«الابتزاز» مصطلح لم يعد خافيا على أحد فقد بات الجميع يعرفه نساء ورجالا كبارا وصغارا من فرط الأخبار التي تنشر عنه في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية وما نسمع عنه في الإذاعات وشاشات التلفزة أو ما يتناقله المجتمع من أخبار محزنة لا تمثل المجتمع السعودي المسلم. فلا يكاد يمر يوم وإلا نرى أو نسمع أو نشاهد قصة لابتزار شاب لفتاة والوسيلة هي كاميرا جوال أو بلوتوث أو تسجيل صوتي أو صور منكرة. ورغم اختلاف المختصين حول توصيف الابتزار بين كونه مشكلة أم ظاهرة إلا أن لغة الأرقام تدلل دلالة عملية على أن المشكلة قد كبرت وتحولت لظاهرة يستحق الوقوف عندها وهو ما تؤكده بعض إحصائيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الجهة المخولة بمتابعة قضايا الابتزاز بأن عدد حالات الابتزاز عام 1430 تقدر بـ373 ما يفوق عدد حالات الابتزاز خلال ثماني سنوات بما يقارب الضعف، حيث إنها من عام 1421-1428هــ تقدر بـ 204 حالات منها 116 حالة في الرياض.
ولايتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن هناك مدنا بعينها تشهد ارتفاعا ملحوظا في نسب الابتزاز فمنها على سبيل المثال ما رصدته الهيئة في منطقة القصيم خلال الفترة من 1426 - 1428هـ وصل لـ286 حالة شملت النساء والأحداث، كما تم ضبط 65 حالة في مكة المكرمة من شبان لفتيات بصورهن خلال عام 1429هـ، 12وحالة في ينبع، 30 حالة في بريدة، وبلغ عدد القضايا الأخلاقية التي تم ضبطها من قبل فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة تبوك لعام 1428هـ (2290) قضية منها (97) قضية ابتزاز، وفي إحصائية أخرى تؤكد مدى استفحال ظاهرة الابتزاز شهدت المنطقة الشرقية، خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2010م (30) قضية ابتزاز لفتيات على أيدي شبان، حيث تمكنت الأجهزة الأمنية بالتعاون مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من معالجة (22 ) منها. وأفاد تقرير سابق لوزارة الداخلية بأن عدد قضايا التحرش والابتزاز قد ارتفع من(1031) عام 1426هـ إلى ( 3253) قضية عام 1427هـ مما يعني أن المسألة باتت تشكل خطرا على الأسرة والمجتمع، هذا إذا وضعنا في الحسبان أن بعض القضايا لا يتم التبليغ عنها بدافع الخوف والرهبة من الفضيحة.
قد وصفت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ابتزاز النساء بالجريمة وأدرجتها ضمن القضايا الأخلاقية والتي عرفتها بأنها الاعتداء على الأعراض قولا وفعلا مثل الدعارة والقوادة، الزنا، الخلوة المحرمة، الاغتصاب، الاختطاف، اللواط، الشذوذ الجنسي،المعاكسات، التحرش الجنسي، ابتزاز النساء. ويعرف المختصون الابتزاز بأنه «أسلوب من أساليب الضغط الذي يمارسه المبتز على الضحية مستخدما أسلوب التشهير بها على أوسع نطاق أو إبلاغ ذوي المرأة زوجا كان أو أبا أو أخا حتى يجعل الضحية تقع تحت وطأة ضغوط المبتز ليجبرها على مجاراته وتحقيق رغباته الجسدية أو المادية وله قسمان عاطفي وجنسي». ومن المعلوم عرفا أن جرائم الابتزاز تكون من الرجل ضد المرأة فمن النادر أن نجد جريمة ابتزاز معاكسة إلا أن أسباب ابتزاز الرجل للمرأة تساهم فيها المرأة بشكل كبير من خلال تساهلها في إقامة العلاقات ومنح الطرف الآخر فرصة لابتزازها بمنحه صورها أو السماح له بلقائها مما يسهل عملية التصوير والتسجيل وهو ما أكده علانية وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور يوسف العثيمين في ندوة الابتزاز في جامعة الملك سعود في الرياض الشهر قبل الماضي عندما أرجع سبب 88 % من قضايا الابتزاز للفتيات مطالبا بالضرب بيد من حديد، وبين العثيمين «إن المبتز يتعرض لعقوبة تصل إلى 500 ألف ريال وبالسجن لمدة لا تزيد على سنة أو بإحدى هاتين العقوبتين»، مشيرا إلى أن المتعرضين للابتزاز في حاجة لمن ينتصر لهم.
ورفض العثيمين توصيف الابتزاز بالظاهرة، مشددا على أنه مشكلة لم تصل إلى حد الظاهرة، معترفا في الوقت بأنه «ليس لدى الوزارة إحصاءات معينة ولسنا في مجتمع ملائكي»، وحذر العثيمين من الابتزاز الإلكتروني وخصوصا الفتيات، مشيرا إلى أن أطراف الابتزاز: أطفال، فتيات وشبان، مؤكدا على ضرورة إطلاق حملة وطنية للتثقيف بخطورة الابتزاز، مبديا استعداد الوزارة لدعمها ماديا ومعنويا. «عكاظ» تساوقا مع الجهود المبذولة للحد من جرائم ابتزاز الرجال للنساء والعكس فتحت ملف القضية متسائلة عن أسباب تفاقمها في مجتمع مسلم محافظ كمجتمعنا السعودي وأثرها على الفتيات والشباب والأسرة والمجتمع والحلول لمواجهتها؟!
وتساءلنا عن السبب الحقيقي في معاقبة الشاب وترك الفتاة في هذه القضايا رغم أن الفتاة قد تكون شريكة في حدوث هذه الجرائم؟! كما طرحنا أسئلة عديدة حول مدى كفاية العقوبات الموقعة بالمبتز وهل هي كافية ورادعة؟! ودور الجهات ذات العلاقة من شرعيين وقضاة وقانويين ومراكز دراسات اجتماعية وباحثين ودور الهيئة والشؤون الاجتماعية وهيئة الرقابة والتحقيق ووسائل الإعلام والأسر في الحد من الظاهرة في سياق التحقيق التالي:
براثن الرذيلة
بداية يؤكد رئيس لجنة التكافل الأسري في إمارة المنطقة الشرقية الدكتور غازي الشمري أن حالات الابتزاز لم تعد قليلة وشاذة بل تحولت لمشكلة كبيرة، معضدا ذلك بقوله «ما تصلني من حالات شبه يومية يشيب لها الرأس من مشاكل لفتيات وقعن في براثن الرذيلة مع الشباب، وربما كانت الحالات موجودة سابقا؛ ولكن الفرق أن الإعلام اليوم هو من أظهرها، ولهذا فالإعلام يتحمل المسؤولية الكبرى في هذه المشكلة بما يبثه من مواد إباحية، ومن ضمنها المسلسلات المدبلجة، والأفلام الساقطة التي تساعد على تأجيج المشاعر بصور سلبية تثير الغرائز، وتفسد القيم والأخلاق الحميدة».
ودعا الشمري إلى عمل دراسات بحثية لقياس مدى هذه المشاكل، ووضع الحلول الملائمة لها، مطالبا بإنشاء أندية أسرية للحوار للتقريب بين الآباء والأبناء، وعمل دورات للفتيات المقبلات على الزواج لمعرفة كيفية التعامل مع الزوج والأبناء فيما بعد، لضمان بناء أسر سليمة ناجحة، وشدد على ضرورة عمل توعية وقائية للشباب بخطورة ما يقوم بعضهم بفعله من اعتداء على المحارم، وما يجره ذلك من ويل وثبور على الأسر والمجتمع.
ظاهرة خطيرة
وصادق مدير مركز التنمية الأسرية الدكتور خالد الحليبي على رأي الشمري بأن الابتزاز قد تحول لظاهرة، مضيفا «لن أتحدث بلغة العمل، بل بلغة الواقع، فقد اتصلت بي مجموعة من الفتيات اللاتي لعبن بالنار، فكان المآل هو وقوعهن في حمأة الخطيئة، فكثيرات يقعن في براثن أمراض نفسية خطيرة منها الاكتئاب، واضطراب الشخصية، والخوف المرضي الدائم، وبغض الحياة، حتى أصبحن يبحثن عن الموت فلا يجدنه، وهنا يتتابع الفشل الدراسي، والفشل الاجتماعي، والفشل النفسي».
وأرجع الحليبي سبب انحراف الفتيات ووقوعهن ضحية للابتزاز نتيجة للضغوط النفسية المنزلية ثم تجد العقوبة الشديدة التي قد تصل إلى القتل من البيئة التي تسببت في انحرافها، مشيرا إلى أن الفتاة قد ترى في الوقت نفسه من انحرف بها أول مرة وقد يكون من المنزل أيضا يعيش منعما ومحترما ومقدرا، وهي لا تستطيع أن تنبس ببنت شفة، بل تلعق القهر والمهانة كل يوم.
وأضاف الدكتور خالد «المعلوم أن العوائد النفسية على الفتاة بعد زلتها خطيرة جدا، تصل إلى درجة لصوق النظرة السوداوية في عينيها، حتى لا ترى ما يستحق العيش من أجله، وتفقد ثقتها في الرجال، حتى لا تجد رجلا يستحق أن تقترن به، بل تعتقد بأن الحياة كلها ذئاب مفترسون، ومجرد الاختلاء لمرة واحدة يكفي أن يجعلها تدخل في دوامة من القلق الحاد على مستقبلها المهدد بالفضيحة عند الزواج، فتبدأ برفض الزواج وعندها سيتساءل الناس والأهل لماذا؟ فإذا بها تتلقى مزيدا من النظرات الاتهامية المترددة المضطربة».
صديقات السوء
ولفت الحليبي إلى أن بعض هؤلاء البنات كن ضحايا لصديقات فاسدات أخذن بأيديهن الفتنة والرذيلة، فإذا وقعن أفقن، فإذا الواحدة منهن قد فقدت ما لا يمكن تعويضه، فتنهار، وتتراجع صحتها النفسية، وتتبعها صحتها العضوية، وتتبدل الحياة في وجهها، وكان يمكن أن تتوقى هذا كله قبل أن تقع.
مطالبا مراكز البحث بأهمية وضع الدراسات لقياس حجم الظاهرة للحد منها.
واعترفت مديرة مركز آسيا للاستشارات النفسية والاجتماعية والأسرية والتدريب الدكتورة أسماء بنت راشد الرويشد بعدم وجود دراسة أو بحث وافٍ يعالج مشكلة الابتزاز في مجتمعنا المحلي مرجعة سبب ذلك لأنها من المستجدات الطارئة، مضيفة «هي نتيجة لمشكلة أكبر في حجمها وأخطر في انتشارها، ألا وهي العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة في خارج إطار الزوجية»، مؤكدة على أن الابتزاز غالبا لا يتولد إلا من علاقة محرمة بين طرفين، تمثل مكمن المشكلة ووعاؤها والتي تسوغ باسم: صداقة، أو زمالة عمل، أو علاقة بريئة، أو دردشة، أو رغبة باستماع شخص آخر ونحوها، حتى يتطور الأمر إلى نتائج خطيرة منها الابتزاز.
وأشارت الرويشد إلى أن مركزها كان من أوائل المراكز الأسرية التي قامت بإطلاق مبادرة بعنوان (مشروع الحماية من الابتزاز) في شهر محرم عام 1430هـ بناء على الحاجة إلى وجود آلية لمواجهة هذه المشكلة، والتي لمستها من خلال تزايد عدد حالات الابتزاز الواردة إلى المؤسسة سواء عن طريق الهاتف أو الحضور الشخصي، وكذلك مايحول من حالات من قبل مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إضافة للصدى الذي لقيته حلقتي «تجار الفضيحة» على قناة الرياضية برنامج (99) والذي تناول موضوع الابتزاز، وتم إعدادهما من قبل قسم البرامج الإعلامية في مركز آسية للاستشارات والتدريب.
مشروع الحماية
وأوضحت أن المشروع تم وفق أربع خطوات أولها التوعية عبر برامج متنوعة ووسائل إعلامية مختلفة، والثانية الحماية: وفيها يتم تزويد المبتزة بإرشادات لحماية نفسها، وتوجيهها إلى الجهات الرسمية لحمايتها من المبتز، والثالثة التأهيل: ويتم فيها تأهيل المبتزة نفسيا واجتماعيا ودينيا من قبل المختصات، بما يساعدها على تجاوز محنتها والاندماج في حياتها الطبيعية، والرابعة لبحث العلمي ويهدف إلى رصد هذه المشكلة وإعداد دراسات حولها للإسهام في الحد منها وعلاجها.
وهنا تكشف المسؤولة عن مشروع الحماية من الابتزاز في مركز آسيا غادة السعدون أن المشروع سجل أكثر من عشرين ألف فتاة تعرضن للابتزاز وذلك خلال ستة أشهر منذ انطلاقة المشروع بواقع 100 اتصال يوميا، مبينة أن أكثر أنواع الابتزاز هو الابتزاز الجنسي بنسبة 45 % ثم المادي والنفسي، وإن ضحية الابتزاز تقع فيه بدون تخطيط للعلاقة، كما أن بعض الضحايا يجدون أنفسهم في مواقع عامة أو خاصة لناس مجهولين قد تدار من قبل أناس عاطلين أو مجهولين أو صائدين.
وبالعودة للدكتور أسماء الرويشد فقد لفتت إلى أنهم استخلصوا اثني عشر سببا مباشرا هي البعد عن الله وضعف الوازع الديني، الاستخدام السلبي لوسائل التقنية والاتصال الخادمات، الصديقات وجارات السوء ودورهن في حفلات السهر وهروب الفتيات، ابتعاث الفتيات للخارج وانغماسهن في الحياة الإباحية في تلك دول، الاختلاط في الأماكن العامة وعند مراجعة الدوائر الحكومية والخيرية، الاضطراب النفسي، التغير الاجتماعي نتيجة المستجدات في المجتمع السعودي، ظهور السلوك الاستهلاكي المتمثل في وسائل التقنية غير الضرورية، ضعف الرقابة الأسرية والمتابعة للأبناء، ضعف علاقات الود والعاطفة بين أفراد الأسرة وغياب لغة الحوار والتفاهم، الفراغ وغياب الأهداف لدى الشباب، وندرة وجود المشاريع التنموية والترفيهية المعدة لاستثمار الطاقات الشابة، وملء أوقات فراغهم، وطالبت الرويشد بأهمية تشديد العقوبات على المبتزين قانونيا وقضائيا.
عقوبات ضعيفة
وهنا يؤكد القاضي السابق والمحامي والباحث في الشؤون القانونية والفقهية الدكتور يوسف الجبر أن العقوبات بحق المبتزين ما زالت ضعيفة قياسا بفداحة الجرم، مطالبا بسن عقوبات قانونية رادعة؛ لأن الابتزاز يعتبر جريمة مركبة؛ فيها جرم هتك العرض والابتزاز والتهديد والعنف والاستغلال، مشددا على ضرورة أن تكون العقوبات ملائمة لهذه الجريمة الكبيرة والتي لها الآثار النفسية والاجتماعية غير المحدودة، ولاحظ الجبر وجود انعكاسات لهذه الجرائم تؤدي إلى تفريق شمل أسر، وإيقاد الفتنة في المجتمع الآمن.
وأكد الجبر على أن وضع أحكام قضائية تعزيرية صارمة في حق هؤلاء المبتزين والمعتدين على أعراض الفتيات مع التشهير بهم يعتبر جزءا من الحل في سبيل وقف هذا السير الهادر من القضايا الأخلاقية من زاوية أن القانون له آثاره في الحد من الجرائم والتي تتوقف فاعليتها في التطبيق الصارم والفوري على الجميع دون استثناء.
مضيفا «لقد وضعت هيئة الخبراء في مجلس الوزراء رؤية تنظيمية للهيئة العلمية التي ستقوم بوضع القانون العام للنظام القضائي المحلي وذلك في ثلاثة مواضيع أحدها القانون الجنائي العام والذي يشمل قانون العقوبات، ونتمنى أن تضاعف في هذه القوانين عقوبات التشهير والابتزاز والتغرير» ، ودعا الجبر في نفس الوقت من عمل حملة تشارك فيها وسائل الإعلام لتوعية الشاب والفتيات بآثار الجرائم الأخلاقية بشكل عام والتي تعتبر هذه الأفعال جزءا منها، مرجعا صعوبة معاقبة الفتاة صيانة لها من الفضيحة قياسا بمعاقبة الفتاة.
معاقبة الرجل
واتفق القاضي في المحكمة الجزائية في الرياض الدكتور عيسى الغيث مع ما ذهب له الجبر عندما رأى صعوبة تطبيق العقوبة على النساء واقتصارها على الرجل مبينا ذلك بقوله «القبض على الرجل وترك المرأة شيء طبيعي من الناحيتين الشرعية والقانونية، لأن المرأة هي التائبة والمشتكية، ولو جاء رجل وتقدم بشكوى ضد امرأة تبتزه بصور له عندها لقبض عليها وترك الرجل كذلك، كما أن المرأة كالزجاج يجب مراعاتها لسمعتها، خصوصا في مثل مجتمعنا المحافظ»، مبينا أن معاقبة المرأة سوف تتسبب في ظلمها واستمرار الابتزاز عليها وعلى غيرها ممن يخفن من المحاكمة والفضيحة، مؤكدا على أنه «ليس من الحكمة أبدا إدخال التائبة في المحاكمة، لأنه من الظلم وإشاعة الفاحشة، وإن كانت المرأة (السبب) في الابتزاز لكونها مصدر السلاح المستخدم في الجريمة وهي الصور والفيديو»، مشيرا إلى أن الرجل أخطر منها لكونه (المباشر) للجريمة والمستخدم للسلاح.
وصادق الغيث على كلام وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور يوسف العثيمين بأن 88 % من قضايا الابتزاز خلفها الفتيات، معللا تأييده بالقول «لولا تجاوب المرأة بتسليم الرجل الصور والفيديو ونحوهما لما استطاع الرجل أن يجد ما يمكنه الابتزاز به، فهي التي استجابت لبداية التواصل بينهم والاتصالات والعلاقات، فالرجل لا يبتزها بأن يهددها بشيء لم تقم هي بنفسها بتسليمه إياه»، مضيفا «لا أبالغ إذا قلت بأن النسبة قد تزيد على 88 %، لأنه لم يمر علي في المحاكم قضية ابتزاز إلا والمرأة هي التي أعطته المواد التي ابتزها بها، فهو مجرم بكونه (باشر) ابتزاز المرأة بهذه المواد، ولكنها هي (المتسببة) في ذلك لكونها أعطته السلاح الذي يبتز به، سواء بمكالمات معها قام بتسجيلها، أو بصور قامت هي بتسليمه إياها، أو بمقاطع فيديو قامت هي بتصويرها وتسليمه إياها».
لكن القاضي الغيث يختلف مع ماجاء به المستشار القانوني الدكتور يوسف الجبر بأن العقوبات المطبقة بحق المبتزين غير كافية ورادعة وبحاجة لإعادة النظر فيها حيث قال «العقوبات المطبقة بحقهم كافية ورادعة، ولم يمر علي أحد سبق عليه الحكم وعاد إلى الابتزاز من جديد، وهذا دليل على أن الأحكام قوية، ولكن المشكلة في خوف النساء من تبليغ الهيئة إما خشية من الرجل المبلغ عنه أو خوفا من أهلها، ولكنها بهذا تزيد في غرقها بالوحل».
تقدير القاضي
وبين الغيث أن العقوبة تعزيرية وحسب تقدير القاضي لها، حيث تختلف قضية الابتزاز المالي عن الابتزاز في العرض، ويختلف الابتزاز لمرة واحدة عن الابتزاز المتكرر، ويختلف الابتزاز لغير أصحاب السوابق عن أصحاب السوابق ولو كانوا في جرائم أخرى، موضحا أن قضايا الابتزاز تعد من صنف القضايا الكبرى التي يوقف على ذمتها ولا يطلق أبدا إلا بعد تمام تنفيذ المحكومية، وأشار الغيث إلى تجارب شخصية حدثت معه عندما مرت عليه مثل هذه القضية عدة مرات، وفي إحدى القضايا التي ابتز فيها المرأة بالمال حكمت عليه بالسجن خمس سنوات إضافة إلى الجلد، مؤكدا على أن الأحكام مشددة لدى جميع القضاة.
ورفض الغيث المطالبات بسن قانون خاص بقضايا الابتزاز، مؤكدا على أن هذه الجرائم مشمولة بقضايا التعازير العامة، ويرى الغيث أن الابتزاز لم يصل لدرجة الظاهرة متفقا مع رأي العثيمين.
وأوفاد الدكتور عيسى أن الفتاة التي تقع في قضية ابتزاز عليها أن تتوب وتبلغ الهيئة، ثم هم بطريقتهم يقومون بوضع الكمين للقبض عليه، ومن ثم تسليمه رفق الأدلة لمركز الشرطة بموجب تقرير القبض، ثم يحال إلى دائرة التحقيق في هيئة التحقيق والإدعاء العام ثم إلى دائرة الادعاء العام لتقديم لائحة الدعوى العامة ضده لدى المحكمة المختصة، ثم يحاكم، وبعد اكتساب الحكم للقطعية يتم إحالة الملف إلى الحاكم الإداري (الإمارة) لإحالته إلى إدارة السجون لتنفيذ الحكم.
نسبة العنوسة
وأرجع الغيث كثرة قضايا الابتزاز لأسباب عديدة أهمها كثرة العنوسة والعزوبية مع وجود المثيرات العاطفية وتوفر وسائل الاتصالات عبر الجوالات والبلاكبيري ومواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وعموم التقنية الحديثة، مع الرغبة في الفضول والتجرية والتقليد، مع ضعف الوازع الديني والتربية غير الكافية مع تساهل الأهل تجاه ابنتهم.
كلام الغيث حول الأسباب صادقت عليه دراسة قدمتها مركز آسيا للاستشارات والتدريب، بينت فيه أن العطالة والوظيفة المتدنية يشكلان 63.3 % من خصائص من وقعوا في قضايا الابتزاز، فيما يتربع الفراغ وضعف العلاقات الأسرية على قمة الأسباب المؤدية للابتزاز بواقع 47 %.
وهي نفس النتائج التي توصلت إليها دراسة علمية ميدانية أخرى أجريت في مدينة الرياض، وأشارت إلى أن العطالة تشكل العامل المشترك بنسبة 83.7 % ممن وقعوا ضحايا للابتزاز، ويأتي الواقع الجامعي الأعلى في محيط الحالة التعليمية بنسبة 43.9 %، وجاءت حالة أعزب الأبرز في إطار دراسة الحالة الاجتماعية بنسبة 60.9 %.
بدورها، بينت هيئة التحقيق والادعاء العام على لسان عضوها الدكتور يوسف المهوس أن «الهيئة» تحقق في ثلاث قضايا ابتزاز أسبوعيا، أي ما يعادل 120 قضية سنويا.
مبينا أن قضية الابتزاز تعتبر على نقطة تماس مع الضرورات الخمس التي أمرت الشريعة بالحفاظ عليها، ومن أظهرها ضرورة الحفاظ على المال والعرض، لافتا إلى أن «هيئة التحقيق» نظمت ورش عمل لتعريف المحققين بكيفية التعامل مع هذه القضايا وأدلتها.
وهنا يوضح رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام الشيخ محمد آل عبدالله، مهمة الجهاز في قضايا الابتزاز، مشيرا إلى أن الهيئة جهاز محايد يبحث عن براءة المتهم وإدانته، وقال «بإمكان المتعرض للابتزاز التوجه للهيئة وتقديم شكواه مباشرة، خصوصا أنها حريصة على السرية التامة للقضية، وتستعين بهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات لتتبع الاتصالات المتعرض لها المبتز».
دور التحقيق
وبين أن دور الهيئة في مكافحة الابتزاز يتمثل في المحاور التالية أولها: المشاركة في إعداد ودراسة مشاريع الأنظمة، أما المحور الثاني للهيئة فدوره إشرافي على جهات الضبط وإجراءاتها الضبطية، وأما المحور الثالث التحقيق في جريمة الابتزاز، وتحديد الأدلة ومدى كفايتها لإحالة المتهم للمحاكمة.
أما وزارة الداخلية فأوضحت وفق مصدر مسؤول أنها تتابع وتنسق في قضايا الابتزاز مع الجهات المعنية بعد أن وافق المقام السامي في وقت سابق على تشكيل لجنة حكومية برئاسة وزارة الداخلية لدراسة قضايا الابتزاز على الفتيات والفتيان، مبينا أن الداخلية تسعى للحد من هذه الجريمة بالتعاون مع كل الجهات المعنية، مطالبا جميع المؤسسات بالتفاعل بشكل أكبر في هذه القضية المهمة.
واختلف الوضع في وزارة الشؤون الاجتماعية، ففي الوقت الذي بين وزير الشؤون الاجتماعية أن 88 % من الفتيات وراء قضايا الابتزاز، كان للمديرة العامة للإشراف الاجتماعي النسائي في الوزارة في منطقة مكة المكرمة نورة آل الشيخ رأي مغاير فقد لاحظت من خلال عملها أن هذه النسبة غير دقيقة، مشيرة إلى أن ما تقصده هو الفتيات في منطقة مكة المكرمة وهن يمثلن جزئية صغيرة من الفتيات في دور الرعاية في المملكة وبناء على ذلك فلا يمكن القياس على ذلك الرأي.
الشؤون الاجتماعية
وأوضحت أن معظم من يتعرضن للابتزاز من صغار السن بسبب عدم وعيهن، مشيرة إلى أن نسب الفتيات اللاتي يقعن ضحية الابتزاز قد خف عن السابق، ولفتت آل الشيخ إلى أن بعض الفتيات يمتنعن عن الإخبار بما يتعرضن له من ابتزاز؛ بسبب خوفهن من الفضيحة وعدم شجاعتهن في الإبلاغ عن الجاني، ممتدحة دور الهيئة في التقليل من حجم قضايا الابتزاز التي تحدث في المجتمع من خلال عمليات الرصد والقبص والستر التي تقوم بها لذلك فإن الحالات التي تصلهم قليلة، مفيدة أن الفتاة لا تأتي إلى الدار بسبب تعرضها للابتزاز فقط وإنما تاتي بجنحة أخرى.
وأفادت مدير الإشراف الاجتماعي إلى أن دور وزارة الشؤون الاجتماعية في دور رعاية الفتيات أو في السجون هو إخضاعهن لجلسات إرشاد نفسي وديني واجتماعي من قبل مختصات لإعادة تأهيلهن.
ولاحظت آل الشيخ أن من أهم أسباب وقوع الفتيات في حبال الابتزاز ومن ثم الرذيلة هو البحث عن مصدر رزق، ولاحظت أن كثيرا من الفتيات اللواتي يأتين إليها في الدار من هذه النوعية التي تريد البحث عن مصدر عمل فتقع نتيجة خداع من البعض ويستدرجها ومن ثم يبتزها، لافتة إلى أن بعض الفتيات يقعن في الابتزاز نتيجة «الفزعة» لصديقتهن ماليا أو خلاف ذلك مما يؤدي لاستدراجهن ووقوعهن.
وحملت الإعلام مسؤولية كبيرة في توعية المجتمع مع المؤسسات التربوية والأكاديمية بكافة أشكالها، إضافة لدور مؤسسات المجتمع المدني التي يجب أن تكون لها مساهمة في هذا المجال.
ولاحظت آل الشيخ أن العقوبات التي تقع بحق المبتزين ضعيفة وبحاجة لإعادة نظر.
ودافعت «حقوق الإنسان» عن دورها على لسان نائب الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور صالح الحثلان، مؤكدا أنهم لا يتدخلون إلا إذا وصلت لهم حالات أو شكوى، مشيرا إلى أن الهيئة لم تتلق أي شكوى حول قضية ابتزار وأن الجهات المعنية تقوم بدورها في هذا المجال.
ودافعت وزارة التربية والتعليم عن دورها من خلال المتحدث الرسمي لوزارة التربية والتعليم محمد الدخيني، الذي بين أن الوزارة لها دور في الحد من تنامي قضايا الابتزاز، من خلال نقاط ثلاث: المناهج الدراسية التي تتضمن موضوعات عن خطورة إقامة العلاقات المحرمة والحفاظ على الأعراض والتحلي بالأخلاق الإسلامية.
وبين الدخيني أن دورالتوجيه والإرشاد يتمثل من خلال لجنة التوجيه والإرشاد في المدرسة، إضافة للدور الذي يقوم به المرشد الطلابي وقائيا وإنمائيا في توعية الطلاب من خطورة استخدام التقنية فيما لا ينفعهم.
ودلل رئيس قسم الثقافة الإسلامية في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله البراك، على حرص الجامعات والمؤسسات الأكاديمية على مناقشة قضايا المجتمع واستقطاب ذوي الرأي والعلاقة لتحديد الأسباب وتقديم الحلول من خلال ندوة الابتزاز التي عقدتها جامعة الملك سعود قبل شهرين، والتي خرجوا بها بتوصيات مهمة، وطالب البراك وسائل الإعلام بدور أكبر في التوعية.
وسائل الإعلام
وأمام الهجوم الكبير على دور وسائل الإعلام في الحد من تنامي قضايا الابتزاز في المجتمع، دافع مستشار وزارة الثقافة والإعلام المشرف على التلفزيون عبدالرحمن الهزاع عن دور وسائل الإعلام قائلا «رغم أهمية مسؤولية وسائل الإعلام في التصدي لهذه الظاهرة، إلا أنها لا يمكن أن تفعل شيئا لوحدها»، مشيرا إلى أن مؤشر الخطر يستدعي عملا جماعيا منظما. وشدد الهزاع على دور الإعلام في التوعية والتحذير من الانزلاق في مستنقع الابتزاز من خلال البرامج الحالية وإعداد رسائل توعوية قصيرة وعدم عرض أي مواد تلفزيونية تروج لمثل هذه الوسائل، كما تكمن الاستفادة من خلال البرامج التي يقدمها المشايخ أو كتاب الصحف.