عندما نختار الأسماء، ويدفعنا العقل إلى التفكير الطويل أو التقليدي لإطلاقها على الأشياء التي نعاشرها في حياتنا، فهل نحن ــ فعليا ــ ننتقي ونبدع أم نتأثر ونقلد؟.
يأسرني التقليب الدائم في هذا الجانب؛ لأنه يعبر باختصار عن السلوك والظرف الاجتماعي الراهن، فلم يعد غريبا أن نجد أسماء معينة ينشط تداولها في منطقة دون أخرى؛ نتيجة الثقافة المتوارثة والوضع الاجتماعي النشط هناك، بل أصبحت بعض الأسماء علامة فارقة تميز الانتماء الجغرافي، هذا إن لم تخل أية أسرة من حامل أو حاملة لذلك الاسم الشائع.
في «حراك» سابق، أكدت على بدهية استنتاج عقلنا عندما نواجه أسماء: مدحت أو صبري أو حسني؛ لأن بوصلته ستتجه مباشرة إلى مصر لشيوع تلك الأسماء هناك، وكذا الحال لدينا في أسماء أخرى، مثل: عطية وغرم الله التي تنشط في إطار جغرافي وقبلي محدد، ومن المستحيل شيوعها في مناطق أخرى تكثر فيها أسماء باقر وكاظم، أو محماس ومناحي، كدليل على أن الحداثة رغم اقتحامها تتوقف دائما عند الضبط الاجتماعي المرتبط بالعادات والتقاليد المتوارثة، التي تعزز من قيمة الانتماء للأرض والثقافة والقبيلة.
الظرف الزماني يطل أحيانا كعنصر فاعل في وقع التسميات، ويكسر القيد الاجتماعي نتيجة الاحتفاء بأبطال ذلك الظرف، ولعل آخر الأصداء تحمل إلينا أسماء مهند ولميس، واقتحامها لمؤشر المواليد تخليدا لذكرى عاطفة جاشت أمام التلفزيون، الأمر الذي دفع بأحد الأصدقاء إلى إعادة التفكير مليا مع قليل من الندم لتسرعه في تسمية ابنته على اسم والدته، وحجته: اسمها لا يتناسب مع وقع الجيل الجديد ذي الأسماء الموسيقية القصيرة سلسة المخارج، وكل ما يشغل ذهنه: هل سيكون اسمها ــ مستقبلا ــ معكرا لتناغمها مع أقرانها، حين تسأل: وش اسمك يا شاطرة؟.
الأجيال الجديدة تقف أمام ثقافة الأسماء في موضع شد وجذب، بين زخم الأسماء الجديدة عابرة الفضائيات، وبين أصول عرفية متوارثة تنص في غالب الأحيان على تسمية الحفيد على اسم الجد، والمولودة البكر على اسم الجدة، كنوع من استمرار الصلة الاجتماعية وتحفيز البر، وإن فلتنا من هذا الإطار، فلا يمكن تجاوز الإطار الجغرافي وحدوده الاجتماعية تحت وطأة التفكير: بماذا سأكنى طيلة عمري؟.
على النقيض تماما.. تأملوا في فنون تسمياتنا للتقنية الحديثة، فالهواتف النقالة سلبت أسماؤها المصنعية واستبدلت إلى وقت قريب بالباندا والرهيب والفيصلية.. والسيارات بالشبح والبانوراما والحوت، إنها باختصار: ثقافة شفهية تستحسن السهل الدارج دون «وجع» الرأس بالعودة إلى الأصل!.
yalamro@hotmail.com
!!Article.extended.picture_caption!!
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة
يأسرني التقليب الدائم في هذا الجانب؛ لأنه يعبر باختصار عن السلوك والظرف الاجتماعي الراهن، فلم يعد غريبا أن نجد أسماء معينة ينشط تداولها في منطقة دون أخرى؛ نتيجة الثقافة المتوارثة والوضع الاجتماعي النشط هناك، بل أصبحت بعض الأسماء علامة فارقة تميز الانتماء الجغرافي، هذا إن لم تخل أية أسرة من حامل أو حاملة لذلك الاسم الشائع.
في «حراك» سابق، أكدت على بدهية استنتاج عقلنا عندما نواجه أسماء: مدحت أو صبري أو حسني؛ لأن بوصلته ستتجه مباشرة إلى مصر لشيوع تلك الأسماء هناك، وكذا الحال لدينا في أسماء أخرى، مثل: عطية وغرم الله التي تنشط في إطار جغرافي وقبلي محدد، ومن المستحيل شيوعها في مناطق أخرى تكثر فيها أسماء باقر وكاظم، أو محماس ومناحي، كدليل على أن الحداثة رغم اقتحامها تتوقف دائما عند الضبط الاجتماعي المرتبط بالعادات والتقاليد المتوارثة، التي تعزز من قيمة الانتماء للأرض والثقافة والقبيلة.
الظرف الزماني يطل أحيانا كعنصر فاعل في وقع التسميات، ويكسر القيد الاجتماعي نتيجة الاحتفاء بأبطال ذلك الظرف، ولعل آخر الأصداء تحمل إلينا أسماء مهند ولميس، واقتحامها لمؤشر المواليد تخليدا لذكرى عاطفة جاشت أمام التلفزيون، الأمر الذي دفع بأحد الأصدقاء إلى إعادة التفكير مليا مع قليل من الندم لتسرعه في تسمية ابنته على اسم والدته، وحجته: اسمها لا يتناسب مع وقع الجيل الجديد ذي الأسماء الموسيقية القصيرة سلسة المخارج، وكل ما يشغل ذهنه: هل سيكون اسمها ــ مستقبلا ــ معكرا لتناغمها مع أقرانها، حين تسأل: وش اسمك يا شاطرة؟.
الأجيال الجديدة تقف أمام ثقافة الأسماء في موضع شد وجذب، بين زخم الأسماء الجديدة عابرة الفضائيات، وبين أصول عرفية متوارثة تنص في غالب الأحيان على تسمية الحفيد على اسم الجد، والمولودة البكر على اسم الجدة، كنوع من استمرار الصلة الاجتماعية وتحفيز البر، وإن فلتنا من هذا الإطار، فلا يمكن تجاوز الإطار الجغرافي وحدوده الاجتماعية تحت وطأة التفكير: بماذا سأكنى طيلة عمري؟.
على النقيض تماما.. تأملوا في فنون تسمياتنا للتقنية الحديثة، فالهواتف النقالة سلبت أسماؤها المصنعية واستبدلت إلى وقت قريب بالباندا والرهيب والفيصلية.. والسيارات بالشبح والبانوراما والحوت، إنها باختصار: ثقافة شفهية تستحسن السهل الدارج دون «وجع» الرأس بالعودة إلى الأصل!.
yalamro@hotmail.com
!!Article.extended.picture_caption!!
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة