟

ــ هذا ليس نظاما مستحدثا فكل المؤذنين الذين اختيروا في الحرم يسري عليهم نظام المكافآت المقطوعة من فترة طويلة. والأذان ليس وظيفة فالمؤذن يقوم بهذا الدور من باب الهواية والرغبة إلى أن يتوقف لمرض أوعجز أو وفاة ولديه وظيفة أخرى يأخذ منها راتبا تقاعديا مثلي فقد كنت مدرسا ولي راتب تقاعدي الآن وليس من حقنا أن نطالب بما يأخذه الأئمة مثلا ويكفينا أن تسمية (مؤذن المسجد الحرام) أشرف وأعظم من المكافآة بكثير، فشرف الانتماء للمكان لا يحس بقيمته إلا من جربه وأحس بقيمته.



• البعض يرى توجها نحو التغيير في المؤذنين لعدم وجود تقبل من البعض لموضوع استخدام المقامات الموسيقية من قبل المؤذنين القدامى؟

ــ لا أعتقد ذلك لأن مقامات السيكا والبنجكة والحسيني تستخدم في التبليغ فقط وليس في الآذانالذي يعتمد على اللهجات كالحجازي والمدني والدمشقي وهكذا.



• من أكثر المشايخ تماشيا مع المبلغين؟

ــ الشيخ عبدالله الخليفي -رحمه الله- كان يتماشى مع المبلغين بعدة مقامات ولم يكن ينتقل من مقام لآخر في الركعات وهو أول من فتحت عيني على قراءاته، ثم الشيخ علي جابر -رحمه الله- وكان يريحني لأن في صوته قوة أداء وكذلك الشيخ إبراهيم الأخضر، فيما بعض الأئمة يغير من مقام لآخر من ركعة لركعة، ويريحني كمبلغ حاليا الشيخ سعود الشريم لأنه يقرأ على (طبقة قرار)، أما الشيخ صالح آل طالب فأحيانا يكون على طبقة قرار وأحيانا أخرى يرفع لطبقة أعلى ويحتاج إلى متابعة من المبلغ، فيما أخذ الشيخ صالح بن حميد في طريقة أدائه آخر طبقة في القرار. أما المشايخ السديس والجهني والغامدي فلديهم طبقات للسماع والتحبير.



• ألم يطلب منكم التخفيف من استخدام المقامات الموسيقية الآن؟

ــ الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، وبطبيعة الحال أن التنغيم إذا زاد أصبح غناء حين يكثر فيه الدوران في الأداء مما يجعل فيه لحنا. والشاطر من يخطف المقام دون ملاحظة عليه.



• لماذا توقفت عن أداء الموال أو المجس في المناسبات وحفلات الأفراح؟

ــ كنت أشارك في الأناشيد الإسلامية عندما كنت طالبا فقط، وأعتقد أنه لا يليق بإنسان يؤذن في بيت من بيوت الله، فما بالك بأن يكون مؤذنا في الحرم أن يخوض في مقامات موسيقى ورقص وطرب.



• بمعنى أنك محاصر بالتسمية في كل حركاتك؟

ــ من دون شك وفي كل حركاتي وسكناتي، وقد لا تعلم أنني لا أحضر أكثر الدعوات التي توجه لي، خصوصا إذا كان فيها طرب وخلافه. وإن كنت أحرص على تلبية الدعوة بالحضور والانصراف قبل بدء هذه الأشياء.



• متى يحاسب المؤذن على تجاوزه، وكيف؟

ــ التجاوز هو الإطالة والتلحين في خروج العبارات، والمحاسبة تتم بالتنبيه الآن، وقد حدث إيقافات في السابق لكننا نتبع الآن مبدأ التوجيه. وأتذكر أنني أذنت (مدني) مطولا في إحدى الليالي فنبهني الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله- عندما ذهبت للسلام عليه مع عمي عبدالملك -رحمه الله- وقال لي بلطف: يا شيخ علي الليلة أذانك جميل جدا ولكنه وصل إلى المدعى، فأوصل لي الرسالة وإن كنت أعتقد أن حلاوة المقام المدني في الإطالة ولا تعرفه إلا مجموعة معينة في المدينة المنورة.



• أنت تعلمته من تقليدك للشيخ حسن لبني؟

ــ أنا لم أقلد أحدا ولكنني تأثرت من سماعي للمؤذنين، كما كنت منشدا ومؤذنا وعضوا في فرقة الأداء والتمثيل وبعدما تعلمت صارت لي شخصيتي، والآن أؤذن ليلة الجمعة بالمدني الذي يختلف عن المدني الذي يؤديه أهل المدينة، فهم لهم أسلوب وعرب تختلف.



• ولكن لماذا لا تلتزمون بالأذان الشرعي بعيدا عن التبحير؟

ــ أعيدك إلى ما قلته في فضل التغني ولكنني عندما أؤذن آذان الخطبة، فإنني أراعي فيه الرجوع إلى إيقاف العبارات بشكل بسيط لتكون شرعية بعيدا عن التطويل.



• ومتى تأخذون راحتكم في الآذان؟

ــ دائما في الأذان الأول لصلاتي الفجر والجمعة.



• عرفت من بعض الإخوة أنك عادة ما تتعرض لمواقف محرجة؟

ــ «أووه عد وأغلط» وحدثت هذه المواقف في السابق كثيرا، ففي إحدى المرات دخل أحد الحجاج عليّ وحاول أن يخطف الميكرفون مني وهو يريد أن ينادي على زوجته التائهة داخل الحرم، وآخر جاء يصرخ ويبكي وحاول اقتحام الباب يقول لي هل أنتهيت من رفع الأذان؟ فهدأته وسألته عما به فقال إنه مسلم جديد من أمريكا وأرغب في رفع الأذان، وفي إحدى المرات بدأت في رفع الآذان فإذا برجل طويل القامة أسمر اللون يدفعني بلا سبب فاضطررت إلى ترك الأذان والهروب بحثا عن رجل الأمن ولما أبلغت الشرطة بذلك لم يصدقوني حتى شاهدوا الرجل بأعينهم واكتشفنا أنه مجنون، وفي إحدى المرات خرجت مستعجلا من بيتي لأؤذن الفجر فأسرعت بالسيارة لألحق بالوقت ففوجئت بدورية المرور عند إحدى الإشارات فاستوقفتني، وسألني الشرطي عن سبب سرعتي، فقلت له: إن لدي عملا، فطلب مني الأوراق الثبوتية، ولم يكن يعرفني، فكاد أن يحرر لي مخالفة ويؤخرني عن الموعد، لولا أني تداركت الوضع وقلت له: إنني مستعجل وعندي أذان في الحرم، فقال لي: (إذن، الأذان يشفع لك يا شيخ).



• لماذا لم تورث الآذان لأحد من أبنائك؟

ــ كلهم لديهم القدرة والاستطاعة، حيث قمت بتعليمهم مقامات الأذان، ولا أخفي أن هناك اختلافا في طريقة الأذان بيني وبين أبنائي، فكل إنسان له صوته الذي يميزه عن غيره. وأتمنى أن يأخذوا بأسلوبي في الأذان.