-A +A
علي فقندش (جدة)
بنيت السينما الملحمية في العالم اجمع والواقعية على اداب الشعوب وعبقرية كبار كتابها ولعل من ابرز ماقدمته السينما العالمية وظل كتراث سينمائي وتلفزيوني فيما بعد مثل تشارلز ديكنز في (اوليفرتوست) و(قصة مدينتي) وغيرها كذلك اليكس هالدي وعبقريته الادبية كونتاكنتي «الجذور» وفيكتور هوجو في «البؤساء» وباسترناك في (دكتور زياجو) وديستوفيسكي في (الاخوة كرامازوف) وايملي برونتي في (مرتفعات وذرينج) ومارغريت ميتشيل في (ذهب مع الريح) وكثيرة هي الدلائلا التي جعلت من اهم روايات الادب العالمي وروائييه سببا مباشرا لصناعة ذاكرة السينما وجعل كلاسيكياتها ابدية تقريبا.. وكانت هذه الاعمال هي التي صنعت نجومية كبار نجوم السينما واوضحت لهم سبل مستقبلهم الفني بل كانوا علامات واسماء كبيرة من خلال هذه الاعمال المبنية على ابداع نجوم الرواية.
كذلك كان الراحل نجيب محفوظ إذ ان كثيرا من نجوم السينما العربية اكتسبوا وهجهم ومكانتهم واسماءهم الكبيرة من اعمال روائية للكاتب الكبير الذي رحل عن دنيانا امس فقد كانت شخصيات رواياته المختلفة سببا في نجومية من جسدوها على الشاشة (لذا نحن طوال عمرنا نعلم ان الارضية الصحيحة والاساسية للعمل الفني هو الورق المكتوب والحبكة الدرامية.. القصة والسيناريو والحوار.
وربما كان هذا النجاح للراحل محفوظ في صناعته او صناعة رواياته للنجوم أنه بدأ تعامله مع السينما ليس كروائي فقط بل كتب السيناريو والحوار لاعماله في البدايات الامر الذي مكن له ولادبه السكن في دواخلنا وفي وجداننا وفي ذاكرة التاريخ الفني.
ومن الشخصيات التي صنعتها وصنعت نجوميتها كانت شخصياته في الثلاثية (قصر الشوق - بين القصرين- السكرية) شخصية (سي السيد) التي حددت صناعة ونجومية الراحل يحيى شاهين وكل من عمل معه في الثلاثية مثل عبدالمنعم ابراهيم.. كذلك تقديم نور الشريف كشاب ثوري نضالي بدأ نجوميته الفعلية من هذا العمل..
اما عالمية نجيب محفوظ الفعلية فتأتي من كونه اهم من صور الحالة الاجتماعية المصرية والبيئة بشكل عام من خلال حرافيشه وغيرها من الاعمال التي ليست لها بداية او نهاية وهنا ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن عمله الادبي الكبير (بداية ونهاية) الذي كان سببا في نجومية كثير من نجوم الشاشة العرب كان في المقابل سببا رئيسيا لنجومية نجيب محفوظ في العالم اذا ما استثنينا نوبل بعد ان شاركت المكسيك في دورة مهرجان سان سباستيان السينمائي الدولي في اقليم الباسك عام 1993 بفيلم مكسيكي عن هذه الرواية لنجيب محفوظ من انتاج واخراج ارتورو ريبشتين وكان هذا الفيلم هو من حصل على السعفة الذهبية في تلك الدورة للمهرجان.
وهنا يذكر تقديم سينما المكسيك روايته الشهيرة (زقاق المدق) في فيلم حقق الكثير من النجاح بحصوله على 49 جائزة دولية من 40 مشاركة في اربعين مهرجانا دوليا وعربيا بين عام 94 و 1995 واذا ماكنا نواصل سرد نجومية من صنعهم ادب نجيب محفوظ فكانت هذه الرواية الاخيرة (زقاق المدق) هي التي صنعت نجومية فعلية للمثلة المصرية معالي زايد في العمل المسرحي عن هذه الرواية (وليس الفيلم).
ايضا وفي العام 1961 كانت روايته (اللص والكلاب) هي من صنع وفعل اسماء نجومها في عالم الفن كمال الشناوي وشكري سرحان وشادية، كذلك كانت روايته (ميرامار) التي قدمت النجمة سهير رمزي في اول ظهور سينمائي لها في دور صغيرجدا وربما يتذكر القارئ كم كانت رائعة فكرة هذا العمل الادبي والسينمائي من طرح وجهات نظر مختلفة لجريمة واحدة حيث كان كل يحكى الحادثة من وجهة نظر خاصة ومختلفة كذلك روايته (القاهرة والناس) وشخصية محجوب الذي كان من الممكن ان يبيع كل شيء من اجل تحقيق طموحه حتى زوجته.. اما صناعة نجومية العديد من اهل الفن فكانت في عمله الادبي الكبير (ثرثرة فوق النيل)..
ومن ابرز اعماله التي تعاملت معها الكاميرا هي مجموعته القصصة (همس الجنون) التي تحدثت احداها عن الفساد الاجتماعي في الطبقات الارستقراطية حيث كان مختصرها ان اغنى واشيك شابين من هذه الطبقة في مصر تزوجا اغنى واجمل شابتين (شقراء وسمراء) الا ان الظلام ومنتصف الليل كان يجعل كلا الطرفين في حالة استبدال للجسد والعاطفة الى ان تضيء الانارة ليعود الزيف.
اما عن علاقته الوطيدة بالسينماء هو وادبه فقد قال الكاتب والصحافي محمود موسى ان للكاتب نجيب محفوظ دورا كبيرا في تاريخ السينما المصرية على مستوى الكم والكيف خصوصا انه قدم مايزيد على 60 فيلما منهاما أخذ عن رواياته وافلام كتب او شارك في سيناريوهاتها ولهذا فان كثيرين وصفوا دور نجيب محفوظ في السينما بانه من العيار الثقيل الذي قد لا يتكرر.

البدايات
ونجيب محفوظ يعد اول اديب عربي يكتب للسينما اذ بدأ عام 1945 بفيلم «مغامرات عنتر وعبلة» يقول نجيب محفوظ عن بداية علاقته بالسينما عرفني صديقي المرحوم الدكتور فؤاد نويره بالمخرج صلاح ابو سيف وطلب مني ان اشاركهما في كتابة سيناريو فيلم للسينما وكان صلاح ابو سيف هو صاحب فكرة الفيلم وقد شجعني للعمل معه انه قرأ لي «عبث الاقدار» واوهمني ان كتابة السيناريو لا تختلف عما اكتبه عندما سألني عن ماهية السيناريو الذي لم اكن اعرفه.. والحقيقة انني تعلمت كتابة السيناريو على يد صلاح ابوس يف.. كان يشرح لي في كل مرحلة من مراحل كتابته ماهو المطلوب مني بالضبط وبعد ان انفذه اعرضه للمناقشة التي كان يشاركنا فيها الدكتور فؤاد نويره ومعه عبدالعزيز سلام واستمر نجيب محفوظ في كتابة السيناريو والقصة السينمائية حتى عام 1960 حيث بدأت تتحول قصصه ورواياته الى افلام.
وبعد مرحلة تحويل رواياته وقصصه الى افلام لم يشاركه نجيب محفوظ في كتابة سيناريوهات الافيلم الناصر صلاح الدين قصة يوسف السباعي وسيناريو نجيب محفوظ وعبدالرحمن الشرقاوي وعز الدين ذو الفقار وحوار يوسف السباعي وعبدالرحمن الشرقاوي واخراج يوسف شاهين ومن يومها اكتفى محفوظ بان تقدم اعماله فقط. ومن كلمات نجيب محفوظ وجهنا سؤالا الى عدد من كتاب السيناريو والمخرجين الذين حولوا رواياته الى افلام «هل الافلام التي قدمت تنتمي الى عوالم نجيب محفوظ ام انها عبرت عن مخرجيها وكتاب السيناريو« ممدوح الليث نقيب السينمائيين والذي كتب 7 افلام ماخوذة عن روايات نجيب محفوظ وهي «ثرثرة فوق النيل« و«السكرية» و«الكرنك» و«ميرامار« و«المذنبون» و«الحب تحت المطر» و«اميرة حبي انا» يقول ان كل هذه الافلام تنتمي الى فكر نجيب محفوظ لانه صاحب الرؤية الاولى ولكن اللغة السينمائية من افكاري.. وانا كنت احرص على ان اصل الى المضمون الذي يريده دون اخلال او تغيير للاسماء او الوظائف فاحيانا نعدل فيها لاضافة اهداف اخرى.
واكد الليثي ان محفوظ يثق بي تماما والا ماسمح لي باستخدام رواياته وهو لم يغضب مني ابدا بل انه انقذني ذات مرة عندما اصر يوسف السباعي على حذف مشاهد من «الكرنك» ويومها دعوت استاذنا لمشاهدة العرض ويومها حضر برغم انه لم يكن يحب مشاهدة افلامه وبالفعل وجوده انقذني من غضبة السباعي.
وعن تدخلات نجيب محفوظ في اختيار ابطال الافلام قال الليثي لم يتدخل اديبنا الكبير في اختيار الابطال وعندما كنا نعرض عليه اسم البطل او البطلة لم يكن يجيب بالقبول او الرفض وانما يقول ممكن وقال السيناريست مصطفى محرم الذي كتب اعمالا سينمائية ماخوذة عن روايات وقصص نجيب محفوظ ان ابداع اعمالي واهمها هي الاعمال التي قدمتها عن اعمال لنجيب محفوظ ومنها افلام وصمة عار والجوع والحب فوق هضبة الهرم شهد الملكة والخادمة ووكالة البلح واهل القمة ودنيا الله وسمارة الامير.
واكد مصطفى محرم كنت التزم تماما بالرواية المكتوبة ومضمونها اما في بعض السيناريوهات فلم تكن بعيدة عن عالم نجيب محفوظ لان الفكرة اساسا ماخوذة عنه وكانت الاضافات في القصص القصيرة فكنت اخذ الفكرة فقط وابني حولها النسيج الدرامي وقال محرم وان اديبنا الكبير نجيب محفوظ لم يعترض ابدا على اي سيناريو كتبته لانه كان يثق في ادواتي واذكر مرة انه انتصر لي واختار السيناريو الذي كتبته لفيلم شهد الملكة ورفض السيناريو الذي كتبه سعيد مرزوق وعما اذا كان يحرص قبل بدء التصوير على ان يقوم ابطال الافلام بقراءة الرواية قبل السيناريو قال ليس كل الممثلين عندهم هواية ورغبة للقراءة وهناك قلة تعشق القراءة ومنهم نور الشريف واحمد زكي واكد المخرج الكبير كمال الشيخ انه حرص خلال الفيلمين اللذين قدمهما لنجيب محفوظ على عدم الاخلال بمضمون الروايتين اللص والكلاب وميرامار واضاف كنت قبل الدخول في التصوير اذهب الى الاديب الكبير نجيب محفوظ ومعي السيناريو لاخذ رايه واسمع لارائه وملحوظاته.