الصيف الملتهب الذي لم تفلح معه المكيفات من كل الأنواع، وبأطنانها المتفاوتة أسرجت شموع الذاكرة المتعبة، وعادت بها عشرات السنين إلى الوراء بحثا عما كنا نعيشه وقبلنا الآباء والأجداد في حواري مكة المكرمة وجدة وغيرهما من المدن والقرى التي كانت ثم أصبحت غير ما كانت؟!
وهي نعمة كبرى أتمنى أن يشعر بها الأبناء والأحفاد، وربما لن يصدقوا ما هو مكتوب أمامهم الآن ويعتبرونه نوعا من المبالغة الفكهة..؟!
أتذكر أن كثيرا منا لم تكن لديه كهرباء، بل في زمني لم تكن هناك شركات كهرباء كبرى وإنما صغيرة ومحدودة الطاقة، إضافة إلى مواطير توليد عند بعض الأثرياء، وهي تولد طاقة كهربائية للإضاءة والتبريد المحدود، أما مكيفات الهواء فالحلم فيها أقرب من الحقيقة؟! وأمثالنا ربما لم يكونوا قد سمعوا بها، وبالمناسبة لا زلت أذكر من أيام طفولتي في مكة دكان حلاق –صالونا كما يسمى الآن– يطل على قهوة الحمارة التي تجتمع فيها عربات «الفيتون، والكارو» وهي وسائل نقل تلك الأيام، علق هذا الحلاق ستارة مدلاة من السقف بحبال، ومن وسطها يتدلى حبل في يد صبي يشده إليه ثم يرخي الحبل فتتحرك الستارة ذهابا وإيابا فتولد للزبائن هواء يخفف من القيظ الحار، والرضا يغمر وجه الحلاق على عبقريته المبتكرة، وكذلك الزبائن والأصدقاء الذين يلوذون بالدكان هربا من الحر..!؟ أما نحن كبارا وصغارا فقد أجبرتنا الحاجة إلى ابتكار ما يناسبنا للوقاية من لهيب الصيف في رمضان المبارك.. الابتكار كان غمس «الشريف» وهو غطاء خفيف في الماء ثم نتغطى به وهو يقطر ماء ليرطب الهواء فنغفو قليلا ثم نستيقظ فزعا عندما يجف فنشعر بالسموم فنعيد الكرة من جديد حتى نتخلص من النوم أو هو يتخلص منا.. أو نتعب من لعبة «الشرشف» فنبدأ بالاستعداد للإفطار؟!
شخصيا كان لي برنامج قبل أن أمتلك سيارة وبعدها، قبل السيارة كانت حماقتي تدفعني لأركب سيارة أجرة من البيبان في مكة حيث أسكن وأذهب إلى حارة الباب حيث أشهر بائع «سوبيا» وأشتري زيرا من الفخار مليئا بها ومغطى بقماش أحمر، وهذا طبعا قبل عبوات البلاستيك، وكان ثمن الزير خمسة عشر قرشا، وكانت أجرة السيارة أربعة ريالات؟! أما بعد السيارة، فكنت أغادر منزلي قبيل المغرب حيث أتجه إلى الحرم المكي الشريف وأقف بها أمام باب الملك عبدالعزيز وأدخل إلى بيت الله فأطوف بالكعبة المشرفة، وعندما يؤذن المغرب أفك الريق أمام الكعبة بفصي تمرة مع ماء زمزم المبارك ثم أعود إلى سيارتي العتيقة فأجدها مكانها عند الباب، لا يفاجئني المرور بمخالفة أو سحب السيارة!! فأمتطيها إلى منزلي حيث تنتظرني الوالدة رحمها الله فنفطر معا ونحمده سبحانه على نعمائه، وهكذا يوميا إلى نهاية الشهر الكريم..؟! وكل عام وأنتم جميعا بألف خير.
* مستشار إعلامي
ص.ب 13237 جدة 21493
فاكس: 026653126
Hamid_abbas@yahoo.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 الاتصالات أو الرقم 636250 موبايلي أو الرقم 737701 زين تبدأ بالرمز 257 مسـافة ثم الرسـالة