-A +A
صالح عبدالرحمن المانع
أثار قرار وزير الإتصالات الهندي في الاسبوع الماضي بمنع بث التغطية الاخبارية التلفزيونية للمحطات العربية على قنوات (الكيبل) الهندية احتجاج الكثيرين من العرب والهنود، خصوصا في اوساط السياح ورجال الأعمال العرب الذين يزورون العاصمة الهندية ويحرصون على متابعة اخبار الحرب والمجازر القذرة التي ترتكبها القوات الاسرائيلية الغازية بحق السكان المدنيين في جنوب لبنان، وفي البقاع. وقد رد الوزير الهندي بان الحكومة الهندية لاتريد ان تعرض هذه المشاهد خشية زيادة الغضب في اوساط الشباب الهنود المسلمين، جراء هذه الاعتداءات والجرائم. ولكن ناقدي هذا القرار يرون فيه انحيازا من جانب الحكومة الهندية تجاه الضغوط السياسية التي تمارسها كل من اسرائيل والولايات المتحدة على تلك الحكومة، والتي كانت والى وقت قريب تتخذ موقفاً محايدا، ان لم يكن مناصرا للقضايا العربية خاصة وللقضية الفلسطينية، منذ عهد الزعيمة الراحلة انديرا غاندي.
والحقيقة ان موقف الحكومة الهندية قد بدأ في التغير تجاه القضايا العــربيـة منذ منتصف التسعينات، حين وقعت الهند عددا من الاتفاقيات الاستراتيجية والاقتصادية مع اسرائيل و بدأت في شراء الاسلحة منها، وقد اعتبرت الهند هذه السياسة جزءا من عربون ابتعادها عن روسيا، حليفتها التاريخية، واقترابها من الولايات المتحدة.

وقد توجت هذه السياسة قبل اسبوعين بموافقة الكونجرس الامريكي على بيع مفاعلات نووية امريكية الى الهند بالرغم من كونها غير ملتزمة، وغير موقعة على اتفاقية الحد من التسلح النووي.
ومثل هذا القرار من قبل الادارة والكونجرس يعتبر نقضا لالتزامات قانونية التزمت بها تلك الادارة، عبر توقيعها ومصادقتها على الاتفاقية المذكورة.
لا غرو اذا ان تدفع الهند سياسيا ثمن توجـهـهـا الاستراتيجي الجديد نحــو تل ابيب وواشنطن، وتمنع بث المحطات التـلـفـزيونية العــربـيـة على اراضيها، بالرغم من ان القــوانين الهـنـديـة تضـمن حـرّية الـتـعـبـيـر والإعـلام لجميع مواطنيها، وجميع الشـركات الـعـامـلـة على اراضيها.
عرضت لي هذه الأمور وأنا أزور بعض الدول الآسيوية هذه الأيام بقصد السياحة. وحــاولت من جانبي أن أتعرف على ما تـنـشـره صحـافة هذه البلدان على مواطنيها، خاصة في موضوع الحرب الطاحنة التي تدور رحاها في لبنان.
وقد فوجئت بأن الصحف الاجنبية (مثل الهيرالد تربيون، والفايننشل تايمز) اللتين تصدران نشرات خاصة بشرق آسيا، تغطي أخبار الحرب وآراء الكتاب حولها بشكل أفضل من بعض ماتنشره الصحف الآسيوية نفسها. فالصحف الهندية على سبيل المثال، لا تنشر كثيراً من الصور الحية عن مجازر اسرائيل في لبنان. وتحاول أن تكـون مـحـايـدة في تغـطـيـتـها الاخـبـارية لهذه الأحداث.
وقد بدأت على سبيل المثال بعض الشركات والمواقع الاسرائيلية تحاول تثبيت نفسها على مواقع الصحف الهندية. ومثل هذه التغطية تصف كذلك تغطية الصحف السنغافورية، لاحداث لبنان وما يميز الصحافة الآسيوية هو تركيزها شبه المفرط على الاحداث الداخلية سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومثل هذا الانغماس نجده يتركز على مواضيع تجارة المخدرات، ومرض الأيدز، ومشاكل الأمن والاغتصاب، وكذلك المسائل السياسية الداخلية، وهناك استجوابات ومقابلات صحفية شبه يومية مع المسؤولين الحكوميين في هذه البلدان.
ولما كانت الصحف الآسيوية تريد ان تبيع صفحاتها للقراء، في زمن قلّ فيه عددهم، واكتسحت فيه وسائل الاعلام المرئية المجال الذي كانت تحتكره الصحافة المكتوبة، فإن هذه الصحف تركز على مواضيع التعليم والرياضة والسياحة وأخبار نجوم السينما والكرة في هذه البلدان.
أما الاخبار السياسية فإنها تحتل مكانة أقل من مكانة الأخبار الترفيهية العامة، وان رأينا بين فينة وأخرى بعض المقالات الجادة الطويلة. وفي بلدان آسيا المسلمة، هناك تعاطف كبير مع احداث لبنان وفلسطين. وتقوم بعض المنظمات الاسلامية في اندونيسيا بتدريب وتجـــنـيـد المتطوعين وإرسالهم للـقـتـال في جـبـهات الحرب في لـبـنـان. بينما تـنـشر الصحف المالـيـزية صورا مروعة لما يحدث للأطـفـال والنساء من مآسٍ في لبنان. وتدعم بعــض المقالات المطــالب الـعـربية بضرورة ربط اتـفـاقـيـة وقف اطلاق النار المقترحة بانسحاب كامل الجيش الاسرائيلي من الاراضي اللبنانية.
وتنشر هذه الصحف يوميا أرقام هواتف لجمع التبرعات من المواطنين.
وقد قامت احدى الصحف الماليزية بفتح صندوق لاغاثة لبنان وجمعت حتى الآن قرابة مائتي الف دولار من القراء الماليزيين.
ومع ان هذه الصحف قريبة جدا من المواقع العربية، إلا انها تنشر في بعض الأحيان مقالات أخرى تنظر للموضوع من خلال النظرة الرسمية الأمريكية، التي ترى في الحرب جانبين، احدهما ايجابي في اسرائيل، والآخر سلبي في حزب الله، وتحمل الحزب تبعات الحرب، والغريب أن بعض محللي هذه الصحف ينظرون الى الحرب من منظور فشل ذريع للاستخبارات الاسرائيلية التي لم تتمكن من تقدير حجم التعبئة العسكرية التي قام بها حزب الله في جنوب لبنان منذ انسحاب اسرائيل منه في نهاية عام 2000م.
وهناك بعض الصحافيين ممن ينادون، ليس بضرورة أن تنظر الولايات المتحدة وحلـفـاؤها الى القـضـايــا العــربية بمنظـور سياسي جديد، يأخـذ في الحسبان المصالح العربية، ولكنها تطالب بأن تـعـيـد الولايات المتحدة وحـلـفاؤها النظر في عملية المتـابـعـة وجمع المعلــومات الاستخبارية عن العالم العـربي والاسلامي، باسلوب جديد يـعـــتـمـد على جمع المعـلـومات من الافراد، وليس بالاعتماد الكامل على التقنيات المتقدمة.