-A +A
هادي الفقيه
لست من كوكب آخر، ولا أدعو إلى مدينة أفلاطونية فاضلة خالية من الأخطاء، وليست جدة مدينة غير المعقول، ولكن الحال ينطبق على مدن كثيرة تشبهها في بلادنا تعج بتصرفات سلبية.
المشهد ببساطة، فتاة لم تتجاوز 13 عاما، تجلس مع مراهقين اثنين لا يمتان لها بصلة من نفس عمرها، في مقهى وسط مركز تجاري ضخم (مول) شمالي جدة، يتبادلون الضحك والسجائر وعبارات الغزل.
لست مسنا، ولا من جيل قديم، أو أكبر هؤلاء المراهقين بأربعين أو خمسين عاما، ولكنني كنت أعتقد أن قليلا من الخوف أو الخجل سيعتريهم، سيتوقع أحدهم أن يراه أحد أقاربه أو رقيب ينهاهم عن هذه الممارسات الكارثية العلنية.
دعوني أضعكم معي في الصورة، اجتمعوا بالتنسيق الهاتفي عند مدخل المقهي، اختاروا طاولة، طلبوا شكولاته باردة، أخرج أكبرهم علبة السجائر وبدأ في توزيعها بينهم، استلت البنت سجارتها وطلبت إشعالها، ثم قلبتها بين أصابعها بخفة وثقة، واستمرت أحاديثهم دون اكتراث لمن حولهم.
وقتها، كنت أدعو بأن لا يشغلنا الله بغير أنفسنا، وخفت أكثر أن أكون «ملقوف وغثيث»، وأتدخل فيما لا يعنيني، تراجعت ألف مرة في النصيحة خوفا من أن أقع بين مراهقين في مول ضخم، و«يصير اللي ما يشتري يتفرج».
تذكرت في تلك اللحظة أنني كنت قبلها بـ24 ساعة في الأردن لتقديم ورقة عمل في مؤتمر عن الإعلام الجديد، ودعانا المنظمون لحفل عشاء في مطعم، وضعت في مدخله لوحة كبيرة (يمنع تدخين أو تقديم النرجيلة لمن تقل أعمارهم عن 18 عاما).
لا أعتقد أن ما رصدت حالة فردية أو في جدة فقط، وبرأيي أن الحل ليس ــ كما يعتقد البعض ــ بتشكيل لجان من هيئة الأمر بالمعروف والجهات الأمنية، لتنظيم «كبسات» أو حملات دهم مفاجئة، بل بتشديد الرقابة على المطاعم والمقاهي، ومنع دخول المراهقين دون معرفة العلاقة التي تربطهم وإلزامهم بعدم التدخين، وإيجاد جهة رقابية تنشر متخصصين في هذا الحقل لرصد المخالفات ميدانيا رجالا ونساء للجلوس مع المراهقين على وجه الخصوص ومناقشتهم وتقديم النصح بطريقة حضارية مؤثرة ومحببة ومقنعة لهذه الفئة الغالية علينا، فهم أبناؤنا في الأخير، مهما كانت تصرفاتهم سلبية أو إيجابية.
نحن نحتاج إلى انتفاضة مسؤولية اجتماعية حقيقية، فآخر دراسة صدرت قبل عام عن جمعية مكافحة التدخين أكدت فيها أن المدخنين قفزوا إلى ستة ملايين في المملكة، 40 في المائة منهم مراهقون، 34 في المائة من الطلاب، و11 في المائة من الطالبات في المرحلتين المتوسطة والثانوية، في حين لا يعلم كم يدخن في المرحلة الجامعية.
المشكلة لها أكثر من وجه وليس اجتماعيا فقط، فصحيا هي خطر محدق. في مارس الماضي بثت وكالة رويترز عن الدكتورة كاتاريينا كاليو من جامعة توركو في فنلندا، والتي قادت دراسة عن تدخين المراهقين قولها «رغم أن أبحاثا سابقة توصلت إلى أن التدخين السلبي قد يضر بالأوعية الدموية لدى البالغين، فإننا لم نكن نعلم حتى هذه الدراسة أن هذه الآثار ــ تحديدا ــ تحدث أيضا بين الأطفال والمراهقين». المشكلة تتضخم.. والله يستر.
Hhf261@gmail.com


للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 261 مسافة ثم الرسالة