-A +A
إبراهيم عبدالله مفتاح
بعد مغرب إحدى الليالي، جاءني يغالب دموعه، وبصعوبة يخرج كلماته المخنوقة بالعبرات، الأمر الذي جعلني أظن أن كارثة قد حدثت له.. قلت له: ما الأمر؟ ماذا يبكيك؟ .. أجابني بصوت متقطع مبلل بالدموع: ابنتي.. ابنتي.. قلت له: ما بالها ابنتك؟ قال: لقمة عيشها التي كافحت ـــ هي ـــ من أجلها وعانيت ـــ أنا ـــ بسببها كثيرا.. قلت: ما بالها لقمة عيشها؟ قال: لقمة عيشها قطعت وأملنا وأمل ضائقة معيشتنا التي ظننا أنها فرجت كلها تبخرت وذهبت أدراج قرار لا يسر..! قلت: حتى الآن لم أفهم.. أجاب: ابنتي التي درست وتعبت ونجحت جاء تعيينها معلمة في منطقة نجران.. قلت: الأمر عادي جدا، لتذهب، شأنها شأن غيرها.. قال: القضية ليست قضية تعيينها في نجران، القضية أن وزارة التربية والتعليم تشترط عليها وعلى مثيلاتها الإقامة الدائمة في المناطق اللاتي يعين فيها وإلا «ما فيش وظيفة». وأنت كما تعرف ظروفي وظروف ابنتي.. أنا رجل فقير الحال، وعاجز، ومقعد، وزوجها يعمل ـــ هنا ـــ موظفا في فرسان.. كررت القول: وماذا تريد مني؟ قال: أريدك أن تعمل معروفا وتتوسط لي عند مدير إدارته أن يمنحه إجازة شهر لكي يقيم معها في نجران، ويستخرج مشهدا بإقامته، أو يجعل له ندبا إلى تلك المنطقة.. ورغم اقتناعي باستحالة تلبية مطلبه اتصلت بمدير إدارة زوج ابنته الذي لم يكتف بالرد علي بـ «التليفون»، ولكنه جاءني بنفسه أمام والد البنت وقال لي: ضع نفسك مكاني.. هل تستطيع أن تلبي شيئا من طلباته؟ يا أستاذي.. وأنت يا عمي: أنا موظف صغير مرؤوس بمن هو أعلى مني.. هل صلاحياتي تخولني أن أتخذ قرار ندب؟ وأية إدارة في نجران ستقبل بقراري؟ وما النتيجة التي ستترتب علي في عملي الوظيفي؟ هل أضحي بنفسي وبلقمة عيشي؟ أما موضوع الإجازة فإن زوج ابنته قد استنفد جميع إجازاته حتى الاضطرارية.. عندها قلت لصاحبي: دبر أمرك بطريقتك الخاصة. لم أكن مصدقا الأمر ـــ حسب رواية صاحبي ـــ حتى قرأت جريدة «المدينة» العدد الصادر يوم الأربعاء 8/9/1431 هـ ، قرأت عنوانا كبيرا يقول: «شرط الإقامة يستبعد 4000 مرشحة من الوظائف التعليمية»، وفي التفاصيل قرأت أن وزارة الخدمة المدنية ستعلن دفعات جديدة من الموجودات على قوائم الانتظار.. وقرأت أن الخريجات سيتقدمن بدعاوى قضائية تطالب بإلغاء هذا الشرط.. عندها تساءلت: هل مصير الموجودات على قوائم الانتظار سيكون كمصير سابقاتهن؟ وهل سيضاف عدد ـــ غير قليل ـــ إلى العدد السابق من المحرومات؟ وهل من المعقول أن تترك أسرة مدينتها أو قريتها وسكنها واستقرارها من أجل راتب معلمة يذهب جزء كبير منه لإيجار السكن وتقسيط أو أجرة السيارة وما يلحق ذلك من مصاريف سفرية ومنزلية؟ وهل من المعقول ـــ أيضا ـــ أن يضحي ولي أمر ـــ أب أو زوج أو أي محرم آخر ـــ بمصالحه وأعماله ووظيفته ويقيم مع ابنته إقامة دائمة في المنطقة أو المكان البعيد الذي عينت فيه؟
الخريجات لا يردن أن يكون تعيينهن في مدنهن أو قراهن أو مناطقهن، ولكن يردن إيجاد بديل للشرط التعجيزي الذي ضحى بهن.. الرقم (4000) معلمة يكاد يفجر الرأس، لذلك لم أجد بدا من تلبية طلب صاحبي بأن أطرح هذه القضية ـــ في زاويتي هذه ـــ على خادم الحرمين الشريفين ـــ يحفظه الله ـــ فهو الأكثر حنوا وعطفا على أبناء شعبه، ولا بد من ساعة فرج.



للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 101 مسافة ثم الرسالة