-A +A
بيتر آبس ـ لندن
ستستأثر الانتخابات في نيجيريا والسياسة الداخلية في جنوب أفريقيا، أوغندا، مدغشقر، مصر، والكونغو بمحاور التركيز في أفريقيا عام 2011 إلى جانب مخاطر نشوب صراعات في السودان وساحل العاج وقضايا الفساد الأوسع نطاقا. وإذ تمثل هذه القارة هاجسا دوليا آخر، قضى الأمر أن نقف عند أحداثها المستشرفة واستقراء المخاطر السياسية الرئيسة للعام 2011 من تداعيات الحاضر.
سباق الانتخابات

الرئاسية في نيجيريا
لا يزال سباق انتخابات الرئاسة الذي يجري في نيجيريا في التاسع من أبريل (نيسان) مفتوحا على مصراعيه؛ لأن الحزب الحاكم منقسم بشأن مرشحه. والإنفاق الحكومي في تصاعد وتخيم مخاطر الاضطرابات على دلتا النيجر المنتجة للنفط.
وفاز مرشح حزب الشعب الديموقراطي الحاكم بسهولة في كل منافسة على القيادة منذ انتهاء الحكم العسكري قبل أكثر من عشر سنوات، لكن الرئيس جودلاك جوناثان يواجه تحديات حتى يفوز بترشيح الحزب.
ويثور الجدل حول ترشيح جوناثان بسبب اتفاق الحزب الحاكم الذي ينص على أنه يجب تداول السلطة كل ولايتين بين الشمال الذي يغلب على سكانه المسلمون والجنوب الذي يغلب على سكانه المسيحيون. وينتمي جوناثان إلى الجنوب وقد ورث الرئاسة في وقت سابق هذا العام بعد وفاة عمر يارأدوا المنتمي للشمال في منتصف ولايته الأولى. إذن، فإن المتابعة تكمن في ماهية أحداث الانتخابات التمهيدية للرئاسة. هل سيفوز جوناثان بما يكفي من الدعم؟ أم هل سينجح ساسة الشمال من ذوي النفوذ في مسعاهم لتقديم نائب الرئيس السابق عتيقو أبو بكر كمرشح توافقي لتحديه؟ ويريد المستثمرون الوضوح لا الحيرة.
ثم أن تمرير تشريع مهم بشأن البترول قد يعلق استثمارات شركات نفط أجنبية إلى أن يتم إقراره، لكن لم يتضح بعد ما إذا كان هذا سيحدث قبل الانتخابات. وهل ستزيد الاضطرابات في دلتا النيجر المنتجة للنفط. وللجيش النيجيري اليد العليا منذ العام الماضي لكن الخطاب العرقي أو الديني يمكن أن يشعل الأمور أثناء الحملة الانتخابية ويخشى البعض من تصاعد وتيرة الهجمات.
سياسة جنوب أفريقيا
بعد نجاح نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2010، لم تعد السياسة في جنوب أفريقيا تحتل موقعا بارزا بين اهتمامات المستثمرين لكنها قد تتصدر اهتماماتهم من جديد في عام 2011، خاصة مع استعداد الساسة لانتخابات الحكومات المحلية في النصف الأول من العام المقبل.
وقد تواجه حكومة الرئيس جاكوب زوما التي يقودها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي اضطرابات عمالية متجددة، فضلا عن غضب بين الفقراء السود بسبب سوء الخدمات العامة، وهو ما يغذي المطالب بمزيد من الإنفاق العام وهو ما قد يزعج المستثمرين.
وجاءت سلسلة من الفضائح في قطاع التعدين المتصلة بشركات لها صلات عائلية وثيقة بزوما، بجانب إجراءات مقترحة لفرض قيود على وسائل الإعلام لتثير تساؤلات حول رئاسته واتهمه البعض بالمحسوبية.
وما زالت رابطة الشباب في حزب المؤتمر الوطني الحاكم تضغط لتأمين المناجم على الرغم من رفض الجميع من نقابة عمال التعدين إلى أصحاب المناجم لهذا بوصفه أمرا هزليا لكن حزب المؤتمر الوطني حتى الآن يحجم عن حظر رابطة الشباب. عليه، ماذا سيتمخض عنه كل هذا؟.
تبدو مؤشرات على تزايد الاستياء من حزب المؤتمر الوطني في الانتخابات المحلية في ثنايا الأحداث. ولا يتوقع حدوث الكثير من التغييرات في السياسة قبل المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي عام 2012، لكن المستثمرين وغيرهم سيبحثون عن مؤشرات مقدما. وسيعمد حزب المؤتمر، فيما يبدو، إلى إضعاف اقتراحات بإصلاح الإعلام، لكن تغطية الصحف لأخبار المزيد من الصفقات التي تنطوي على تحايل، وهي تغطية تكون غير دقيقة في بعض الأحيان، يمكن أن تسمم الأجواء من جديد.
صراعات جديدة محتملة
انخفض عدد الصراعات في أفريقيا جنوب الصحراء انخفاضا حادا منذ أواخر التسعينيات، لكن تصاعد التوترات السياسية في عدة دول أخرى غير مستقرة قد يتحول إلى أعمال عنف في 2011.
ومن المقرر أن يجري السودان استفتاء على الاستقلال المحتمل للجنوب الغني بالنفط في التاسع من يناير (كانون الثاني)، والمنصوص عليه في اتفاق للسلام وقع عام 2005، وأنهى عقودا من الحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه. ويواجه الاستفتاء بالفعل تحديات قانونية ويمكن أن يتأجل غير أن هذا قد يثير رد فعل غاضبا من قبل الجنوبيين الذين سيعتبرونها مؤامرة من الشماليين للاحتفاظ بالسيطرة على نفط منطقتهم. ويقول محللون إنه ليس في مصلحة أي من الطرفين العودة إلى الصراع لكنهم لا يستبعدونه.
ويبدو أن ساحل العاج الغنية بالكاكاو تتجه إلى شفا صراع بعد انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، التي ثارت حولها نزاعات والتي يزعم كل من الرئيس السابق لوران غباغبو والحسن وأتارا الفوز بها. ونشبت معارك بين قوى موالية للمتنافسين في العاصمة أبيدجان لكنها لم تدم طويلا، ولا توجد مؤشرات تذكر على أي رغبة من الجانبين في الوصول إلى حل وسط.
ويشعر البعض بالقلق أيضا من عودة أعمال العنف في كينيا بعد الاضطرابات التي حدثت عقب الانتخابات قبل ثلاث سنوات وثارت مخاوف من أن يزعزع إعلان المحكمة الجنائية الدولية عن أسماء مشتبه بهم استقرار البلاد. في الوقت نفسه لا تزال أعمال العنف مستمرة في الصومال، وجمهورية الكونغو الديموقراطية وهما صراعان يمتدان إلى دول مجاورة من وقت إلى آخر. وهنا تنشأ التساؤلات:
هل سيجرى استفتاء السودان وماذا ستكون نتيجته؟ هل تمارس قوى خارجية خاصة الصين التي هي مستثمر رئيس في السودان ضغوطا من أجل الحفاظ على الهدوء؟. وإذا تصاعدت أعمال العنف في السودان وساحل العاج، هل يعتبر المستثمرون هذا مؤشرا على أن أفريقيا ربما تكون أكثر خطرا مما كانوا يتصورونه مؤخرا؟ ثم هل يشن المتشددون المتمركزون في الصومال هجمات جديدة في دول مجاورة مثل التفجيرات التي نفذوها في العاصمة الأوغندية كمبالا؟
الفساد والموارد
جرت الإشادة بأفريقيا على نطاق واسع لإحرازها تقدما في مجال حقوق الإنسان، الديموقراطية، ومكافحة الفساد على مدى العقد الماضي، لكن بعض البيانات تشير إلى تراجعها في العام الماضي. وحذرت مؤسسة «مو إبراهيم» في أكتوبر (تشرين الأول) من أنه في حين أن إمكانية ممارسة الأنشطة الاقتصادية تزايدت فإنه للمرة الأولى أظهرت دراستها المسحية تراجعا في الحكم الرشيد.
وسيكون تزايد الفساد مثار قلق بشكل خاص للشركات التي تتخذ خطوات للاستفادة من الموارد الطبيعية، حيث بدأت عدة دول من بينها غانا وأوغندا وربما سيراليون وغيرها التنقيب عن النفط أو إنتاجه. وزادت القوى الصاعدة خاصة الصين من استثماراتها ومساعداتها لأفريقيا زيادة كبيرة في السنوات الخمس الأخيرة. وترحب بها معظم الدول لكن البعض يتهمها بتطبيق معايير متدنية للحكم الرشيد.
وتواجه الشركات التي تعمل في أفريقيا مناخا تنظيميا أكثر صرامة في بلادها ـــ وسيتحول تشريع الرشوة في بريطانيا على وجه الخصوص إلى قانون العام المقبل ـــ ويتوقع أن يجبر هذا الشركات على تشديد إجراءاتها في الوقت الذي تواجه فيه منافسة من الشركات الصينية وغيرها من الشركات. وماتجدر متابعته في هذا الصدد يتمحور في كيف ستتعامل غانا مع عائداتها النفطية. حتى الآن اكتسبت البلاد سمعة طيبة لشفافيتها، لكن الساسة ما زالوا منقسمين بشأن كيفية استخدام عائدات حقل جوبيلي. وأي اعتقاد بتفاقم الفساد سيزيل البريق عما كان يعتبر إحدى قصص النجاح البارزة في أفريقيا. ثم ما يحدث لمؤشر «مو إبراهيم» وغيره من المؤشرات العام المقبل سيدل على ما إذا كانت نتائج عام 2010 مشوبة بخلل مثلما يشير البعض أو جزءا من اتجاه أوسع نطاقا، بجانب مدى جدية تطبيق قانون الرشوة البريطاني الجديد وغيره من التشريعات الغربية لمكافحة الفساد. وهل تشكو الشركات من أنه يحرمها من ميزات تنافسية؟
عام الانتخابات
يواجه اثنان من أقدم الرؤساء في أفريقيا هما رئيس أوغندا يوويري موسيفيني، والرئيس المصري حسني مبارك انتخابات في عام 2011 وكذلك رئيس الكونغو جوزيف كابيلا وحكومة مدغشقر المؤقتة بعد انقلاب عام 2009.
ويواجه رئيس زامبيا روبيه باندا انتخابات رئاسية في الربع الثالث في ظل تحد قوي من المعارضة الموحدة تحت قيادة مايكل ساتا، غير أن محللين قالوا إن التعافي في مبيعات النحاس سيساعد الرئيس على الفوز. ووصف موسيفيني بأنه كان مفضلا لدى الغرب في بداية رئاسته لإدارته الاقتصادية التي تتسم بالبراعة والليبرالية لكن العلاقات توترت نتيجة تزايد الاتهامات بتنامي الاستبداد.
ويرجح كثيرون أنه سيفوز على منافسه الكولونيل المتقاعد بيسيجي مثلما حدث في آخر مرتين أجريت فيهما انتخابات الرئاسة، لكن أعمال العنف وانتشار مزاعم على نطاق واسع بالتلاعب بالأصوات وهروب الجهات المانحة يمكن أن يخيف المستثمرين مع تباطؤ المفاوضات بشأن الاكتشافات النفطية.
ولم يعلن الرئيس حسني مبارك ما إذا كان سيرشح نفسه لولاية ثانية في 2011، ويشير مسؤولون إلى أن السيناريو الأرجح هو أن يرشح نفسه.
وقد تضر زعزعة الاستقرار قبل الانتخابات في الكونغو بمشاعر المستثمرين هناك، في حين يأمل زعيم مدغشقر أندريه راجولينا في الحصول على الاعتراف الدولي المحروم منه حتى الآن بعد تداعي عدة اتفاقات لاقتسام السلطة. ويريد رئيس زيمبابوي روبرت موجابي إجراء استفتاء على دستور جديد في عام 2011 وانتخابات عامة في وقت لاحق من العام لإنهاء حكومة اقتسام السلطة مع رئيس الوزراء مورغان تسفانجيراي التي تعاني من مشاكل.
ولن تجرى الانتخابات حتى عام 2013، وتشير تقارير إعلامية إلى أن معارضين من الجانبين يحشدون القوى لمقاومة إجراء انتخابات مبكرة. وقد يعطل هذا ميزانية عام 2011 وهي أنباء سيئة للبلاد التي لا يزال تعافيها هشا. وبالتالي، يتوخى عند التمحيص مؤشرات على مخاوف سياسية تردع المستثمرين في أي من تلك الدول. وفي حين أن معظم المستثمرين في أفريقيا اعتادوا تصاعد حدة الخطاب السياسي المحيط بالانتخابات، فإن استمرار تزعزع الاستقرار سيقلق المزيد، فضلا عن أنه وبعد انتخابات ساحل العاج المثيرة للنزاعات قد تؤدي أي مؤشرات على انتخابات فاشلة في أماكن أخرى في القارة السوداء إلى تشاؤم المستثمرين.