-A +A
نجيب الخنيزي
الطابع الخاص والمميز لأقدم منظمة إقليمية (الجامعة) في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية يتمثل في كونها نظاما إقليميا / قوميا ينتمي اثنيا وثقافيا إلى امة وحضارة (عربية – إسلامية) لها مكوناتها التاريخية والجغرافية والدينية والثقافية، ولكنها في الوقت نفسه تشمل وتحتوي مكونات متعددة أثنية ولغوية (أكرادا وبربرا واشورا وكولدانا وتركا وأرمنا وفرسا) ودينية وثقافية (مسيحيين ويهودا) وطائفية (سنة وشيعة)وهو ما يشكل نسيجها الغني والمتنوع.
- عند التطرق إلى مستقبل وآفاق الجامعة العربية في القرن الحادي والعشرين نجد من الضروري الوقوف عند الواقع الراهن للجامعة العربية، وتقييم أدائها ومسيرتها في الماضي وتشخيص عناصر الأزمة التي تمر بها وتكاد تعصف بكيانها ووجودها ذاته، وتحديد الآليات والأفكار المطلوب استحداثها فيما يتعلق بفلسفة العمل والمفاهيم والتغيرات المؤسسية والتنظيمية والقانونية، اخذين بعين الاعتبار الخبرة والتجارب المتراكمة وخبرة وتجارب المنظمات الإقليمية المشابهة في العالم (تجربة الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال) ومجمل المتغيرات الإقليمية والدولية، وخصوصا في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي، والتي أدت إلى إنهاء نظام القطبية الثنائية وتفرد الولايات المتحدة (حتى إشعار آخر) بالزعامة العالمية، ناهيك عن المتغيرات في البيئة السياسية والعسكرية والأمنية والثقافية (خصوصا اثر أحداث 11 سبتمبر الإرهابية) العالمية. وفي ضوء الإستراتيجية الجديدة التي أعلنتها واعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على الإرهاب والدول والجماعات الضالعة فيه أو الحاضنة والداعمة له، والتي أدت إلى غزو وإسقاط نظامي أفغانستان (طالبان) والعراق (صدام حسين) والى التبشير بنظام «الشرق الأوسط الكبير» ثم «الجديد» حاليا والذي جاء متزامنا مع العدوان الإسرائيلي الهمجي الواسع النطاق على لبنان وما تقوم به قوات الاحتلال من تدمير ومذابح في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي اعتبره الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطابه يوم الاثنين 14/8 / 2006 وبكل خفة جزءاً من الحملة العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإرهاب، حيث صنف المقاومة في لبنان (حزب الله) وفلسطين (حماس) التي تناضل من اجل الحقوق الوطنية المشروعة للشعبين اللبناني والفلسطيني (بغض النظر عن التقويمات والمواقف الداخلية والعربية المتباينة حول إستراتيجيتهما وممارساتهما) بأنها ركيزة للإرهاب في المنطقة وبان لها ارتباطات خارجية بدولتي (إيران وسوريا) ترعى الإرهاب. وفي الوقت نفسه تناسى جذر المشكلة وجوهر الصراع العربي الإسرائيلي المتمثل في استمرار إسرائيل لاحتلالها الأراضي العربية في فلسطين وسوريا ولبنان ورفضها تنفيذ قرارات الشرعية الدولية 242 و338 في ذلك أو تنفيذ القرار 194 الذي يطالب بحق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، كما تجاهل عدوان إسرائيل المستمر وارهاب الدولة الذي طال البشر والحجر والشجر والمذابح التي ارتكبتها منذ تأسيسها وحتى الآن وعلى مسمع وبصر بل وتأييد كامل من قبل الولايات المتحدة راعية «الديمقراطية والحرية والعدالة» في العالم والتي يصورها الرئيس بوش بأنها واحة «للديمقراطية والحرية والاستقرار» في المنطقة. وفي الواقع انه في ضوء هذه الغطرسة والمعايير المزدوجة والمقلوبة والتشجيع والدعم من الإدارة (المحافظة واليمينية) الأمريكية ، وعلى إيقاع دق طبول الحرب ضد «الإرهاب» في واشنطن، وفي ظل حال العجز والتخاذل والانقسام في النظام الرسمي العربي تشجعت إسرائيل على رقصة الحرب والقيام بعدوانها على لبنان، وارتكابها المزيد من التدمير والقتل.واثر اضطرار إسرائيل إلى القبول بوقف اطلاق النار بفضل صمود ووحدة الشعب اللبناني بكافة فئاته ومكوناته، وبفضل المقاومة الباسلة التي ألحقت بقواتها الضربات القاسية المؤلمة والتي اضطرت الوزير في الحكومة الاسرائيلية موفاز إلى القول «إن إسرائيل قد هزمت في المواجهة مع حزب الله» ومع ذلك يسعى الرئيس بوش مثلما هو الحال مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت إلى تصوير هزيمة إسرائيل وحماتها في لبنان على انه انتصار، ويبدو انه يهدف إلى تحقيق ذلك عن طريق فرض تطبيق القرار 1701 وفقا للتفسير والفهم الأمريكي / الإسرائيلي المشترك وبالشكل الذي قد يكون مدعاة للفرقة والانقسام وتجدد الصراع الداخلي في لبنان وفي عموم المنطقة.

-أدى عجز النظام الرسمي العربي بما في ذلك الجامعة العربية ومؤسسة القمة العربية في التوافق على الوحدة والتضامن إزاء المصالح العربية العليا إلى إضعاف وغياب العمل العربي المشترك ، وهو ما انعكس في عجز الجامعة العربية عن إيجاد حلول سلمية وسريعة وفعالة لمختلف الأزمات والمخاطر (الإقليمية والداخلية) المتفجرة كما حصل إبان حرب الخليج الثانية (احتلال الكويت من قبل نظام صدام حسين) وحرب الخليج الثالثة (التي انتهت باحتلال العراق) والأزمة بين المغرب والجزائر (موضوع الصحراء الغربية) أو النزاعات والحروب الأهلية الداخلية (الجزائر واليمن والعراق ولبنان والسودان والصومال)ويندرج ضمن هذا السياق الأزمة السورية – اللبنانية والحرب العدوانية وأعمال التدمير التي ارتكبتها إسرائيل في لبنان وفلسطين، وهو ما أعطى المجال للأطراف والقوى الدولية والإقليمية للتدخل والتأثير على مجريات الأوضاع الداخلية في تلك البلدان. الاستثناء الوحيد الايجابي الذي نعرفه للجهد العربي هو اتفاق الطائف (1989) الذي وضع حدا للحرب الأهلية (1975 _ 1990) في لبنان والذي تم بمبادرة ودعم من المملكة.
واقع الجامعة العربية اليوم يعكس حالة الخلل والتشرذم في العمل العربي المشترك وعدم الثقة والشكوك المتبادلة بين الدول والشعوب العربية ونخبها السياسية والثقافية، أما البحث عن حلول للازمة الخانقة التي تمر بها الجامعة العربية عن طريق تطوير البني القانونية والتنظيمية والمؤسسية فقط فلن يجدي، فالأزمة في جوهرها أزمة سياسية وبالتالي لابد من وجود إرادة سياسية فاعلة لتجاوز الراهن السيئ مما يتطلب تطوير وتحديد المفاهيم والأفكار والمكاشفة والمصارحة لمجمل الأداء والعمل العربي المشترك على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية ، وبما يحافظ على مصالح وامن النظام الإقليمي ومصالح الشعوب العربية التواقة إلى الحرية والعدالة والمساواة من جهة واحترام مصالح وامن وسيادة واستقلال كل دولة عربية على حدة من جهة أخرى.