الفائدة والمتعة معا جعلتاني أقضي وقتا لا بأس به مع أصدقاء (الفيس بوك)، و(تويتر)، تعودت على صياغة العبارات الموجزة المشبعة بالمعنى، تعبيرا عن تجربة عابرة أو عميقة في الحياة، أو إشراكا للآخرين في حالة شخصية أو موقف إنساني.
القصة ليست مجرد تدوين، بل مدرسة للتواصل الاجتماعي، ونقل للخبرة البشرية، وتحقيق لطبع الإنسان في المدنية والتخاطب، ونمط جديد في التثاقف والحوار، من شأن هذا كله أن يشيع الأمل والتفاؤل والإيجابية في الحياة.
التواصل جزء من كينونتنا منذ القدم، فحياة المرء هي مجموعة من العمليات التواصلية مع النفس أو مع الآخرين.
حديث النفس الهامس الطويل أو المتقطع يتم عبر خواطر أو حوارات، لا أحد يسمعها غيرك، تقتطع جزءا واسعا من عمرك، تسميه أنت: سرحانا، أو استذكارا لماض، أو هاجسا.. هو عندي مهم فلا تكتف بمجرد الانسحاب منه لتعيش لحظتك، استرسل معه، وزاوج بينه وبين قدر من الوعي والتأمل، ربما كان احتجاجا على خطأ، أو نذيرا لحفرة في طريقك، أو تأنيبا، أو صرخة في وجه تجاهلك لنداء من داخلك.
أيا ما كان، يمكنك أن تسمعه (بفتح التاء) أو تسمعه (بضمها).
العملية التواصلية مع أخ أو صديق أو جار أو شريك أو زوج.. هي جزء من الإعلام الإنساني المؤثر بعمق، حين نقطع أواصرنا عن من حولنا نعيش عزلة خانقة مخيفة، وتنهشنا أشباح الموت ونحن أحياء، لسنا جزرا معزولة ولا أفلاكا فضائية سابحة، وحتى الجزر والأفلاك بينها وشائج وأواصر، جمال الحياة هو لذة الوصل.
الصحافة، الإذاعة، التلفزة، ثم الإنترنت وسعت دائرة التواصل المحلي، فالعالمي، وأصبح الفتى أو الفتاة يقضي أمام الشاشة ضعف ما يقضيه في المدرسة.
التأثير هائل: الأصوات، الصور، الألوان، العاطفة، الاستمتاع، مخاطبة العقل بالإقناع، المحاكاة وانتقال الأنماط السلوكية والحياتية التي تتكرر عبر الأدوات الجديدة، كالدراما والبرامج الواقعية.
التحول الضخم هو دخول المتلقي العادي ضمن المنظومة الإعلامية، فلم يعد الإعلام رسالة من طرف واحد يتلقاها الآخر دون خيار، الخيارات هائلة، والمتلقي هو جزء من العملية، فهو مرسل في الوقت ذاته، إنه (إعلام الناس) كل الناس، مقابل إعلام تقليدي معبر عن فئة أو جهة.
الإعلام القديم هو إعلام فئة أو حزب أو حكومة أو تيار.
جمهورية المهمشين عبر الأدوات البسيطة التي لا تتجاوز امتلاك جهاز محمول، سمحت للملايين بالتعبير عن صوتها وكسرت احتكار الإعلام، وغيرت كثيرا من المقولات التقليدية المتعلقة بالسلطة أو بالمعارضة، ولذا كانت الثورات العربية تعبيرا عن رغبة الناس، ولا تمثل حزبا ولا تيارا، بل تمثل جميع الأحزاب والتيارات والأفراد العاديين غير المنتسبين، وبمقتضاها لم يعد ثم إقصاء لأحد، حكوميا كان، أو معارضا، أو مستقلا.
إنها (صوت الناس الداخلي) المعبر عن تطلعاتهم اليوم، وهو صوتهم الداخلي المعبر عن تطلعات الغد، والتي قد تكون نقيض ما يفكرون فيه اليوم.
هذا التحول ألغى سلطة الرقابة، فلم يعد في الإعلام الجديد وزير ولا رئيس تحرير، إنما الرقابة الذاتية التي تنطلق من الإنسان ذاته.
بساطة هذا الإعلام وعفويته وفطريته هي التي جعلته يستحوذ على الكثير من المتابعين دون أن يركن إلى سلطة رجل أعمال أو مال أو صاحب نفوذ.
وربما كانت مصداقيته أعلى؛ لبعده عن الضغوط الناتجة عن ألوان الرعاية والدعم، ورغبة الممول أو المعلن.
الصنعة والتكلف صفة رديئة في الإعلام التقليدي، جعلته يعجز عن المنافسة؛ لأنه لا يمتلك أدواتها ولا يمتلك الجرأة على ممارسة الحياة بشكلها الصحيح.
كلما استطاعت الأداة الإعلامية أن تكون عفوية ومنسجمة مع طبيعة الإنسان ونفسيته وطموحه، كانت أقرب للنجاح وأعمق في التأثير.
الإعلام الجديد إعلام تفاعلي، يقرأ ما يفكر فيه الناس، وما يريدون، ويتفهم حاجاتهم ومطالبهم وشكاواهم، ويسعى إلى تحقيق ذلك، بعيدا عن المبالغات والتهويل، وبعيدا عن التجاهل وإغماض العيون، وبعيدا عن الفرض والقسرية.
الإعلام هنا يمكن أن يكون تنمويا تربويا، بل أداة للنهضة، لأنه يدرك الحالة التي عليها الناس، ويساعدهم على الرقي إلى ما هو أفضل منها، ويمنحهم الحق في المشاركة والنقد والتعبير.
الإنسان ليس حجرا ولا حيوانا ولا نباتا يكفي أن توفر له الماء والهواء والطعام لينمو، كلا.. هو عقل يفكر، وروح تتطلع، وقلب ينبض، هو أحلام مستقبلية جميلة يخرج بها من آلام الواقع، هو كينونة خاصة، وبصمة مختلفة لا ينوب عنه أحد، وله معاناته ورؤيته ونظرته، صوابا كانت أو خطأ، لا الأب ولا الزوج ولا الشريك ولا الحبيب يمكن أن يكون صورة طبق الأصل عنه، الإعلام الجديد يسمح له أن يفتتح موقعا في (الفيس بوك)، وأن يعلق، ويعبر عن رأيه المختلف، وأن يصوت مع أو ضد، وأن يعلق موافقا أو مخالفا أو مستدركا أو مضيفا، وأن يشرح معاناته الخاصة ويستمع إلى مقترحات الآخرين، وأن ينقل الخبر والتحليل والحدث أولا بأول.
وكثيرا ما تعتمد قنوات عالمية شهيرة على صورة أو رواية لعابر سبيل تصبح هي محط الأنظار.
لم يعد الإعلام رسالة رسمية تحتشد بعبارات المديح والثناء والإطراء، ولا محتوى يفرض من فوق، بل هو تفاعل وتواصل واستماع متبادل.
الإعلام الجديد منافس خطير، سهل، رخيص، سريع، إنساني، وما لم يطور الإعلام التقليدي من ذاته وأدواته وأفكاره فسوف يصبح جزءا من التاريخ.
الوسائل العادية لن تفلح في الحفاظ على المواقع القديمة، وحين يكون هدفنا نشر قيم الفضيلة والأخلاق والعدل وتنمية الروح الفاضلة فلن يتم هذا بمعزل عن الناس الذين نريد أن نحقق لهم ذلك، الإعلام ليس وصاية على الناس.
والحديث موصول بإذن الله.
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 138 مسافة ثم الرسالة