-A +A
علي حسن التواتي
هذه القراءة دعوة للتفكر والتدبر في تسريبات موقع ويكيليكس من خلال خريطة سنرسمها ونحلق فوقها في رحلة جوية من الشرق إلى الغرب، ونهبط في بعض محطاتها لنحاول تبين أهداف التسريب في كل محطة. وستقتصر رحلتنا على آسيا وشمال أفريقيا وأوربا لأن محطات التسريب في هذه المناطق من العالم التي تضمّ بلادنا هي الأهم بالنسبة لنا.
لنبدأ من شرق آسيا حيث الصين واليابان والكوريتين. ولنتوقف في محطة الصين لنرى أن أهم التسريبات تقول بأن الصين تشعر بضيق وقلق من حليفتها كوريا الشمالية وأنها تفكر جدياً في تفكيك ذلك التحالف. والرسالة التي يمكن أن نستشفها من هذا التسريب موجهة لكوريا الشمالية التي تتمرد ببرنامجها النووي وهجماتها المتكررة على كوريا الجنوبية الحليف الأمريكي المهم في المنطقة. وفحوى الرسالة هو أن عليكم أيها الكوريون الشماليون ألا تعتمدوا كثيراً على تحالفكم مع الصين فهذا التحالف إلى زوال في القريب العاجل وستجدون أنفسكم في وضع الضعيف المحاصر الذي لا حول له ولا قوة. ولذلك عليكم أن تخففوا من غلوائكم وأن تسارعوا للقبول بحل يرضي أمريكا في مجمل قضاياكم.
لننتقل الآن إلى أفغانستان حيث تتمركز القوات الأمريكية لعقد من الزمان. ونظراً لأنك يا رئيس أفغانستان تحاول في السنتين الأخيرتين تقديم نفسك كزعيم وطني وترسل تصريحات إعلامية معادية لوجود قوات الأطلسي وتستنجد بأصدقائك للتوسط لإجراء المصالحة بين نظامك والطالبان، فلا بد من تسريب يوجه لك رسالة محددة فأنت من وجهة نظرهم تتستر على تجار المخدرات وتطلق سراحهم إذا ما تم إلقاء القبض عليهم. إذاً عليك أن تكف عن فتح جسور مع أطراف أخرى عربية كانت أو إسلامية في الشأن الأفغاني، وأن تكف عن معارضة قائد قوات الأطلسي ديفيد باتريوس وتقييم أداء قواته واتهامها بقتل المدنيين الأفغان وتعطيل المصالحة مع الطالبان. وخلاصة الأمر لا تجبرنا على تغيير الخريطة السياسية في أفغانستان واستبدال حكومتك بحكومة أكثر ولاء لنا واستبدالكم شخصياً بزعيم الأقلية الطاجيكية المعارضة عبدالله عبدالله الذي لم تتغير مواقفه ولم تتبدل تجاهنا منذ البداية حتى الآن.
لنتحرك على الخارطة الآن نحو إيران ومنطقة الخليج وهنا لا بد أن يعرف الإيرانيون أننا نعرف عنهم بعض الأمور التي يعتقدون بأنها خفية. فليعلم الإيرانيون أننا نعلم بأن الزعيم الروحي لإيران مصاب بسرطان الدم وأن ثقته بدأت بالتزعزع برئيس الجمهورية وأن خلافات كبيرة بدأت تنخر في النظام الإيراني القائم. وهنا نجد عدداً من الرسائل منها واحدة موجهة للمعارضة الإيرانية وفحواها أن عليكم أن تصبروا قليلاً فالأمل بقرب انهيار السلطة القائمة أصبح قريبا. وثانية موجهة للسلطة الإيرانية وفحواها أن عليكم أن تخففوا من تصلبكم وتدخلوا في مفاوضات جادة بشأن ملفكم النووي وغيره من الملفات التي يمكن أن تعالج بشكل ثنائي لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة خاصة أن رؤساء الدول المجاورة لبلدكم يكنون لكم العداء الشديد ويساندون التوجه لضربكم لولا اتسامنا نحن بالحكمة والتروي فلم ننجرف مع هذا التوجه وآثرنا التريث ومنحكم الفرصة للرجوع إلى الحظيرة الأمريكية بشروط متفق عليها بين الطرفين مع تمكينكم من بعض مصالحكم في المنطقة وتشكيل منظومة أمنية سنجعل منكم حجر الأساس فيها بدليل إصرارنا على أن يتم التجديد لمرشحكم لرئاسة الوزراء العراقية رغم عدم فوز حزبه بالأغلبية الكافية.
أما أنت يا رئيس الوزراء العراقي فلا تتصور أن عهد تحديك قد مضى إلى غير رجعة وأن كل أيامك ستكون أفراحاً وليالي ملاحا. فأنت متهم بتشكيل وإدارة مجموعات اغتيال توظفها في القضاء على خصومك من الطائفة السنية تحت مظلة وزارة الداخلية. إذاً عليك ألا تعتمد على المساندة الإيرانية كثيراً فهذه القضية يمكن أن تثار وتنقل لمحكمة الجزاء الدولية ويتم استصدار حكم بإدانتك واعتقالك متى ما رأينا أن مصالحنا مهددة بوجودك.
ولنتحرك الآن على الخارطة باتجاه إسرائيل ودول الطوق العربي. فأسرارك النووية يا إسرائيل واستراتيجيتنا المشتركة تجاه المنطقة والمفاوضات في الحفظ والصون ولا يمكن لألف أسترالي أرعن أن يسربها أو يصل إليها.
أما أنت يا حزب الله فاعلم أن أعداءك في لبنان كانوا مساندين للحرب الإسرائيلية عليكم سنة 2006م وأنهم كانوا ينسقون مع الأمريكيين لتوجيه القادة الإسرائيليين لتجنب قصف مناطقهم. إذاً عليك يا حزب الله ألا تراهن على دعم باقي طوائف الشعب اللبناني ولا قياداتها السياسية في أية حرب مقبلة مع إسرائيل خاصة أن القرار الظني الذي سيعلن من المحكمة الدولية بشأن قضية اغتيال الرئيس الحريري سيوجه الاتهام مباشرة إلى بعض قياداتك ما يزيد في موقفك ضعفاً ويقلل من فرص نجاحك.
وصلنا الآن إلى أوربا ولنبدأ بفرنسا التي تبدي القيادة الأمريكية قلقاً من وجود رئيس فيها ذي جذور يهودية. وليس هذا فحسب فيما يختص بساركوزي فإن موقفه من المهاجرين العرب المسلمين يثير قلق أمريكا أيضاً من حيث أنه يجعلهم في وضع يائس يتعرضون فيه للاستهواء والتجنيد من المنظمات الإرهابية. إذاً يا ساركوزي عليك أن تحذر في معارضة أمريكا وتهديد تحالفاتها ومصالحها خاصة في العالم العربي ومنطقة عمل القيادة العسكرية الوسطى خاصة بعد أن نجحت في إسقاط حليفنا ورجلنا الأول في أوربا (توني بلير) من تولي رئاسة الاتحاد الأوربي ونجحت في التمدد العسكري باتجاه الخليج ومنافستنا على تحالفاتنا النووية الجديدة في الهند. فنحن قادرون على تحريك الجماعات المهمشة في بلادك والتركيز على جذورك اليهودية لنسبب لك صداعاً كبيراً ونشغلك في نفسك وفي أوضاع بلادك الداخلية.
أما أنتم أيها البريطانيون الذين تضغطون علينا علناً في سبيل إنهاء احتلال أفغانستان وتهددون بتفكيك التحالف المحتل وتشكلون لجان التحقيق لمحاسبة رجالنا على توريط بريطانيا في حرب العراق، وتميلون للكتمان والعمل في الخفاء في تحديد مواقفكم الحقيقية رغم أنكم شركاء لنا في كافة جرائم التجسس واستخدام الأسلحة المحظورة والسجون السوداء، عليكم ألا تبالغوا في تمثيل دور الحمل البريء لحماية مصالحكم على حساب سمعتنا وإلا ..
ولنتحرك فوق الخارطة قليلاً باتجاه إيطاليا التي بدأ زعيمها المحافظ برلسكوني في التخلي عن قناعاته الاستعمارية بجدوى احتلال أفغانستان والعراق وبدأ في التململ من الاستمرار في التحالف خاصة بعد عقد صفقات تجارية مربحة مع روسيا. فما يمنع أن تظهر تسريبات تقول بأن برلسكوني مرتش وفاسد أخلاقياً، وأن الزعيم بوتين راش وتسيطر عصابات المافيا الروسية على موسكو في عهده. إذاً لا تحاولا أن تلعبا معنا لعبة المصالح المشتركة فكلاكما فاسدان وتستحقان العقاب.
بقيت أنت يا رئيس الوزراء التركي، فهل تظن أننا غفرنا لك مواقفك المعادية لإسرائيل وإهانتك العلنية لرئيسها ومساندتك لموقف حماس في حربها مع إسرائيل؟ لا تتوهم ذلك، فأنت تحتاج إلى تسريبات تظهرك بمظهر الذي يهرب الأموال إلى سويسرا من وراء ظهر شعبه الفقير. فاحذر من الاستمرار في مواقفك العثمانية الإعلامية واحذر المزيد..
فيا لها من خارطة تأكدت بعض أهدافها بالزيارة التي قام بها ساركوزي قبل عدة أيام للهند وتوقيعه لاتفاقية بقيمة 7 مليارات من الدولارات لبناء مفاعلين نوويين جديدين، تتبعها اتفاقيات مستقبلية لبناء أربعة مفاعلات أخرى وعدة صفقات أسلحة فرنسية. كذلك يمكن تبين مدى استماتة الإدارة الأمريكية في خطب ود القيادة الإيرانية. أنظر إلى وزيرة الخارجية الأمريكية (هيلاري كلينتون) التي اعترفت لمرافقيها خلال رحلة العودة إلى بلادها من مؤتمر حوار المنامة بأنها سعت لمصافحة وزير الخارجية الإيراني ولكنه أشاح بوجهه عنها وأمعن في الابتعاد عنها كلما أمعنت بالاقتراب منه.. فيا له من موقف ويا لها من تسريبات.

altawati@yahoo.com