-A +A
حمدان الحربي ـــ جاكرتا
بعد أن التقينا عددا من أصحاب مكاتب تصدير العمالة في جاكرتا، وعلمنا الدور الكبير الذي يقوم أو تقوم به السمسار أو السمسارة، خصوصا أن عددهم لا يتجاوز الألف، قررنا البحث عن مستثمرين سعوديين لمساعدتنا في العثور على خادمة وسائق من خلال أحد السماسرة، علما أن لدينا أسماء محددة نريد إحضارها إلى المكتب الذي نرغب في أن ينهي إجراءاتها، لكن المفاجأة كانت أن معظم السماسرة يرفضون الذهاب معنا إلى القرية؛ لأنها ضمن منطقة سماسرة آخرين، ولا يمكن الدخول إليها، بحسب مواثيق الشرف التي تنظم عملهم، لكنهم سيساعدوننا في الوصول إلى هذه السمسارة، ولم يكن أمامنا إلا الترحيب بالأمر، ولكن الاشتراط دائما هو وجود الهدية والتي تعتبر المحرك الأساسي في العمل هناك.

بداية التقينا بالمستثمر السعودي عبدالعزيز .ب، الذي يعمل في توفير العمالة لأصحاب مكاتب الاستقدام من خلال وسطاء، فاتصل بامرأة تدعى الحاجة نور والتي تعمل على توفير العمالة من قريتها والقرى المحيطة بها في منطقة «شينجور» القريبة من العاصمة جاكرتا، فحصلنا على عنوانها وحددنا المكان الذي نلتقي فيه لنبحث عن السائق والخادمة اللذين أريد أن أصطحبهما معي بعد أسبوع.
الطريق إلى نور
بعد مسير مايقارب الساعتين وصلنا إلى الموقع المحدد والتقينا الحاجة نور التي رحبت بنا بلغة عربية جيدة، كونها تتعامل مع مكاتب الاستقدام في السعودية، وقد أدت فريضة الحج وتقوم بإداء العمرة بشكل مستمر،و تعمل فقط في توفير العمالة للمكاتب السعودية وهذه الديباجة المعتادة.
لا يثقون إلا في بعضهم
بعد الترحيب سألتها لماذا ترفض العمالة القدوم للمكتب مباشرة وتشترط وجود وكيل «إجنت»، حاولت التهرب من الإجابة مدعية عدم معرفتها بالسبب، ولكن بعد تلميحات بإمكانية مساعدتها ورفع قيمة العمولة إن أحضرت عمالة جيدة ملتزمة بالعمل تنطبق عليها المواصفات المطلوبة قالت إن معظم أبناء القرى دائما لديهم توجس وحذر من الآخرين، فهم لا يثقون إلا في أبناء قريتهم الذين يقومون بمساعدتهم بتوفير فرص العمل لهم، خصوصا أن الوكلاء لديهم علاقاتهم مع «عمدة القرية» و «قسم الشرطة» ويقومون بإقراضهم المال اللازم لأسرهم لحين وصولهم للعمل في السعودية، والتمكن من تحويل الأموال وتسديد الديون المترتبة على الأسرة نتيجة سفر العامل أو العاملة، وهذه الطبيعة موجودة في معظم الإندونيسيين.
البحث عن أنتين
أخبرتها عن طلبي وأن لدي اسم خادمة وعنوانها ورقم هاتف زوجها، بعد الاتصال أبلغتني أن هذه الخادمة ذهبت للعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة في أبو ظبي، ولكن لديها خادمة جيدة ترغب العمل في جدة وهي تضمنها وتضمن عدم هروبها، لكنها سبق لها العمل في الرياض وترغب العمل في جدة أو مكة لقربهما من الأماكن المقدسة.
اشترطت عليها السرعة في إنهاء إجراءات الخادمة، ولكنها قالت إنها ليست معنية بهذا الأمر، إلا أنها قالت إنها تريد مساعدتنا، حيث أبلغتنا أن المكاتب تستطيع إنهاء الإجراءات بسرعة كبيرة إن دفعت مبالغ إضافية كهدايا للموظفين ويمكنها مساعدتنا في توفير مكتب يقوم بهذه الإجراءات بسرعة، فوافقنا واتفقنا على توفير خادمة تدعى «أنتين» تشترط العمل في جدة أو مكة المكرمة.
مكاتب للنصب والاحتيال
اتصلت السمسارة بأحد المكاتب المتخصصة في تصدير العمالة والتي لها خبرتها الطويلة ـــ بحسب قولها، ويمكنها إنهاء الإجراءات في أسبوع واحد فقط لكن سعرهم مرتفع، وهذا المكتب يدعى مكتب «جبارة هورسا»، فقلت لها لا مشكلة لدي في هذا الأمر وتم الاتفاق على 2500 دولار للخادمة. وعند لقائنا مع صاحب المكتب سألناه عن الكشف الطبي ومركز التدريب وبقية الإجراءات فقال «لا مشكلة سننهي كل الإجراءات، فالكشف الطبي نستطيع الحصول عليه بسهولة بدفع 100 دولار إضافية وينتهي في نفس اللحظة ويكون سليما، أما مركز التدريب فلدينا مركز يوفر لنا الشهادات مباشرة وسنقوم بتسجيل الخادمة بأثر رجعي، وبخصوص استخراج جواز السفر فإننا سنبدأ فيه يوم غد ولن يستغرق الأمر أكثر من يوم واحد، وبعد ذلك ندخل الأوراق للسفارة ولن تستغرق أكثر من يومين على أقصى تقدير إن لم تنته في نفس اليوم إن أدخلناها في الصباح الباكر وسيتم الحجز للخادمة على نفس الرحلة التي تكون عليها أنت، كل ذلك يتم بمنتهى السهولة طالما أنك تدفع فلا مشكلة». ولكن بعد الذي شاهدناه قررنا الانسحاب بهدوء حتى لا نكون ضحية عملية نصب واحتيال كبيرة.
مراكز طبية وهمية
بالعودة إلى المستثمر السعودي، الذي أرسلني إلى السمسارة، والذي قال إن المشكلة تكمن في أن الفساد الإداري مستشر بشكل كبير هنا ويمكن الحصول على الشهادات الطبية بسهولة بمجرد دفع مبالغ إضافية للعاملين في هذه المراكز.
وحول مراكز التدريب أشار إلى أنها كثيرة ومعظمها سيئ جدا، كما أنها لا تدرب العمالة وبالكاد تعمل على اطلاعهم نظريا على أجزاء البيت السعودي وبعض الكلمات المستخدمة وحجزهم لمدة التدريب في هذه المعسكرات ومنحهم شهادة باجتيازهم البرنامج تقدم للسفارة مع نتيجة الفحص الطبي.
95 % يؤمنون بالسحر
من جانبه، أكد المستثمر السعودي سلطان . م أن الشعب الإندونيسي له طبيعة خاصة يجب على الأسرة السعودية معرفتها بشكل جيد أولها أنه شعب مرهف الإحساس، متقلب الشعور، يحب بسرعة ويكره بشكل سريع، يحقد ولا يظهر حقده، شعب يحترم ليس بدافع الاحترام ولكنه معظمه خوفا من الآخرين لا يحب التغيير.
وأضاف كذلك فإن هذا الشعب يؤمن بشكل كبير بالخوارق وبالقدرة على معرفة الغيب لدى بعض البشر، لذلك فهم يلجأون في كثير من أمور حياتهم البسيطة إلى السحرة والدجالين، ويسمون أعمال السحر «دخون» فهم ولدوا على السحر ويعيشون عليه، فإذا أضاع أحدهم شيئا ما فإنه يذهب إلى شخص يسمى بلغتهم «بنتار» أو «اورنق بنتار» ليدلهم على مكان المفقودات، أو إذا ولد لأحدهم مولود فإنه يذهب إلى «بنتار» ليباركه له، كل هذا في معتقداتهم أنه أمر جائز، ومن طريف القول إن هذه الأمور تدخل من ضمن الدراما المحلية الخاصة بالشعب الإندونيسي، ولعلكم تشاهدون بعض المسلسلات التي تقدمها التلفزيونات هنا فإنها في معظمها تحتوي على مشاهد من هذا القبيل.
تحذيرات دون جدوى
أما عمر. م فأوضح أن السفارة السعودية سبق وأن نبهت الجهات المختصة في إندونيسيا إلى أنها لن تقبل العمالة التي تمارس مثل هذه الأمور ووزارة الشؤون الدينية الإندونيسية نبهت كثيرا إلى أن هذه الأمور لا تجوز ممارستها، لكن الشعب لا يستجيب ويؤمن بشكل كبير بهذه المعتقدات.
وأشار إلى أن الحوادث الكثيرة التي تعرض لها سعوديون مقيمون في إندونيسيا من أعمال سحر من قبل بعض العاملين لديهم كان هدفها الكسب المادي، مضيفا أن إندونيسيا حصلت على المرتبة الأولى في مجال السحر الأسودblack magic وأثبتت الدراسات في السعودية أن 70 في المائة من المستقدمين من إندونيسيا يتعاطون السحر الذي يدرس في مدارس خاصة بجميع أنواعه.
وقال «حتى الأنواع النادرة من السحر ما زالت موجودة ومنتشرة في إندونيسيا كالسحر التمثيلي وغيره، ومن أنواعه السحر الأسود وسحر الفودو، ومنه ما يخصص للقتل حيث يتخذون هيكلا معقودا من الحديد أو الخشب على شكل إنسان (دمية) أي الإنسان الذي يريدون الانتقام منه، فيغرزون فيها الدبابيس وينفثون فيها طلاسمهم».
ويبقى أن السحرة يقيمون في أزقة شوارع جاكرتا الضيقة قرب مراكز تدريب العمالة الذين كشفوا عن أن معظم زبائنهم من الخدم الذين يأتون إليهم قبل أن يسافروا للعمل ليتعلموا السيطرة على الأسرة حتى أصبحوا مصدر رزق للسحرة.