-A +A
عبدالله بن بجاد العتيبي
صروف الأيام شتى، وأفعالها تترى، والإنسان بين متلق وفاعل، متلق لما لا يد له فيه، وفاعل فيما يطيق، والتفكر في الحالين منقذ، والتأمل فيهما منج، فللأولى الصبر والتجلد وللأخرى الاجتهاد والجد.
من منا لم يفجع بعزيز، ومن منا لم يرع بفقد حبيب، ومن منا لم تطعنه الحتوف وتنال منه صروف الزمان! كلنا ذاك الرجل، وكلنا بين مفجوع ومطعون.
تسير الأيام سيرها، ويمضي التاريخ الهوينا، ويتركنا بين مفجوع لفقد وفرح بوجد، فهو يتلقفنا كساع لمجد وراكض لإنجاز، أو كمغمور في أسى وغارق في مأتم، ونحن بين الموقفين دواليك، يخطفنا المجد والإنجاز تارة، ويحتوينا الأسى والمأتم أخرى، ولا لوم على فرح المنجز وقت الفرح، ولا تثريب على الحزين وقت الأسى.
لا فجيعة تفوق فقد الأبناء في عز روعتهم وأوج بهائهم، لأن فقدهم في أوج بهجتهم يزيد الألم ويستجدي الحسرة لآبائهم، وحين يكون الفقد بلا مناسبة، والموت بلا مقدمات، والخسران بلا عنوان، تصبح المعاناة مضاعفة، حيث تفقد الأشياء معانيها، ويتخلى المنطق عن منطقه، وترتخي الأفكار وتتلاشى القناعات وتبقى المشاعر سيدة والعواطف حاكمة.
ليس من مقصد هذه الكلمات إثارة اللواعج لدى القارئ، ولا تأجيج أحاسيس الفقد، وإن كانت كلها جزءا من الحياة التي نعيش، ومقطعا من العمر الذي نقضي، ولكن مقصود هذه الكلمات في الأساس مواساة كل فاقد، وتعزية كل مرزوء، وبث السلوان في نفوس المفجوعين بغالٍ، والفاقدين لمحبوب.
قبل أيام فقد صديق عزيز ابنه، فجع به وهو في ربيعه الثالث، فقده غرقا في مسبح المنزل المعد للبهجة لا للحزن، للاستمتاع لا للتحسر، فكان فقده في ذروة بهجته مصيبة وأية مصيبة، فجيعة لا توازيها فجيعة!
إنني أوجه هذه الكلمات لصديقي ولكل من فجع مثل فاجعته، لكل من فقد مثلما فقد، لكل من جرح جرحا غائرا كما جرح، كلكم شركاء في الأسى وكلكم أخدان في الألم، وإنما تفترقون في الأثر بعد العين الذي تستطيعون التعايش معه، وفي القدرة على التحمل والصبر وتقبل الأقدار..
يحدثنا التاريخ أن الحسن التهامي فجع بابنه فقال فيه:
حكم المنية في البرية جاري
ماهـذه الدنيـا بـدار قـرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا
حتى يرى خبرا من الأخبار
يا كوكبا ما كان أقصر عمره
وكذا تكون كواكب الأسحار
عجل الخسوف عليه قبل أوانه
فغطاه قبل مظنة الإبدار.
Bjad33@gmail.com



للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 250 مسافة ثم الرسالة