لم يكن لأحد أن يتصور أن تظل حرب لبنان ثلاثاً وثلاثين يوماً ثم تتوقف، مع كل ذلك الزخم من التأييد الأوروبي والإصرار الأمريكي عليها والوحشية الإسرائيلية، لولا التحرك السعودي والموقف العقلاني الذي وقفته المملكة، فلو أنها اتخذت الموقف العاطفي وتاجرت بالشعارات لازداد الموقف سوءاً، ولو أنها التزمت الصمت لما أبقت الحرب على أخضر ولا يابس في لبنان.
ولولا الموقف المتعقل من الحكومة اللبنانية، ما صمد حزب الله في مواجهة العنف الإسرائيلي، فالانتصار الحقيقي، كان انتصاراً سياسياً للأمة العربية، فالمعروف أن المقاومة في كل مكان وكل زمان، تلقى تأييداً شعبياً لكنها لا تبالي بما أزهق من أرواح واتلف من ممتلكات، ومع ذلك فإن حزب الله أجاد الدور، عندما حافظ على الوحدة الوطنية داخل لبنان، وصان التوازن الطائفي أثناء المعركة، فإدارة الأزمات هي التي تحقق السيطرة على الموقف، فالمثقفون وحدهم هم الذين لا يخلطون بين العقائد الدينية والتوجهات السياسية.
لقد انطفأت المواجهة العسكرية اليوم واشتعلت العمليات السياسية، فكأنما النار قد انتهى دورها، وحان وقت الحصاد، وإدارة المعارك تتطلب متابعة النتائج والبحث في الدروس المستفادة.
إن استراتيجية السلام التي أشار إليها الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون في كتابه السلام الحقيقي، تقول: «بأن على الولايات المتحدة الأمريكية، إذا أرادت أن يكون لها نفوذ في منطقة من المناطق، أن تفجر ثم تدعو إلى السلام، على أن يكون هذا السلام لصالح الولايات المتحدة الأمريكية«.
وهنا لا أتفق مع الكاتب الذائع الصيت (سيمور هيرش) في كل ما جاء في مقاله بالنيويوركر من أن الرئيس بوش جعل هذه الحرب مجرد فحص للحرب التي يتوقع شنها على إيران، خصوصاً أن هذه الحرب لم تترك تبعات كانت تعلن قبل الحرب، فإيران لم تتدخل، والإرهاب لم يتوسع، بل إن الحرب أخمدت من جذوة الإرهاب، فقد شعر الإرهابيون بأنهم لم يقوموا بضرب أعداء الأمة الإسلامية، بل إنهم تسلطوا على أبناء الأمة ومقدراتها.
لقد انسحبت إسرائيل من أرض المعركة، كما انسحبت الولايات المتحدة من الميدان السياسي، وتركت الساحة لفرنسا مهندسة القرار 1559 وأسند لها قيادة قوات اليونيفيل في لبنان بموجب قرار إيقاف الحرب 1701 من مجلس الأمن.
لقد تبين أن المملكة العربية السعودية تدرك جيداً قواعد اللعبة، لهذا بادر صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز إلى زيارة فرنسا، ومنها أوفد وزير الخارجية وأمين عام الأمن الوطني، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فتوقفت الحرب وكأن شيئاً لم يكن، عندها ذهل العالم كما توقفت المظاهرات الشعبية في أرجاء المعمورة، وهدأت الحناجر في الفضائيات، وصمت زعماء العالم، وكأنهم أدركوا أنهم مجرد أحجار على رقعة الشطرنج.
لقد أخذ الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان يكنس آثار الحرب من خلال تنفيذ القرار 1701 على الأرض، وبحث عن إنهاء الحصار وقضية الأسرى، وانتشار القوات الدولية، وأصبح الثقل في هذه القوات أوروبياً، إذ بلغ عددهم سبعة آلاف جندي، وهو ما يمثل نصف القوات المطلوبة لضبط الحدود بين لبنان والكيان الإسرائيلي، ونزع السلاح من المناطق الجنوبية في لبنان حتى الليطاني، ومراقبة وصول السلاح إلى لبنان. لقد تقرر انهاء المشكلة في لبنان من جذورها، فلبنان يجب أن يتمتع بديمقراطيته القائمة على التوازن الطائفي والعرقي، لقد همس التاريخ في آذاننا بأن لبنان لن ينعم بالهدوء إلا إذا سويت الحدود، وتحقق التوازن بين الأقليات.
لهذا نجد عنان يجتمع بالفرقاء وصناع القرار، للبحث في كل المسائل، وبشكل خاص مزارع شبعا التي ستبقى تحت وصاية الأمم المتحدة، انتظاراً لترسيم الحدود بين كل من سوريا ولبنان والكيان الصهيوني.
فإذا كان الخير يبدو دائماً في العموميات، وهو ما تتواضع على قبوله جميع الأطراف، إلا أن الشياطين تكمن في التفاصيل، وهو ما بحثته الدول المشاركة في قوة الطوارئ في نيويورك يوم الاثنين 4 شعبان 1427هـ الموافق 28 أغسطس 2006 للميلاد، حول نشر القوات وعملها ومهامها والتنسيق فيما بينها.
لقد قطع حزب الله الطريق على قوات الطوارئ الدولية، حينما أكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، بأن موضوع سلاح حزب الله هو شأن داخلي، وليس من حق القوات الدولية بحثه أو التفتيش عنه، ولا اقتحام المخازن في الجنوب وإنما هو حق الحكومة اللبنانية.
لقد بدأ الوجل ينتاب كل من يحمل اسم نصرالله، بعد أن هبط رجال الكومندوز الإسرائيلي في أول شهر أغسطس 2006م على منزل حسن نصرالله البائع في بعلبك، واقتاده مع أربعة من أقاربه إلى أعلى التلال، وأدخلوهم في طائرة مروحية، وطاروا بهم إلى فلسطين المحتلة.
وبعد تحقيق معهم استغرق 20 يوماً تبين من خلاله، أنه ليس بالشيخ حسن نصرالله زعيم المقاومة اللبنانية، مما دعاهم إلى إعادتهم إلى الحدود اللبنانية، عند الناقورة.
إن هذه الحادثة، تبين أن إسرائيل تعيش حالة من الاسترخاء الاستخباراتي، وغرور القوة، وضحالة التفكير، فالتخطيط الخاطئ الذي تعيشه إسرائيل، هو الذي أدى بها إلى عدم القدرة على حسم المعركة، بل عرضها للهزيمة التي تجرعتها بسبب أخطائها وحماقاتها، فالحمقى وحدهم الذين لا يستخرجون الحكمة من أخطائهم.
* رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية
ولولا الموقف المتعقل من الحكومة اللبنانية، ما صمد حزب الله في مواجهة العنف الإسرائيلي، فالانتصار الحقيقي، كان انتصاراً سياسياً للأمة العربية، فالمعروف أن المقاومة في كل مكان وكل زمان، تلقى تأييداً شعبياً لكنها لا تبالي بما أزهق من أرواح واتلف من ممتلكات، ومع ذلك فإن حزب الله أجاد الدور، عندما حافظ على الوحدة الوطنية داخل لبنان، وصان التوازن الطائفي أثناء المعركة، فإدارة الأزمات هي التي تحقق السيطرة على الموقف، فالمثقفون وحدهم هم الذين لا يخلطون بين العقائد الدينية والتوجهات السياسية.
لقد انطفأت المواجهة العسكرية اليوم واشتعلت العمليات السياسية، فكأنما النار قد انتهى دورها، وحان وقت الحصاد، وإدارة المعارك تتطلب متابعة النتائج والبحث في الدروس المستفادة.
إن استراتيجية السلام التي أشار إليها الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون في كتابه السلام الحقيقي، تقول: «بأن على الولايات المتحدة الأمريكية، إذا أرادت أن يكون لها نفوذ في منطقة من المناطق، أن تفجر ثم تدعو إلى السلام، على أن يكون هذا السلام لصالح الولايات المتحدة الأمريكية«.
وهنا لا أتفق مع الكاتب الذائع الصيت (سيمور هيرش) في كل ما جاء في مقاله بالنيويوركر من أن الرئيس بوش جعل هذه الحرب مجرد فحص للحرب التي يتوقع شنها على إيران، خصوصاً أن هذه الحرب لم تترك تبعات كانت تعلن قبل الحرب، فإيران لم تتدخل، والإرهاب لم يتوسع، بل إن الحرب أخمدت من جذوة الإرهاب، فقد شعر الإرهابيون بأنهم لم يقوموا بضرب أعداء الأمة الإسلامية، بل إنهم تسلطوا على أبناء الأمة ومقدراتها.
لقد انسحبت إسرائيل من أرض المعركة، كما انسحبت الولايات المتحدة من الميدان السياسي، وتركت الساحة لفرنسا مهندسة القرار 1559 وأسند لها قيادة قوات اليونيفيل في لبنان بموجب قرار إيقاف الحرب 1701 من مجلس الأمن.
لقد تبين أن المملكة العربية السعودية تدرك جيداً قواعد اللعبة، لهذا بادر صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز إلى زيارة فرنسا، ومنها أوفد وزير الخارجية وأمين عام الأمن الوطني، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فتوقفت الحرب وكأن شيئاً لم يكن، عندها ذهل العالم كما توقفت المظاهرات الشعبية في أرجاء المعمورة، وهدأت الحناجر في الفضائيات، وصمت زعماء العالم، وكأنهم أدركوا أنهم مجرد أحجار على رقعة الشطرنج.
لقد أخذ الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان يكنس آثار الحرب من خلال تنفيذ القرار 1701 على الأرض، وبحث عن إنهاء الحصار وقضية الأسرى، وانتشار القوات الدولية، وأصبح الثقل في هذه القوات أوروبياً، إذ بلغ عددهم سبعة آلاف جندي، وهو ما يمثل نصف القوات المطلوبة لضبط الحدود بين لبنان والكيان الإسرائيلي، ونزع السلاح من المناطق الجنوبية في لبنان حتى الليطاني، ومراقبة وصول السلاح إلى لبنان. لقد تقرر انهاء المشكلة في لبنان من جذورها، فلبنان يجب أن يتمتع بديمقراطيته القائمة على التوازن الطائفي والعرقي، لقد همس التاريخ في آذاننا بأن لبنان لن ينعم بالهدوء إلا إذا سويت الحدود، وتحقق التوازن بين الأقليات.
لهذا نجد عنان يجتمع بالفرقاء وصناع القرار، للبحث في كل المسائل، وبشكل خاص مزارع شبعا التي ستبقى تحت وصاية الأمم المتحدة، انتظاراً لترسيم الحدود بين كل من سوريا ولبنان والكيان الصهيوني.
فإذا كان الخير يبدو دائماً في العموميات، وهو ما تتواضع على قبوله جميع الأطراف، إلا أن الشياطين تكمن في التفاصيل، وهو ما بحثته الدول المشاركة في قوة الطوارئ في نيويورك يوم الاثنين 4 شعبان 1427هـ الموافق 28 أغسطس 2006 للميلاد، حول نشر القوات وعملها ومهامها والتنسيق فيما بينها.
لقد قطع حزب الله الطريق على قوات الطوارئ الدولية، حينما أكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، بأن موضوع سلاح حزب الله هو شأن داخلي، وليس من حق القوات الدولية بحثه أو التفتيش عنه، ولا اقتحام المخازن في الجنوب وإنما هو حق الحكومة اللبنانية.
لقد بدأ الوجل ينتاب كل من يحمل اسم نصرالله، بعد أن هبط رجال الكومندوز الإسرائيلي في أول شهر أغسطس 2006م على منزل حسن نصرالله البائع في بعلبك، واقتاده مع أربعة من أقاربه إلى أعلى التلال، وأدخلوهم في طائرة مروحية، وطاروا بهم إلى فلسطين المحتلة.
وبعد تحقيق معهم استغرق 20 يوماً تبين من خلاله، أنه ليس بالشيخ حسن نصرالله زعيم المقاومة اللبنانية، مما دعاهم إلى إعادتهم إلى الحدود اللبنانية، عند الناقورة.
إن هذه الحادثة، تبين أن إسرائيل تعيش حالة من الاسترخاء الاستخباراتي، وغرور القوة، وضحالة التفكير، فالتخطيط الخاطئ الذي تعيشه إسرائيل، هو الذي أدى بها إلى عدم القدرة على حسم المعركة، بل عرضها للهزيمة التي تجرعتها بسبب أخطائها وحماقاتها، فالحمقى وحدهم الذين لا يستخرجون الحكمة من أخطائهم.
* رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية