كان صغيرا، وكان رقيق المشاعر ــ لدرجة البكاء ــ عندما يرى إنسانا بائسا أو حيوانا يقسو عليه صاحبه ويذيقه أصناف العذاب عندما ينهكه جوعا أو يذيب في مؤخرته لسعات السياط التي لا ترحم أو يكلفه بأداء ما لا يستطيع من حمل أثقال تفوق قدرته على التحمل وتجبره على الالتصاق بالأرض عجزا وعدم قدرته على النهوض بما تراكم على ظهره من أحمال لا طاقة له بالقيام بها، وكان يتمنى لو أن له من الأمر شيئا يخفف به ذلك العذاب الأليم ممن يسومون سواه سوء العذاب.
كان إحساسه الطفولي المرهف يتعبه كلما شاهد قسوة لا إنسانية تلحق بإنسان من أخيه الإنسان أو نتيجة ظروف حياتية بائسة توغل في قسوتها ضد البعض من الناس دون أن يملكوا من الأمر شيئا للخلاص منها أو حتى محاولة التخفيف من وطأتها التي لا ترحم. من الأشياء التي كانت ترهق إحساسه شفقة وتعاطفا ذلك الإنسان البائس الذي كان يعيش في حارتنا، عند إحدى الأسر، في إطار لا يمكن وصفه بالرعاية، وإن جاز ذلك فهي رعاية هامشية تكفل له البقاء في محيط حياته الذي كان يموج بالبؤس ومتاهات التشرد الذي ألفه في منعطفات الأزقة وظلال الهاجرة التي كانت تجود بها الجدران لتقي جسمه العاري وصلعته اللامعة وهج الظهيرة حينما تعتلي الشمس جبهة الأفق ويلسع الصيف بأنفاسه المتقدة سمرة الأجساد المتعبة التي تبحث عن مأوى فلا تجد غير تلك الظلال التي تتمدد في بطء شديد وتثاؤب كسول يكسر لهيب الهاجرة ويمنح أولئك المتعبين شيئا من استرداد الأنفاس اللاهثة.
كان ذا قامة وسط ــ فلا هو بالطويل الفارع الطول ولا هو بالقصير القمئ ــ وفي رجليه اعوجاج كان يبدو في ساقيه العاريتين إلا من «حوك» يستره من سرته إلى ركبتيه وفي خلفه وصمة الأماكن المغبرة التي كان يقضي معظم أوقاته على تربتها وفي لسانه لثغة تعيق من فمه مخارج الكلام فلا يكاد ــ في حديثه ــ يبين .. أما جسده العاري الذي صبغته الشمس بلون داكن فقد توزعت على سمرته خدوش كثيرة ينز معظمها بؤسا ورثاثة حال .. مسكين كان بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وساذج الألفة والطباع حتى مع الأطفال الأشقياء الذين يجدون في طيبته مرتعا لشقاواتهم وعبثهم الطفولي الذي يخلو ــ بحكم الطفولة ــ من إنسانية الإنسان.
ألفته أزقة قريته وشوارعها حتى أصبح إيقاعا من إيقاعات طابع الحياة فيها، يسأل عنه أناسها إذا غاب، ويفتقده أهلها إذا تخلف عن دورة حياتهم اليومية التي يكفرون فيها ــ ببعض الحسنات ــ ما يقترفون في حقه من نظرات ازدراء ولفتات اشمئزاز مشوبة بارتعاش التقزز ..
أما نحن الأطفال الأشقياء فإن أيامنا تغدو موحشة عندما تخلو شوارع قريتنا من خطواته المتثاقلة التي لا تساعده على الهروب من شيطناتنا ومن ملاحقاتنا له لكي ننشد ونغني خلفه بابتهاج شديد: «عبد ربه.. الشياطين ما تكبه.. حق أبوه وحق جده».. رحمك الله أيها البائس الفقير وغفر لنا شقاواتنا.. لقد كنا نلحق بك أصنافا من الأذى وكنت علينا من الصابرين.
* ما تكبه : أي ما تتركه.
للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 101 مسافة ثم الرسالة
كان إحساسه الطفولي المرهف يتعبه كلما شاهد قسوة لا إنسانية تلحق بإنسان من أخيه الإنسان أو نتيجة ظروف حياتية بائسة توغل في قسوتها ضد البعض من الناس دون أن يملكوا من الأمر شيئا للخلاص منها أو حتى محاولة التخفيف من وطأتها التي لا ترحم. من الأشياء التي كانت ترهق إحساسه شفقة وتعاطفا ذلك الإنسان البائس الذي كان يعيش في حارتنا، عند إحدى الأسر، في إطار لا يمكن وصفه بالرعاية، وإن جاز ذلك فهي رعاية هامشية تكفل له البقاء في محيط حياته الذي كان يموج بالبؤس ومتاهات التشرد الذي ألفه في منعطفات الأزقة وظلال الهاجرة التي كانت تجود بها الجدران لتقي جسمه العاري وصلعته اللامعة وهج الظهيرة حينما تعتلي الشمس جبهة الأفق ويلسع الصيف بأنفاسه المتقدة سمرة الأجساد المتعبة التي تبحث عن مأوى فلا تجد غير تلك الظلال التي تتمدد في بطء شديد وتثاؤب كسول يكسر لهيب الهاجرة ويمنح أولئك المتعبين شيئا من استرداد الأنفاس اللاهثة.
كان ذا قامة وسط ــ فلا هو بالطويل الفارع الطول ولا هو بالقصير القمئ ــ وفي رجليه اعوجاج كان يبدو في ساقيه العاريتين إلا من «حوك» يستره من سرته إلى ركبتيه وفي خلفه وصمة الأماكن المغبرة التي كان يقضي معظم أوقاته على تربتها وفي لسانه لثغة تعيق من فمه مخارج الكلام فلا يكاد ــ في حديثه ــ يبين .. أما جسده العاري الذي صبغته الشمس بلون داكن فقد توزعت على سمرته خدوش كثيرة ينز معظمها بؤسا ورثاثة حال .. مسكين كان بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وساذج الألفة والطباع حتى مع الأطفال الأشقياء الذين يجدون في طيبته مرتعا لشقاواتهم وعبثهم الطفولي الذي يخلو ــ بحكم الطفولة ــ من إنسانية الإنسان.
ألفته أزقة قريته وشوارعها حتى أصبح إيقاعا من إيقاعات طابع الحياة فيها، يسأل عنه أناسها إذا غاب، ويفتقده أهلها إذا تخلف عن دورة حياتهم اليومية التي يكفرون فيها ــ ببعض الحسنات ــ ما يقترفون في حقه من نظرات ازدراء ولفتات اشمئزاز مشوبة بارتعاش التقزز ..
أما نحن الأطفال الأشقياء فإن أيامنا تغدو موحشة عندما تخلو شوارع قريتنا من خطواته المتثاقلة التي لا تساعده على الهروب من شيطناتنا ومن ملاحقاتنا له لكي ننشد ونغني خلفه بابتهاج شديد: «عبد ربه.. الشياطين ما تكبه.. حق أبوه وحق جده».. رحمك الله أيها البائس الفقير وغفر لنا شقاواتنا.. لقد كنا نلحق بك أصنافا من الأذى وكنت علينا من الصابرين.
* ما تكبه : أي ما تتركه.
للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 101 مسافة ثم الرسالة