لم يستبعد الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل مستشار الرئيس السوداني عمر البشير للشؤون الخارجية، وزير الخارجية الأسبق في حوار أجرته «عكاظ» في الخرطوم عودة الوحدة بين دولتي السودان، لكنه ربط ذلك بمرور سنوات عدة قد تصل إلى عشر حتى يقتنع الجنوبيون بأنها الخيار الأفضل لهم.
وقال اسماعيل أن الاتجاه الحالي هو أن تكون الحدود بين الدولتين مفتوحة ليتحرك مواطنوهما عبرها دون تأشيرات دخول. وعن العلاقات الدبلوماسية والتعاون بين جوبا وإسرائيل قال «ليست لدينا مشكلة في ذلك ولسنا قلقين، بشرط ألا يوجه هذا التعاون ضدنا».
وهنا نص الحوار:
• بعد أن شارك الرئيس البشير في احتفال شعب الجنوب بإقامة دولته، ما أبرز ملامح علاقاتكم مع الدولة الوليدة؟
ــ البعد الإقليمي في التعامل مع الجنوب قائم على سياستنا مع دول الجوار، فالسودان كانت له حدود مع تسع دول، وأصبحت بعد الإنفصال سبع أهمها بالنسبة لنا دولة جنوب السودان، بحكم أن حدودنا معها الأطول بما يتجاوز ألفي كيلومتر، والأكثر تداخلا بين السكان. وهناك نحو عشرة ملايين نسمة يعيشون على الحدود إلى جانب تنقل حركة الرعي بين الشمال والجنوب، التماس الثقافي والتمازج الاجتماعي في العلاقات التي ربطها الزواج بين الشماليين والجنوبيين.
وسياستنا مع الجنوب ستبنى وفقا للسياسة التي سوف تتبعها حكومة جوبا تجاهنا، فنحن سنمد لها يد التعاون، وقد طرحنا عليها وثيقة لاستراتيجية التعامل في المجالات الاقتصادية، السياسية، الأمنية والثقافية، ولا زال النقاش يدور حولها. وإذا اختارت دولة الجنوب التعاون مع الشمال ستصبح واحدة من الدول التي تحقق الأمن والاستقرار لأفريقيا.
• ألا يشكل تحرك إسرائيل لإقامة علاقات وثيقة مع جنوب السودان مصدر قلق؟
ــ لسنا قلقين، وليس لدينا مشكلة في أن تكون للجنوب علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، أو تعاون معها، لكن ستكون لنا وجهة نظر أخرى إذا كان هذا التعامل موجها ضد الشمال، أو إذا كان للجنوب ارتباط بقوى معادية لنا في الغرب، خاصة في الولايات المتحدة .
• ماذا يضيركم خاصة وأنكم أعلنتم أن دولة الجنوب حرة في إقامة علاقات مع إسرائيل؟
ــ لأن تلك القوى أعلنت أن سياستها وهي إسقاط النظام في السودان. وبعيدا عن أمريكا سنختلف مع جوبا إذا كانت حاضنة للقوى المتمردة في الشمال.
• من تقصد؟
ــ مثل الحركات المتمردة في دارفور التي لم تستجب للسلام حتى الآن، أو قوى التمرد في جنوب كردفان، فإذا ارتضى الجنوب السير في هذا الطريق فعندئذ لابد من التعامل بالمثل.
• هل تتضمن وثيقة التعاون بينكم وبين الجنوب بنودا بشأن ترسيم الحدود في مناطق النزاع المختلف عليها؟
ــ لسنا منزعجين كثيرا من أمر الحدود، لأنها حدود واضحة، وتم ترسيم أكثر من 80 % منها. ونحن نحرص الآن على حدود مرنة بين الشمال والجنوب، كي تسمح بانتقال المواطنين على جانبيها، لذا أنا لا أتوقع أن تشكل مشكلة بين الدولتين.
• كيف لا يشكل ترسيم الحدود مشكلة وهو من الملفات العالقة بين الجانبين؟
ــ نعم هي فعلا من الموضوعات المتبقية من اتفاقية السلام. وسوف يستمر الحوار حولها مع جوبا.
• هل تعني بحدود مرنة، حرية التنقل بين الدولتين كما يحدث في بعض دول الاتحاد الأوروبي؟
ــ نعم، فالاتجاه الآن هو أن تكون الحدود مفتوحة، ويسمح لمواطني الدولتين بالتحرك دون تأشيرات، لكي لا نعقد حركة الرعاة والباحثين عن العمل.
• بعد الانفصال زاد قلق الخرطوم بشأن أبيي بدليل أنها عززت وجود قواتها المسلحة فيها، فهل رصدتم تحركا دوليا لضم أبيي إلى الجنوب بالقوة؟
ــ عندما أرادت الحركة الشعبية أن تتخذ القرار حول أبيي منفردة واحتلتها حسمنا المسألة بتحريك القوات المسلحة لتضع يدها على كل أبيي، إلى أن توصلنا الآن إلى اتفاقية بوجود طرف ثالث، وهي القوات الإثيوبية. ومن المتوقع أن يصل خلال الأيام المقبلة رئيس جمهورية جنوب أفريقيا مبيكي حاملا مقترحا لمعالجة الأوضاع في أبيي، فإن كان مقترحه مقبولا لدى الأطراف كلها فسنكون قد انتهينا من ملف أبيي بالكامل.
• هل تكشفت لكم مضامين هذا المقترح؟
ــ لم تتضح بعد، سوى أن وساطة أفريقية تتمثل في مجموعة عالية المستوى ستتقدم بها، وتتكون من رئيس جنوب أفريقيا ورئيسي نيجيريا وبروندي الأسبقين. ويتم تدارس هذا المقترح بين البشير وسلفاكير.
• يدور حديث في أروقة البرلمان عن مخطط لإعادة وحدة السودان، فهل يمثل توجها للحكومة أم مجرد رأي برلمانيين؟
ــ لا نستبعد عودة الوحدة بين الشمال والجنوب، مثلما حصل بين الألمانيتين واليمنيين، لكن تحقيق ذلك لن يكون قريبا، بل يحتاج إلى تفكير لسنوات يظل خلالها الجنوب دولة مستقلة، حتى يقتنع الجنوبيون أنفسهم أن الأفضل لهم الوحدة. وعندئذ لا بد من إقناع الشماليين، بمعنى أن الوحدة المقبلة إن طرحت لن تكون فقط بتصويت الجنوبيين، بل بموافقة الشماليين أيضا. وفي تقديري أن السودان سيتوحد مرة أخرى، لكن بعد سنوات قد تمتد إلى عشر.
• لماذا لا تضعون في اعتباركم أن الجنوبيين قد يقررون من منطلق عرقي وديني الانضمام إلى إحدى الدول الأفريقية المجاورة لهم كأوغندا مثلا؟
ــ هذا وارد، لأن هناك مجموعة لدول شرق أفريقية تضم أوغندا، كينيا، تنزانيا، بوروندي ورواندا خطت خطوات لإقامة اتحاد سياسي بينها. ولا أستبعد أبدا أن تنضم دولة جنوب السودان إليه.
• بم تفسر التعجيل في توقيع اتفاق الدوحة للسلام في دارفور بعد انفصال الجنوب مباشرة؟
ــ اتفاق سلام دارفور أخذ وقتا أكثر من اللازم وتأخر نحو عامين في حوارات متعددة تمت في الدوحة، فكان لا بد من حسم هذه المسألة.
• تأخرت لعامين ولن يكون حسمها إلا بعد انفصال الجنوب تحديدا؟
ــ كان مقرر أن يتم التوقيع على الاتفاق قبل يوم من انفصال جنوب السودان، لكن ربما كان المعنيون في الدوحة أو المحاورون الآخرون يطمحون إلى انضمام فصائل دارفورية أخرى للاتفاقية. وللعلم التوقيع عليها لم يؤجل لمرة واحدة، بل تأجل أكثر من خمس مرات، من يناير إلى مارس وإلى مايو ثم يونيو وصولا إلى يوليو.
• أخيرا، ما موقفكم حيال مطالب محكمة الجنايات الدولية واتهام الرئيس البشير بأنه وراء الحرب في دارفور؟
ــ نحن مهتمون بالعدالة في دارفور، واتفاقية الدوحة غطت هذا الأمر، إذ تضمن واحدا من بنودها كيفية معالجة العدالة في الإقليم، دون ذكر محكمة الجنايات الدولية. ونحن نقول أن المحكمة مسيسة، وتمول من الدول الأوروبية فقط لمعاقبة الأفارقة، حتى أمريكا لا تمولها، فهي لم تصدر حكما إلا وكان بحق أفريقي. وفي تقديرنا أنها محكمة عنصرية، ونعتقد أنها تستخدم لأجندة دول أخرى، وجميع القرارات الصادرة من جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي ودول عدم الانحياز تؤكد على عدم التعامل مع هذه المحكمة. ورغم ذلك نحن لا نغفل أثرها، وفي يقيننا كيفية مواجهتها وحسمها.
• كيف يتم حسمها؟
ــ إحدى آليات الحسم هي الاستقواء بعمقنا العربي والأفريقي والإسلامي ومجموعة عدم الانحياز.