-A +A
علي فقندش
نفاخر كما غيرنا برواد تراثنا وفنوننا وثقافتنا بشكل عام إلا أنه يبدو وبشكل جلي أن عطاءنا وتحديدا عطاء جيل الرواد في الفن والموسيقى والغناء أكبر بكثير من علامات تفاخرنا. من هؤلاء الفنانة الكبيرة توحة التي أسست لفن الأغنية النسائية في المملكة في وقت كان مولد مثل هذا الأمر يعد أكثر صعوبة مما هو اليوم أو في غابر الأيام بما فيها صدر الإسلام وما تلاه من عهود.
توحة واحدة ممن طرقن كل الأبواب لإيجاد ورسم صورة إيجابية رائعة يتجلى حضورها في في مسرات المجتمع الذي لا يستغني عن من تكمل له أفراحه وتؤنس حياته الاجتماعية في المناسبات السعيدة وعلى وجه خاص في مناسبات الزفاف. ضيفنا لهذا الأسبوع تأريخ توحة الفني والاجتماعي الكبير الذي يجيىء معها كثوب مطرز ومسربل إلى ما بعد الكعبين بنسيج من الطرب الفاتن الأصيل. كان ظهور الفنانة الكبيرة توحة يجيء كنور نجم من بين الغيوم حيث سبقها وجايلها وتبعها كثيرات من ذوات الموسيقى والغناء المرتبطات بالتراث مثل عطية كرامة وصفية لبانة وفرقة بنات زايد وابتسام لطفي، واصلت توحة تقديم أغنياتها من التراث ومن ألحانها المبنية على الحس الطربي لديها إلى أن جاء دور العصرنة في مشوارها الفني على يدي شقيقها الفنان والكاتب والموسيقي محمد أمين يحيى والفنان الكبير فوزي محسون رحمهما الله. وتوأم هذا الرباعي الشاعر الراحل صالح جلال الذي بدأت معه مشوار الأغنية الحديثة في أغنية «خايفة أقول لك كلام» من كلماته وألحان فوزي.


من هي ؟
هي مطربة مشهورة، اسمها الحقيقي: فتحية حسن يحيى من مواليد الأحساء التي كان والدها في تلك الفترة يعمل فيها منتدبا، كانت نشأتها فنية فوالدها كان مطربا وشقيقها كان كاتبا وشاعرا غنائيا ووالدتها ناقدة فنية فتفتح إحساسها الوجداني على هذا الجو العائلي الفني. تعلمت الدروس الفنية وأسرار الموسيقى والمقامات وأصول العزف عندما اصطحبها والدها إلى القاهرة لترسم أولى معالم رحلة فنية طويلة امتدت نحو نصف قرن اشتهرت فيها بلقب «أم كلثوم الأغنية السعودية» كما أنها التقت بأم كلثوم مرتين كما سنورد لاحقا.
وهي أول صوت نسائي قدم السامري وأغنيات التراث وأدت معظم الألوان الغنائية «الدانة، المجرور، الحدري، المجسات والأغنيات الخفيفة».
بدأت علاقاتها الفعلية بالغناء في بداية الستينات الميلادية وحققت الانتشار في منتصفها عن طريق الاسطوانات بأغنية «خايفة أقول لك كلام» من كلمات صالح جلال ولحن مشترك بينها وبين شقيقها والمطرب فوزي محسون.
رصيدها الفني أكثر من مائتي أغنية غير أغنيات التراث القديم من الدانات المجرور، الموشحات والمواويل.
لحنت لنفسها أكثر من 150 أغنية منها «أستحلفك بالله، كيف أتوب، يا بنت يا مستحية، ومعظم أزجالها كانت من نظم شقيقها الراحل محمد أمين يحيى.
ــ أشهر من كتب لها الأغنيات شقيقها د. محمد أمين يحيى، ثريا قابل، صالح جلال، خديجة بارودي، إبراهيم خفاجي.. أما أشهر من لحن لها فهما: فوزي محسون، سراج عمر.
من أشهر أغنياتها: يا حمام البان غرد، ادع الله، ولا تسأل سواه، ابدأ بربي اللي يرزق جميع العباد، عروس البحر. أشر لي بالمنديل.
الجديد وملامح من الأمس
التقت مع الشاعرة الكبيرة ثريا قابل في الكثير من الأعمال الغنائية يأتي من أشهرها من ألحان الراحل فوزي محسون «ماعشقت غيرك ولا».. كما اشتهرت بأداء الأغنية الشهيرة «طريق الحوية».. وأغنية الراحل سعد إبراهيم «أجل لولاك والله مابكينا» وهي أول نص غنائي على الإطلاق يكتبه الأمير خالد الفيصل يتم تلحينه وغناؤه.
هذا الأسبوع جئت إلى توحة لمراجعة ما سنقدمه في هذه الصفحة لأجدها بين دواوين ليس لها حصر لكل من محمد حبيب علوي وعبد الرحمن جمهور الغامدي وسلوان العلوي وغير ذلك من دواوين، كما أسمعتني أحدث لحن لها انتهت منه وهو من كتابتها أيضا والمشروع أغنية عن سلامة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله واستعداد البلاد لاستقباله مشافى معافى بإذن الله... ويقول النص الشعبي الذي كتبته ولحنته:
تلقى السلامة تحاديك وتعود للوطن والشعب
يابو متعب يانور البلد ليت بيدي الدوا والطب
أفديك بالروح ياللي عندي مساوي الأم والأب
ياصقر الصقور فارد علينا جناحك وعلى الشعب
• سألت توحة قبل بدء حوارنا ها.. من أقرب أبناء الوسط الفني إلى سيدة الغناء السعودي توحة فقالت: الراحلون الثلاثة أخي محمد أمين يحيى وفوزي محسون وصالح جلال الذي أعتز بزمالتي معه كثيرا حتى أن أبناءه يتواصلون معي بشكل جميل حتى الآن فأخيرا كانت ابنته في زيارتي، وابنه جلال صالح جلال يتواصل معي أيضا إلى جانب الصديقة والشاعرة الكبيرة ثريا قابل أطال الله في عمرها. سألتها دون مبرر للسؤال وهي التي شاركت أبرز عائلات البلد وأكبرها في أفراحهم وزفت عرائسهم.
• ها.. من هو العريس المقبل لتزفيه قالت بسرعة: نعم هو ابن عبدالله السيد شيخ بنقلة السمك في جدة والفرح سيكون قريبا جدا.
ومن جديد توحة أيضا استعدادها لتنفيذ نشيد للمنتخب قبل مشاركته في كأس آسيا في دولة قطر من كلماتها وألحانها ويقول المطلع:
يافرحنا ياهنانا يامنتخبنا
اليوم نلنا منانا.. يالسعودية
ارفعوا الاعلام.. يالسعودية
وانت يالاخضر فيك الاشطر
ارقص وغني يامنتخبنا
العب وهني يامنتخبنا
يابطل شوف الناس
تغني وتقول انت عالي الراس
انت صنو الكاس.
عتاب
قالت فجأة: أعتب على الكثيرين من فنانينا الذين يؤدون أغنياتي دون الرجوع إلي وكان آخرهم الفنان الشاب السوبر ستار إبراهيم حكمي الذي قدم لي في جلسات وناسة أغنية «كنت خالي البال واحب الطرب»، من أغنياتي القديمة وألحاني وشعر زين الغزاوي. وعتبي موصول لكثيرين يقدمون وقدموا أغنياتي دون الإشارة إلي كصاحبة حق ومنذ سنوات طويلة كان الفنان الكبير عبدالله الرويشد قدم واحدة من أشهر أغنياتي «استحلفك بالله .. بنص آخر .. عذرك معك» دون الإشارة إلي ثم اعتذر وهكذا.
توحة في بحوث عالمية
قبل أشهر كانت إحدى شركا ت الإنتاج العالمية المتعاملة مع التلفزيون الكندي قد أجرت وقامت بتصوير ريبورتاج مصور عن حياة الفنانة الكبيرة توحة بفريق عمل سعودي أرجنتيني مشترك، سعودي ممثل بالمخرجة والباحثة د. آلاء محمود نصيف وكيلة كلية إدارة الأعمال في جدة «حرم الزميل جمال خاشقجي.. رئيس تحرير الزميلة الوطن سابقا» إعدادا وإخراجا وأرجنتينيا ممثلا بمدير التصوير ومساعد الإخراج، هذا الفريق الذي خرج بفيلم تسجيلي ووثائقي قدم فنانتنا الكبيرة وفننا الغنائي النسائي للعالم ومع ليسا يوركوفيتش.
منذ نحو عامين جاءت الباحثة الدكتورة الأميركية ليسا يوركوفيتش من الجامعة الأمريكية في الكويت والمختصة بشؤون التراث الموسيقي في المملكة وعلى وجه التحديد المجرور الطائفي، جاءت إلى جدة طالبة مني تهيئة مواعيد ثلاثة مع العميد طارق عبد الحكيم وتوحة وابتسام لطفي، فكان أن وثقت مع العميد شافاه الله صوتا وصورة مشواره مع التراث وعلى نحو خاص كل علاقة له مع ألوان المجارير الطائفية وقبل صعوبة في الالتقاء مع ابتسام لطفي، كنا في ضيافة توحة التي سعدت ليسا يوركوفيتش بها كثيرا ووثقت معها نماذج مجارير ليس لها حصر.. أيضا بالصورة والصوت وأجرت معها حوارا مطولا حول تأريخها وتراث الغناء السعودي في الأمس وتحديدا الألوان الحجازية المشبعة بما يلامس شغاف القلب من ناحية، وذلك اللون الآخر الذي يستحيل لوحات إلى فنية حركية رائعة مثل الخبيتيات والمزمار وغيرها من الألوان.. يومها خرجت الباحثة بفيلم وثائقي أكثر من مهم بعد لقاءيها مع العميد وتوحة.. أيضا سجلت لها إذاعة مومباي «الهند» عددا من الأغنيات وأذاعتها مرارا كنموذج للفن الغنائي السعودي.
في فضائيات عربية
كما كان وعن طريقي شخصيا ظهور توحة تلفزيونيا لأول مرة منذ نحو 15عاما أو يزيد بعد محاولات إقناع كبيرة لرفضها الظهور التلفزيوني لما قد يسبب لها ذلك من صدامات متوقع حدوثها مع المجتمع، لعامل العادات والتقاليد وغيرها من العوامل، وحدث أن كان ذلك وحصلت على الموافقة وكانت الشاشة الفضائية المحظوظة في ذلك شبكة أوربت ومن أجل الصديق العزيز جدا وشاعر الأغنية الشهير بدر بورسلي من الكويت وكان الحوار يومها حديث الناس والأوساط الفنية أيضا، تلا ذلك تقديمي توحة للزميل يوسف الزهراني في برنامجه على شاشة الـ A R T حيث استضافني وتوحه في حوار مشترك لحلقتين بمجموع 3 ساعات، بعدها كان أن حلت ضيفة على إحدى الفضائيات السودانية، ثم حواري الشهير معها على شاشة روتانا خليجية في برنامج جواز سفر
قالوا عنها
عميد الأسرة الفنية السعودية طارق عبد الحكيم شافاه الله قال عن فنانتنا الكبيرة توحة:
هي فنانة متميزة تنطلق من قاعدة التراث الغنائي في الطائف وغيرها إلى جانب مهمتين أساسيتين كانت قد قامت بهما بمنتهى الصدق والإجادة.. الأولى هي تقديمها للتراث بشكل لا تشويه فيه والثانية أنها ملحنة أكثر من جيدة حيث قدمت ألحانا قريبة من القلب ولها جذور وليس كبعض الزميلات والزملاء الذين يأتون بصور شبه شيطانية أي أفكار لحنية ليس لها صلة بالوجدان والتراث ولا يمكن أن تبقى في ذاكرتنا طويلا، توحة فنانة حافظة للتراث وقدمت الكثير من الألوان الموسيقية التي لفتت أنظار الباحثين.
كما أنها فنانة وإنسانة راقية في تعاملها ودوماً ما تسأل عني وعن الزميل الصديق زكي سندي.
الموسيقي والشاعر أحمد الناصر قائد فرقة موسيقى الجيش والحرس بعد العميد طارق عبد الحكيم قال:
جمعني الطائف وأجواؤه الفنية الجميلة بالكثير من الزملاء الذين يعدون روادا في هذا المجال موسيقارنا العميد طارق عبد الحكيم وعبد الله المرشدي وطلال مداح وغيرهم، وفي الجانب النسائي كانت توحة هي المتسيدة والجميل أنها تعتبر سيدة للتراث الغنائي ومحدثة أيضا.
الفنان الموسيقار سراج عمر قال :
توحة جزء مهم من تأريخ الغناء السعودي التراثي، وهي اسم مشارك بلا أدني شك في صناعة الأغنية التراثية وتطوير التراث، كانت إلى جانب ابتسام لطفي المحتجبة اليوم من الأسماء الرائدة في مشوار الأغنية السعودية. بتجربتي الموسيقية أقف احتراما لما قدمته توحة كفنانة فطرية وموهوبة.
ويقول الإعلامي الزميل فريد مخلص كبير مذيعي إذاعة جدة والذي عاش طفولته في حي اليمانية في الطائف المطل على وادي وج حيث كانت بساتين حواية في الجانب الآخر من الوادي :
الفنانة توحة كانت تمثل في الستينيات الميلادية جزءا حيويا في بداية الحركة الفنية النسائية في المملكة. وكان الطائف يومها «المصيف الأول» ومسرحا فنيا رفيع المستوى تجتمع من خلاله الفنانات القادمات من جدة ومكة المكرمة خلال عطلة الصيف، ومن أبرزهن الفنانة الشهيرة توحة، حيث كان نساء الطائف في «عصاري» الصيفية يجتمعن في تلك البساتين وفق جدول معروف لأماكن تجمعاتهن مثل الزهرة عصر الاثنين والسداس عصر الخميس والرقاب عصر الجمعة وحواية عصر السبت وكان من أبرز الفنانات المشاركات في أحياء تلك العصاري الفنانة توحة وعيشة حمادة وصالحة بلطجية، وكنت حريصا على مصاحبة أسرتي والوالدة تحديدا عندما كنت ابن العاشرة وأحمل سبت القهوة والمكسرات وما إلى ذلك وأدخل بحجة مرافقة الأسرة لإيصال السبت وأتسلل فجأة لأتسلق أعلى شجرة الحماط «التين»، وأكتم أنفاسي ساعتين أو أكثر لأستمتع بمشاهدة الجلسة الفنية للفنانة توحة بالذات، والتي كان من أغنياتها «كيف أتوب، أبو حسن، وغيرها من الأغنيات.
العمل الخيري
دخلت الفنانة توحة العمل الخيري مبكرا حيث كانت نجمة الغناء في حفل خيري نظمته سيدة من الأشراف في الطائف من أجل الفقراء في المجتمع برسم دخول 5 ريالات في أحد بساتين وادي لية، ومرة أخرى بالمشاركة مع الفنانة الراحلة عتاب في حفل خيري في جدة قامت بتنظيمه السيدة نفيسة نشار حرم الراحل محمد علي مغربي
مع أم كلثوم
تحكي توحة عن علاقتها مع سيدة الغناء العربي أم كلثوم وتقول:
التقيت بأم كلثوم مرتين الأولى عندما زرتها في منزلها في الستينيات ومعها ابنة خالتها ورحبت بي وبأختي الراحلة صائمة «أم نبيل» التي كانت تعشق ثومة وفنها، وأذكر يومها أنني أهديتها أشرطة «ريل» كما سعدت بقبولها هديتي التي كانت عبارة عن جهاز تشغيل ريل «تياك» وكانت في تلك الأيام تحفظ أغنية للسنباطي من أشعار الأمير عبدالله الفيصل.. ولقائي الثاني معها كان في جدة عندما جاءت لزيارة الأمير الشاعر عبدالله الفيصل أثناء حفظ أغنية «من أجل عينيك» التي كنت أردد نصها كموال في جلساتي وحفلاتي، وهي في جدة دعيت في أمسية وطلبت مني الداعية أن آتي بعودي معي، وأجد أم كلثوم أمامي في الأمسية وكان الغناء حتى الصباح.
مع عبد الوهاب
تقول توحة إنها وفي إحدى زيارتها إلى القاهرة وفي بيتها الذي تملكه هناك على النيل جاءتها النجمة الممثلة الراحلة عزيزة حلمي تقول لها إن الموسيقار محمد عبد الوهاب عرف عنها من خلال حديث كويتيين أصدقاء له بحضورها ويحب أن يراها فحددا موعدا للقائه.
ذهبت وعزيزة حلمي لزيارة الموسيقار الكبير في بيته في الزمالك «شقة في دور أرضي كان قد سكنها إلى وفاته رحمه الله» طلب مني أن أسمعه الدانات وبدأت أغني وهو يستمع ويطرب كان منها «يالله يا عالم الضمائر، ناح الحمام المطوق»، أيضا قدمت أغنيات مثل أبو حسن وكيف أتوب وبعض المجسات، طلب مني أن أبعث له بتسجيلات لإيقاع الدانة وبعض الإيقاعات التي استخدمتها في أغنياتي مع عزيزة حلمي وحدث ذلك. أذكر أيضا أنه مازحني أمام ابنته الراحلة عائشة التي كان يسميها «إش أش» : مادام بتلحيني وتؤلفي اعملي لنا أغنية لـ «إش إش» تغنيها.
مع عبد الحليم حافظ
التقيت بعبد الحليم حافظ في جدة وهو ضيف على أحدهم واستمع إلي وأنا أغني لدى مضيفه وعندما غنيت «كيف أتوب» أعجبته وكان يرددها معي ويطلب في كل مرة أن أغنيها مجددا ويومها غنيتها خمس مرات وطلب أن يأخذ معه تسجيلا ليغنيها بعد توزيعها في القاهرة موسيقيا، كان ذلك في العام 1976 أي قبل وفاته بعام ولم أدخل التأريخ الفني بذلك.