-A +A
ثامر عدنان شاكر
ليس من السهل أن تستحضر الذكريات فتأتيك طوعا، أن تنادي الماضي فيقترب منك وتعيش معه في دقائق معدودة وتسير في دهاليز الأمس بكل تفاصيله وحناياه وفصوله..
ماذا نعرف عن خالد بن عبد العزيز ونحن جيل ولد مع توليه للحكم، وشاء القدر أن يرحل ولم نتجاوز السابعة من أعمارنا!! لكنه الصدق حين يتجلى فتستسلم أمامه كل أدوات الصد والمنطق والعقل، تحضر المشاعر فينتفض غبار الأمس ويعود بريق الصورة وجمالها بكل حماس وبهاء حتى إن كانت منسية في عالم الضوضاء والعتمة!.

في الحقيقة لا تحمل ذاكرتنا سوى رتوش لملامح طيبة باسمة لهذا الملك، وقد امتزجت بالأبيض والأسود في مخيلتنا الغضة!! لكننا عرفنا بالأمس ورأينا وعشنا واندهشنا!.
رأينا ملكا فريدا، نموذجا لرجل ليس من هذا العصر، رأينا مشاهد لم تألفها أبصارنا قبل اليوم!. قابلنا وصافحنا بأعيننا ونبضات قلوبنا رجلا يأسرك بسلاح الصدق والصفاء، رجلا بسيطا في كل شيء؛ بسيطا مع شعبه، مع أبنائه.. حتى في أكحل الظروف تستشعر تلك البساطة وأنت ترى قضبة جبين عابرة أو عبوس في لحظة عصيبة، أو علامات حزن تباغت الحاضر فتشعرك أنك أمام أب وجد وحاكم صادق!!
لا رياء ولا نفاق ولا مداراة، شعور عفوي من حضور جاء ليعرف ما لم يكن يعرفه، لذا لم يكن زيفا أبدا حالة تلك العيون الشابة التي اغرورقت بالدموع وهي تتابع المشاهد تتوالى وتختصر قصة عمر في دقائق، لم يكن زورا أو بهتانا تلك الأيادي التي تكاتفت فسبحت مستغفرة راجية أن يحتسبه المولى من عباده الصالحين وهي ما عرفته ولم تصافحه ذات يوم، لكنها رأت بساطة تنطق بها الصور وتصادق عليها عيون الحضور وكل من شهد هذا العصر، لم تكن تلك الألسن لتنافق أو تداهن أحدا وقد أخذت تلهج متمتمة لرب العزة والجلال أن يغفر ويرحم هذا الرجل البسيط في حين كانت المشاهد تأتي تباعا لأب وحاكم.. ومواطن!!
صدق التجربة، وصدق الابتسامة تجعلان استحضار الذكريات أروع ما في المشهد وهذا ما كان، لذا لم تكن الحنكة القيادية ولا الدهاء السياسي الذي أوقفنا، ولم نسأل كثيرا عن أبرز ما مر في عصره من أحداث ما بين حرب أهلية لبنانية، وحادثة الحرم الشهيرة، والحرب الإيرانية العراقية.. وغيره!! نسينا أن نسأل، ما همنا كثيرا الجواب، فقد كنا في حضرة ملك متواضع، متفرد في حضوره، عادل لم يظلم فلم تظلمه القلوب بعد أن غاب سنين طويلة وإن لم تلتقه البتة، بقي هناك في زاوية قيمة لا يقدر أن يغيبها أحد!!
معرض الملك خالد مجهود مميز وفكر متجدد ووسيلة ثقافية ذكية لشباب بات يفقد الأمل، في عصر ضاعت في القدوة وتخبطت القيم والتبست المعاني زاوية راقية، وخطوة جميلة لتخليد ذكرى ملك يجب أن تبقى في زمن ندر فيه أمثاله.. ملك قدوة في أخلاقه وطيبته وابتسامته وحنانه، هو الحب والصدق والأمانة، هو الورع والزهد، هي البساطة قبل كل شيء، هو ملك ارتدى تاج الإنسان، فمشى وسط الناس وعانق القلوب بلا حواجز!!.
وسام استحقاق لهؤلاء الشباب الجميلين الذين كانوا وراء هذا العمل الممتع، ألف باقة ورد من أعماق القلب لكل من كان وراء هذا الحدث الوفي فكرا وتنفيذا وعملا، بعد أن نجح في أن يوقفنا وسط زحام الحياة ولو لبرهة ليذكرنا بحقيقة لا تموت، حقيقة مفادها أن البساطة هي التي تعيش وتتنفس وتنبض مهما تكالبت الظروف وأن الصدق هو الذي يخلد رغم منغصات الأيام وملهياتها!.
فليرحمك الله يا خالد بطيبك وجمال ابتسامتك ونقاء سريرتك ومسيرتك، فمن البساطة تنبع العظمة وترحل الدنيا بمن فيها ويبقى الإنسان، وقد كنت أبسط الناس في عصرٍ باتت فيه الابتسامة والبساطة والصدق سلعا شحيحة في عالم البشر المليء بالألم والنكران..
دمتم ودام الوطن بأهله الطيبين..