-A +A
ثامر عدنان شاكر
أحدهم فقد أعز ما يملك، فلم يتبقّ منه سوى شبح، حزنا وحسرة على مصيبته، ليتحول إلى بقايا إنسان يحتضر!!
وآخر خسِر كل شيء وأصبح رصيده بلا خانات، ليخرج من باب البنك في وضح النهار خالعا ملابسه على الملأ ويمشي عارياً يهذي ويصرخ!! وقصص طلاقٍ وخيانة.. موت وفراق ورحيل ووداع وضياع وهزيمة، بل عشرات الهزائم!!

صدمات تتوالى.. زلازل وأعاصير ليس لأحدٍ أن ينجو منها.. كلنا نعيش مشاهد الغرق ونصرخ ونرتجي النجاة، ونصارع لحظات الاحتضار ما بين الفينة والأخرى!! وتمضي الحياة.. نحيا ونرى وننهار في أقصى لحظات الألم.. وماذا بعد؟!
الإحصاءات والدراسات الاجتماعية تشير إلى أن الفرد معرض لأن يصادف من ثلاث إلى تسع مآسٍ دامية في مشوارهِ، والتي قد تحيل حياته إلى دمار مفاجئ!! لكن الطامة الكبرى تحدث حين لا تشد تلك الهزات الرهيبة من أزرنا، بل تكسر ظهورنا وتفتت آمالنا وتنكس رقابنا وتنال منا، لنسقط ولا تقوم لنا قائمة.. تأخذنا إلى أسفل بلا رحمة، فنهوي معها ونغرق ونموت ألف مرة، رغم أن أرواحنا ما زالت تتنفس ولم تفارق أجسادنا الشابة!!
في الحقيقة أن الصفعات لا تقتل، بل الصمت والسكون ما بعد الصدمة هو الذي يحيلنا إلى فتات.. البقاء في زاوية الألم دون حركة هو الذي يحولنا إلى جثث هامدة.. اللكمات لا تميت، لكنها تجعلنا نترنح، وما فائدة نبضات قلوبنا حينذاك إن أعلنت دماؤنا داخل شراييننا العصيان واستسلمت في أقصى لحظة اليأس..
لذا، فما نسميه نحن مآسي، يطلق عليه علماء النفس والإدارة نقاط التحول ومنحنيات الانعطاف في مشوار حياتنا القصير..
من المؤكد أننا لن نفرح إن صدمتنا قاطرة الحياة.. فهذا محال، ولن نضحك إن سقطنا فجأة من أعالي الجبال إلى الهاوية، فذلك أيضا ضرب من خيال، وهل يعقل هذا، لكن أن نكون مستعدين دائما فإن جاء دورنا ونالت منا نوائب الدهر، تذكرنا أنها سنة الله في أرضه.. متمتمين بذكره، «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين»، ونحن على يقين بأن لحظة الانكسار لن تطول.. وأننا سنستيقظ بعد غفوة ولن نستسلم لغيبوبة مقيتة، فما أصابنا ما كان ليخطئنا وما أخطأنا ما كان ليصيبنا وأن هناك يدا أقوى تحاوط خطواتنا وقلوبنا الجميلة، وأنها الزاوية التي يجب أن نرتكن عليها كلما اشتد قيظ الأيام..
هي خلطة الحياة السرية.. هي القدرة أن نصنع من انكساراتنا نقاط تحول مميزة ومنصات انطلاق لرحلة عمر مديدة.. هي نيران الهزيمة التي تشعل في قلوبنا الأمل فلا تقدر أن تطفئها ألف عاصفة. هزائمنا وقودنا، عثراتنا لحظات تأمل نسترد فيها أنفاسنا.. انكساراتنا وصرخاتنا، طاقاتنا النووية نحو القمر!!
ليس كلاما في كلام.. هي نظرية واقعية بصم عليها علماء النفس والإدارة.. وصفة سحرية جميلة تعلمنا كيف ندير حياتنا بجدارة وكفاءة عل أجمل ما فينا انتفض، وجعلنا ننتصر على محبطات الأيام، فننطلق دون أن نبالي كثيرا بالعثرات والسقطات..
ابحث عن نقاط الانكسار في سجلات الأيام وابتسم من صميم قلبك.. تأمل وأبحر بعيدا عن الألم وثق أن ما تفعله ليس ضربا من خيال أو امتثالا لأهازيج وشعارات ترددها الألسنة في برود وروتين مقيت.. هي معادلة الإنسان والقدر.. هي قصة تسمى مشوار حياة.