«آبي» مصطلح باللغة التركية، يعنى الأخ الأكبر، أطلقه أمس رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ليعبر عن مكانة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في قلبه ووجدانه، معتبراً ملك الإنسانية بمثابة أخيه الأكبر.
وأضاف «أتقدم بتمنياتي الخالصة بالصحة والهناء لخادم الحرمين الشريفين، بعد عودته سالماً معافى من رحلته العلاجية».
تطوير العلاقات بين البلدين
وقال رجب طيب أردوغان من منصة قاعة الملك عبدالعزيز التاريخية، عقب تسلمه شهادة الدكتوراة الفخرية في خدمة الإسلام من جامعة أم القرى «إن المملكة وتركيا ليسا بعيدين عن بعضهما البعض، بل نحن جيران لبعضنا البعض، والعرب يقولون: الجار قبل الدار، ونحن نقول: لا تتخذ بيتاً بل جاراً، ونحن كبلدين شقيقين يجب علينا أن نرتقي بعلاقاتنا إلى أحسن المستويات في مجال الاستثمارات، التجارة، العلم، وغير ذلك، وسنحقق ذلك وسنعزز أخوتنا».
وأضاف «إذا كنا نريد أن نخدم الإنسانية فإن مجالات الخدمة كبيرة ومتعددة، وأهم شيء هو أن خير الناس من ينفع الناس ومجاله واسع جدا، ولهذا السبب فإن اهتمام جامعاتنا بتعزيز التعاون الدولي يكتسب أهمية خاصة، حيث يوجد عدد من الطلبة الأتراك في جامعة أم القرى، وهم يمثلون جسراً للتواصل بين البلدين في مجال العلم والفنون، ونحن نرغب في استضافة عدد أكبر من الطلاب السعوديين في الجامعات التركية».
وكان دولة رئيس وزراء جمهورية تركيا رجب طيب أردوغان تسلم أمس شهادة الدكتوراة الفخرية من جامعة أم القرى، تقديراً لجهوده وأعماله المتميزة في خدمة القضايا الإسلامية، وألبسه مدير الجامعة «المشلح» وظل مرتدياً له حتى مغادرته القاعة التاريخية.
وقال أردوغان «أعبر لكم بكل صدق، بأني خلال تولي منصب رئاسة مجلس الوزراء استلمت عددا من شهادات الدكتوراة الفخرية من مختلف الجامعات التركية وغير التركية، وكنت أعتز باستلامي لكل هذه الشهادات، إلا أن الدكتوراة الفخرية التي تسلمتها من جامعة أم القرى لها طعم خاص، ولا يمكن مقارنتها بسائر الشهادات الأخرى، حيث أنها من مكة وهي لها أوصاف كثيرة، مكة بلد إبراهيم، ضياء إسماعيل، مدينة هاجر، مكة بيت الله الشريف، ولد بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيها نشأ واضطر للهجرة ثم عاد إليها فاتحا، والرسول صلى الله عليه وسلم حينما اضطر للهجرة سنة 622 ميلادي أدار ناقته نحو الحرم فقال وهو حزين «يا مكة إنك خير مكان خلقه الله وأحب مكان إلى الله ولا موطن لي أحب وأجمل منك» وأهم من ذلك أن مكة مدينة القرآن والوحي.
وزاد «بدأت رحلة العلم من باب الأرقم ومن مكة، وعلى مدار أربعة عشر قرنا لا تزال مكة مركزاً علمياً عالمياً كبيراً، وهكذا كانت في جميع العصور والأزمنة، ومعظم العلماء كان عليهم أن يرحلوا إلى مكة لطلب العلم، وأتوا إليها وتركوا فيها ما عندهم من كنوز علمية، ولكنهم استفادوا منها بقدر أكبر، وقدمت العلماء بدءاً بعلي كرم الله وجهه الذي وصفه الرسول بباب مدينة العلم، ومرورا بالإمام الشافعي، ابن بطوطة، أبو هريرة، أبن جريج وغيرهم.
واستطرد قائلا «إن استلام الدكتوراة الفخرية في هذا البلد المكرم، ومن هذه الجامعة يبعث في نفسي شعوراً عميقاً لا يمكن وصفه، وأشكر إدارة الجامعة وأساتذتها على تقديمهم لي هذه الدكتوراه الفخرية».
حضارة نيرة
وأضاف متحدثاً أمام حشد تجاوز خمسة آلاف من أعضاء هيئة التدريس والطلاب في الجامعة ووجهاء وأعيان ومسؤولي منطقة مكة المكرمة «لحضارتنا المشتركة ماض نير للغاية، وإلى جانب النجاحات المفرزة في الجوانب السياسة والعسكرية والاقتصادية، فإن حضارتنا ساهمت وبقدر كبير في العلم والمعرفة والفنون العالمية في جميع العصور، وساهمت كل من مكة المكرمة، المدينة المنورة، بغداد، القاهرة، بلاد الشام، وإسطنبول في التراكم العلمي الذي نلاحظه اليوم، ووصل العشق للعلم آنذاك إلى درجة كبيرة، كانوا إذا ما سمعوا عن كتاب في الأندلس، يشدون الرحال إليها على ظهور الجمال والجياد، ما أدى لتكوين مكتبات مثالية في الإسكندرية، قرطبة، بغداد، وإسطنبول».
وأضاف «لا يمكننا الاكتفاء بثقافة الماضي، ولا يمكن أن تمر أيامنا بالاعتزاز والفخر بالماضي، وذكر تاريخنا المجيد وأجدادنا الأعزاء فقط، بل يجب علينا أن نفعل اليوم، سننظر إلى التاريخ ثم ننظر إلى أنفسنا ونسأل: كم هو حزين بأن نرى الأقاليم الإسلامية التي عاشت ماضياً شامخاً اليوم تعاني من الفقر، المجاعة، الإرهاب، والصراع، يجب علينا أن لا نتهم أحدا وألا نحمل أحداً مسؤولية ذلك، يجب علينا أن نوجه السؤال إلى أنفسنا قبل توجيهه إلى غيرنا، فإنه يجب علينا البحث عن جواب السؤال: لماذا؟ الإجابة في دواخلنا وليس في أماكن أخرى». ومضى يقول «إذا كان البعض يسعى إلى الفتنة ويحاول أن يزرع بذور النفاق في نفوسنا، وإذا كان الأخ يقتل أخاه، ويقصده بسوء، فاعلموا جيدا أننا قد وقعنا في فخ الجهات الفاسدة، ولا معنى بعد ذلك أن نبحث عن حلول لدى الجهات التي نفذت ذلك، أردنا أن تحل مشكلة ليبيا من الداخل وليس من الخارج بناء على تجاربنا التي اكتسبناها من العراق وأفغانستان والبوسنة، وأردنا أن يتوفر السلم في ليبيا دون إراقة دماء مثلما وقع في مصر وتونس، منذ البداية وجهنا إلى ليبيا نفس التحذيرات والتوصيات التي وجهناها إلى مصر وتونس، وأجرينا اتصالات دبلوماسية مكثفة، وحذرت القذافي آخر مرة وقلت له: يجب عليكم أن تتخلوا وأن تتركوا مكانكم وأن تعطوا صلاحياتكم إلى شخص آخر، وأجريت معه ثلاثة اتصالات واتصالين مع ابنه، وكذلك مع رئيس الوزراء الحالي، وكررت لهم هذا التحذير، وواصلنا اتصالاتنا بالجهات المعارضة، ولكن مع الأسف الشديد أن تحذيراتنا ونصائحنا لم تلق آذاناً صاغية، ولم يلتزموا بالوعود، ما أدى إلى تقاتل الإخوان فيما بينهم، ومن ثم عملية دولية، ونأمل إنهاء العملية الحالية بأسرع وقت ممكن، وإنهاء إراقة الدماء، وأملنا كبير في أن يكون تقرير المصير بيد الشعب الليبي.
ومضى يقول «هناك حديث عن إمكانية تدخل حلف شمال الأطلسي، وأكدنا أنه لا بد أن يكون دخوله لتأكيد وترسيخ أن ليبيا لليبيين، وليس للدخول من أجل الاستيلاء على الموارد الطبيعية، ويجب أن يقرر الليبيون مصيرهم بأنفسهم».
من جهته عبر مدير جامعة أم القرى الدكتور بكري بن معتوق عساس عن اعتزاز الجامعة بمنح دولة رئيس وزراء تركيا شهادة الدكتوراة الفخرية، واستعرض عساس «جهود رئيس وزراء تركيا في بسط الوئام في ربوع بلاده، مبرزا في ذات الوقت جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قيادة الدعوة للحوار السلمي داخلياً عبر مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وخارجيا عبر المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار، ومؤتمر حوار الأديان الذي عقد في مدريد، ومنتدى حوار الحضارات بين العالم الإسلامي واليابان.
وأضاف عساس «نقل السيد أردوغان إسطنبول من بلدية مدينة بملياري دولار إلى مؤسسة تنمو استثماراتها بمعدل سبعة في المائة سنوياً، وحول تركيا من دولة تنهكها الصراعات المفتعلة إلى دولة تتصدر المشهد الدولي سياسياً واقتصادياً، وكذلك كان خادم الحرمين الشريفين حيث ارتقى ببلاده لتكون عضواً في قمة العشرين، وأطلق حزمة ضخمة من الإصلاحات التي تناولت الجوانب السياسية والاقتصاديةَ والاجتماعيةَ، وما زالت المملكة حتى الساعة تعيش فرحة القرارات الملكية الأخيرة التي رسمت وجهاً جديداً للبلاد.
وزاد «هل يمكن أن ينسى العالم الإسلامي كله موقف أردوغان من حصار غزة؟ هل يمكن أن يخفت صدى كلمته الضخمة «إن مصير القدس مرتبط بمصير إسطنبول.. وإن مصير غزة مرتبط بمصير أنقرة»؟ وكذلك هل ينسى العالم الإسلامي دور خادم الحرمين الشريفين في رأب الصدع الفلسطيني وهل يغفل عن مواقفه الداعمة باستمرار لحل القضية، لم يكن غريباً إذن أن يكرم أحدهما الآخر، وأن يدرك أحدهما مقام أخيه.
وفي ذات الصدد أوضح عميد كلية الدعوة وأصول الدين الدكتور محمد بن سعيد السرحاني أن كلية الدعوة تفخر بمنح هذه الشهادة لأردوغان تكريماً لعطائه المتميز ومواقفه المشرفة في خدمة الإسلام والمسلمين.