نواصل في هذه الحلقة رصد أبرز المواقف التي تجسد كفاح وتميز وانسانية معتوق احمد حسنين – يرحمه الله – والذي كان شاهداً على ولادة العديد من القطاعات والهيئات الحكومية والخاصة في عهد الملك عبدالعزيز وابنائه البررة من بعده كما نستعرض بعض القصص التي يرويها لنا ابنه الدكتور عبدالعزيز وعدد من اصدقاء الراحل لنكتشف مدى أهميته في دعم الاقتصاد الوطني و تحديث وتطوير مؤسسة النقد العربي السعودي, إضافة إلى أدواره الاجتماعية التي تمثلت في أعمال البر والخير.
روى لنا الدكتور عبدالعزيز قصة تجسد شخصية الراحل وانسانيته وبره بوالديه فقال: بعد أن قدم والدي عينة البترول الخام لجلالة الملك عبد العزيز عاد إلى المخيم ولم يكد يستقر فيه قليلاً حتى أبلغ عن طريق اللاسلكي بمرض والدته في مكة المكرمة وأن عليه أن يعودها .. ولقلة خبرته بالمراسم الملكية في ذلك الوقت التي تقتضي الاستئذان من جلالة الملك قبل السفر، استقل فورا اللوري متوجهاً إلى مكة المكرمة ليقف على الحالة الصحية لأمه ويتابعها عن كثب. وفي صبيحة اليوم التالي لسفره أبلغ طاهر الدباغ بأن جلاله الملك عبد العزيز يريد مقابلة معتوق لكي ينعم عليه بالمنحة الملكية مكافأة له لما حمل لجلالته من بشرى سارة ، ولكنه كان بعيداً ، هناك في مكة المكرمة . وهكذا أضاع عليه حبه لوالدته المكرمة الملكية الغالية .. التي لم يعلم ماهي (!!) إلى أن رحل إلى ربه !!
عربي يفوز على أمريكي
ومن ذكريات أبي عبد العزيز عن أيامه في مؤسسة النقد أن دار الحديث ذات يوم بينه وبين المحافظ المستر ستاندتش بلاوس، الذي كان من عادته قراءة الجرائد بصفة منتظمة والإطلاع على الأمور المالية والإقتصادية العالمية كل صباح، حيث بدأ المستر ستاندتش حديثه بقوله : الفرنك الفرنسي قوي جداً وفي اعتقادي أنه سيرتفع سعره ، فاعترض والدي على رأي المحافظ وقال له: إن العكس هو الذي سيحدث ، فالبنك الفرنسي ضعيف وبدوره سيضعف الفرنك . لكن حديث والدي لم يرق للمحافظ الذي بدا عليه الغضب لرأي والدي المعارض. ولما أحس والدي بغضبه .. حاول تلطيف الجو فوعد المحافظ بقلم باركر كهدية عقاباً له على معارضته له فقبل المحافظ الهدية وذهب عنه الغضب ، ولم تكد تمضي ستة أشهر على هذا الموقف حتى نشرت الصحف اليومية قرار وزارة المالية الفرنسية بتخفيض سعر الفرنك الفرنسي بنسبة 15% وإذا بالمحافظ في اليوم التالي يعقد اجتماعاً لمديري جميع اقسام المؤسسة بدأه بكلمة ذكر فيها الحاضرين بما حدث بينه وبين والدي الذي كان نائباً له في ذلك الوقت واعترف بأن والدي كان على صواب في تقديراته .. فيما يتعلق بضعف البنك الفرنسي والفرنك الفرنسي ، وقال ها أنذا أعيد إليه هديته وأتشرف بتقديم هدية مني لمعتوق. لكني أطمع في توجيه سؤال واحد لسعادة النائب ، وهو على أي أساس بنى تقديراته تلك ؟؟ فرد عليه والدي إنه قبل حوالى ستة أشهر عرضت الحكومة الفرنسية على حكومتنا .. رغبتها في شراء جزء من حصة البترول الذي تشتريه بالفرنك وليس بالدولار ، وهو ما أشعر والدي بان الحكومة الفرنسية تنوي تخفيض سعر الفرنك، وحيث كان والدي أحد أعضاء اللجنة التي كانت تعد قرارا لوزير البترول برغبة الحكومة الفرنسية في شراء البترول وبعد حوار مستفيض بين أعضاء اللجنة أصر والدي على وضع بند في عقد اتفاقية بيع النفط إلى فرنسا ينص أنه إذا انخفض سعر الفرنك الفرنسي ، تضاف نسبة الانخفاض إلى رصيد المملكة في البنك الفرنسي. وفعلاً تم تضمين هذا الشرط في الاتفاقية ، وجرى التوقيع على العقد متضمناً هذا الشرط. وبعد انتهاء والدي من الإجابة على سؤال المحافظ أمام الحضور ، وقف المحافظ وصفق لوالدي مما جعل الجميع يقفون مصفقين إعجاباً بأبي.
ما بعد التقاعد
بعد تقاعده المبكر .. أشتغل معتوق بالتجارة وأسس شركة بسيطة أسماها شركة (عبد العزيز معتوق حسنين وإخوانه) . بدأها بالسيارات حيث كان ممثلاً لشركتين بولندية ونمساوية في معرضه بحي (البغدادية) ، كما تاجر كذلك في الدراجات النارية ، وكان أشهرها ماركة (( هارلي ديفدسن) الأمريكية التي اشترت منها وزارة الداخلية والحرس الوطني فيما بعد الدراجات .. لما تتمتع به من متانة وقوة وسرعة.
عضو إداري
وفي عهد الأمير عبد الرحمن السديري – يرحمه الله – قائم مقام جدة آنذاك ، أصبح معتوق عضواً في المجلس الإداري ، ثم انتخب رئيساً للجنة تقدير العقارات المنزوعة الملكية للصالح العام .. وبقي في هذين المنصبين ست سنوات.
ولادة البنك الاهلي
ومما يذكر لوالدي .. أنه هو الذي أعد معروض الشيخ سالم بن محفوظ للشيخ عبد الله السليمان بهدف تحويل شركة الكعكي وبن محفوظ رسمياً إلى بنك . فتحمس الشيخ عبد الله السليمان لاقتراح بن محفوظ وأيده في ذلك نائب المحافظ الذي كان يرى في هذه الخطوة المحورية استشرافاً لمستقبل البلاد الاقتصادي ، فرتب لقاء بينه وبين الملك عبد العزيز وبن محفوظ. ومن هذا الاجتماع التاريخي ولد البنك الأهلي التجاري وأصدر الملك عبد العزيز أمره بتأسيس أول بنك سعودي في عام 1373هـ .
التفهم والتسامح
حاولنا الاقتراب من شخصية الراحل وطريقته في ادارة العمل وتعاملاته مع الموظفين من خلال بعض الاسماء البارزة التي سبق لها العمل الى جانبه حيث تحدث محمد سعيد عبد الله متبولي عضو المجلس البلدي ورئيس لجنة السجناء المعسرين السابق وقال:منذ عام 1377هـ أي قبل 50 عاماً عرفت معتوق حسنين عندما صدر قرار وزير المالية والاقتصاد الوطني آنذاك بتعيينه مديراً عاماً للشئون الاقتصادية خلفاً للمرحوم سامي كتبي الذي تقاعد آنذاك. وكنت أنا أشغل وظيفة مدير شؤون الموظفين بمديرية الشئون الاقتصادية وكان آنذاك القائم بأعمال مدير الإدارة بكر عباس خميس الذي سافر في إجازة وجاءنا معتوق حسنين وكان – يرحمه الله – خير خلف لخير سلف . أخلاق فاضلة ومعاملة حسنة وفي تلك الأيام كانت تدور معاملة بالموافقة على نقلي من المديرية العامة للشئون الإقتصادية بالرياض – بتوقيع سامي كتبي – إلى المديرية العامة لشئون الحج بجدة والتي كان يشغلها المرحوم أحمد قنديل قبل أن تصبح وزارة الحج والأوقاف وحدد فيها تاريخ انتهاء العمل بالرياض ومباشرتي بجدة حتى يطوى قيدي من ميزانية الشؤون الاقتصادية ويسجل في ميزانية مديرية الحج العامة بجدة . وخوفا من حدوث أي تغيير أو اعتراض من المدير الجديد - معتوق حسنين- دخلت عليه ومعي جميع الأوراق المتعلقة بالموضوع وشرحت له كل شيء ورجوته ألا يقف في طريقي وسألني – يرحمه الله - : هل لا زلت مصرا على النقل أم ترغب البقاء معي وستكون لك مكانة أكبر عندي ؟ قلت له : بكل صراحة مع تقديري لما ذكرت فإني مصر على النقل وأرجوك عدم تعطيلي عن السفر لجدة حيث كان مقرراً موعده ومتفق عليه بين الإدارتين . فما كان منه إلا أن قال لي أنا يا ابني لا أقف في طريقك ما دامت هذه رغبتك. وللتأكيد على ماذكرت أعمل الآن برقية عاجلة بتوقيعي للمدير العام لشؤون الحج بجدة بتأكيد مباشرتك لديهم في التاريخ المتفق عليه . ففرحت فرحاً شديداً وحالا كتبت البرقية وأرسلتها . وقبل سفري أراد زملائي الاحتفال بي بإقامة وليمة لتوديعي (بالدرعية ) وأخذنا جميع لوازم الوليمة بسيارة فورد بوكس جديدة تابعة للوزارة ، ونحن في طريقنا للدرعية أنقلبت بنا السيارة على ظهرها وقد كنت سائقها ، فقمنا بسحبها من الطريق إلى ورشة الجميح الذي كان وكيلاً لسيارات فورد بالرياض وتركناها عند باب الورشة لأنه كان يوم جمعه والورشة مقفولة وعدنا أدراجنا لمنزلنا . وطبعاً ضاعت الحفلة . ولكن بفضل من الله لم يصب أحد منا بأذى وفي صباح يوم السبت دخلت على أبو عبد العزيز فسألني : لماذا لم تسافر ؟ وأخبرته بما حدث – وأنا خجل جداً – وأبديت له أسفي الشديد لما حدث وأفهمته بانني أنا الذي كان يقود السيارة وحصل (بنشر) وانقلبت السيارة رأسا على عقب ، وهي في حالة سيئة أمام ورشة الجميح وتصليحها يحتاج إلى مبلغ كبير من المال . فبادرني : هل أنتم بخير ؟ قلت : نعم كلنا ولله الحمد بخير . قال : هذا هو الذي يهمني والحمد لله على سلامتكم . والآن أكتب تعميداً للجميح بإصلاح السيارة مهما كلفت على حسابي الخاص ولا تعلم الوزارة بشيء عما حدث . ولا تلقي لهذا الأمر بالاً وستسافر اليوم – إن شاء الله – وأنا أرسل من يستلم السيارة بعد إصلاحها . ثم سألني : هل أخذت تنازلا من زملائك أنهم بخير ؟ قلت : أي تنازل ؟ قال : أنصحك أن تعمل تنازلاً وتوقعه منهم جميعاً بأنهم بخير وليس بهم أي إصابات ولا يطالبونك بشيء، وتحتفظ به لديك ، فربما تظهر بالمستقبل آلام أو كسور باحدهم فيقيم عليك دعوى بأنك أنت السبب، وهذا التنازل سيكون وثيقة في يدك وذلك من باب الاحتياط. فقمت حالاً بما وجهني به وعرضته على معتوق فصادق عليه وقال : الآن أنت في أمان وتذهب لجدة اليوم – إن شاء الله – فقبلته وودعته وسافرت ومن ذلك التاريخ والمودة والاتصال والمحبة قائمة بيني وبينه الى حين وفاته يرحمه الله ولن انسى موقفه ما حييت.
الثقافة والاعلام
وعنه قال الكاتب المعروف عبد الله الحصين :كان أبو عبد العزيز يرحمه الله أحد الذين أسسوا البنية الإدارية في مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر وكان حفياً بالمؤسسة حريصاً على تطوير وتنمية مواردها كرجل اقتصادي صاحب ثقافة اقتصادية جيدة وحس ثقافي جيد أيضا كان – بالرغم من حرصه الدائم على تطوير المؤسسة وعلى تنمية مواردها – كان حفيا أيضا باعضاء مجلس الإدارة وبالمؤسسين جميعاً – رغم قلة عددهم – في ذلك الوقت وكان رقيقاً ومحباً للآخرين . هادئاً في حواره ومقنعا في الوقت نفسه . نذكره – يرحمه الله- وقد مضى إلى دار البقاء فلا ننسى جهده ومثابرته وحرصه .
اما الكاتب عبد الله عمر خياط فقال:كان معتوق حسنين من الرجال الذين يتصفون بالأخلاق النبيلة والقيم الجميلة والهدوء في الشخصية وعفة اللسان وكان مثقفاً وقارئاً متميزا إضافة إلى أدواره الاجتماعية التي تمثلت في أعمال البر والخير التي جعلت له حضورا متميزاً في الحياة العامة.
رمز النزاهة
وتحدث الأديب عبدالفتاح ابو مدين رئيس نادي جدة الأدبي السابق وقال: كان الراحل معتوق جم التواضع ، ورمز النزاهة مهذب النفس ، يحترم الناس وينزلهم منازلهم ، نادر الغضب ، لا تسمع منه ما يجرح ويسئ لأنه ذو خلق وأدب نفس ، وذلكم من مكارم الأخلاق.
لقد عرفت الفقيد العزيز عن بعد ، حين كان نائباً لمحافظ مؤسسة النقد في بلادنا ، وتلك المعرفة لا تؤهل صاحبها لحكم مجرد ، لأنها ناقصة غير أني حين انضممت إلى مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر.. في عام 1390هـ عرفت الرجل ، لأنه عضو في تلك المؤسسة ، وكان قبل ذلك مديرها العام .. عند بدء نشاطها .ورأيت رجلاً قليل الكلام بعيداً عن سبل الجدل . ولكنه يملك الحجة والدليل ، لأنه ذو عقل راجح ، وذو رأي والمتنبي يقول : ( الرأي قبل شجاعة الشجعان).
رأيت رجلاً مهذباً ، يزن كلامه قبل أن يلقي به ، ويدلل على رأيه بما يدعمه . وهو ليس من الطامعين والمتكالبين على المراكز والمناصب ، بدليل أنه لم يحرص على الاستمرار مديراً عاماً لتلك المؤسسة الصحفية.
روى لنا الدكتور عبدالعزيز قصة تجسد شخصية الراحل وانسانيته وبره بوالديه فقال: بعد أن قدم والدي عينة البترول الخام لجلالة الملك عبد العزيز عاد إلى المخيم ولم يكد يستقر فيه قليلاً حتى أبلغ عن طريق اللاسلكي بمرض والدته في مكة المكرمة وأن عليه أن يعودها .. ولقلة خبرته بالمراسم الملكية في ذلك الوقت التي تقتضي الاستئذان من جلالة الملك قبل السفر، استقل فورا اللوري متوجهاً إلى مكة المكرمة ليقف على الحالة الصحية لأمه ويتابعها عن كثب. وفي صبيحة اليوم التالي لسفره أبلغ طاهر الدباغ بأن جلاله الملك عبد العزيز يريد مقابلة معتوق لكي ينعم عليه بالمنحة الملكية مكافأة له لما حمل لجلالته من بشرى سارة ، ولكنه كان بعيداً ، هناك في مكة المكرمة . وهكذا أضاع عليه حبه لوالدته المكرمة الملكية الغالية .. التي لم يعلم ماهي (!!) إلى أن رحل إلى ربه !!
عربي يفوز على أمريكي
ومن ذكريات أبي عبد العزيز عن أيامه في مؤسسة النقد أن دار الحديث ذات يوم بينه وبين المحافظ المستر ستاندتش بلاوس، الذي كان من عادته قراءة الجرائد بصفة منتظمة والإطلاع على الأمور المالية والإقتصادية العالمية كل صباح، حيث بدأ المستر ستاندتش حديثه بقوله : الفرنك الفرنسي قوي جداً وفي اعتقادي أنه سيرتفع سعره ، فاعترض والدي على رأي المحافظ وقال له: إن العكس هو الذي سيحدث ، فالبنك الفرنسي ضعيف وبدوره سيضعف الفرنك . لكن حديث والدي لم يرق للمحافظ الذي بدا عليه الغضب لرأي والدي المعارض. ولما أحس والدي بغضبه .. حاول تلطيف الجو فوعد المحافظ بقلم باركر كهدية عقاباً له على معارضته له فقبل المحافظ الهدية وذهب عنه الغضب ، ولم تكد تمضي ستة أشهر على هذا الموقف حتى نشرت الصحف اليومية قرار وزارة المالية الفرنسية بتخفيض سعر الفرنك الفرنسي بنسبة 15% وإذا بالمحافظ في اليوم التالي يعقد اجتماعاً لمديري جميع اقسام المؤسسة بدأه بكلمة ذكر فيها الحاضرين بما حدث بينه وبين والدي الذي كان نائباً له في ذلك الوقت واعترف بأن والدي كان على صواب في تقديراته .. فيما يتعلق بضعف البنك الفرنسي والفرنك الفرنسي ، وقال ها أنذا أعيد إليه هديته وأتشرف بتقديم هدية مني لمعتوق. لكني أطمع في توجيه سؤال واحد لسعادة النائب ، وهو على أي أساس بنى تقديراته تلك ؟؟ فرد عليه والدي إنه قبل حوالى ستة أشهر عرضت الحكومة الفرنسية على حكومتنا .. رغبتها في شراء جزء من حصة البترول الذي تشتريه بالفرنك وليس بالدولار ، وهو ما أشعر والدي بان الحكومة الفرنسية تنوي تخفيض سعر الفرنك، وحيث كان والدي أحد أعضاء اللجنة التي كانت تعد قرارا لوزير البترول برغبة الحكومة الفرنسية في شراء البترول وبعد حوار مستفيض بين أعضاء اللجنة أصر والدي على وضع بند في عقد اتفاقية بيع النفط إلى فرنسا ينص أنه إذا انخفض سعر الفرنك الفرنسي ، تضاف نسبة الانخفاض إلى رصيد المملكة في البنك الفرنسي. وفعلاً تم تضمين هذا الشرط في الاتفاقية ، وجرى التوقيع على العقد متضمناً هذا الشرط. وبعد انتهاء والدي من الإجابة على سؤال المحافظ أمام الحضور ، وقف المحافظ وصفق لوالدي مما جعل الجميع يقفون مصفقين إعجاباً بأبي.
ما بعد التقاعد
بعد تقاعده المبكر .. أشتغل معتوق بالتجارة وأسس شركة بسيطة أسماها شركة (عبد العزيز معتوق حسنين وإخوانه) . بدأها بالسيارات حيث كان ممثلاً لشركتين بولندية ونمساوية في معرضه بحي (البغدادية) ، كما تاجر كذلك في الدراجات النارية ، وكان أشهرها ماركة (( هارلي ديفدسن) الأمريكية التي اشترت منها وزارة الداخلية والحرس الوطني فيما بعد الدراجات .. لما تتمتع به من متانة وقوة وسرعة.
عضو إداري
وفي عهد الأمير عبد الرحمن السديري – يرحمه الله – قائم مقام جدة آنذاك ، أصبح معتوق عضواً في المجلس الإداري ، ثم انتخب رئيساً للجنة تقدير العقارات المنزوعة الملكية للصالح العام .. وبقي في هذين المنصبين ست سنوات.
ولادة البنك الاهلي
ومما يذكر لوالدي .. أنه هو الذي أعد معروض الشيخ سالم بن محفوظ للشيخ عبد الله السليمان بهدف تحويل شركة الكعكي وبن محفوظ رسمياً إلى بنك . فتحمس الشيخ عبد الله السليمان لاقتراح بن محفوظ وأيده في ذلك نائب المحافظ الذي كان يرى في هذه الخطوة المحورية استشرافاً لمستقبل البلاد الاقتصادي ، فرتب لقاء بينه وبين الملك عبد العزيز وبن محفوظ. ومن هذا الاجتماع التاريخي ولد البنك الأهلي التجاري وأصدر الملك عبد العزيز أمره بتأسيس أول بنك سعودي في عام 1373هـ .
التفهم والتسامح
حاولنا الاقتراب من شخصية الراحل وطريقته في ادارة العمل وتعاملاته مع الموظفين من خلال بعض الاسماء البارزة التي سبق لها العمل الى جانبه حيث تحدث محمد سعيد عبد الله متبولي عضو المجلس البلدي ورئيس لجنة السجناء المعسرين السابق وقال:منذ عام 1377هـ أي قبل 50 عاماً عرفت معتوق حسنين عندما صدر قرار وزير المالية والاقتصاد الوطني آنذاك بتعيينه مديراً عاماً للشئون الاقتصادية خلفاً للمرحوم سامي كتبي الذي تقاعد آنذاك. وكنت أنا أشغل وظيفة مدير شؤون الموظفين بمديرية الشئون الاقتصادية وكان آنذاك القائم بأعمال مدير الإدارة بكر عباس خميس الذي سافر في إجازة وجاءنا معتوق حسنين وكان – يرحمه الله – خير خلف لخير سلف . أخلاق فاضلة ومعاملة حسنة وفي تلك الأيام كانت تدور معاملة بالموافقة على نقلي من المديرية العامة للشئون الإقتصادية بالرياض – بتوقيع سامي كتبي – إلى المديرية العامة لشئون الحج بجدة والتي كان يشغلها المرحوم أحمد قنديل قبل أن تصبح وزارة الحج والأوقاف وحدد فيها تاريخ انتهاء العمل بالرياض ومباشرتي بجدة حتى يطوى قيدي من ميزانية الشؤون الاقتصادية ويسجل في ميزانية مديرية الحج العامة بجدة . وخوفا من حدوث أي تغيير أو اعتراض من المدير الجديد - معتوق حسنين- دخلت عليه ومعي جميع الأوراق المتعلقة بالموضوع وشرحت له كل شيء ورجوته ألا يقف في طريقي وسألني – يرحمه الله - : هل لا زلت مصرا على النقل أم ترغب البقاء معي وستكون لك مكانة أكبر عندي ؟ قلت له : بكل صراحة مع تقديري لما ذكرت فإني مصر على النقل وأرجوك عدم تعطيلي عن السفر لجدة حيث كان مقرراً موعده ومتفق عليه بين الإدارتين . فما كان منه إلا أن قال لي أنا يا ابني لا أقف في طريقك ما دامت هذه رغبتك. وللتأكيد على ماذكرت أعمل الآن برقية عاجلة بتوقيعي للمدير العام لشؤون الحج بجدة بتأكيد مباشرتك لديهم في التاريخ المتفق عليه . ففرحت فرحاً شديداً وحالا كتبت البرقية وأرسلتها . وقبل سفري أراد زملائي الاحتفال بي بإقامة وليمة لتوديعي (بالدرعية ) وأخذنا جميع لوازم الوليمة بسيارة فورد بوكس جديدة تابعة للوزارة ، ونحن في طريقنا للدرعية أنقلبت بنا السيارة على ظهرها وقد كنت سائقها ، فقمنا بسحبها من الطريق إلى ورشة الجميح الذي كان وكيلاً لسيارات فورد بالرياض وتركناها عند باب الورشة لأنه كان يوم جمعه والورشة مقفولة وعدنا أدراجنا لمنزلنا . وطبعاً ضاعت الحفلة . ولكن بفضل من الله لم يصب أحد منا بأذى وفي صباح يوم السبت دخلت على أبو عبد العزيز فسألني : لماذا لم تسافر ؟ وأخبرته بما حدث – وأنا خجل جداً – وأبديت له أسفي الشديد لما حدث وأفهمته بانني أنا الذي كان يقود السيارة وحصل (بنشر) وانقلبت السيارة رأسا على عقب ، وهي في حالة سيئة أمام ورشة الجميح وتصليحها يحتاج إلى مبلغ كبير من المال . فبادرني : هل أنتم بخير ؟ قلت : نعم كلنا ولله الحمد بخير . قال : هذا هو الذي يهمني والحمد لله على سلامتكم . والآن أكتب تعميداً للجميح بإصلاح السيارة مهما كلفت على حسابي الخاص ولا تعلم الوزارة بشيء عما حدث . ولا تلقي لهذا الأمر بالاً وستسافر اليوم – إن شاء الله – وأنا أرسل من يستلم السيارة بعد إصلاحها . ثم سألني : هل أخذت تنازلا من زملائك أنهم بخير ؟ قلت : أي تنازل ؟ قال : أنصحك أن تعمل تنازلاً وتوقعه منهم جميعاً بأنهم بخير وليس بهم أي إصابات ولا يطالبونك بشيء، وتحتفظ به لديك ، فربما تظهر بالمستقبل آلام أو كسور باحدهم فيقيم عليك دعوى بأنك أنت السبب، وهذا التنازل سيكون وثيقة في يدك وذلك من باب الاحتياط. فقمت حالاً بما وجهني به وعرضته على معتوق فصادق عليه وقال : الآن أنت في أمان وتذهب لجدة اليوم – إن شاء الله – فقبلته وودعته وسافرت ومن ذلك التاريخ والمودة والاتصال والمحبة قائمة بيني وبينه الى حين وفاته يرحمه الله ولن انسى موقفه ما حييت.
الثقافة والاعلام
وعنه قال الكاتب المعروف عبد الله الحصين :كان أبو عبد العزيز يرحمه الله أحد الذين أسسوا البنية الإدارية في مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر وكان حفياً بالمؤسسة حريصاً على تطوير وتنمية مواردها كرجل اقتصادي صاحب ثقافة اقتصادية جيدة وحس ثقافي جيد أيضا كان – بالرغم من حرصه الدائم على تطوير المؤسسة وعلى تنمية مواردها – كان حفيا أيضا باعضاء مجلس الإدارة وبالمؤسسين جميعاً – رغم قلة عددهم – في ذلك الوقت وكان رقيقاً ومحباً للآخرين . هادئاً في حواره ومقنعا في الوقت نفسه . نذكره – يرحمه الله- وقد مضى إلى دار البقاء فلا ننسى جهده ومثابرته وحرصه .
اما الكاتب عبد الله عمر خياط فقال:كان معتوق حسنين من الرجال الذين يتصفون بالأخلاق النبيلة والقيم الجميلة والهدوء في الشخصية وعفة اللسان وكان مثقفاً وقارئاً متميزا إضافة إلى أدواره الاجتماعية التي تمثلت في أعمال البر والخير التي جعلت له حضورا متميزاً في الحياة العامة.
رمز النزاهة
وتحدث الأديب عبدالفتاح ابو مدين رئيس نادي جدة الأدبي السابق وقال: كان الراحل معتوق جم التواضع ، ورمز النزاهة مهذب النفس ، يحترم الناس وينزلهم منازلهم ، نادر الغضب ، لا تسمع منه ما يجرح ويسئ لأنه ذو خلق وأدب نفس ، وذلكم من مكارم الأخلاق.
لقد عرفت الفقيد العزيز عن بعد ، حين كان نائباً لمحافظ مؤسسة النقد في بلادنا ، وتلك المعرفة لا تؤهل صاحبها لحكم مجرد ، لأنها ناقصة غير أني حين انضممت إلى مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر.. في عام 1390هـ عرفت الرجل ، لأنه عضو في تلك المؤسسة ، وكان قبل ذلك مديرها العام .. عند بدء نشاطها .ورأيت رجلاً قليل الكلام بعيداً عن سبل الجدل . ولكنه يملك الحجة والدليل ، لأنه ذو عقل راجح ، وذو رأي والمتنبي يقول : ( الرأي قبل شجاعة الشجعان).
رأيت رجلاً مهذباً ، يزن كلامه قبل أن يلقي به ، ويدلل على رأيه بما يدعمه . وهو ليس من الطامعين والمتكالبين على المراكز والمناصب ، بدليل أنه لم يحرص على الاستمرار مديراً عاماً لتلك المؤسسة الصحفية.