-A +A
طارق على فدعق
في عام 1892 اكتشف مجموعة من العلماء التركيبة الكيميائية الدقيقة لأول فيروس يحلل بالكامل. كان اكتشافا هائلا في تاريخ العلوم، علما بأن هذا الكائن البسيط يصيب النباتات ومنها أوراق التبغ، وكان اسمه غريبا، وترجمته الحرفية هي «فيروس فسيسفاء التنباك» Tobacco Mosaic Virus وبالرغم أن حجمه صغير جدا، فلا تراه بالعين المجردة، إلا أنه كبير جدا في مكوناته التي انعكست في اسمه العلمي وهو «أسيتل سيريل تيروسيل سيرل أيسزو ليسل ثيريونيلسرل برولل سيرل....» وبصراحة لو حاولت أن أكمل الاسم فسيعترض علي سعادة مدير تحرير هذه الجريدة الغراء، والأهم من ذلك أن القراء الكرام لن يتحملوا مقدار الملل الشديد بسبب السرد الذي لا داعي له، ذلك لأن الاسم مكون من 1185 حرفا...ما يعادل حوالي مائتين وثلاثين كلمة...يعني حوالي نصف عدد كلمات هذا المقال. الشاهد أن مجتمع العلماء قرروا أن طول الكلمة لا داعي له، فاختصروا الموضوع في كلمتين هما «أسيتل سيرين»، وهما يصفان اسم أول سلسلة البروتينات المكونة للفيروس وآخرها. وتعكس هذه المعلومة واقع العديد من الأسماء العلمية في عالم الكيمياء، فهي تختصر التركيبات، من خلال ذكر الاسم الأول والآخر، أو مختصرات أخرى لا تعكس ثراء التركيبة العلمية العجيبة للموصوف. وهذه المعلومة تعكس أيضا أحد تحديات الاختصارات التي نتعامل معها يوميا فمعظمها لا يعكس حقيقة الواقع، نطلب «قصره» وتفوت علينا العديد من المعلومات.
وخلال الأسبوع الماضي، صدرت مفاجأة دراسة علمية مهمة جدا. و«قصر» الموضوع أن مجموعة من الجهات الدولية المرموقة وهي معهد «بروكنجز» Brookings في الولايات المتحدة، وجامعة لندن للاقتصاد LSE ، وبنك «دويتشه» الألماني أعلنوا عن تصنيف الأداء لمجموعة من المدن المرموقة عالميا. وتحديدا فقد أصدروا دليلا لأوضاع مائة وخمسين مدينة كبرى حول العالم أثناء وبعد أزمة الركود الاقتصادي الكبير التي صفع العالم في عام 2008 واستمرت آثاره إلى اليوم. هذه المدن تمثل أقل من 12% من عدد سكان العالم، ولكنها تنتج أكثر من 42% من دخل العالم بأكمله. استخدم الفريق مجموعة معايير اقتصادية لتصنيف المدن المتفوقة لتشمل الناتج الاقتصادي للفرد، ونمو العمالة وفرص التوظيف، وإليكم بعض المفاجآت:
أولى المدن في التصنيف هي إسطنبول، والثانية «شينيتزن» في الصين، والثالثة «ليما» في بيرو، ثم سنغافورة، ثم «سنتياجو» في تشيلي، ثم الثلاثي الصيني «شنجهاي»، و «جوانجزو»، و «بيجينج»، ثم مانيلا في الفلبين، والعاشرة كانت «ريو دي جانيرو» في البرازيل. جدير بالذكر أن حسب معايير هذه الدراسة، فقد حصلت الرياض على المرتبة الرابعة والعشرين، بينما حصلت القاهرة على المرتبة 29. والغريب أن المدن الأمريكية، والأوربية، والكندية الغنية لم تحظ على أية أماكن ضمن أول عشرين مدينة بالرغم من قوتها الاقتصادية ومكانتها المهمة.
أمنيــــة
المعلومات التي وفرتها الدراسة لا تعكس العديد من الجوانب المهمة للمدن حول العالم، فلو بحثنا عن التصنيف الأكثر دقة لشجاعة المدن في مواجهة الصعاب، فلن تجد أفضل من المدن الفلسطينية التي تعاني من أشد الظروف، وتصمد كل يوم اقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا...من القدس والخليل وغزة والناصرة وغيرها تستحق وقفة تقدير واحترام وتأييد. أتمنى أن يتذكرها العالم ويؤيدها لأنها تمثل الصمود الإنساني الحقيقي فى مواجهة أشد التحديات، وتذكرنا أيضا بأن المدن ليست للوظائف، والدخل، والشوارع، والمنشآت، فهي للإنسان والإنسانية أولا.
والله من وراء القصد.

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة