-A +A
أيمن بدر كريم
تخلت كثير من المجتمعات المدنية المعاصرة عن طرق الإدارة القديمة الصدئة التي أثبتت فشلها في تطوير مسيرة العمل ورفاهية المواطنين، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى راحة ورفاهية كثير من المسؤولين والإداريين وفاقدي الخبرة والكفاءة المطلوبة، فكثير من المسؤولين والمديرين ممن لديهم عقد نقص واضطرابات في الشخصية يرحبون بتطبيق وسائل غير سوية في التعامل مع القضايا العالقة، وتتلخص تلك الوسائل في أربعة أنواع رئيسية: التنفيذ، والإجهاض، والقمع، والتدوير.
ولا يتحمس بعض المسؤولين لتنفيذ المشروعات إلا لدى موافقة أهداف تلك المشروعات لأهدافهم الشخصية ومصالحهم الذاتية، أما مصلحة الموظفين والمواطنين فهي مجرد تحصيل حاصل.

وتعتمد استراتيجية «الإجهاض» على استنفاذ طاقات الموظف صاحب الكفاءة وذهاب جهده أدراج الرياح وإنهاكه من خلال تضليله وإيهامه بالتحمس لمشروعه التطويري، وإبطان خلاف ذلك، فيغني المسكين على الأطلال ويقول: «إنني أعطيت ماستبقيت شيئا». وأما استراتيجية «القمع»، فتتجاوز طريقة الإجهاض وإنهاك الموظفين إلى محاصرة أصحاب الرؤى والفكر وتطفيشهم، والمكر بهم وإهانتهم، ومحاولة هدم إبداعاتهم، وتجريدهم من أدوات نجاحهم.
و«التدوير»، طريقة إدارية مفضلة لدى معظم المديرين ـــ إلا من رحم الله ـــ حيث يعملون على استمرار دوران القضية العالقة حول طاولة الإدارة، آملين أن يقتلها عامل الزمن، أو يمل من دورانها أصحاب القضية، فيرفعون الرايات البيضاء مستسلمين لحظهم العاثر، كما تعمل إدارة «التدوير» على اقتناص الأهداف الشخصية، بعيدا عن التخطيط السليم، فتتذبذب قراراتها، وتتغير بتغير المدير، واختلاف وجهة نظره.
ونتيجة لإدارة التدوير «التخبطية»، تتشقق بنية المنشأة، ويهتز هيكل الطبقات العاملة، فالمدير يضم تحت لوائه طاقما يخدم توجهاته الشخصية، يدير له رحى عملية التدوير الإداري، ويعمل على وضع أصحاب الكفاءات والفكر تحت المجهر، فيمارس الكر والفر وحرب الشوارع معهم، وإلقاء القنابل الإدارية المسيلة للإحباط، لتشتيت انتباههم عن أهدافهم الوطنية، وحقوقهم المكفولة نظاما.
ومصيبة استراتيجية التدوير أنها تؤدي إلى التخثرات الإدارية، وتوقف جريان الدماء المشبعة بالحماس في جسم المؤسسة، مما يستدعي تدخلا عاجلا من أصحاب القرار وهيئات مكافحة الفساد بمذيبات الجلطات العقلية، وإنعاش القلب الإداري، لضخ دماء النشاط والإنتاج من جديد، تجنبا لفشل قلب المؤسسات النابض، أو سكتة عقول مبدعيها، أو بتر أطراف الإخلاص في العمل، بشكل تتعذر معه حياة المجتمع ومؤسساته المدنية.
abkrayem@gmail.com