صدر حديثا في الكويت كتاب «ردة الفرسان: تفاصيل معارك الغزو والتحرير» لمؤلفه ناصر الدويلة، وجاء على غلافه وصف للكتاب بأنه «من مفكرة ضابط كويتي»، الكتاب يروي ما جرى داخل القوات الكويتية في يوم الثاني من أغسطس 1990م عشية غزو القوات العراقية للكويت، والمتحدث ضابط شارك في الأحداث، ومعارضوه الذين ردوا عليه هم ضباط كانوا على رأس العمل حينها ومشاركون في الحدث.
حوت الصحافة الكويتية ردودا ذات مواقف متعددة مما جرى، كل منها يروي تفاصيل في القصة غفل عنها الطرف الآخر أو تغافلها، وانتقل الجدل الصحفي إلى الجدل الفضائي عبر قناة الوطن التي أجرت مناظرة مثيرة بين من كانوا رفقاء السلاح ثم صاروا فرقاء الرواية التاريخية!
الموضوع شديد الحساسية في تاريخ الكويت وواقعها، ولهذا فقد وضعت قناة الوطن قواعد صارمة لإقامة المناظرة وطريقة إدارتها لها، واختصم رفاق السلاح علنا وتخاصم الفرقاء فضائيا، ما زاد الرواية توثيقا وأعطى للمراقب والمحلل مزيدا من التفاصيل للحكم على المشهد العام وأخذ العبر المستحقة.
لقد فتح الجدل وسيستمر بالتأكيد، حول واحدة من أكثر الأحداث إثارة وتأثيرا في الخليج وفي العالم أجمع، وهو جدل مفيد وخلاف مثر، وبغض النظر عن حجم الحدث الذي تحدث عنه المتناظرون، فإن الفكرة وراءه هي الأهم، وذلك أن تصبح الأحداث المميزة والكبيرة موضع تأريخ ومجال نقاش ومثار جدل، وأن يسمع الناس جميع الأطراف المشاركة في الحدث الواحد، ويبقى لهم وللتاريخ التمييز بين الغث والسمين.
لقد حظي الحدث الأكبر بالعديد من التحليلات والمؤلفات الغربية والشرقية، يهمنا منها في شهادات العيان كتاب الجنرال الأمريكي شوارتزكوف وكتاب الأمير خالد بن سلطان، ولكنني أحسب أنه كان ينبغي أن يتبع هذا الحدث بالكثير من الكتابات من شهود آخرين فاعلين في الحدث ومعايشين لتفاصيله اليومية، ومهما كانوا أقل مكانة فلربما كانوا أكثر تأثيرا في ضبط الحدث وتفاصيله.
لم أحظ بنسخة خاصة من كتاب الدويلة الذي شهدت غلافه إنترنتيا ولكنني تابعت شيئا من الجدل الذي أثاره في الداخل الكويتي، فرواية الدويلة لم تحظ بمصادقة تامة فمعارضوه من الضباط المشاركين في الحدث كانت لديهم رواياتهم الخاصة، وكان الشيطان كامنا على الدوام في التفاصيل، ولكن الكتاب والمناظرة بعده، والنقاش قبلهما وبعدهما أتاح فرصة للمراقب لمعرفة ما جرى من خلال الرصد والمقارنة والتحليل.
ليس غريبا أن يبدأ مثل هذا الحوار في الكويت فهي دولة رغم صغر حجمها الجغرافي إلا إنها ثقافيا كانت رائدة على مستوى العالم العربي، وكانت في لحظة من اللحظات التاريخية مصدر الإشعاع الثقافي والفني عربيا، خاصة في السبعينيات بعد تراجع التأثير المصري واشتعال الحرب الأهلية في لبنان، فمن الكويت صدرت مشاريع ضخمة مثل إصدارات عالم المعرفة المتميزة في ترجماتها وفي انتقائها للمؤلفات، وفي مجلة عالم الفكر ومجلة العربي وغيرها.
إن الحرية التي عاشتها الكويت في تلك الفترة منحت الإبداع في شتى المجالات مداه الأقصى، فكانت الثقافة، وكان الفن، وكانت الدراما، ونتذكر جميعا درب الزلق ونحوه من الأعمال الخالدة، وكان الغناء الذي أبدع فيه الكويتيون، وكانت أشياء كثيرة مبدعة ومتميزة، خاصة إذا استحضرنا أن الكويت كدولة لم تكن تحمل ــ حينذاك ــ أعباء سياسة كبرى تفوق طاقتها، كما كان اقتصادها منتعشا كغيرها من دول الخليج، ولكنها تميزت بالحرية، فكانت لها تلك المكانة.
جرى في ساقية الكويت مياه أخرى فيما بعد، فصارت بعض مظاهر الحرية وبالا على التنمية، واستغل البعض الحرية مطية لرغباته الشخصية أو الفئوية، ولئن أفلحت هذه الحرية في كبح جماح الفساد المعروف، فقد خلقت فسادا آخر عماده الشخصنة وحب الظهور وانتشرت المزايدات هنا وهناك، وتلك قصة أخرى.
المهم هنا هو أننا لم نزل بحاجة لمزيد من الروايات التاريخية حول الأحداث الكبيرة في تاريخنا الحديث، وأن المشاركين في هذه الأحداث تقع عليهم مسؤولية روايتها وسردها، ومنح المراقب مزيدا من القدرة على معرفة التفاصيل ورصدها وبالتالي تحليلها والخروج بالنتائج المرجوة.
Bjad33@gmail.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 250 مسافة ثم الرسالة
حوت الصحافة الكويتية ردودا ذات مواقف متعددة مما جرى، كل منها يروي تفاصيل في القصة غفل عنها الطرف الآخر أو تغافلها، وانتقل الجدل الصحفي إلى الجدل الفضائي عبر قناة الوطن التي أجرت مناظرة مثيرة بين من كانوا رفقاء السلاح ثم صاروا فرقاء الرواية التاريخية!
الموضوع شديد الحساسية في تاريخ الكويت وواقعها، ولهذا فقد وضعت قناة الوطن قواعد صارمة لإقامة المناظرة وطريقة إدارتها لها، واختصم رفاق السلاح علنا وتخاصم الفرقاء فضائيا، ما زاد الرواية توثيقا وأعطى للمراقب والمحلل مزيدا من التفاصيل للحكم على المشهد العام وأخذ العبر المستحقة.
لقد فتح الجدل وسيستمر بالتأكيد، حول واحدة من أكثر الأحداث إثارة وتأثيرا في الخليج وفي العالم أجمع، وهو جدل مفيد وخلاف مثر، وبغض النظر عن حجم الحدث الذي تحدث عنه المتناظرون، فإن الفكرة وراءه هي الأهم، وذلك أن تصبح الأحداث المميزة والكبيرة موضع تأريخ ومجال نقاش ومثار جدل، وأن يسمع الناس جميع الأطراف المشاركة في الحدث الواحد، ويبقى لهم وللتاريخ التمييز بين الغث والسمين.
لقد حظي الحدث الأكبر بالعديد من التحليلات والمؤلفات الغربية والشرقية، يهمنا منها في شهادات العيان كتاب الجنرال الأمريكي شوارتزكوف وكتاب الأمير خالد بن سلطان، ولكنني أحسب أنه كان ينبغي أن يتبع هذا الحدث بالكثير من الكتابات من شهود آخرين فاعلين في الحدث ومعايشين لتفاصيله اليومية، ومهما كانوا أقل مكانة فلربما كانوا أكثر تأثيرا في ضبط الحدث وتفاصيله.
لم أحظ بنسخة خاصة من كتاب الدويلة الذي شهدت غلافه إنترنتيا ولكنني تابعت شيئا من الجدل الذي أثاره في الداخل الكويتي، فرواية الدويلة لم تحظ بمصادقة تامة فمعارضوه من الضباط المشاركين في الحدث كانت لديهم رواياتهم الخاصة، وكان الشيطان كامنا على الدوام في التفاصيل، ولكن الكتاب والمناظرة بعده، والنقاش قبلهما وبعدهما أتاح فرصة للمراقب لمعرفة ما جرى من خلال الرصد والمقارنة والتحليل.
ليس غريبا أن يبدأ مثل هذا الحوار في الكويت فهي دولة رغم صغر حجمها الجغرافي إلا إنها ثقافيا كانت رائدة على مستوى العالم العربي، وكانت في لحظة من اللحظات التاريخية مصدر الإشعاع الثقافي والفني عربيا، خاصة في السبعينيات بعد تراجع التأثير المصري واشتعال الحرب الأهلية في لبنان، فمن الكويت صدرت مشاريع ضخمة مثل إصدارات عالم المعرفة المتميزة في ترجماتها وفي انتقائها للمؤلفات، وفي مجلة عالم الفكر ومجلة العربي وغيرها.
إن الحرية التي عاشتها الكويت في تلك الفترة منحت الإبداع في شتى المجالات مداه الأقصى، فكانت الثقافة، وكان الفن، وكانت الدراما، ونتذكر جميعا درب الزلق ونحوه من الأعمال الخالدة، وكان الغناء الذي أبدع فيه الكويتيون، وكانت أشياء كثيرة مبدعة ومتميزة، خاصة إذا استحضرنا أن الكويت كدولة لم تكن تحمل ــ حينذاك ــ أعباء سياسة كبرى تفوق طاقتها، كما كان اقتصادها منتعشا كغيرها من دول الخليج، ولكنها تميزت بالحرية، فكانت لها تلك المكانة.
جرى في ساقية الكويت مياه أخرى فيما بعد، فصارت بعض مظاهر الحرية وبالا على التنمية، واستغل البعض الحرية مطية لرغباته الشخصية أو الفئوية، ولئن أفلحت هذه الحرية في كبح جماح الفساد المعروف، فقد خلقت فسادا آخر عماده الشخصنة وحب الظهور وانتشرت المزايدات هنا وهناك، وتلك قصة أخرى.
المهم هنا هو أننا لم نزل بحاجة لمزيد من الروايات التاريخية حول الأحداث الكبيرة في تاريخنا الحديث، وأن المشاركين في هذه الأحداث تقع عليهم مسؤولية روايتها وسردها، ومنح المراقب مزيدا من القدرة على معرفة التفاصيل ورصدها وبالتالي تحليلها والخروج بالنتائج المرجوة.
Bjad33@gmail.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 250 مسافة ثم الرسالة