-A +A
محمود عيتاني ـ بيروت (هاتفيا ـ بغداد)

طالب رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي بإعادة ترتيب العلاقة بين بغداد وطهران على أساس توازن المصالح المشتركة وعدم التدخل في السيادة والشأن الداخلي. وأفاد في حوار أجرته معه «عكاظ» أن المشهد الحالي في العراق يتسم بعودة الطائفية السياسية إلى الواجهة مع التدخلات الخارجية من بعض دول الجوار. ولفت إلى أنه لم يكن أمامهم غير القبول بما أسماه «الانقلاب الدستوري» بسبب الموقف الإيراني ضد كتلة «العراقية» وموافقة الولايات المتحدة عليه لأسباب مرتبطة بالوضع الأمريكي الداخلي وسياسات واشنطن في الشرق الأوسط. وهنا نص الحوار:



• يمر العراق منذ الانتخابات النيابية في العام الماضي بأزمة سياسية، حيث حرمت كتلة «العراقية» رغم فوزها من تشكيل الحكومة. ولا يزال الخلاف قائماً على حقيبتي وزارتي الدفاع والداخلية، فكيف تقرأ المشهد العام؟

- تنازل «العراقية» عن استحقاقها الانتخابي والدستوري جاء على خلفية عوامل عدة في مقدمتها المداخلات من دولة إقليمية. واقترن ذلك بسكوت أو ربما توافق دولي من قبل الولايات المتحدة مما وفر إمكانية انعقاد تحالف مفاجئ غير دستوري تعزز برأي مسيس وغير دستوري من المحكمة العليا. ووجدت «العراقية» نفسها بناء على ذلك وأمام استمرار معاناة العراق وشعبه في موقع قرار يتعين أن يوازن بين مصالح الشعب من خلال الإسراع بتكوين حكومة وبين الإصرار على الاستحقاق الانتخابي. وكان الرأي الذي وجدنا أنه يصب في مصلحة الشعب هو التنازل عن استحقاقنا لكن بضمان تحقيق حكومة الشراكة الوطنية في القرارات السياسية الأساسية والتي تناط بالمجلس الوطني للسياسات العليا فضلا على ثماني اتفاقات أخرى. وعلى هذا الأساس تمحورت حوارات الشراكة في تسعة محاور منها مجلس السياسات والملف الأمني، لكن هذه المحاور لم تتحقق بعد مضي ما يقارب السنتين على الانتخابات وثمانية أشهر على تشكيل الحكومة التي لا تزال ناقصة.

وعلى ضوء ذلك فإن المشهد العراقي للأسف يتسم بعودة الطائفية السياسية إلى الواجهة ورداءة الخدمات وازدياد البطالة وتراجع الحريات بشكل مخيف والتدخلات الخارجية من بعض دول الجوار لإضعاف البنية العراقية.

• يرى بعض المراقبين أن جوهر المشكلة العراقية خارجي، فالضغوط الإيرانية جاءت بالمالكي. والولايات المتحدة تحبذ بقاءه لأسباب خاصة بها، في حين أن ضغوطاً مورست عليكم من أصدقائكم للتخلي عن حقوقكم في تشكيل الحكومة، فهل هذا يعبر عن الحقيقة؟

- الإجابة على الجزء الأكبر من هذا السؤال نعم، لكن ما أشرتم إليه من ضغوط علينا من الأصدقاء لم يحصل ولن نقبل به. وما حصل هو أن أصدقاءنا لم يفلحوا في إقناع إيران والولايات المتحدة بتغيير موقفيهما.

• حينما وافقتم على المشاركة في جلسات البرلمان وانتخاب رئيسه بناء على اتفاق أربيل، ألم تكونوا تدركون أنكم بذلك فقدتم كل أوراق الضغط المتاحة لكم، وقبلتم «شرعنة» الانقلاب الدستوري الذي كنتم اعترضتم عليه؟

- كنا نواجه موقفاً إيرانياً شديداً ضد «العراقية» وضدي شخصياً، وكذلك موافقة من الولايات المتحدة على هذا الموقف لأسباب ربما مرتبطة بالوضع الأمريكي الداخلي وسياسات واشنطن في الشرق الاوسط. ولم يكن أمامنا غير القبول بهذا الانقلاب الدستوري، لكن حاولنا تخفيف خسائر الشعب العراقي وحدة وضراوة الموقف من خلال العمل على تأمين الشراكة لكي لا تذهب تضحيات شعبنا فضلاً على تجاوزه المخاطر والتصويت لـ«العراقية» مما جعلها دستورياً وديمقراطياً الفائز الأول.

• يرى البعض أنكم تأخرتم في اتهام المالكي باستغلال موارد الدولة لدعم حزب الدعوة والعشائر المؤيدة له، فما تعليقكم؟

- للأسف يأتي العراق في «قعر» سلم الفساد المالي والإداري في العالم. وأصبح الفساد آفة تساهم في تدمير الاقتصاد العراقي من ناحية وتغيير البنى الاجتماعية من ناحية أخرى. وكل هذا يتم باسم الديمقراطية ويمارس من قبل نافذين في السلطة وهي تقف متفرجة خاصة وأن بعض الممارسات غير دستورية مثلاً دعم ما يسمى مجالس الإسناد والتي هي لخدمة جهات نافذة في الحكم.

• كان الرهان في الانتخابات النيابية الأخيرة على انطلاق المصالحة الحقيقية بين مكونات الشعب، بعد سنوات من التقاتل الطائفي، ومحاولات الإقصاء والاجتثاث، فإلي أين وصل مشروع المصالحة؟

- لا توجد مصالحة، فسياسات الاجتثاث تتصاعد وكذلك الاعتقالات والتهديد والإقصاء والاغتيالات وتفرد المجاميع المسلحة غير الدستورية في تصاعد. ولهذا فإن الديمقراطية الحقيقية والمصالحة الوطنية الناجزة غائبة في العراق الآن حتى إشعار لاحق.

• مع اقتراب الانسحاب الأمريكي من العراق، عادت النظرة التشاؤمية حيال تحمل قوات الجيش والأمن لمسؤولياتها، فما هو موقفكم من محاولة تمديد وجود الجيش الأمريكي بصيغ مختلفة. وكيف تنظرون إلى بناء الأجهزة الأمنية العسكرية؟

- الانسحاب أو البقاء الأمريكي من وجهة نظرنا يقترن بمجموعة عوامل. وعلينا أن نعرف ونفهم ما هو تحديداً المعروض على العراق سواء جاء ذلك التوضيح من الحكومة أو من الولايات المتحدة. وعلينا أن نعرف حجم وطبيعة بقاء القوات والفترات الزمنية لبقائها ومهامها. وكذلك يتعين أن نعرف تحديداً الالتزامات السياسية المرتبطة بالبقاء هل هو لأمور داخلية عراقية أم للدفاع أو للمساعدة في الدفاع عن العراق وضد من. وفضلا على ذلك ينبغي أن تقوم الحكومة ورئيس مجلس الوزراء الذي هو القائد العام بالتوضيح لمجلس النواب سواء كانت رؤيته إيجاباً أم سلباً مع التبريرات والمعطيات الكاملة. وحينذاك نستطيع بالتشاور داخل «العراقية» ومع حلفائنا في الطيف السياسي لاتخاذ القرار المناسب الذي يخدم العراق.

• ما هو تقييمك للدور الإيراني في العراق؟

- إذا لم يعد ترتيب العلاقة لتكون مبنية على أساس المصالح المشتركة وتوازنها وعدم التدخل في السيادة والشأن الداخلي فإن العلاقة بين الجانبين ستستمر متوترة وفي تصاعد يهدد أمن المنطقة.

• هناك من يتهم الدول العربية بالتقصير تجاه العراق، أين ترى مكامن هذا التقصير إذا كان موجودا فعلا؟ وكيف يمكن معالجته؟

- تغييب الدور العربي ابتداء من العراق ومروراً بمصر وما يحصل من إراقة دماء وتوترات شديدة في اليمن وسوريا وغيرهما أدى الى بروز دور إقليمي جديد لثلاث قوى هي إيران، تركيا، واسرائيل. وهذه البلدان متناقضة فيما بينها من حيث المصالح والمنطلقات، ومخاوفي تكمن في استمرار غياب التأثير العربي في ما يجري في المنطقة وربما يحدد مستقبلها.

• ما هي قراءتك للاحتجاجات العربية الحاصلة، وإلى أين ستصل في اعتقادك؟

- هناك مطالب مشروعة للشعوب بضرورة تحقيق الإصلاحات السياسية، الاجتماعية، والاقتصادية.وهذا أمر معقول ومقبول لكن يجب أن يتم عبر الحوار والوسائل السلمية.

هناك مخاطر حقيقية نتيجة ما يحصل واستمراره خاصة في غياب رؤية دولية واضحة وهادفة. بعض المخاطر التي أقصدها تكمن في احتمال حصول حالة مفزعة من الفراغ السياسي لا نعلم إلى أين ستؤدي ولا نعلم ما سيكون عليه الوضع السياسي بعد التغيير إن حصل فعلاً بهذه الطريقة فضلا على المخاوف من سيطرة قوى متطرفة هنا وهناك ومخاوف من التجزئة والاقتتال الأهلي وإراقة الدماء كما يحصل الآن.

لقد كنت مدعواً في اجتماع لحلف شمال الأطلسي في إيطاليا منذ أسابيع قليلة وطلب مني ومن شخصيات أخرى الحديث عن ما يجري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتساءلت في حديثي عما إذا كانت هناك رؤية موحدة لدول الحلف وتصور لما يمكن أن يحصل بعد التغيير السياسي. وهل هناك تشخيص لقوى التطرف التي قد تستغل المشاعر العفوية لإيقاع الضرر بمطالب الجماهير. أو أن تقفز قوى التطرف إلى قيادة السلطة السياسية. وهل هناك خطاً فاصل بين مكاسب الجماهير المشروعة المرتبطة بتأمين حقوقها الأساسية وبين من يريد فرض ديمقراطية بقوالب محددة بأشكالها وأطرها بطرق وإن كانت دموية من دون الالتفات للثقافة والتقاليد والقيم السائدة في بلادنا. لم أجد جواباً مقنعاً إلا من القلة جداً من الجمع الموجود في ذلك الاجتماع.