-A +A
طارق على فدعق
هي صفة أحد أوصاف التصرفات التي لا تأخذ العواقب والنهاية في الحسبان، وستجدها في أغرب الأماكن ففي المراحل المتقدمة من الحرب العالمية الثانية، وعندما بدأ الحلفاء في التخطيط لغزو فرنسا وتحرير أوروبا من النازية في صيف 1942، خطرت الفكرة لبعض من كبار المخططين لتحديد نقطة الغزو لتكون أحد الموانئ الفرنسية. وكان الهدف هو استغلال البنية التحتية ومنشآت الموانئ في اختبار لعملية إنزال القوات والإمدادات. وتم اختيار ميناء «دييب» على وزن «ذئاب» في شمال فرنسا كتجربة لجس نبض رد فعل الجيش الألماني وقدراته الدفاعية عن الموانئ بشكل عام. تم تكريس فريق كندي مكون من حوالى 6000 رجل للعملية العسكرية. وكانت «خبيصة كبرى» فنتجت عن تلك المعركة خسارة أكثر من 3600 ضحية، وحوالى 100 طائرة و 34 قطعة بحرية، وهي تعد من أسوأ معدلات خسائر الحرب العالمية، وكانت أيضا من أسوأ أفكار الحرب، لأن الموانئ كانت أصلا من أهم النقاط الدفاعية بشكل عام، وبالذات لدى القوات النازية. ولم تكن المسألة تستاهل اختبارا ذهب ضحيته من الجنود ومعظمهم من الجنسية الكندية، وكانت من أمثلة السبهللة الحربية وما أكثرها.
وفى عالم الكيمياء أيضا نجد أمثلة كثيرة على السبهللة ومنها أحد الاكتشافات التي غيرت عالمنا: في عام 1830 وبينما كان عالم الكيمياء السويسري «فريدريك شونباين» يجري تجارب في مطبخ منزله لتحسين صناعة القطن، سقط منه على الأرض محلول حامض النيتريك (ماء النار). وطبعا كما هو الحال للعديد من الأزواج الذين يخافون من زوجاتهم ولا يظهرون ذلك الخوف، قام بتجفيف الحامض باستخدام أحد أقمصة زوجته القطنية ثم قام بتعليقه ليجف. لاحظ هنا أن الخطأ الأول كان إجراء هذه التجارب بداخل المنزل، والخطأ الثاني كان سكب الحامض الحارق، وأما الأسوأ من هذا وذاك، فكان استخدامه لفستان زوجته لتنشيف «العملة»، ونتج عن خلطة الحامض ونسيج القطن أحد أشد وأسرع التفاعلات الكيميائية الطبيعية، وتحديدا فقد بلغت سرعة تفاعلهم أكثر من مائة متر في الثانية الواحدة.. يعني «كابوووم»!، انفجر فستان زوجته بأكمله انفجارا هائلا بداخل المطبخ. تخيل فستانا ينفجر!، ذلك لأن التوليفة المكونة من الحامضين تفاعلت مع القطن الطبيعي لينتجوا أحد أشهر المتفجرات في تاريخ البشرية وهو مادة «قطن البارود» بالإنجليزية Guncotton وبالألمانية Schiessbaumwolle على وزن «شاي بالمعمول». وتاريخ عالم كيمياء المتفجرات مليء بالضحايا الذين لم يخططوا لتجاربهم فتحولوا في لحظات إلى أشلاء صغيرة جدا أصغر من مكونات «المبشور».
وفي قصة أخرى نجد أن السبهللة غيرت تاريخ الصناعة والمنتجات التي نستفيد منها يوميا، في نهاية القرن التاسع عشر كان داء الملاريا هو أحد المهددات الأساسية للصحة في العالم، وكانت مادة «الكيونين» المستخرجة من شجرة «الكينا» الاستوائية هي إحدى وسائل العلاج الأساسية آنذاك، وكان العالم الإنجليزي «بركنز» يبحث عن وسيلة لصناعة المادة صناعيا بدون اللجوء إلى المنتج الطبيعي نظرا لندرته وتكاليفه المرتفعة، ونتج عن عمله المختبري فشل وراء الآخر، ولكن في إحدى التجارب نتجت مادة بنفسجية لا فائدة منها إلا لونها الجميل الذي لم يتأثر بالماء، وفتحت هذه التجارب الفاشلة إحدى أكبر قصص النجاح في تاريخ العلوم، فمن خلالها انفتح عالم أبواب تحضير الألوان الصناعية، وفضلا أنظر حولك الآن لتتخيل حجم هذه الصناعة فمعظم الألوان التي تراها الآن بدأت من تلك التجربة بشكل أو آخر.
أمنيــــــــة
نفاجأ دائما بأمثلة السلوكيات «السبهللية» الكثيرة جدا في الطب والعلوم والسياسة، ولكن أهمها على الإطلاق هي ما مارسه بعض الحكام لاحتلال البلدان أو قمع شعوبها، وما يمارسه بعض الحكام اليوم للتمسك بمناصبهم، غريب أمرهم لأنهم يمارسون سلوكيات غريبة لا تعكس التصرفات الإنسانية أو المنطقية من أوسع أبوابها. أتمنى أن يحمي الله المؤمنين من شرور التصرفات السبهللية التي ستسجل على الطغاة في الدنيا والآخرة.
وهو من وراء القصد.


للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة