حين تدلف إلى منزل سلطان البركاني الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم، والذي يقع على تلة جبل في العاصمة صنعاء، تشعر بأنك تدخل على منزل للشعب، حيث يتواجد داخل المنزل بشكل دائم عدد كبير من المواطنين والشخصيات من مختلف التيارات اليمنية، يتدالون ويناقشون بكل شفافية تطورات الأوضاع الداخلية، والحلول اللازمة الخطيرة التي يشهدها اليمن.
ورغم تواضع الشيخ البركاني وبساطته، إلا أنه يعتبر أحد أركان صناعة القرار في اليمن، فهو يشغل منصب الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، ورئيس الكتلة البرلمانية في البرلمان.
ورغم كثرة الزائرين لمجلسه في المقيل بمنزله المطل على العاصمة صنعاء، إلا أنه يعطي لكل شخص وقته في الحديث معه والاستماع منه بعناية، ولا يتجاهل أحدا على الإطلاق. كما أنه يستقبل الكثير من الدلوماسيين الأجانب الذين يزورونه للحوار معه ومناقشته حول حاضر ومستقبل اليمن. بدأ سلطان البركاني تعليمه في مدينة زبيد في محافظة الحديدة ثم جبلة بمحافظة إب والتربة بمحافظة تعز. وتحمل البركاني مسؤولية مدير مديرية المواسط في 1985م، ثم أصبح عضوا لمجلس الشورى قبل الوحدة، وفاز في الانتخابات لدورات أربع منذ عام 1992م.
ولم يقتصر عمل البركاني على الداخل اليمني، فهو يملك علاقات كبيرة مع شخصيات في دول خليجية وعربية وغربية وترأس الوفود البرلمانية والدبلوماسية في عدد من المؤتمرات العربية والإقليمية. وفي لقائنا مع البركاني الذي استغرق أكثر من ساعة تحدث بكل صراحة عن الأوضاع الداخلية والسبل الكفيلة لخروج اليمن من دائرة العنف كما تحدث بإسهاب عن المبادرة الخليجية. وإلى نص الحوار:
• يشهد اليمن حراكا سياسيا واجتماعيا فريدا من نوعه، ربما لا يتكرر، ولا شك أن هذا الحراك ناتج عن تفاعلات أطراف مختلفة استحضرت مشروعا متنوع التوجهات، أين يقف حزب المؤتمر الحاكم من هذا الحراك؟
- في الحقيقة أن ما يدور في اليمن كنا نعده في الماضي في إطار العمل السياسي المنظم، وبدأ الجدل يدور بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية عام 2006م، حيث شهد اليمن توقيع أكثر من اتفاق. وما يحدث اليوم ليس بنفس سياق الماضي، ولكنه وليد لما حدث في تونس ومصر، وربما محاكاة لها. نحن توصلنا إلى اتفاقيات لبناء يمن متطور، آمن مستقر، والانتقال إلى النظام البرلماني بحيث نحافظ على التعدد السياسي والتنوع، بيد أن ما يحصل الآن من اعتصامات وفوضى وعنف ينطلق في ظل التقليد لما يحدث في بعض الدول الأخرى.
والأخوة في اللقاء المشترك والمعارضة يعتقدون أنهم سيستطيعون الوصول إلى السلطة عبر الفوضى وعملية التظاهرات والمسيرات، والاعتصامات بعد ظهور التجربة التونسية والمصرية. وكان آخر المبادرات التي أعلنها فخامة الرئيس في المؤتمر الوطني العام في 10مارس والتي تحدث فيها عن قيام حكم محلي كامل الصلاحيات، وتوزيعه على الأقاليم، ونقل صلاحية رئيس الجمهورية إلى الحكومة البرلمانية في نهاية هذا العام 2011م. وكان العمل يسير في السياق الطبيعي طالما اخترنا النهج الديمقراطي والتعددية السياسية، والعملية الشعبية وعدم القفز على الواقع.
ثم برزت مستجدات جديدة على الساحة عبر إعلان علي محسن التمرد داخل القوات المسلحة وسماها «حماية للثوار» لكن البيان الأول كان صريحا، بمعنى أن ننتقل من النظام الديمقراطي إلى نظام الانقلابات، رغم أنه صححها أكثر من مرة حيث قال إنه لم يقصد ذلك، لكن البيان الأول هو الأساس والذي أعلن من خلاله أن قواته أينما تواجدت ستحمي المتظاهرين والمسيرات والاعتصامات.
ونحن اعتبرنا أن ما حصل تمردا عسكريا لا يمكن القبول به، لأن هذا سيعيدنا إلى قصة المحاصصة كما حصل ويحصل في لبنان، ولأن التجارب السياسية الماضية، علمتنا قبل الوحدة، أن النظام الماركسي انتقل إلى نظام قبلي في الاقتتال وسمي «بالقبائل الماركسية» في حينه.
لن نسمح بإسقاط النظام
وأعتقد إذا جازفنا كما هو الحال اليوم، بإسقاط كلما هو قائم من أطر سياسية وتنظيمية، بادعاء أننا سنهدم المعبد ثم نعيد بناءه، فإن الوضع سيتردى في اليمن، وأنتم ترون الحوثيين في صعدة، والقاعدة تنتشر في أكثر من محافظة في شبوة في مأرب، و في أبين، والحراك متربص في الجنوب، ثم إن القبائل في المناطق الشمالية سيتقاتلون شبرا شبرا.
شكر ا للخليجيين
• إذن كيف ترون اليمن في ظل هذه الخارطة الدموية الموغلة في الفوضى؟
- في الواقع الشكر موصول لإخواننا في مجلس التعاون الخليجي، من خلال إعلان مبادرة خليجية من خمسة مبادئ، هذه المبادرة التي مثلت صدق وحرص الخليجيين على اليمن. ونحن نرى أن هذه المبادئ الخمسة يفترض أن تترجم على أرض الواقع. اليوم نحن نواجه اعتصامات ولدينا تمرد عسكري وقطع طرقات، واستيلاء على مجمعات حكومية، وحراك وقاعدة، وإذا وجهنا السهام إلى رئيس الدولة بأن يغادر، والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا بعد مغادرة رئيس الدولة؟. القضية تتعلق بوحدة واستقرار وسلامة اليمن، لذلك نحن نرى أن الأقدر على لعب دور إيجابي تجاه اليمن هي الشقيقة المملكة ،لأنها الأكثر تأثيرا وأكثر احتراما في اليمن. لأننا لا نريد أن نسطح الأمور ونوجزها في مغادرة الرئيس، بمعنى «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب».
نحن أمام مشكلة كبيرة، هل يغادر الرئيس ويسلم السلطة لنائب الرئيس؟ ماذا بعد؟ وما هو مستقبل الانقلاب العسكري؟.
نحترم الدور السعودي
• ما هو المطلوب تحديدا؟
- نحن نرى أن على المملكة أن تقف على مشكلة اليمن وأن تشخصها جيدا، وتعمل على حلها وجمع كل الأطراف على طاولة واحدة خاصة أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحظى بالاحترام والتقدير الكبير في اليمن وله مكانته المرموقة وهو في الحقيقة رجل صادق وأمين. وأعتقد أنه يستطيع مع إخوانه قادة مجلس التعاون لعب دور جماعي، ولكن الدور الأساسي هو للمملكة العربية السعودية.
• كيف يمكن للمملكة مساعدة اليمن وانتشاله من الأزمة؟
- عندما يقف إخواننا في المملكة أمام هذه المشكلة ويجمعون جميع أطرافها على طاولة واحدة لمناقشة المبادئ التي أعلنتها المبادرة ونناقش القضايا أولا بأول ونشخصها ونضع الحلول المناسبة لها ونجعل الجميع يجمعون على وثيقة واحدة.
• هل المبادرة الخليجية لم تعد مقبولة؟
- هي مقبولة وبمبادئها الخمسة، ولكنها تحتاج إلى توضيح وإضافة آلية للتنفيذ.
• إذن فلماذا لم يتم التوقيع عليها؟
- دعني أوضح أنني كنت من ضمن الحاضرين خلال اجتماع الأخ الرئيس مع أمين عام مجلس التعاون الخليجي الزياني، كما أنني كنت ضمن وفد الرئاسة في اجتماعات أبوظبي. المبادرة الخليجية تتطلب أن توقع جميع الأحزاب على الاتفاق، ورئيس الدولة إما أن يعين أحدا من الحزب أو يوقع كرئيس.
• هل توقيعه كرئيس للحزب يلزمه بالتخلي عن رئاسة الجمهورية؟
- الرئيس على عبدالله صالح هو رئيس، للحزب ورئيس للجمهورية، أنت لا تستيطع أن تقول أن يوقع كرئيس للجمهورية فقط، ولكن ستقول علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام.
• ماهو موقف أحزاب المعارضة؟
- هم طلبوا أن يوقع بصفته رئيسا للجمهورية، وأن يوقع بالمقابل محمد باسندوة، رئيس الجنة التحضيرية. ونحن نعتبر أن هذه اللجنة ليس لها إطار قانوني، وليست حزبا معترفا به، ولا منظمة معترفا بها. ونحن نمثل الحزب الحاكم ونرى أنه لا بد أن تبقى مكانة الحزب محفوظة.
• ألا ترون أن بقاء الرئيس في الحزب سيساهم في توتير الأجواء؟
- في الواقع أننا لم نسمع أي اعتراض على هذه النقطة، وليس هناك موقف ضد الحزب وممارسته للعمل السياسي.
• إذن لماذا تصرون على الضمانات؟
- أريد أن أكون واضحا معكم، فيما يخص الضمانات فإن التجارب في مصر وتونس أخافتنا وأقلقتنا، لأن الحزب الحاكم الرئيسي في تونس وفي مصر تم حله بالكامل، وليس من الحكمة فتح ملفات الثارات القديمة. لكن أهم ضمانة بالنسبة لنا أن يبقى العمل السياسي للحزب قائما كحق مشروع، لكن إذا كانت الثورة ستقوم بالاجتثاث، فإن الساحة اليمنية ستتحول إلى بؤرة اقتتال ونحن لا نريد اجتثاث السلطة، أو غيرها من الأحزاب، نريد يمنا تعدديا ديمقراطيا.
إزالة التوتر والاعتصامات
• ما هي أوجه الاختلاف بينكم وبين اللقاء المشترك حيال المبادرة؟
- نحن نرى ضرورة إزالة التوتر السياسي والأمني، فالمظاهرات والاعتصامات هي توتر سياسي وقطع الطرقات والاستيلاء على المنشآت الحكومية والتمرد العسكري هي توتر أمني، ويجب أن تعالج هذه القضايا خلال شهر قبل أن يغادر الرئيس السلطة.
• هل الطرف الآخر معارض لهذا الطرح؟
- معارض جدا. نحن لا نريد فتح الملفات، وفي موضوع الضمانات نحن لا نتحدث عن علي عبدالله صالح وأسرته فقط بل نتحدث عن الجميع.
لا للتعطيل
• لماذا يتم تعطيل المبادرة من أجل جزئيات صغيرة؟
- اسمح لي، هذه ليس جزئيات صغيرة. إذا تخلى علي عبدالله صالح عن حزبه، معنى أنه غدا سيقال لحزب المؤتمر الحاكم كما قيل للحزب الوطني في مصر وحزب التجمع الدستوري في تونس. نحن نتمنى من أشقائنا في الخليج أن تكون هناك آلية واضحة للتنفيذ. المبادرة الخليجية مقبولة بنسبة 99 في المائة، وإذا كنا على واحد في المائة فيمكن لأي طرف أن يتقدم خطوة أويتأخر خطوة لمصلحة اليمن.
• هل تعتقدون أن الرئيس ممكن أن يبادر ويتجاوز عن نقاط معينة؟
- كما ذكرت لكم أن موضوع إنهاء التمرد والاعتصامات مهم لنا. ولا نتمنى أن تفشل الاتفاقية.
المبادرة رزمة كاملة
• إذن ما هي المرونة التي تنتظرونها من الأطراف الأخرى؟
- المبادرة الخليجية متكاملة ولا يمكن تجزئتها، وعلى الوسطاء أن يكونوا حرصين على التعامل معها كرزمة متكاملة وعدم إعطاء الفرصة بالعودة للخلف خطوة واحدة.
• هذا يعني أنه لا بد من إنهاء الاعتصام وأن يرحل المعتصمون من الشارع؟
- إنهاء الاعتصام ورحيلهم من الشارع مطلب أساسي، لأن استمرار الاعتصامات لأكثر من ثلاثة أشهر فيه تعيطل لمصالح الشعب. المدارس مغلقة، والموارد النفطية مقطوعة.
• يعني أن التوتر سيبقى قائما؟
- سيبقى التوتر مادمت هناك اعتصامات وتمرد عسكري، والرئيس قال بالحرف الواحد «أنا موافق على المبادرة الخليجية ونقل السلطة». وكما قلت إن هناك قضايا تحتاج إلى تحديد برنامج زمني، والخليجيون هم أصحاب المبادرة وهم الأقدر على بلورة المبادرة.
• هل اتفقتم على إنهاء الاعتصامات مع المعارضة؟
- المعارضة قالوا إنهم حصلوا على ضمانات بعدم إنهاء الاعتصامات. ونحن نتساءل من أعطاهم هذه الضمانات، هم يعتقدون أن الدستور اليمني أعطاهم حق الاعتصام ونحن نقول إن الدستور أعطى علي عبدالله صالح الصلاحية أن يكون رئيسا حتى نهاية 2013م.
تشكيل لجنة للدستور
• كيف تتصورن الانتقال للمراحل المستقبلية، هل ستستمرون على نفس الدستور والنظام؟
- الاتفاقية حددت أنه فور انتخاب الرئيس يعمل على تشكيل لجنة للدستور أي بعد 60 يوم من تولي النائب حيث سيتم انتخاب الرئيس وفق النظام السابق.
وأعطيت مهلة سنة للرئيس المنتخب بأن يعد دستورا جديدا، ويستفتى عليه، ثم يتم عقد انتخابات برلمانية، ويغادر الرئيس السلطة عقبها، لأن النظام سيتغير في الأصل، وسيصبح النظام برلمانيا.
• ما هي الاختلافات والتحفظات على الدستور القديم؟
- المعارضة تحرص على الانتقال للنظام البرلماني لأن الدستور أعطى صلاحيات لرئيس الدولة وإذا نظرت للمستقبل، فإن الرئيس يجيد لعبة التوازن، لكن نفترض غدا أن الرئيس سينتخب بالأغلبية والبرلمان انتخب حزبا آخر، إذن سنتحول إلى الضفة الغربية وغزة.
• كيف يمكن أن تتعاملوا مع الجوانب الأمنية والسياسية، خاصة أن هناك ولاءات مختلفة بين الأطراف؟
- المطلوب من كل الأطراف التوقيع على المبادرة وإنهاء موضوع الولاءات طالما أن اللاعبين السياسيين داخل البلاد.
• ما هو دور البرلمان في المرحلة القادمة؟
- المبادرة الخليجية لم تعطيه أي دور.
• ما هي أبرز الأخطار التي تتوقعون نشوءها بعيدا عن هذه الخيارات؟
- إذا ظل الوضع كما هو عليه نتوقع أخطارا وتحديات كبيرة ونحن حريصون على إرساء أمن واستقرار ووحدة اليمن.
• هناك حديث عن زحف الشباب نحو القصر الرئاسي ما هو ردكم؟
- نحن سنعمل على دعم المؤسسات الدستورية والشرعية المنتخبة ديمقراطيا ولن نسمح بالمساس بأمنها إطلاقا.
ورغم تواضع الشيخ البركاني وبساطته، إلا أنه يعتبر أحد أركان صناعة القرار في اليمن، فهو يشغل منصب الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، ورئيس الكتلة البرلمانية في البرلمان.
ورغم كثرة الزائرين لمجلسه في المقيل بمنزله المطل على العاصمة صنعاء، إلا أنه يعطي لكل شخص وقته في الحديث معه والاستماع منه بعناية، ولا يتجاهل أحدا على الإطلاق. كما أنه يستقبل الكثير من الدلوماسيين الأجانب الذين يزورونه للحوار معه ومناقشته حول حاضر ومستقبل اليمن. بدأ سلطان البركاني تعليمه في مدينة زبيد في محافظة الحديدة ثم جبلة بمحافظة إب والتربة بمحافظة تعز. وتحمل البركاني مسؤولية مدير مديرية المواسط في 1985م، ثم أصبح عضوا لمجلس الشورى قبل الوحدة، وفاز في الانتخابات لدورات أربع منذ عام 1992م.
ولم يقتصر عمل البركاني على الداخل اليمني، فهو يملك علاقات كبيرة مع شخصيات في دول خليجية وعربية وغربية وترأس الوفود البرلمانية والدبلوماسية في عدد من المؤتمرات العربية والإقليمية. وفي لقائنا مع البركاني الذي استغرق أكثر من ساعة تحدث بكل صراحة عن الأوضاع الداخلية والسبل الكفيلة لخروج اليمن من دائرة العنف كما تحدث بإسهاب عن المبادرة الخليجية. وإلى نص الحوار:
• يشهد اليمن حراكا سياسيا واجتماعيا فريدا من نوعه، ربما لا يتكرر، ولا شك أن هذا الحراك ناتج عن تفاعلات أطراف مختلفة استحضرت مشروعا متنوع التوجهات، أين يقف حزب المؤتمر الحاكم من هذا الحراك؟
- في الحقيقة أن ما يدور في اليمن كنا نعده في الماضي في إطار العمل السياسي المنظم، وبدأ الجدل يدور بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية عام 2006م، حيث شهد اليمن توقيع أكثر من اتفاق. وما يحدث اليوم ليس بنفس سياق الماضي، ولكنه وليد لما حدث في تونس ومصر، وربما محاكاة لها. نحن توصلنا إلى اتفاقيات لبناء يمن متطور، آمن مستقر، والانتقال إلى النظام البرلماني بحيث نحافظ على التعدد السياسي والتنوع، بيد أن ما يحصل الآن من اعتصامات وفوضى وعنف ينطلق في ظل التقليد لما يحدث في بعض الدول الأخرى.
والأخوة في اللقاء المشترك والمعارضة يعتقدون أنهم سيستطيعون الوصول إلى السلطة عبر الفوضى وعملية التظاهرات والمسيرات، والاعتصامات بعد ظهور التجربة التونسية والمصرية. وكان آخر المبادرات التي أعلنها فخامة الرئيس في المؤتمر الوطني العام في 10مارس والتي تحدث فيها عن قيام حكم محلي كامل الصلاحيات، وتوزيعه على الأقاليم، ونقل صلاحية رئيس الجمهورية إلى الحكومة البرلمانية في نهاية هذا العام 2011م. وكان العمل يسير في السياق الطبيعي طالما اخترنا النهج الديمقراطي والتعددية السياسية، والعملية الشعبية وعدم القفز على الواقع.
ثم برزت مستجدات جديدة على الساحة عبر إعلان علي محسن التمرد داخل القوات المسلحة وسماها «حماية للثوار» لكن البيان الأول كان صريحا، بمعنى أن ننتقل من النظام الديمقراطي إلى نظام الانقلابات، رغم أنه صححها أكثر من مرة حيث قال إنه لم يقصد ذلك، لكن البيان الأول هو الأساس والذي أعلن من خلاله أن قواته أينما تواجدت ستحمي المتظاهرين والمسيرات والاعتصامات.
ونحن اعتبرنا أن ما حصل تمردا عسكريا لا يمكن القبول به، لأن هذا سيعيدنا إلى قصة المحاصصة كما حصل ويحصل في لبنان، ولأن التجارب السياسية الماضية، علمتنا قبل الوحدة، أن النظام الماركسي انتقل إلى نظام قبلي في الاقتتال وسمي «بالقبائل الماركسية» في حينه.
لن نسمح بإسقاط النظام
وأعتقد إذا جازفنا كما هو الحال اليوم، بإسقاط كلما هو قائم من أطر سياسية وتنظيمية، بادعاء أننا سنهدم المعبد ثم نعيد بناءه، فإن الوضع سيتردى في اليمن، وأنتم ترون الحوثيين في صعدة، والقاعدة تنتشر في أكثر من محافظة في شبوة في مأرب، و في أبين، والحراك متربص في الجنوب، ثم إن القبائل في المناطق الشمالية سيتقاتلون شبرا شبرا.
شكر ا للخليجيين
• إذن كيف ترون اليمن في ظل هذه الخارطة الدموية الموغلة في الفوضى؟
- في الواقع الشكر موصول لإخواننا في مجلس التعاون الخليجي، من خلال إعلان مبادرة خليجية من خمسة مبادئ، هذه المبادرة التي مثلت صدق وحرص الخليجيين على اليمن. ونحن نرى أن هذه المبادئ الخمسة يفترض أن تترجم على أرض الواقع. اليوم نحن نواجه اعتصامات ولدينا تمرد عسكري وقطع طرقات، واستيلاء على مجمعات حكومية، وحراك وقاعدة، وإذا وجهنا السهام إلى رئيس الدولة بأن يغادر، والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا بعد مغادرة رئيس الدولة؟. القضية تتعلق بوحدة واستقرار وسلامة اليمن، لذلك نحن نرى أن الأقدر على لعب دور إيجابي تجاه اليمن هي الشقيقة المملكة ،لأنها الأكثر تأثيرا وأكثر احتراما في اليمن. لأننا لا نريد أن نسطح الأمور ونوجزها في مغادرة الرئيس، بمعنى «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب».
نحن أمام مشكلة كبيرة، هل يغادر الرئيس ويسلم السلطة لنائب الرئيس؟ ماذا بعد؟ وما هو مستقبل الانقلاب العسكري؟.
نحترم الدور السعودي
• ما هو المطلوب تحديدا؟
- نحن نرى أن على المملكة أن تقف على مشكلة اليمن وأن تشخصها جيدا، وتعمل على حلها وجمع كل الأطراف على طاولة واحدة خاصة أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحظى بالاحترام والتقدير الكبير في اليمن وله مكانته المرموقة وهو في الحقيقة رجل صادق وأمين. وأعتقد أنه يستطيع مع إخوانه قادة مجلس التعاون لعب دور جماعي، ولكن الدور الأساسي هو للمملكة العربية السعودية.
• كيف يمكن للمملكة مساعدة اليمن وانتشاله من الأزمة؟
- عندما يقف إخواننا في المملكة أمام هذه المشكلة ويجمعون جميع أطرافها على طاولة واحدة لمناقشة المبادئ التي أعلنتها المبادرة ونناقش القضايا أولا بأول ونشخصها ونضع الحلول المناسبة لها ونجعل الجميع يجمعون على وثيقة واحدة.
• هل المبادرة الخليجية لم تعد مقبولة؟
- هي مقبولة وبمبادئها الخمسة، ولكنها تحتاج إلى توضيح وإضافة آلية للتنفيذ.
• إذن فلماذا لم يتم التوقيع عليها؟
- دعني أوضح أنني كنت من ضمن الحاضرين خلال اجتماع الأخ الرئيس مع أمين عام مجلس التعاون الخليجي الزياني، كما أنني كنت ضمن وفد الرئاسة في اجتماعات أبوظبي. المبادرة الخليجية تتطلب أن توقع جميع الأحزاب على الاتفاق، ورئيس الدولة إما أن يعين أحدا من الحزب أو يوقع كرئيس.
• هل توقيعه كرئيس للحزب يلزمه بالتخلي عن رئاسة الجمهورية؟
- الرئيس على عبدالله صالح هو رئيس، للحزب ورئيس للجمهورية، أنت لا تستيطع أن تقول أن يوقع كرئيس للجمهورية فقط، ولكن ستقول علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام.
• ماهو موقف أحزاب المعارضة؟
- هم طلبوا أن يوقع بصفته رئيسا للجمهورية، وأن يوقع بالمقابل محمد باسندوة، رئيس الجنة التحضيرية. ونحن نعتبر أن هذه اللجنة ليس لها إطار قانوني، وليست حزبا معترفا به، ولا منظمة معترفا بها. ونحن نمثل الحزب الحاكم ونرى أنه لا بد أن تبقى مكانة الحزب محفوظة.
• ألا ترون أن بقاء الرئيس في الحزب سيساهم في توتير الأجواء؟
- في الواقع أننا لم نسمع أي اعتراض على هذه النقطة، وليس هناك موقف ضد الحزب وممارسته للعمل السياسي.
• إذن لماذا تصرون على الضمانات؟
- أريد أن أكون واضحا معكم، فيما يخص الضمانات فإن التجارب في مصر وتونس أخافتنا وأقلقتنا، لأن الحزب الحاكم الرئيسي في تونس وفي مصر تم حله بالكامل، وليس من الحكمة فتح ملفات الثارات القديمة. لكن أهم ضمانة بالنسبة لنا أن يبقى العمل السياسي للحزب قائما كحق مشروع، لكن إذا كانت الثورة ستقوم بالاجتثاث، فإن الساحة اليمنية ستتحول إلى بؤرة اقتتال ونحن لا نريد اجتثاث السلطة، أو غيرها من الأحزاب، نريد يمنا تعدديا ديمقراطيا.
إزالة التوتر والاعتصامات
• ما هي أوجه الاختلاف بينكم وبين اللقاء المشترك حيال المبادرة؟
- نحن نرى ضرورة إزالة التوتر السياسي والأمني، فالمظاهرات والاعتصامات هي توتر سياسي وقطع الطرقات والاستيلاء على المنشآت الحكومية والتمرد العسكري هي توتر أمني، ويجب أن تعالج هذه القضايا خلال شهر قبل أن يغادر الرئيس السلطة.
• هل الطرف الآخر معارض لهذا الطرح؟
- معارض جدا. نحن لا نريد فتح الملفات، وفي موضوع الضمانات نحن لا نتحدث عن علي عبدالله صالح وأسرته فقط بل نتحدث عن الجميع.
لا للتعطيل
• لماذا يتم تعطيل المبادرة من أجل جزئيات صغيرة؟
- اسمح لي، هذه ليس جزئيات صغيرة. إذا تخلى علي عبدالله صالح عن حزبه، معنى أنه غدا سيقال لحزب المؤتمر الحاكم كما قيل للحزب الوطني في مصر وحزب التجمع الدستوري في تونس. نحن نتمنى من أشقائنا في الخليج أن تكون هناك آلية واضحة للتنفيذ. المبادرة الخليجية مقبولة بنسبة 99 في المائة، وإذا كنا على واحد في المائة فيمكن لأي طرف أن يتقدم خطوة أويتأخر خطوة لمصلحة اليمن.
• هل تعتقدون أن الرئيس ممكن أن يبادر ويتجاوز عن نقاط معينة؟
- كما ذكرت لكم أن موضوع إنهاء التمرد والاعتصامات مهم لنا. ولا نتمنى أن تفشل الاتفاقية.
المبادرة رزمة كاملة
• إذن ما هي المرونة التي تنتظرونها من الأطراف الأخرى؟
- المبادرة الخليجية متكاملة ولا يمكن تجزئتها، وعلى الوسطاء أن يكونوا حرصين على التعامل معها كرزمة متكاملة وعدم إعطاء الفرصة بالعودة للخلف خطوة واحدة.
• هذا يعني أنه لا بد من إنهاء الاعتصام وأن يرحل المعتصمون من الشارع؟
- إنهاء الاعتصام ورحيلهم من الشارع مطلب أساسي، لأن استمرار الاعتصامات لأكثر من ثلاثة أشهر فيه تعيطل لمصالح الشعب. المدارس مغلقة، والموارد النفطية مقطوعة.
• يعني أن التوتر سيبقى قائما؟
- سيبقى التوتر مادمت هناك اعتصامات وتمرد عسكري، والرئيس قال بالحرف الواحد «أنا موافق على المبادرة الخليجية ونقل السلطة». وكما قلت إن هناك قضايا تحتاج إلى تحديد برنامج زمني، والخليجيون هم أصحاب المبادرة وهم الأقدر على بلورة المبادرة.
• هل اتفقتم على إنهاء الاعتصامات مع المعارضة؟
- المعارضة قالوا إنهم حصلوا على ضمانات بعدم إنهاء الاعتصامات. ونحن نتساءل من أعطاهم هذه الضمانات، هم يعتقدون أن الدستور اليمني أعطاهم حق الاعتصام ونحن نقول إن الدستور أعطى علي عبدالله صالح الصلاحية أن يكون رئيسا حتى نهاية 2013م.
تشكيل لجنة للدستور
• كيف تتصورن الانتقال للمراحل المستقبلية، هل ستستمرون على نفس الدستور والنظام؟
- الاتفاقية حددت أنه فور انتخاب الرئيس يعمل على تشكيل لجنة للدستور أي بعد 60 يوم من تولي النائب حيث سيتم انتخاب الرئيس وفق النظام السابق.
وأعطيت مهلة سنة للرئيس المنتخب بأن يعد دستورا جديدا، ويستفتى عليه، ثم يتم عقد انتخابات برلمانية، ويغادر الرئيس السلطة عقبها، لأن النظام سيتغير في الأصل، وسيصبح النظام برلمانيا.
• ما هي الاختلافات والتحفظات على الدستور القديم؟
- المعارضة تحرص على الانتقال للنظام البرلماني لأن الدستور أعطى صلاحيات لرئيس الدولة وإذا نظرت للمستقبل، فإن الرئيس يجيد لعبة التوازن، لكن نفترض غدا أن الرئيس سينتخب بالأغلبية والبرلمان انتخب حزبا آخر، إذن سنتحول إلى الضفة الغربية وغزة.
• كيف يمكن أن تتعاملوا مع الجوانب الأمنية والسياسية، خاصة أن هناك ولاءات مختلفة بين الأطراف؟
- المطلوب من كل الأطراف التوقيع على المبادرة وإنهاء موضوع الولاءات طالما أن اللاعبين السياسيين داخل البلاد.
• ما هو دور البرلمان في المرحلة القادمة؟
- المبادرة الخليجية لم تعطيه أي دور.
• ما هي أبرز الأخطار التي تتوقعون نشوءها بعيدا عن هذه الخيارات؟
- إذا ظل الوضع كما هو عليه نتوقع أخطارا وتحديات كبيرة ونحن حريصون على إرساء أمن واستقرار ووحدة اليمن.
• هناك حديث عن زحف الشباب نحو القصر الرئاسي ما هو ردكم؟
- نحن سنعمل على دعم المؤسسات الدستورية والشرعية المنتخبة ديمقراطيا ولن نسمح بالمساس بأمنها إطلاقا.