بين غليان سوق الأسمنت، وارتفاع الشعير، والزيادات المستمرة في الإيجارات وأسعار المواد الغذائية، أثبتت التجربة بما لا يدع مجالا للشك أنه ليس أمام المستهلكين سوى الصبر واللجوء إلى الله ليخلصهم ممن يتلاعبون بالسوق من أجل رفع الأسعار وزيادة أرباحهم على حساب آخر نقطة من دمائهم. حتى أسابيع قليلة مضت كانت الأمور تسير كالمعتاد بل تتجه إلى الركود نتيجة ما يجرى من أحداث في المنطقة، ولكن ما إن صدرت الأوامر الملكية بصرف راتبين مكافأة للقطاع الحكومي وزيادة القرض العقاري إلى 500 ألف ريال حتى تبارى غالبية التجار بدون اتفاق مسبق لرفع الأسعار وشفط هذه الزيادة بدون مبرر سوى الجشع. والواقع أن الحكومة ومن واقع مسؤولياتها الاجتماعية والأمنية تجاه المواطنين مطالبة بحزم أكبر تجاه المتلاعبين في الأسواق؛ لأن ما يحدث أسوأ أنواع الاحتكار والتدليس وليس له علاقة على الإطلاق بحرية السوق وقانون العرض والطلب. لقد كشفت التجربة أن أقصى ما يمكن أن تفعله وزارة التجارة تجاه ما يجري في الأسواق هو مناشدة التجار الالتزام وعدم التلاعب بالأسعار، أما التحرك لتطبيق القوانين التي سنتها لتعزيز المنافسة ومنع الاحتكار فهو آخر ما تفكر فيه، وإن اتجهت نحو ذلك فهو على استحياء وذر للرماد في العيون فقط بعد أن تكون الأمور قد تدهورت، أما وكالة وزارة التجارة لشؤون المستهلك فقد صدعتنا بالتصريحات الورقية لمسؤوليها عن جولات منسوبيها على الأسواق لضبط الأسعار التي لم تعرف سوى الإنفلات. وبقيت جمعية حماية المستهلك، وبدلا من أن تحمي المستهلك، بحاجة لإنقاذها من الصراع على كرسي الرئيس وكأنه غنيمة وليس هما ثقيلا يستلزم بذل جهود جبارة للدفاع عن حقوق المستهلكين. لقد جربنا دعم السلع بمليارات الريالات فلم تنخفض الأسعار وذهبت غالبية أموال الدعم إلى جيوب القلة من التجار، وعندما فوجئنا بعدم جدوى ذلك اتجهنا نحث هؤلاء على الالتزام وعدم المبالغة في البحث عن الأرباح من منطلق وطني وديني، ولم نجد أي آذان صاغية، وأمام ذلك ليس أمامنا سوى الدعوة إلى تطبيق القانون على الجميع بشفافية حتى يرتدع المتلاعبون، وبدون ذلك لن تكون هناك نتائج ملموسة لجهود الدولة في إصلاح هيكل الأجور ورفع المستوى المعيشي للمواطن، فقد زادت الرواتب خلال السنوات الخمس الأخيرة 30 في المائة ولم نلمس انعكاسا واضحا لذلك؛ لأن غالبية الزيادة ذهبت بحمد لله لملاك العقارات وأصحاب المحال التجارية.